المصاحف 9.مصاحف

  مصاحف روابط 9 مصاحف
// // //

الخميس، 16 أغسطس 2018

الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء

الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء
المقدمة ، ترجمة المصنف ، من مؤلفاته: ، الجزء الثاني ، عملنا في التحقيق ، الجزء الأول ، ذكر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، وكتابه إليهم يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام ، مقدمة المصنف ، ذكر كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى قيصر، وما كان من خبر دحية معه ،

ذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما وكيف طهره الله نفسا وخيما وشرفه حديثا وقديما وألقى إلى آبائه الأقدمين من الدلائل على اصطفائه إياه فى الآخرين وابتعاثه له رحمة للعالمين ما صيره لديهم قبل وجوده بطوائل السنين معلوما ، 3.
 
ذكر توجه عبد الله بن حذافة إلى كسرى بكتاب النبى صلى الله عليه وسلم وما كان من خبره معه ، ذكر إسلام النجاشى، وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه مع عمرو بن أمية الضمرى ، كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب الإسكندرية مع حاطب بن أبى بلتعة ، 
ذكر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى العبدى مع العلاء بن الحضرمى بعد انصرافه من الحديبية ، ذكر كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى جيفر وعبد ابنى الجلندى الأزديين، ملكى عمان، مع عمرو بن العاص ، 
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن على مع سليط بن عمرو العامرى، وما كان من خبره معه ، ذكر كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبى شمر الغسانى مع شجاع بن وهب ، 
ذكر كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى فروة بن عمرو الجذامى ثم النفاتى، وما كان من تبرعه بالإسلام هداية من الله عز وجل له ، ذكر حجة الوداع وتسمى أيضا حجة التمام، وحجة البلاغ ، ذكر أولية بيت الله المحرم وركنه المستلم ومن تولى بناءه من ملائكته وأنبيائه صلى الله على جميعهم وسلم ، 
ذكر مصيبة الأولين والآخرين من المسلمين بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين ، بيعة أبى بكر رضى الله عنه وما كان من تحيز الأنصار إلى سعد بن عبادة فى سقيفة بنى ساعدة، ومنتهى أمر المهاجرين معهم ، 
ذكر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه، وما يتصل بذلك من أمره صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته ، ذكر دخول الحبشة أرض اليمن واستيلائهم على ملكها وذكر السبب فى ذلك مع ما يتصل به من أمر الفيل ، 

ذكر خلافة أبى بكر الصديق رضى الله عنه وما حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيماء إليها والإشارات الدالة عليها مع ما كان من تقدمه صلى الله عليه وسلم إلى الإنذار بالفتن الكائنة بعده وما صدر عنه من الأقاويل المنذرة بالردة ، 
ذكر بدء الردة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان من تأييد الله لخليفة رسوله عليه السلام فيها ، وصية أبى بكر الصديق رضى الله عنه، خالد بن الوليد حين بعثه فى هذا الوجه ، ذكر حفر عبد المطلب زمزم وما يتصل بذلك من حديث مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، 

ذكر مسير خالد بن الوليد رضى الله عنه، إلى بزاخة وغيرها ، ذكر رجوع بنى عامر وغيرهم إلى الإسلام ، قصة مسيلمة الكذاب وردة أهل اليمامة ، ذكر تقديم خالد بن الوليد الطلائع أمامه من البطاح ، 
ذكر بدء الغزو إلى الشام وما وقع فى نفس أبى بكر الصديق رضى الله عنه، من ذلك وما قوى عزمه عليه ، ذكر إسلام حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه ، ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة ، وقعة أجنادين ، ذكر الحديث عن إسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وقعة مرج الصفر ، 
ذكر الخبر عن وفاة أبى بكر الصديق رضى الله عنه، وما كان من عهده إلى عمر بن الخطاب، جزاهما الله عن دينه الحق أفضل الجزاء ، استخلاف عمر بن الخطاب ، ذكر الخبر عما صار إليه أمر دمشق من الفتح والصلح بعد طول الحصار فى خلافة عمر بن الخطاب، على نحو ما ذكره من ذلك أصحاب فتوح الشام ، 

ذكر بيسان ، ذكر طبرية ، حديث مرج الروم من رواية سيف أيضا ، وقعة فحل حسبما فى كتب فتوح الشام ، قصة صلح إيلياء وقدوم عمر رضى الله عنه الشام ، ذكر ما وعدنا به قبل من سياقة فتح قيسارية حيث ذكرها أصحاب فتوح الشام ، ذكر فتح مصر ، غزوة بدر الكبرى ، ذكر فتح أنطابلس ، فتح أطرابلس ، 
ذكر انتقاض الإسكندرية فى خلافة عثمان رضى الله عنه ، ذكر غزو أفريقية وفتحها ، ذكر صلح النوبة ، ذكر البحر والغزو فيه ، غزو معاوية بن أبى سفيان قبرس ، أمر بنى قينقاع ، سرية زيد بن حارثة ، غزوة ذات الصوارى ، مقتل كعب بن الأشرف ، 

ذكر فتح العراق وما والاه على ما ذكره سيف بن عمر وأورده أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى عنه وعن غيره ، غزوة أحد ، أخبار الأيام فى زمان خالد بن الوليد رضى الله عنه ، حديث الثنى والمذار ، حديث الولجة وهى مما يلى كسكر من البر ، حديث أليس، وهى على صلب الفرات ، 

تأمير عمر، رضى الله عنه، سعد بن أبى وقاص على العراق وذكر الخبر عن حرب القادسية ، مقتل سلام بن أبى الحقيق ، ذكر إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد رضى الله عنهما ، غزوة بنى لحيان ، غارة عيينة بن حصن على سرح المدينة وخروج النبى صلى الله عليه وسلم فى أثره، وهى غزوة ذى قرد ، 

ذكر فتح المدائن وما نشأ بينه وبين القادسية من الأمور ، غزوة حنين ، حديث وقعة جلولاء ، غزوة الطائف ، حديث يوم تكريت ، ذكر يوم ماسبذان ويوم قرقيسيا ، ذكر الحديث عن تمصير الكوفة والبصرة وتحول سعد بن أبى وقاص عن المدائن إلى الكوفة وما يندرج مع ذكر البصرة من فتح الأبلة ، 

ذكر الجزيرة، وذكر السبب الذى دعا عمر إلى الأمر بقصدها ، ذكر فتح سوق الأهواز ومناذر ونهرتير ، حديث فتح الأهواز ومدينة سرق ، غزوة تبوك ، ذكر غزو المسلمين أرض فارس ، ذكر فتح رامهرمز والسوس وتستر وأسر الهرمزان ، ذكر فتح السوس ، فتح جندى سابور ، حديث وقعة نهاوند ، ذكر إسلام ثقيف ، 

ذكر الخبر عن أصبهان ، ذكر فتح همذان ثانية وقتال الديلم ، فتح الرى ، ذكر فتح قومس وجرجان ، ذكر فتح طبرستان ، فتح أذربيجان ، حديث فتح الباب ، ذكر مسير يزدجرد إلى خراسان ودخول الأحنف إليها غازيا ، ذكر الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم ملخصا من كتاب ابن إسحاق والواقدى وغيرهما ، 

فتح توج ، وفد بنى تميم ، حديث اصطخر ، حديث فسا ودارابجرد ، وفد بنى عامر ، حديث فتح كرمان ، وفد تجيب ، فتح سجستان ، فتح مكران ، فروة بن مسيك المرادى ، حديث بيروذ ، وفد زبيد عمرو بن معدى كرب ، غزوة سلمة بن قيس الأشجعى الأكراد ، وفد بنى ثعلبة ، وفد بنى سعد هذيم ، 

ذكر الخبر عن إحرام عمر بن الخطاب، رضى الله عنه إلى حين مقتله ، وفد بنى فزارة ، وفد بنى أسد ، وفد بهراء ، وفد بنى غدرة ، وفد بلى ، ضمام بن ثعلبة ، وفد عبد القيس ، ذكر خلافة ذى النورين أبى عمرو عثمان بن عفان أمير المؤمنين، رضى الله عنه ومبايعة أهل الشورى له بعد وفاة عمر، رضى الله عنه ، 

ذكر غزوة الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية لمنع أهلها ما صالحوا عليه أهل الإسلام أيام عمر بن الخطاب ، وفد محارب ، وفد طىء ، ذكر انتقاض فارس، ومسير عبد الله بن عامر إليها وفتحه إياها ، ذكر انتقاض خراسان، وخروج سعيد بن العاص وعبد الله بن عامر إليها وذكر طبرستان، 

ذكر مقتل يزدجرد ، وفد كندة ، وفد صداء ، ذكر فتح أبرشهر، وطوس، وبيورد، ونسا، وسرخس، وصلح مرو ، وفد غسان ، ذكر فتح مرو الروذ والطالقان والفارياب والجوزجان وطخارستان ، وفد سلامان ، وفد بنى عبس ، وفد الأزد ووفد جرش ، وفد غامد ، 

ذكر جرى الصلح بين الأحنف وبين أهل بلخ ، وفد بنى الحارث بن كعب ، فتح عمورية وانتقاضها ، مقتل عثمان رضى الله عنه ، وفد بنى حنيفة ، وفد همدان ، الخاتمة ، وفد النخع ، فهرس محتويات الجزء الأول ، فهرس محتويات الجزء الثانى



__________________


كتيب أصح البشائر في مبعث سيد الأوائل والأواخر

أصح البشائر في مبعث سيد الأوائل والأواخر/للشيخ محمد المجذوب كلية الدعوة وأصول الدين
لا حاجة إلى القول بأني أحد المستمعين بأحاديث الأخ الشيخ علي الطنطاوي، التي يرسلها عن طريق المذياع قبيل صلاة العصر من كل يوم، حتى لا يكاد يفوتني أحدها إلا تحت الضرورة، فالشيخ، حفظه الله وبارك في حياته، قد أصبح منذ بدأ هذه الأحاديث أنيس الجماهير، إذ اقتحم على الناس مساكنهم ومشاغلهم، واجتذب اهتمامهم فألفوا صوته، واستعذبوا أسلوبه، الذي يمزج الجد باللعب، والعلم بالأدب، ويخالط مشاعرهم بما يتناول من مسائلهم ومشكلاتهم وتطلعاتهم.. بتلك اللهجة المحببة التي يطلقها على فطرتها، فتحمل المستمع – والرائي- نفحات الغوطة ومشاهد قاسيون، وذكريات دمر وبردي من دنيا الشام، دنيا الصبا والشباب والأحلام.
والله تبارك اسمه، الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، هو الذي قدر التلاقي والاقتراب في نطاق الأفكار، فقد تتقارب حتى لتجمعها الوحدة، وتتباين حتى لا يتصور بينها لقاء. وطبيعي أن يرتفع منسوب هذا وذاك بالنسبة إلى أحاديث تكاد تؤلف موسوعة يتعذر تحديدها من المعلومات والمفهومات والتقريرات والفكاهات.. وعلى الرغم من كثرة نقاط التلاقي بين أفكار الأخ الطنطاوي وأفكاري، فهناك مواقف نختلف عليها وقد يبلغ بعضها حدا يقتضي الحوار، فأكتب به إليه أو يعقب في أحاديثه عليه.. وعلى هذا السنن أراني اليوم مدفوعا لمناقشة واحدة من نقاط الاختلاف التي عرض لها في بعض أحاديثه أكثر من مرة. وقد كان علي أن أثير هذه المناقشة معه من زمان، بيد أن ظروف العمل التي تستحوذ على /(1/273)
معظم وقتي حالت دون ذلك من قبل، وإنما حفزني إليها اليوم خبر أورده ابن إسحاق في تضاعيف السيرة ومر به ابن هشام ثم العاملون في خدمتها من المحققين والناشرين دون أن يلقوا إليه بالا فيما أعلم..
وبازاء هذا الخبر وقفت أتأمل وأفكر وأقارن، حتى انتهيت إلى القناعة بأن من الخير كتابة هذا البحث لا في شأنه وحده، بل في أهم جوانب الموضوع المتصل به، مما سبق أن أثاره في صدري حديث الأستاذ المكرر..
* أما الموضوع ففي نطاق البشائر التي تقدمت مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مقدمه ومبعثه والرسالة العظمى التي يحملها إلى الثقلين جميعا، فيجمع بها شمل الإنسانية التي فرقتها العصبيات، وينشر لأول مرة في تاريخ الدنيا إعلانه العالمي عن حقوق الإنسان في الحياة والكرامة والحرية.
ومهما تكن المناسبة التي دعت الأستاذ الطنطاوي إلى التعرض لهذا الموضوع، فهي لا تعدو سؤالا أورده أحد مستمعيه بغية الوقوف على جوابه بشأن ما ذكره كتاب السيرة النبوية عن المبشرات بظهور رسول الله في مختلف الروايات التاريخية. وقد رأيت الأستاذ أجزل الله مثوبته يميل صراحة إلى إنكار هذه الأخبار، ليؤكد خلو ذهن المصطفى صلى الله عليه وسلم من أي علم سابق عن ترشيحه لذلك المنصب الأعلى.. وما أدري أجاء تكراره لهذه الأفكار من قبل الإذاعة التي من عادتها إعادة بعض الحلقات في مناسبات مختلفة، أم كان جوابا آخر مؤكدا على سؤال جديد في الموضوع نفسه!. وعلى أي حال فقد كان لموقفه هذا أثره في صدري كما أسلفت، لاعتقادي أنه ينطوي على إطلاق لابد من تقييده، حفاظا على الحقيقة التي نحبها جميعا، ذلك لأن قبول كل ما ورد في السيرة من هذه البشائر ضرب من الاستسلام الضرير، الذي لا تقره الرؤية الإسلامية، كما أن رفض كل ما يتعلق بهذا الجانب تحكم لا مسوغ له في منطق العلم والعقل.
وإذن ففي جوابَيْ الأستاذ حول هذه البشائر صواب لا مندوحة عن إقراره، وفيهما خطأ لا يرضى هو بالسكوت عنه، ولا يتفق مع منهجه العلمي.. ولننظر الآن في كل من الجانبين على حدة
* إن المتتبع في وعي لروايات السيرة حول نشأة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه يجد نفسه بازاء أخبار من حقها –لو صحت- أن تهيء ذهنه صلى الله عليه وسلم لاستقبال النبأ العظيم.. وفي مقدمة هذه الروايات خبر بحيرا، الذي تقدمه الرواية على أنه راهب عربي، اتخذ طريق القوافل على حدود الشام صومعة يعبد بها ربه، حتى إذا مرّ به
(1/274) ركب قريش، وفيه أبو طالب وابن أخيه – الذي لم يتجاوز الثانية عشرة بعد - شدّت انتباهه ظاهرة غير مألوفة ما لبث أن تحرك لاستكشافها، فدعا القوم لطعامه، وأكد عليهم أن لا يتخلف عنه أحد منهم ومن ثم شرع في تحريه، استقراء عن طريق العلامات المميزة، واستنطاقا بالأسئلة التي طرحها على الغلام المنشود، حتى استيقن الحقيقة التي يتطلع إليها أولو العلم من أحبار يهود ورهبان النصارى.. وهنا تنتهي قصة بحيرا لدى ابن هشام وابن كثير1 ثم يواصل الثاني حديثه عن بحيرى برواية ٌراد أبي نوح، التي تقول إن بحيرا قد أعلن قناعته بكون هذا اليتيم هو المبعوث المنتظر2.

ثم تأتي الرواية الأخرى عن رحلته صلى الله عليه وسلم بتجارة الطاهرة – خديجة - إلى الشام، حيث أتيح لفتاها ميسرة أن يرى ويسمع من خلال محمد صلى الله عليه وسلم ما ملأ قلبه إعجابا وتقديرا.
ولا تقف الرواية عند هذا الحد، بل تضم إليه أيضا بعض المشاهد الخارقة التي أحاطت بالرفيق الكريم أثناء الرحلة، من تظليل الغمامة ورعاية الملكي له.. وإخبار راهب نصراني لمسيرة بما يفيد أن رفيقه مرشح لمقام النبوة3.. حتى إذا وصل ركبهما مكة ذهب مسيرة يحدث مولاته خديجة بمرتئياته ومسموعا ته، وبخاصة كلمة الراهب، فلم تتمالك أن مضت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل تذكر له حديث ميسرة، فما كان من هذا إلا أن أكد لها توقعات الراهب قائلا: "لئن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة4.
وتمضي الرواية فتعرض لنا اهتمام ورقة عقيب ذلك بخبر محمد صلى الله عليه وسلم حتى ليترجم أشواقه إلى يوم إعلانه دعوته بأبيات نثبت فيما يلي بعضها:
لججت، وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا
بما خبرتنا من قول قس ... من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمدا سيسود فينا ... ويخصم من يكون له حجيج
ويظهر في البلاد ضياء نور ... يقيم به البرية أن تموجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم ... شهدت وكنت أكثركم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا
__________
1 انظر سيرة ابن هشام ص 183 ج 1 ط الحلبي و (والبداية والنهاية) ص 283 -284 ج 2 ط المعارف بيروت 1977.
2 ابن كثير ج 2 ص 284 –285.
3 ابن كثير ج 2 ص 284 –285.
4 ابن هشام ج 1 ط الحلبي ص 177 -191 وابن كثير ج 2 ص 293-296. (1/275) 

ويتبع هذه الرواية أخبار أخرى عن كهنة العرب، وتشير إلى مبعث النبي الموعود، مرة بالرمز إليه، وأخرى بالتصريح عن اسمه.. وحسبنا منها جميعا معالجة الخبرين الأولين بالممكن من التدقيق في قيمتهما العلمية ومدى صلتهما بالواقع.

* ونبدأ بخبر بحيرا. فمع اختلاف مؤرخي السيرة في شخصيته ونسبته وملته يكادون يتفقون على كونه من أحبار أهل الكتاب، قد أقام في صومعته تلك يعبد الله في معزل عن مفاسد عصره. وحين يعرضون ليوم لقائه محمدا صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب يكادون يتفقون كذلك علة تنويهه بشأنه، بعد تحققه من صفاته التي يجدها في بعض آثار الأنبياء السابقين.. ويزيد بعضهم أنه على مرأى ومسمع من أشياخ الركب (أخذ بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا سيد العالمين" وفي رواية الترمذي والبيهقي قال: "هذا رسول رب العالمين بعثه الله رحمة للعالمين.." ولما سأله هؤلاء عن مستند علمه عنه أجاب: "إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي.. وإني أعرفه بخاتم النبوة بأسفل من غضروف في كتفه.." ولم يكتف بالخبر فأراهم الشجرة وهي تفيء بظلها عليه.. ثم مازال بعمه حتى رده إلى مكة حماية له من الروم –وفي رواية من يهود- وتختم هذه الرواية بأن أبا بكر بعث معه بلالا وزوده الراهب بالكعك والزيت1.
والذي يهمنا من حديث بحيرا هو إخباره بمستقبل محمد صلى الله عليه وسلم من حيث اصطفاء الله إياه لرسالته الخاتمة، وتوكيده ذلك بسجود الشجر والحجر له.. فهاهنا يتوقف القارئ المفكر ليتساءل عن نصيب القصة من الواقع، وبخاصة أن بحيرا لم يلق بالخبر همسا في مسمع واحد بعينعه بل أعلنه صراحة على ملأ من أفراد الركب، الذين طالبه أشياخهم بالبرهان على مدّعاه..
وأنت حين تواجه هذا الخبر لابد لك من التساؤل ((كيف ينسى محمد صلى الله عليه وسلم ذلك النبأ فيما بعد، وما بال أشياخ قريش ينسونه أيضا، فلا يتذكرونه يوم يطله عليهم بدعوة ربه؟. بل يقابلونها بالجحود والعناد، الذي يقطع بأن المعارضين قد فوجئوا
__________
1 انظر البداية والنهاية: 284 و 285 ج 5. وسنن الترمذي ج 5 250 -251 ط السلفي والدلائل للبيهقي ج 1 307.
(1/276)
بها، كما فوجئ بها محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، الذي ناء تحت ثقله أول الأمر، ثم لم يطمئن قلبه إليها إلا بعد أن ثبته الله بلطفه، وبما يسر له من عون الزوج العظيمة خديجة.
ونظرة أخيرة إلى خاتمة القصة تكشف لك واحدة أخرى من المشكلات التي لا تجد لها حلا. إذ المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في الثانية عشرة، يكبر صديقه أبا بكر بما يقارب الثلاث من السنوات، إذ كان ما بين التاسعة والعاشرة، ولم تذكر له السيرة أي صلة ببلال، الذي كان في رق أمية بن خلف حتى يوم انتقاله إلى الملك الصديق في أوائل سني البعثة.. فكيف كبر الصديق حتى قام بمسئولية الحماية لمحمد؟.. وكيف أفلت بلال من رق أمية ودخل سلطان الصديق؟.. وكيف ارتفعت سنه بغتة صار قادرا على القيام بهذه المهمة؟.. ومن أين جاء اسم الكعك إلى القصة وهو لفظ لعله لم يتطرق إلى العربية إلا بعد الفتح الإسلامي؟.
وهذه الحيرة التي تراودك بازاء القصة قد سبقنا إليها عدد من رجال الحديث الذين لم يستطيعون ردها تهيبا لسنده، ولكنهم لم يكتموا رأيهم بأن من حملها إنما حملها لغرابتها مع التوكيد على انفراد راويها الأخير بها، حتى أن ابن إسحاق نفسه لم يستطع عرضها إلا في صيغة ((الزعم التي تنم عن منتهى الشك)) 1 وكذلك فعل ابن كثير حين وجه إليها نقدا يوشك أن يكون ردا للرواية بأسرها، ومثله صنع الزرقاني في شرحه على المواهب إذ نقل تضعيف الذهبي للخبر2 كما فعل البيهقي بقوله نقلا عن أحدهم: "ليس في الدنيا مخلوق يحدث به غير قراد"3.
وننتقل الآن إلى القسم الثاني:
لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجارة خديجة وهو في الخامسة والعشرين من سنيه، وكان رفيقه في هذه الرحلة ميسرة غلامها، ولابد أنها استغرقت طويلا من الزمن، وبذلك أتيح لمسيرة وهو العاقل الفهم –كما يلوح من خلال الرواية- أن يشهد من خلائق محمد وسمو تصرفاته أثنائذ ما يدفعه إلى الحديث عنهما لكل من يتصل به وبخاصة مولاته خديجة، التي لابد أنها أصغت إلى روايته تلك بإعجاب الكريم الفاضل يسمع أنباء إنسان
__________
1 ابن كثير ج 2 285. وابن هشام ج 1 180 -183 ط الحلبي.
2 ابن كثير ج 2 285، وابن هشام ج 1 180 -183 ط الحلبي.
3 انظر هامش ص 82 من كتاب (الفصول في اختصار سيرة الرسول) ط دار القلم بيروت.
(1/277)
بلغ القمة في عالم الفضائل، حتى ليدفعها ذلك الإعجاب إلى التفكير في الاقتران به. وسواء توسلت إلى هذه الأمنية الغالية بعرض أمرها عليه مباشرة –كرواية ابن إسحاق1- أو بوساطة المرأة الحكيمة نفيسة بنت علية2 أو عن طريق أخت لخديجة في إحدى الروايات، فقد أتم الله ذلك القران السعيد الذي عم ببركته لا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب بل العالم الإسلامي بأجمعه حتى تقوم الساعة.
وإلى هنا والخبر طبيعي ومعقول، ولكن التوقف إنما يتأتى عند بقيته، حيث نرى خديجة رضي الله عنها مشغولة الذهن بموضوع الغمامة والملائكة وخبر النبوة، حتى لا تتمالك أن تقصد إلى ذلك الرجل الحكيم العليم ورقة بن نوفل لتتعرف تأويل تلك الظواهر، فتسمع منه البشرى بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك باعثها الفعال على طلب الزواج منه.
وبقليل من التأمل في مسيرة هذا الجزء من الرواية يتضح لك اضطرابه هو الآخر ذلك أن خبرا كهذه تسمعه خديجة من ميسرة ثم من ورقة من حقه أن يصل إلى محمد صلى الله عليه وسلم عقب زواجه أو خلال الخمس عشرة سنة التي سبقت الوحي، وهذا ما ترفضه الوقائع، التي تؤكد أن محمدا وخديجة كليهما كانا سواء في خلو ذهنيهما من أمر الوحي، إذ فاجأة على غير انتظار، وفاجأها به في جو من الورع المهيب، فلم تجد ما تقوله له سوى التذكير بفضائله التي لا يقاربها الشيطان.. وحسبنا دليلا حاسما على خلو ذهنه صلى الله عليه وسلم من موضوع النبوة كليا قول ربه له تبارك اسمه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ ... } (الشورى آية 52) وهو توكيد حازم لما سبق من قوله الآخر سبحانه في سورة الضحى {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} ففي كلتا الآيتين تصوير عميق الدلالة على الوضع النفسي الذي كان يلابس محمدا صلى الله عليه وسلم قبل الوحي، فهو في حيرة لا يعرف السبيل إلى جلائها، فلا فكرة لديه عن رسالات الله، ولا يعرف من الإيمان سوى التوحيد الفطري الذي ينطق به كل شيء في هذا الكون، إلى أن فاجأه الزائر العظيم في أحضان حراء..
ومن هذا كله نجد أنفسنا تلقاء أمرين: أحدهما الشك في خبر الراهب النصراني عن الغمام والملائكة والشجرة التي ما نزل تحتها قط إلا نبي3 والثاني أن يكون اتصال
__________
1 راجع الدلائل ص 309 السلفية.
2 ابن هشام ط الحلبي ص 189 ج.1.
3 ابن هشام ط دار الفكر ج1 205 -في الهامش- وفي (المنتخب من السنة) تذكر باسم نفسية.
(1/278)
خديجة بورقة لاستطلاع رأيه لم يأت عقيب عودته صلى الله عليه وسلم ومسيرة من الشام، بل الأحرى أن يكون حصوله على إثر نزول الوحي مباشرة، يوم عاد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف من الرعب، فذهبت به إلى ابن عمها الذي اطمأن وبشره بالنبوة1.
وعلى هذا التقدير يكون ثم تقديم وتأخير في أجزاء الحادث المتصل ببشرى ورقة.. ولعلنا لو لأعدنا ترتيب هذه الأجزاء وفق منطق الحوادث لوجدنا أنفسنا تلقاء الصورة التالية أو قريبا منها:
يعود رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إثر اللحظة الهائلة التي قدر فيها لقاء جبريل (عليه السلام) إلى خديجة يرتجف من الروع، فتتلقاه بأحسن ما تملك من كريم الرعاية وجميل البيان، حتى إذا اطمأن إلى هدوئه، أخذت سبيلها في زورة عجلي إلى ابن عمها ورقة، أعلم أهل مكة بأمر الدين، فما إن يسمع حديثها عن تلك المفاجأة حتى يهزه الوجد، ويأخذ في التسبيح: قدوس قدوس.. ثم يصرح بالبشرى: "والذي نفسي بيده لئن كنت صدقتني يا جديجة لقد جاءه الناموس الأكبر –جبريل- وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت2".
وهكذا تعود خديجة (رضي الله عنها) إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) بكلمة ورقة تشد بها عزيمته، ولتقول له في ثقة عالية وبألفاظ ورقة نفسها: "والذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة3". وطلبا للمزيد من التثبيت ترى أن يسمع محمد تلك البشرى الشافية من فم صاحبها مباشرة، ولذلك (انطلقت بمحمد حتى أتت ورقة فقالت له: "يا ابن عم اسمع من ابن أخيك".. فأخبره (صلى الله عليه وسلم) خبر ما رأى فقال له ورقة: "هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى4". ومن هنا جعلت الأشواق تتفاعل في صدر ورقة إلى اليوم الذي يؤمر فيه النبي الخاتم بتبليغ رسالة ربه، فلا يتمالك أن يترجمها بتلك الأبيات التي أثبتناها في ما تقدم. ثم يلقي محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو يطوف بالبيت فيستعيد خبره، ولعله يستوضحه عما جدّ له، فيقص عليه ما رأى وما سمع، فيكرر ورقة ما قاله من قبل مؤكدا بشراه بالقسم: "والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة"5.
__________
1 ابن هشام ط الحلبي ج 1 ص 188، وعبارة ابن كثير خالية من الظرف ((قط)) ج 2 ص 294، ويفسر السهيلي عبارة الراهب بقصده إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) وحده وهو بعيد، وذكر الظرف المستغرق للماضي عند ابن هشام يفيد القطع بأنه لم يجلس تحت هذه الشجرة قبل محمد (صلى الله عليه وسلم) إلا النبيون.
2 ابن هشام ط الحلبي ص 238 ج 1، وانظر ابن كثير ج 3 ص 3. والمنتخب من السنة ج 1 /73 /74.
3 ابن هشام ط الحلبي ص 238 ج 1 وانظر ابن كثير ج 3 ص 3 والمنتخب من السنة ج1 /73 /74.
4 ابن هشام ط الحلبي ص 238 ج 1 وانظر بن كثير ج 3 ص 3 والمنتخب من السنة ج 1 /73 /74.
5 ابن هشام ط الحلبي ص 238 ج 1 وانظر بن كثير ج 3 ص 3 والمنتخب من السنة ج 1 /73 /74.
(1/279)
ومما يؤيد هذا الاتجاه في ترتيب أجزاء الخبر رواية ابن كثير له حيث يعرض نبأ عودته (صلى الله عليه وسلم) إلى خديجة وهو يقول: "زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الورع، فأخبر خديجة بأمره، وقال: "لقد خشيت على نفسي".. فجعلت خديجة تسري عنه بقولها: "كلا.. والله لا يخزيك الله أبدا. إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق.." ويعقب ابن كثير ذلك بقوله: "فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة.." إلى نهاية الخبر.
فأنت ترى خلو رواية ابن كثير من هذا القول المنسوب في السيرة إلى خديجة "إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة" وتؤكد رواية البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي.
ورب متسائل يقول: ومن أين جاء خبر تظليل الملائكة والغمام وسجود الحجر والشجر لمحمد وانصهارها عليه؟!.. فأقرب جواب على ذلك أن يكون بعض نساخ السيرة، وربما كان من مسلمة أهل الكتاب، قد آسفه أن يقرأ في أسفارهم مثل تلك العجائب تواكب بعثة بعض الأنبياء، ولا يرى مثل ذلك في سيرة محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو الذي أكرمه الله بإمامتهم جميعا، فلم ير بأسا في إضافة مثلها إلى بعض أخباره.. بل لا أستغرب أن يكون من هذه الإضافات ذلك الخبر القائل إن يهوديا أطل من أطمه في يثرب ليصرخ في قومه: "يا معشر يهود.. طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به1 وذلك مضاهات لما تقوله بعض مكتوبات النصارى من أن رجلا من فارس قد عرفوا بميلاد المسيح (عليه السلام) من نجم معين فجعلوا يتتبعونه حتى انتهوا إلى مقره في بيت لحم2.
وأنا إذ أعرض هذه التصورات لا أنسى أن بعض هذه الأخبار مكتوب في بعض المؤلفات المقدرة عند جمهور المسلمين، ولكن علينا أن نتذكر كذلك أن لمؤلفيها رأيا معلوما في التفريق بين التاريخ والشريعة، فهم إذا رووا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تشددوا في التحقيق، وإذا عرضوا للأخبار التاريخية مالوا إلى التساهل. وليتهم لم يفعلوا ذلك لأن التاريخ في ضوء الإسلام معرض العبر التي يجب على المسلم تطبيقها في حياته، وإنما يصلح التطبيق إذا صحت الوقائع، وكل تحريف في عرضها إنما هو مضيعة أو مفسدة للعبرة نفسها..
__________
1 ابن هشام ج 1 /159 ط الحلبي، وقريب من ذلك رواية الحاكم في المستدرك عن يهودي فعل هذا بعض هذا في مكة أيضا ج 2 /601 –602.
2 راجع الفصل الثاني من إنجيل متى.
(1/280)
* ونعود الآن إلى قصيدة ورقة ذات الصلة الوثيقة بهذا الموضوع، فهي من الناحية الفنية أشبه صياغة بأساليب الشعر المكي أثناء البعثة، الذي قلما يتوافر له الألق الجذاب، الذي نعرفه في أساليب الفحول من نجد ويثرب.. إنه أقرب ما يكون إلى نظم العلماء منه إلى غناء الشعراء ... ولذلك لا يستبعد أن تكون نسبتها إلى ورقة الحبر العالم صحيحة لما تحمله من التركيز على الجانب الفكري، الذي يصور تطلعه إلى موعد الجهر بدعوة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ليقف بجانبه يشاطره ما سيتحمله من العناء والبلاء في سبيل الله.. ولا نرى حاجة إلى استعادتها مرة ثانية هنا، ولكن ثمة بعض المؤشرات التي لا مندوحة من التوقف عندها قليلا:
يقول ورقة (رحمه الله) :
لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا
فهو في هذه المقدمة يعبر عن تشوقه لأخبار محمد (صلى الله عليه وسلم) التي حركت سواكن الأشجان في صدره من أوضاع الناس الغارقين حوله في حلكات الظلام.. فهو يتطلع بلهفة إلى الموعد المنتظر.. وهي مقدمة واضحة الدلالة، على الرغم مما فيها من جفاف العبارة وتكلف الشاعرية.. ولكن هذا الانسجام لا يلبث أن يتقلقل عندما نقرأ البيت الرائع:
بما خبرتنا من قول قس ... من الرهبان أكره أن يعوجا
والمراد بالقس هو ذلك الراهب الذي سبقت إشارته إلى نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) لمجرد جلوسه تحت الشجرة ... وهو بيت غريب عن السياق غرابة خبر الراهب هذا، ويكاد ينطق بأنه مدسوس على القصيدة دسا، سواء من حيث صياغته أو مضمونه أو بعض مفرداته، ففي (يعوجا) محاولة لقصر اللفظ على أن يكون قافية في منظومة لا قرابة بينه وبينها البتة، فضلا عن ضياع موضع الربط بين (بما) ومتعلقها أهو (الهم) أم (النشيج) أم (الانتظار) أم (الخروج) ! ولكي تتضح لك غربة هذا البيت أكثر فما عليك إلا أن تحذفه من خيالك ثم تقرأ بدله البيت الخامس مباشرة:
بأن محمدا سيسود فينا ... ويخصم من يكون له حجيجا
(1/281)
فأحق مكان بتعليق المصدر المجرور أول هذا البيت (بأن ... ) هو (وصف) في صدر البيت الثاني، وهكذا تستكمل الدارة الفكرية تلاقيها، فينسجم مضمون الأبيات في مجرى واحد لا عوج فيه ولا أمت ... فنشعر أن الباعث النفسي لصياغة القصيدة هو ما قصته خديجة على ورقة من أمر الوحي، وما سمعه عقيب ذلك من الرسول نفسه عن ملابساته، وكل ما قيل عن علاقتها بغير هذه المناسبة فهو ادعاء ينقصه الدليل المعقول.
ولقد آن لنا بعد هذه الرحلة الطويلة أن نعود إلى منطلق البحث، وهو موقف الأخ الكريم الأستاذ على الطنطاوي وآخرين مثله من موضوع البشائر عن مبعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) السابقة لظهوره.
فأما جانب الصواب في إنكار هؤلاء الفضائل فقد أوضحناه مؤيدا بكل ما نملك من الحجج والبيانات، وقد بقى أن نقف بعض الكلام على الجانب الآخر، جانب المبشرات الثابتة بأقوى ما يهتدي إليه العقل والقلب من وسائل الإثبات.
وقبل التعرض لهذه الوسائل يحسن بنا أن نذكر القارئ بما لا يحسن أن يغفله من المعلومات الأولية، وهي أن بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) كانت ولا تزال أعظم أحداث التاريخ البشري قاطبة، لأن الإنسانية بها انتقلت من صحراء الضياع الذي يصوره قول الله تبارك اسمه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ... } (الروم الآية 41) . ثم قول رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) في وصف الوضع البشري أثناء بعثته: " ... إن الله اطلع إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب"1. إلى ساحت النور فاتضحت معالم الطريق، وتحددت المسئوليات، وانكشف للأبصار ما طمسته الجاهلية من حقيقة الإنسان وتبعاته، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة..
وحدث له مثل هذا الثقل في موازين الوجود لا يعقل أن يفاجئ الله به الجنس البشري دون أن يمهد له بما يهيئ لاستقبله الأذهان.. ولذلك لم يبعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد بالإبلاغ عن هذا المبعوث الذي يدخره سبحانه لإنقاذ سفينة الحياة من زوابع الضلال..
يقول جل شأنه في سورة آل عمران: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} .
__________
1 من حديث طويل أخرجه مسلم.
(1/282)
وفي تفسير هذا الميثاق ينقل ابن كثير عن علي وابن عباس أن الله لم يبعث نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأن يأخذ الميثاق على أمته لئن بُعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه.
ويقول سبحانه في التعقيب على استغفار نبيه موسى (عليه السلام) : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف 156 و157) .
وفي هاتين الآيتين يقول ابن كثير أيضا: "وهذه صفة محمد (صلى الله عليه وسلم) في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثته وأمروهم بمتابعته ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم".
ولقد والله رأينا صفاته هذه في التوراة لا تزال قائمة على الرغم من كل التحريفات التي لحقت بها، ورأيناها في إنجيل يوحنا منقولة عن لسان عيسى (عليه السلام) يبشر فيها بمبعث محمد (صلى الله عليه وسلم) ويحدد صفته بالاسم، على الرغم من تلاعبهم بتغييره في الترجمة العربية، إذ جعلوه (المعزّي) بدل (أحمد) ويأبى الله إلا يفضح المزورون فيكشف الحقيقة بلسان المستشرق الإيطالي الدكتور ((نلينو)) الذي صرح للشيخ عبد الوهاب النجار بأن اسم المبشر به باليونانية وهو (الفارقليطس) يعني بالعربية الكثير الحمد.. بل لقد كشفوا هم أنفسهم عن تزويرهم هذا بما كتبوه في ذيل الصحف التي حملت البشارة من إنجيل يوحنا المطبوع بالعربية، حيث يقولون بالحرف الواحد تعقيبا على كلمة المعزي (إن لفظ المعزي ليس له في المتن الأصلي شيء من معنى الحمد. ومن فسره بالمعزي فإنما تحرف عليه المعزي الذي في الترجمات العربية..) ومجرد ذكرهم هنا لفظ الحمد دليل قاطع على اختلافهم حول ترجمة اللفظ اليوناني الأصلي، وعلى أن بينهم من ذهب إلى ربطه بمعنى (الحمد) الذي يراد استبعاده بهذه الحاشية، فكان ذلك شهادة منهم على أنفسهم بالتزوير والتحريف.. وملاحظة أخرى وهي أن في الفقرة الأخيرة إشارة صريحة إلى وجود ترجمات سابقة بالعربية أثبت فيها اللفظ المشتق من الحمد بدل (المعزي) 1.. ولو هم انصفوا عقولهم وآثروا الحق لتركوا لبشارة المسيح أن تصل إلى آذان الناس وقلوبهم، لأنها إذ ذاك لن تكون إلا
__________
1 انظر الفصل 16 من إنجيل يوحنا وحاشيته في الطبعة اليسوعية. ويلاحظ في الفقرة الأخيرة من الحاشية أن ثمة زلقة قلم وضعت كلمة (المعزي) مكان (الحمد) بقول المحشي (ومن فسره بالمعزي) يريد (ومن فسره بالحمد) حسب مفهوم السياق.
(1/283)
إعلانا للحقيقة التي بلغها المسيح (عليه السلام) من قبل في قوله لبني إسرائيل: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصف 6)
ولقد بلغت تلك البشريات في التوراة والإنجيل بمبعث خاتم الرسل (صلى الله عليه وسلم) حدا لم يبق معه مجال للتجاهل، حتى أصبح أولو العلم من أهل الكتاب {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة 146) . ولم يقف أمر هذه البشائر على ذوي العلم من خاصة أهل الكتاب وحدهم، بل لقد انتشرت أنباؤها في سوادهم، حتى لقد كان يهود يثرب يوعدون وثنييها من العرب بأن نبيا أطل زمانه سيتبعونه ويقاتلونهم معه فيقتلونهم قتل عاد وارم {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة 89) .
وحسبنا بهذه الشهادات الدامغة أدلة مقنعة بما أسلفناه من أن ذكر محمد (صلى الله عليه وسلم) كان محفوظا في الكتب المقدسة، وعلى ألسنة أهل العلم، الذين كانوا لا يبرحون يتوارثونه جيلا بعد جيل منذ بعث الله أول نبي وحتى تقوم الساعة.
وليست قصة سلمان (رضي الله عنه) وضربه في الأرض بحثا عن الحق وتلقيه خبر محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلاماته من أسقف عمورية، إلا واحدا من نقول الثقات بعضهم عن بعض لهذه المبشرات..
وحتى موروثات الهنود والفرس القديمة من علوم أسلافهم لم تخل من هذه المبشرات، وقد عني بالحديث عنها كثيرون من مؤرخي المسلمين كابن حزم والشهرستاني وابن تيمية ورحمة الله الدهلوي، وفي كتاب (مطالع الأنوار) لعباس محمود العقاد نماذج وفيرة لمن شاء المزيد من أخبارها. ويقول الأخ الدكتور ضياء الرحمن الأعظمي – الهندي - إنه معني بتأليف كتاب يحمل الكثير من بشائر الكتب الهندوسية بمحمد (صلى الله عليه وسلم) 1.
وسأختم هذا العرض بواحدة من هذه البشائر التي لا مجال للمراء في مدلولها، وقد اخترتها من الكتاب المنسوب إلى أشعياء في مجموعة العهد القديم.
في الإصحاح: 35/ من رؤى أشعياء يعرض هذا النبي صورة رائعة الوضوح والجلال للحدث العظيم الذي أطل على الدنيا ببعث محمد (صلى الله عليه وسلم) فيرينا معالم الخير الذي غمر الجزيرة العربية، والحضارة المثلى التي نشرها الإسلام، لا في الإنسان وده بل في كل شيء.
__________
1 الدكتور ضياء الرحمن من خريجي الجامعة الإسلامية وهو من مدرسيها، وقد كان هندوسيا فهداه الله إلى الإسلام.
(1/284)
فلنستمع إليه يفصل مرئياته من وراء أكثر من ألف سنة قبل بعثة ذلك المنقذ العالمي الذي اصطفاه الله رحمة للعالمين:
يقول أشعياء: "تفرح البرية والأرض اليابسة، ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس، يزهر إزهارا ويبتهج ابتهاجا ويرنمّ.
يدفع إليه مجد لبنان بهاء كرمل وشارون، هو يرون مجد الرب بهاء إلهنا.
شدّدوا الأيادي المسترخية والركب المرتعشة ثبوتها. قولوا لخائفي القلوب تشددوا لا تخافوا هو ذا إلهكم. الانتقام يأتي جزاء الله هو يأتي ويخلصكم.
حينئذ تتفتح عيون العمي، وآذان الصم تتفتح، حينئذ يقفز الأعرج كالأيل، ويترنم لسان الأخرس، لأنه قد انفجرت في البرية مياه وأنهار في القفر ويصير السراب أجما، والمعطشة ينابيع ماء.
في مسكن الذئاب، في مربضها دار للقصب والبَرْدِيّ.
وتكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريق المقدسة، لا يعبر فيها نجس، بل هي لهم.
من سلك في الطريق حتى الجهال لا يضل.
لا يكون هناك أسد، وحش مفترس لا يصعد إليها، بل يسلك المفديّون فيها، ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بترنم وفرح، فرح أبديّ على رؤسهم.. ابتهاج وفرح يدر كانهم، ويهرب الحزن والتنهد1".
إن أشعياء يصوغ مرئياته السعيدة هذه في أسلوب شعري يترقرق بالفرح والبهجة، فلا يتمالك أن يسكب من مشاعره على الأرض اليابسة فإذا هي تموج بمثل فرحه وبهجته.. حتى ليرى كل شيء فيها يضحك ويزهر ويغني ...
ولم كل ذلك؟ ...
لأن انقلاب خارقا قد غيّر مسيرة الحياة فاستبدلت بكآبة الشقاء والضياع هداية السماء التي ملأت الأرض بنور الله.
ولذلك يهيب بالمظلومين: أن افتحوا قلوبكم فقد جاءكم الخلاص على قدر، فلا عدوان بعد اليوم ولا بغي ولا طغيان..
__________
1 انظر أشعياء صح 35.
(1/285)
إنه انقلاب شامل يطلق المواهب كلها في جزيرة العرب، فتنشط العقول، وتتفجر منابع الحكمة على كل لسان.. وتستحيل الأرض، التي كانت حتى الأمس مرتعا للموت، جنات ترف بالأمن الذي ينعم به كل شيء من إنسان وحيوان.
يالها معجزةً أحالت مرابض الذئاب دورا للعلم فلا يكاد يرى فيها إلا القارئون والكاتبون والمعلمون!
ثم ماذا؟
ثم الحرم المقدس الذي طهره الله من كل نجس الكفر، فلا يرتاده إلا القائمون والعاكفون والركع السجود..
إليه يزحف الملبون لنداء السماء من كل حدب وصوب، ومن جوار المسجد الأقصى يفدون لتمجيد الله، الذي وهب لهم كل هذه النعم، حتى إذا قضوا حجهم، وأدّوا مناسكهم، عادوا إلى ربوعهم فرحين بما نالوا من تجلي مولاهم الحق، وقد غمرتهم السعادة بما استشعروه من مغفرته ورضوانه..
لقد قربوا الذبائح في طاعته، وأكثروا من صدقات الفداء عن كل مساءة يتوهمون أنهم أتوها، ومن أجل ذلك استحقوا أن يسميهم أشعياء (مفديي الرب) ..
ويالها بشارة من حقها أن تذكر أهل الكتاب بالعهد الذي أخذه الله عليهم أن يكونوا أول المؤمنين بالصادق الأمين. إمام النبيين، وسيد الأولين والآخرين ...
عليه صلوات الله وسلامه إلى يوم الدين..
(1/286)
تذييل:
بعد الفراغ من كتابة هذا البحث شاء الله أن أقع على خبر بحيرا في (فقه السيرة) للأستاذ محمد الغزالي وأن أقف من هناك على مناقشة المحدث الفاضل الشيخ ناصر الدين الألباني لقول المؤلف: "سواء صحت قصة بحيرا أو بطلت" ثم لقوله الآخر في شأنها: "والمحققون على أن هذه الرواية موضوعة مضاهاة لمزاعم الإنجيليين في شأن المسيح" حيث يقفي الشيخ ناصر على الفقرة الأولى بقوله: "بل هي صحيحة.." ويحتج لرأيه بأن الترمذي قد أخرج الخبر من طريق أبي موسى الأشعري وعرفه بأنه (حديث حسن) ثم نقل قول الجزري بأن "ذكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ" وأردف ذلك برواية البزار عن هذه الفقرة أن الذي عاد بمحمد (صلى الله عليه وسلم) إلى مكة رجل آخر أرسله معه عمه. ومن ثم عمد إلى نفي
(1/286)
الوضع عن الخبر في الفقرة الثانية محتجا لصحته بما أورده الإنجيليون من أخبار عن موسى (عليه السلام) مطابقة لمضمون القرآن.
وقد دافع الأستاذ الغزالي عن وجهته في الصفحة نفسها محتجا بتقرير أئمة من أهل الحديث، كالذهبي الذي يقول –في ميزان الاعتدال- "مما يدل على بطلان هذا الحديث قوله: (وبعث معه أبو بكر بلالا) " وكالحافظ ابن حجر الذي ينقل قوله في (المواهب اللدنية) أن "رجاله ثقات وليس فيه سوى هذه النقطة، فيحتمل أن تكون مدرجة فيه، منقطعة من حديث آخر وهما من أحد رواته.." وأخيرا يورد قول ابن كثير أن من غرائب هذا الحديث كونه من مرسلات الصحابة، فهل على كل تقدير مرسل.1
وقد رأيت أن ألفت نظر القارئ إلى بعض الملاحظات حول هذا الحوار:
أ_ إن عمدة القائلين بصحة هذا الخبر هي ثقتهم بسنده فهو عند صيارفة الحديث من الضرب الموثوق دون ريب. ولا غبار على متنه لأنه داخل في الممكنات التي تتعلق بتكرمة الله عبده المختار (صلى الله عليه وسلم) .
ب_ لذلك وقف نقدهم عند فقرته الأخيرة من ذكر أبي بكر وبلال (رضي الله عنهما) فأوردوا عليها بعض الاحتمالات، ومن ذلك رواية البزار بإرسال رجل آخر مكان بلال لم يذكر اسمه، ونضيف إلى ذلك الرواية الثالثة القائلة بأن الذي عاد به إلى مكة هو عمه أبو طالب2.
ولننظر الآن في كل من الملاحظتين على حدة:
أ_ لا خلاف على صحة السند بشهادة أولي العلم، ولعل الخلاف أن يكون مقصورا على تعيين نوع الحديث أمن المراسيل هو أم من المرفوعات؟.. والذي يطمئن إليه العقل والقلب هو ما ذهب إليه ابن كثير من القطع بإرساله، وفي هذه الحال لا يعدو كونه نوعا من الأخبار التي سمع أبو موسى (رضي الله عنه) بعض الناس يتناقلونها فحملها عنهم.. ويؤيد ذلك وقف الخبر على روايه الأخير الذي يقول فيه أحد عارفيه –كما أسلفنا- (ليس في الدنيا أحد يحدث به غير قراد) 3.
__________
1 فقه السيرة ط دار الكتب الحديثة 68 –69 /1976.
2 ابن هشام ط الحلبي ج /183.
3 ابن كثير ج 2 /285.
(1/287)
ب_ إن تسليم نقلة الخبر باحتمال الوهم أو الإدراج في آخره يفتح المجال للتساؤل عما إذا كان مثل ذلك قد حدث أيضا في بعض أجزائه الأخرى، ونخص بالذكر منها سجود الحجارة، وكيف كان وعلى أي سورة؟.. وليس تصور هذا بأقل غرابة من مشاهدة ميسرة للملائة في الخبر الآخر.
ج_ إعلان بحيرة نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) كان على مسمع منه (صلى الله عليه وسلم) ومسمع ومشهد من أشياخ الركب، فلم طُمِس على هذا الجانب نهائيا فيما بعد، فلم يُذكر على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قط، ولم يرو عن أحد من هؤلاء الأشياخ، بل الذي حدث أن مكة كلها فوجئت بالنبأ العظيم عقيب يوم حراء العظيم؟!
د_ لقد حدّث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالكثير من إرهاصات نبوته، وجاء بعض أحاديثه في هذا الصدد أجوبة على أسئلة صحابته وفيها ما يفوق بشرى بحيرا، كشق صدره وتسليم الحجر والشجر عليه، وبعد البعثة شهد الجم الغفير من أصحابه خوارق المعجزات التي حققها الله على يديه، وقد أودع ذلك كله بطون المراجع التي بلغت أعلى درجات الصحة، فكيف أمسك (صلى الله عليه وسلم) عن ذكر خبر بحيرا فلم ينقل عنه، ولم سكت صحابته الأدنون فلم يسألوه عنه، مع أنه جدير باستفساراتهم؟!!.. أليس في ذلك دليل على أن ذلك الخبر لم يكن معروفا أيامه (صلى الله عليه وسلم) وإنما تأخر ظهوره إلى ما بعد وفاته؟!
هـ- وأخيرا ليسمح لنا فضيلة الشيخ ناصر –نفع الله بعلمه- أن نذكره بأن مثله عن موافقة بعض الإنجيليين لبعض أنباء القرآن بشأن موسى (عليه السلام) غير كاف لتسويغ ذلك التشابه الغريب ما زعموه من البشريات بظهور المسيح (عليه السلام) وما ذكره كتاب السيرة من بشائر البعثة النبوية التي نحن بصددها، فالمسلم لم يصدق أخبار أهل الكتاب عن موسى (عليه السلام) لو لم يقرأها في الذكر المحفوظ، وإلا فكم من خبر لديهم لا يساوي المداد الذي كتب به، وإذن فلا وجه للمقارنة بين كتبهم التي لا يعرف أصلها ومصادرها التي أقامت للفكر البشري معالم التحقيق الفاصل بين الحق والباطل.. هذا إلى أن الخبر الذي نسبه الشيخ ناصر إلى الإنجيليين إنما هو من أسفار اليهود فلا مكان في صحف هؤلاء ولا مناسبة – فيما أذكر -.
ولعل من الخير أن نختم هذه الملاحظات بتلك الكلمة الحكيمة التي عقب بها العلامة المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة – غفر الله له - على ما عرضه من أشباه تلك المرويات التي
(1/288)
ناقشنا بعضها حيث يقول: "إننا لا يجب علينا دينا وإيمانا أن ندعن لهذه الأخبار وإن كانت من حيث السند صادقة1.. لأن هذه الأمور ليست جزءا مما دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الإيمان به2".
ونحن في مناقشتنا لهذه الأخبار إنما نفعل ذلك حفاظا على منهج السلف في تصفية التاريخ الإسلامي من كل خبر لا يحمل طابع الصحة الحاسمة.. وانطلاقا من هذا الاتجاه نرفع إلى أستاذنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، وإلى معالي أخيه الشيخ محمد علي الحركان، وصاحبي الفضيلة الدكتور عبد الله الزايد، نائب رئيس الجامعة الإسلامية، والدكتور عبد الله التركي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حفظهم الله وبارك جهودهم، اقتراحا نرجو أن ينال قبولهم، وهو أن يؤلفوا مجمعا خاصا باسم (المجلس الأعلى لتصفية السيرة المطهرة) تكون مهمته أن يقدم للعالم الإسلامي كتابا في السيرة النبوية يقتصر على أصح الأخبار من تاريخ أكرم مختار، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار. وليس ذلك على هممهم العالية وإخلاصهم الكبير بعزيز، إن شاء الله..
وللأخ الفاضل الأستاذ علي الطنطاوي أخيرا وافر الدعاء على ما أثاره من البواعث لإخراج هذا البحث الذي نرجو أن يكون مقبولا عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولله الحمد من قبل ومن بعد.
__________
1 انظر ص 47 ج 1 من كتابه (خاتم النبيين) .
2 انظر ص 47 ج 1 من كتابه (خاتم النبيين) .
(1/289)

=====


1. السيرة النبوية عند الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للأ.ستاذ د.سليمان بن عبد الله السويكت



السيرة النبوية عند الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد
تأليف: أ. د. سليمان بن عبد الله السويكت

المقدمة:
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فإن سيرة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم تعد منبعاً ثراً، ومورداً لا ينضب، من الحكمة والهدى والنور والعبرة، لمن رام الاستقامة من أمته صلى الله عليه وسلم على الحياة الفاضلة الكريمة في حياته الخاصة أو العامة.
ومن مزايا هذه السيرة العطرة تنوُّع مادتها، وتنوع مصادرها؛ ويأتي على رأس قائمة هذه المصادر كتاب الله الكريم، ثم ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته الكرام مما دُوِّن في كتب الحديث.
ولا ريب أن معظم المصنفات في علم الحديث؛ متقدمها ومتأخرها، تؤلف رافداً مهماً من روافد بناء سيرته الكريمة صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن علماءنا رحمهم الله تعالى عندما بدؤوا يجمعون حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويؤلفون فيه، رأوا ضرورة جمع كل ما يتصل بحياته صلى الله تعالى عليه وسلم الخاصة والعامة وسائر أحواله، لأنها تؤلف جزءاً من هذا الدين. ثم رأوا أنه لابد أيضاً من جمع سير الصحابة الذين كانوا معه في غزواته وحروبه والذين شاركوا معه في تبليغ دعوته وبيان مناقبهم، وأفردت لهذه الموضوعات وغيرها مساحات مناسبة في تلك المصنفات، وقد كان لبعض أبناء الصحابة روايات في المغازي والسير، وتابع العلماء عبر القرون السالفة التأليف في هذا العلم ورسخوا قواعده.
(1/1)
وتبرز قيمة هذا الموضوع الذي نحن بصدده من قيمة الكتاب مناط البحث، ومن مكانة مؤلفه العلمية؛ فقد استخرج الهيثمي -رحمه الله تعالى- كتابه هذا من عدد من كتب الحديث المتقدمة، في محاولة لحصر - أو تمييز - الأحاديث الزائدة عن ما في الكتب الستة في مؤلف مستقل؛ ولهذا فإذا ضممنا ما لدينا في هذا الكتاب من أحاديث السيرة النبوية إلى ما في الكتب الستة من أحاديث تتعلق بها، يصبح بين أيدينا مادة كبيرة جداً من الأحاديث، هي التي يتألف منها بناء الهيكل العام للسيرة النبوية.
والهيثمي رحمه الله تعالى هو: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر، أحد أعلام الحديث في القرن الثامن الهجري (ت 807) ، وكان كتابه (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) ثمرة جهود متواصلة من التأليف في فن الزوائد لعدد من الكتب، سَبَكَها كلها في إطار واحد تحت مسمى هذا الكتاب بعد تهذيب وترتيب علمي سديد؛ ولذلك فقد جاء من أنفس الكتب في بابه، وأجمعها، وأوعبها، وكل كتب الزوائد من بعده استفادت منه، لكنها لم تبلغ شأوه ولا شهرته. وهذا الكتاب مرتب على كتبٍ وأبوابٍ تحتها، يخصُّ جانبَ السيرة منها كتابان؛ هما: كتاب المغازي والسير، وكتاب علامات النبوة. وقد استعرضتُ ما فيهما من أبواب، ثم أوضحت منهج المؤلف من خلالهما في تدوين السيرة النبوية، وأوردت نماذج من نصوص الأحاديث والمرويات فيهما، تشير إلى أبرز ملامح ذلك المنهج. وكنت قد كتبت في أول البحث ترجمة عامة عن المؤلف؛ عرجت فيها على نشأته، ورحلاته، وأبرز شيوخه، ومكانته العلمية، وأبرز تلامذته، ومصنفاته، ثم وقفت عند الكتاب موضوع الدراسة للتعريف به، وبيان قيمته العلمية، ومنهجه فيه، وأوردت ملخصاً لما توصلت إليه من أقوال أهل العلم فيما يوضح معالم منهج الهيثمي في نقد
(1/2)
الرجال والأسانيد، وذكرت نماذج من العلماء الذين استفادوا من كتاب الهيثمي. وأسأل الله الكريم أن يهديني وسائر المسلمين إلى الصواب في القول والعمل، وصلى الله تعالى وسلم على عبده وحبيبه وآله وصحبه.
(1/3)
ترجمة الهيثمي
نشأته وحياته:
هو علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح، الشيخ المحدث الحافظ أبو الحسن نور الدين الهيثمي المصري الشافعي (1) .
ولد في شهر رجب من سنة خمس وثلاثين وسبعمائة (2) ، بدأ بقراءة القرآن الكريم (3) وحفظه، وذلك قبل أن يتوجه لطلب الحديث؛ لأن من عادة العلماء أنهم لا يبدؤون بالاشتغال بالحديث إلا بعد أن يتموا القرآن الكريم حفظاً.
قضى حياته رحمه الله تعالى منشغلاً بالعلم والعبادة، وكان عجباً في الدين والتقوى، مع التعفف والورع، والزهد والتقشف والاقتصاد، متواضعاً، هيناً، ليناً، خيراً، صيناً، سليم الفطرة، شديد الإنكار للمنكر، كثير الاحتمال، محباً للطلبة والغرباء وأهل الدين والعلم والحديث، كثير التودد إلى الناس، وعدم مخالطتهم في شيء من الأمور، كثير التلاوة بالليل والتهجد والقيام (4) . قال السخاوي: "والثناء على دينه وزهده وورعه ونحو ذلك كثير جداً، بل هو في
__________
(1) الفاسي، ذيل التقييد 2/229؛ ابن حجر، أنباء الغمر 5/256؛ ابن فهد، لحظ الألحاظ ص 239؛ السخاوي، الضوء اللامع 5/201؛ ابن العماد، شذرات الذهب 7/70؛ الشوكاني، البدر الطالع 1/441.
(2) ابن فهد، لحظ الألحاظ ص 229. لن أستخدم في هذا البحث سوى التاريخ الهجري– كما هو شأن السلف رحمهم الله تعالى.
(3) السخاوي، الضوء اللامع 5/201؛ والشوكاني، البدر الطالع 1/441.
(4) أفاض في ذكر هذه الصفات معظم المصادر التي ترجمت له؛ انظر مثلاً: ابن حجر، المجمع المؤسس 2/265، وأنباء الغمر 5/257؛ وابن فهد، لحظ الألحاظ ص 240؛ ابن العماد، شذرات الذهب 7/70؛ الشوكاني، البدر الطالع 1/442.
(1/5)
ذلك كلمة اتفاق" (1) .
كان آية في الأدب مع مشايخه، ولا سيما مع شيخه الحافظ العراقي احتراماً وتقديراً وخدمة؛ فقد كان لا يسأم ولا يضجر من خدمة الشيخ، كثير الاحتمال له ولأولاده ولمن حوله (2) ، ويقرر ابن حجر رحمه الله تعالى ذلك قائلاً: "رأيت من خدمة الشيخ نور الدين هذا [يعني الهيثمي] لشيخنا [يعني العراقي] وتأدُّبِه معه من غير تكلف لذلك مالم أره لغيره، ولا أظن أحداً يقوى عليه" (3) ، ولذلك فقد أحبه الشيخ كثيراً (4) ، وكان لا يثق بأحد في أمر طهارته ووضوئه وثيابه - بعد نفسه - إلا على الشيخ نور الدين (5) .
شيوخه:
تتلمذ الهيثمي على معظم علماء مصر والشام وبلاد الحرمين الذين أدركهم وقت وروده على بلادهم، وعلى رأس هؤلاء الشيوخ:
1- عبد الرحيم بن الحسين، أبو الفضل زين الدين العراقي، (ت 806هـ) ، أبرز شيوخه على الإطلاق، لازمه وسمع جميع مسموعاته تقريباً، وكتب الكثير من تصانيفه، وقرأ عليه أكثرها (6) ، وكتب عنه جميع مجالس إملائه (7) ، ونفعه الله به نفعاً عظيماً.
__________
(1) الضوء اللامع 5/202.
(2) ابن حجر، أنباء الغمر 5/257.
(3) المجمع المؤسس 2/267.
(4) السيوطي، طبقات الحفاظ ص 546.
(5) المجمع المؤسس 2/187.
(6) السخاوي، الضوء اللامع 5/201.
(7) ابن العماد، شذرات الذهب 7/70.
(1/6)
2- عبد العزيز بن بدر محمد بن إبراهيم بن جماعة، (ت 767هـ) ، قرأ عليه موارد الظمآن، ومسند أبي يعلى عالياً، ومسند البزار (1) .
3-م حمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم الأنصاري الخزرجي العبادي، أبوعبد الله الدمشقي، المعروف بابن الخباز (ت756هـ) سمع منه بدمشق، مسند الإمام أحمد، وصحيح مسلم (2) .
4- محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي، الخطيب أبو الفتح (ت754هـ) سمع منه سنن أبي داود، ومسند البزار عالياً، والمعجم الكبير (3) .
5- محمد بن محمد بن يحيى بن عبد الكريم القرشي، أبو المظفر مظفر الدين العطار (ت 807هـ) سمع منه صحيح البخاري (4) .
مكانته العلمية وحفظه:
تبوأ الهيثمي مكانة سامقة في العلم والحفظ، بعد أن قضى حياته كلها في التحصيل والطلب، وحفظ المتون والآثار (5) ، وملازمة أئمة العلماء ورواد الصنعة الحديثية في عصره، وبخاصة الحافظ زين الدين العراقي الذي تخرج على
__________
(1) مجمع الزوائد 1/10؛ وموارد الظمآن ص 29؛ وأبو المحاسن الحسيني؛ ذيل تذكرة حفاظ الذهبي ص 41؛ والسيوطي، ذيل طبقات حفاظ الذهبي ص 364.
(2) مجمع الزوائد 1/9؛ والفاسي، ذيل التقييد 2/ 230؛ وابن حجر، الدرر الكامنة 4/4، والمجمع المؤسس 2/193، 208؛ وابن فهد، لحظ الألحاظ ص 240؛ والسخاوي، الضوء اللامع 5/201.
(3) مجمع الزوائد 1/ 10 - 11؛ والفاسي، ذيل التقييد 1/ 229؛ وابن حجر، المجمع المؤسس 2/201، 203، 206، 217، والدرر الكامنة 4/274.
(4) الفاسي، ذيل التقييد 2/ 230؛وابن حجر، المجمع المؤسس 2/198، 204، 212؛ والسخاوي، الضوء اللامع 5/201.
(5) الفاسي، ذيل التقييد 2/230.
(1/7)
يديه في الحديث (1) .
سَمِعَ وسَمَّع وكتبَ وحدَّثَ بالكثير، ووُصِفَ بقوة الحفظ وسرعة البديهة في الإجابة عند السؤال والاستحضار للمتون، حتى قال الحافظ برهان الدين سبط ابن العجمي: "حفاظ مصر أربعة أشخاص، وهم من مشايخي: البلقيني، وهو أحفظهم لأحاديث الأحكام، والعراقي، وهو أعلمهم بالصنعة، والهيثمي، وهو أحفظهم للأحاديث من حيث هي، وابن الملقن، وهو أكثرهم فوائد في الكتابة على الحديث" (2) . والهيثمي رحمه الله تعالى يعد من رواد المؤلفين في علم زوائد الحديث (3) ، والمُقَعِّدين له عملياً، وكُتب لأكثر مصنفاته فيه البقاء والذكر الحسن، خاصة كتابه الكبير (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) ؛ الذي هو بمنزلة العمدة لكتب الزوائد بعده.
أشهر تلاميذه:
1- إبراهيم بن محمد بن سبط العجمي الطرابلسي، برهان الدين أبو الوفا الحلبي (ت841هـ) (4) .
2- أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم، الشهاب أبو العباس الكتاني البوصيري (ت840هـ) (5) .
__________
(1) ابن حجر، أنباء الغمر 5/257.
(2) لحظ الألحاظ ص 201؛ وانظر السيوطي، تدريب الراوي 2/406.
(3) من أقدم من صنف في هذا الفن قبل الهيثمي مغلطاي (ت 762) ، وابن كثير (ت 774) ، وبعضهم يضيف الحاكم (405) ؛ لأنه استخرج الزوائد على الصحيحين.
(4) مؤلف كتاب (التبيين لأسماء المدلسين) انظر الكتاب نفسه ص 97.
(5) صاحب كتاب (إتحاف الخيرة) وقد ذكر فيه أن الهيثمي أجازه برواية عدد من أمهات كتب الحديث، انظر مثلاً: 8/277، 280 – 285؛ السخاوي، الضوء اللامع 1/251.
(1/8)
3- أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل (ت 852هـ) الحافظ المعروف (1) .
مصنفاته:
جاءت مصنفات الهيثمي رحمه الله تعالى على ضربين: قسم اهتم فيه بتخريج الزوائد (2) من كتب المسانيد والمعاجم على الكتب الستة، وهذا النوع من أكثر كتبه فائدة ونفعاً؛ فمعظم من جاء بعده من أهل الحديث استفاد منها، أما القسم الثاني من مصنفاته فقد انصب جهده فيها على إعادة التبويب، والترتيب للمادة العلمية فيها؛ حتى يسهل الكشف عنها والرجوع إليها لمن رام ذلك من الباحثين.
وأهم هذه المؤلفات:
__________
(1) قرأ عليه الكثير قريناً للعراقي انظر مثلاً: المجمع المؤسس 2/188- 229، 266، وبانفراد نحو النصف من مجمع الزوائد، ونحو الربع من زوائد مسند أحمد، ونحو الثلث من السنن الكبير للبيهقي. انظر مثلاً: إنباء الغمر 5/257؛ وتعجيل المنفعة ص 3، 9، 11، 19، 29؛ والمجمع المؤسس 2/266. وقال ابن حجر في الأنباء 5/257: " كان يودني كثيراً ويشهد لي بالتقدم في الفن جزاه الله خيراً ".
(2) الزوائد في الحديث نوعان: الأول - الزيادة في الرجال والرواة، مثل: إخراج ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه (لسان الميزان) زوائد أسماء الرواة المترجم لهم في (ميزان الاعتدال) للذهبي، وليسوا في (تهذيب الكمال) للمزي، الذي جمع الرواة المخرج لهم في الكتب الستة. والثاني - الزيادة الحاصلة في متن الحديث. وتعريف هذا النوع هو: " الحديث الذي في لفظه زيادة أو نقص، أو اختلاف مفيد، أو المروي عن صحابي آخر ". علوش، علم زوائد الحديث ص 15- 17. وهذا النوع الأخير هو الذي يندرج تحته كتاب (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) للهيثمي، وكتبه الأخرى في الزوائد.
(1/9)
1- غاية المقصد في زوائد المسند (1) ، وهو زوائد مسند الإمام أحمد (ت 241هـ) على الكتب الستة، في مجلدين، قال عنه الحافظ ابن حجر: "كثير الجدوى" (2) .
2- كشف الأستار عن زوائد البزار (3) ، وهو زوائد مسند البزار (ت 292هـ) ، في مجلد ضخم (4) .
3- المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي (5) ، وهو زوائد أبي يعلى (ت307هـ) ، في مجلد واحد (6) .
4- البدر المنير في زوائد المعجم الكبير، وهو زوائد معجم الطبراني - (ت360هـ) - الكبير، في ثلاثة مجلدات (7) .
5- مجمع البحرين في زوائد المعجمين، وهو زوائد المعجمين الأوسط
__________
(1) وعند ابن فهد جاء اسمه هكذا: (غاية المقصد في زوائد أحمد) لحظ الألحاظ ص 239، وقد حققه د. سيف بن عبد الرحمن إبراهيم مصطفى، رسالة دكتوراه من جامعة أم القرى بمكة المشرفة سنة 1401.
(2) المجمع المؤسس 2/263؛ الشوكاني، البدر الطالع 1/441.
(3) وعند ابن فهد جاء اسمه هكذا: (البحر الزخار في زوائد البزار) لحظ الألحاظ ص 239- 240، قال الدكتور يوسف المرعشلي: ووهم في هذا، (وإنما البحر الزخار) هو اسم (مسند البزار نفسه) المجمع المؤسس 2/263، حاشية 868.
(4) وضع الحافظ ابن حجر كتاباً سماه: (زوائد مسند البزار مع مسند أحمد والكتب الستة) ، لخصه من تصنيف شيخه الحافظ أبي الحسن الهيثمي. كشف الظنون 2/1682.
(5) وعند تقي الدين ابن فهد جاء اسمه هكذا: (المقصد الأعلى في زوائد أبي يعلى) لحظ الألحاظ ص 240.
(6) ابن حجر، إنباء الغمر بأبناء العمر 5/257؛ والسيوطي، ذيل طبقات الحفاظ ص 372. حققه: د. نايف بن هاشم الدعيس في رسالته للدكتوراه من الجامعة الإسلامية سنة 1400هـ، وطبعته مؤسسة تهامة بجدة سنة 1402هـ.
(7) ابن فهد، لحظ الألحاظ ص 240.
(1/10)
والصغير للطبراني، في مجلدين (1) .
6- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد في زوائد الكتب الستة، وهي الكتب الخمسة المتقدمة، جَمَعَها في هذا الكتاب. وهو موضوع الدراسة.
7- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (282هـ) ، مرتب على كتب الفقه، في مجلدين (2) .
8- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (354هـ) ، مرتب على كتب الفقه، وهو المعروف بـ زوائد صحيح ابن حبان على الصحيحين، في مجلد واحد (3) .
إلى غير ذلك من كتبه ومصنفاته الكثيرة النافعة.
وفاته:
ظل الهيثمي على هذه الطريق حتى وافاه حِمامُه في ليلة الثلاثاء، التاسعة والعشرين من شهر رمضان، سنة سبع وثمانمائة (4) ، ودفن في القاهرة خارج باب البرقوقية (5) ، عن عمرٍ يناهز الثانية والسبعين. رحمنا الله تعالى وإياه وجميع المسلمين.
__________
(1) ابن فهد، لحظ الألحاظ ص 240؛ وانظر الشوكاني، البدر الطالع 1/441. طبعته مكتبة الرشد بالرياض، في 9 أجزاء بتحقيق: عبد القدوس محمد نذير، سنة 1413هـ.
(2) حققه: د. حسين بن أحمد الباكري، وطبعه مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية، بالتعاون مع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، سنة 1413هـ.
(3) حققه: محمد عبد الرزاق حمزة، ونشر في دار الكتب العلمية، بيروت.
(4) الفاسي، ذيل التقييد 2/230؛ ابن حجر، المجمع المؤسس 2/267؛ ابن فهد، لحظ الألحاظ ص 241؛ السخاوي، الضوء اللامع 5/202؛ الشوكاني، البدر الطالع 1/442؛ موارد الظمآن ص 21.
(5) ابن العماد، شذرات الذهب 7/70، وحدد تاريخ وفاته: " في تاسع عشر"!، لكن تلاميذه أقرب إلى معرفة ذلك من غيرهم.
(1/11)
تعريف بكتاب مجمع الزوائد، وبيان قيمته، ومنهج المؤلف فيه
بعد أن فرغ الهيثمي من تصنيف كتب الزوائد الخمسة المذكورة في أول مصنفاته، اقترح عليه شيخه العراقي أن يضمها كلها في مؤلف واحد، بعد أن يحذف أسانيدها، ويرتبها لتجتمع أحاديثُ كل باب منها في باب واحد، فاستجاب الهيثمي لذلك، وشرع في هذا العمل العظيم حتى أتمه، ثم سماه كذلك بالاسم الذي اقترحه عليه الشيخ؛ وهو "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (1) فانتقاؤه للزوائد في هذا الكتاب محصور في الزوائد على الكتب الستة، " واعتمد كتاب المزي (تحفة الأشراف في معرفة الأطراف) أصلاً في دلالته على وجود الحديث في تلك الكتب، ثم يعود على تلك الكتب ليتأكد من ذلك، فإن لم يجد الحديث في المصدر الذي عزاه إليه صاحب الأطراف وضع الحديث، ثم أشار إلى ذلك، تنبيهاً على متابعته وتدقيقه " (2) .
وقد رتب الهيثمي مُصَنَّفَه مجمعَ الزوائد على كتبٍ هي على النحو الآتي:
كتاب الإيمان، كتاب العلم، كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الجنائز -وفيه ما يتعلق بالمرض وثوابه، وعيادة المريض ونحو ذلك، كتاب الزكاة- وفيه صدقة التطوع، كتاب الصيام، كتاب الحج، كتاب الأضاحي والصيد والذبائح والوليمة والعقيقة وما يتعلق بالمولود، كتاب البيوع، كتاب الأيمان والنذور، كتاب الأحكام، كتاب الوصايا، كتاب الفرائض، كتاب العتق، كتاب النكاح، كتاب الطلاق، كتاب الأطعمة، كتاب الأشربة، كتاب
__________
(1) مجمع الزوائد 1/7- 8.
(2) الدرويش، بغية الرائد 1/63.
(1/13)
الطب، كتاب اللباس والزينة، كتاب الخلافة، كتاب الجهاد، كتاب المغازي والسير، كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة، كتاب الحدود والديات، كتاب التفسير – وفيه ما يتعلق بقراءة القرآن وثوابه، وعلى كم أنزل القرآن من حرف، كتاب التعبير، كتاب القدر، كتاب الفتن، كتاب الأدب، كتاب البر والصلة، كتاب فيه ذكر الأنبياء عليهم السلام، كتاب علامات النبوة، كتاب المناقب، كتاب التوبة والاستغفار، كتاب الأذكار، كتاب الأدعية، كتاب الزهد – وفيه المواعظ، كتاب البعث، كتاب صفة النار، كتاب صفة الجنة (1) .
ويقع الكتاب في عشرة مجلدات (2) ، سلكَ الهيثميُّ فيه منهجاً مميزاً؛ في طريقةِ استخراجه للأحاديث، وفي ترتيبه للكتاب وتبويبه، وبذل فيه قصارى جهده، وغاية وسعه، وخلاصة فكره، وأكثر وقته، ولذلك فقد جاء من أنفس الكتب التي تقدمته في بابه، وأجمعها، وأوعبها، وأطنبها، وكل كتب الزوائد من بعده لم تبلغ شأوه ولا مقداره، ولذلك فهو كتاب غزير الفوائد، لا يستغني عنه طالب علم (3) . ومما يؤكد ذلك ما ذكرَ السخاويُّ (4) من أن الحافظ الزين العراقي استروَحَ واغتبطَ بهذا العمل المميز والجهد الكبير من أخص تلاميذه وأقربهم إليه.
أثنى على هذا الكتاب ومؤلفه كثيرون من أهل العلم قديماً وحديثاً؛ فالهيثمي
__________
(1) مجمع الزوائد 1/8.
(2) طبعته دار الكتب العلمية، في بيروت، سنة 1408هـ، عن طبعة القدسي بالقاهرة سنة 1351هـ.
(3) علوش، علم زوائد الحديث ص 226 - 228.
(4) الضوء اللامع 5/201.
(1/14)
من أوائل من قدَّم للأمة الإسلامية ما عرف بالزوائد (1) ؛ والكتاب من أهم كتب السنن بعد الأصول الستة، ومَنْ يطَّلع عليه يعترف بمكانة مؤلفه في الحديث (2) ، بل قيل عنه: إنه يأتي في المرتبة الأولى بعد الكتب الستة من حيث الجمع والترتيب والتنسيق (3) وقال عنه الكتاني: "وهو من أنفع كتب الحديث، بل لم يوجد مثله كتاب ولا صنف نظيره في هذا الباب" (4) ، وهو فعلاً ثمرة جهود متواصلة من البحث والتدقيق والتأليف.
ومع هذا فإنه يظل عملاً بشرياً يعتوره النقص، ولذلك نجد عدداً من أهل الاختصاص في القديم والحديث يتتبعون أوهامه ويستدركون عليه؛ كالحافظ ابن حجر (5) ، والسيوطي (6) ، ومن المُحْدَثِيْنَ: الشيخ الدرويش (7) والشيخ علوش (8) ، والشيخ الدعيس (9) ،
__________
(1) الدرويش، بغية الرائد 1/63.
(2) انظر الحاشية رقم 1 من ص 373 من كتاب ذيل طبقات الحفاظ للسيوطي.
(3) الدرويش، بغية الرائد 1/24.
(4) الرسالة المستطرفة ص 172.
(5) قال ابن حجر: " كنت قد تتبعت أوهامه في (مجمع الزوائد) فبلغني أن ذلك شق عليه، فتركته رعاية له " أنباء الغمر 5/260؛ والمجمع المؤسس 2/266، وتوجد بعض تلك الملحوظات على هامش مجمع الزوائد المطبوع، انظر مثلاً: 1/22، 29، 44،50، 58، 61، 64، 127.
(6) له كتاب اسمه " بغية الرائد في الذيل على مجمع الزوائد " ذكر هذا الكتاب في الترجمة التي كتبها عن نفسه في حسن المحاضرة 1/341، وقد ضمن السيوطي ذيله هذا ردوداً على الهيثمي وإضافات واستدراكات. علوش، علم زوائد الحديث ص 229.
(7) بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد 1/45 وما بعدها.
(8) علم زوائد الحديث ص 45، والأمثلة على ذلك في ص 230 وما بعدها.
(9) المقصد العلي ص 46 وما بعدها.
(1/15)
والشيخ القريوتي (1) ، ذكرَ كلُّ هؤلاء نماذجَ لبعضِ أوهامٍ وتساهلاتٍ ظهرت في الكتاب، وقد تمثلت تلكم الاستدراكات في أمرين (2) :
الأول: في كلامه على الرجال، والحكم على الأسانيد، والرواة.
الثاني: في إيراد أحاديث ظنها ليست في الكتب الستة أو أحدها، وهي فيها.
قال الهيثمي في بيان منهجه في الكتاب عامة: "وما تكلمتُ عليه من الحديث من تصحيح أو تضعيف، وكان من حديث صحابي واحد، ثم ذكرت له متناً بنحوه، فإني أكتفي بالكلام عقب الحديث الأول، إلا أن يكون المتن الثاني أصح من الأول. وإذا روى الحديث الإمام أحمد وغيره، فالكلام على رجاله - يعني رجال أحمد - إلا أن يكون إسناد غيره أصح. وإذا كان للحديث سند واحد صحيح، اكتفيت به من غير نظر إلى بقية الأسانيد وإن كانت ضعيفة. ومن كان من مشايخ الطبراني في الميزان نبهت على ضعفه، ومن لم يكن في الميزان ألحقته بالثقات الذين بعده. والصحابة لا يشترط فيهم أن يخرج لهم أهل الصحيح فإنهم عدول، وكذلك شيوخ الطبراني الذين ليسوا في الميزان" (3) .
وقد وفَّى الهيثمي رحمه الله تعالى بما اشترطه على نفسه هنا، والتزم به في غالب الأحيان، وكان متشدداً في إخراج الحديث في الزوائد -أي مهما كان الاختلاف بسيطاً-، وهذا التشدد مما يرفع من قدر الكتاب، ويُنبئ عن دقة حفظ مُخَرِّجه واستحضاره، وتتبعه للفوائد دقيقها وجليلها، وكان الهيثمي متقناً لهذا إتقاناً بيناً، يفرح له الفقهاء، ويستفيدون منه في تقرير الأحكام الشرعية (4) .
__________
(1) له رسالة صغيرة سماها (تنبيهات على تحريفات وتصحيفات في كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) ذكر فيها ما وقع له من أخطاء وتصحيفات في الرجال، ثم ذكر الصواب في ذلك جازماً أو مرجحاً، انظر المقدمة ص 6- 7.
(2) علوش: علم زوائد الحديث ص 228- 229.
(3) مجمع الزوائد 1/ 8.
(4) علوش، علم زوائد الحديث ص 234.
(1/16)
السيرة النبوية عند الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد
مادة السيرة النبوية في الكتاب، ومنهج المؤلف في تدوينها
جاءت معظم أحاديث السيرة النبوية التي استخرجها الهيثمي في مجمع الزوائد ومروياتها ضمن كتابين جامعين؛ الأول بعنوان (كتاب المغازي والسير) (1) ، والثاني بعنوان (كتاب علامات النبوة) (2) ، فأما الكتاب الأول فقد بلغ مجموع أبوابه ثمانية وسبعين باباً، وبلغ مجموع أحاديثه ورواياته أربعة وتسعين وخمسمائة حديث أو رواية.
ويلاحظ عليه ما يأتي:
- أنه أدرج في آخره أبواباً ليست من السيرة النبوية بمعناها الدقيق، غير أنها تندرج تحت المعنى العام للمغازي والسِّيَر، وعددها تسعة أبواب، وهي على النحو الآتي: باب في يوم ذي قار، باب في قتال فارس والروم وعداوتهم، باب فيمن قتل بالشام، باب في وقعة القادسية ونهاوند وغير ذلك، باب فيمن قتل يوم الجسر، باب وقعة الإسكندرية، باب فتح القسطنطينية ورومية، باب قتال أهل الردة، باب فيمن استشهد يوم اليمامة، وبلغ مجموع أحاديثها ثمانية وثلاثين حديثاً أو رواية.
- عناوين الأبواب الخاصة بالسيرة النبوية المدرجة تحت هذا الكتاب تمثل عناوين بارزة في أحداث السيرة، أو موضوعات ذات علاقة بها، بلغ عددها تسعة وستين باباً، وأحاديثها ستة وخمسون وخمسمائة حديث أو رواية.
__________
(1) كتاب المغازي والسير في الجزء السادس من الكتاب، يبدأ من ص 14 وينتهي بـ 224.
(2) كتاب علامات النبوة في الجزء الثامن من الكتاب، يبدأ من ص 214 إلى نهاية الجزء، ومن أول التاسع إلى ص 40.
(1/17)
- يخصُّ المرحلةَ المكيةَ منها ثلاثة عشر باباً، وثمانية وعشرون ومائة حديث أو رواية.
ومن أبرز الموضوعات التي تناولها في هذه المرحلة، ما يأتي:
* تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم الرسالة وصبره على ذلك، وأورد فيه سبعة وعشرين حديثاً أو رواية
* الهجرة إلى الحبشة، وذكر فيها أحد عشر حديثاً أو رواية، لكن معظمها طوال.
* خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وعرضه نفسه على القبائل، وذكر فيه خمسة أحاديث أو روايات.
* بيعتا العقبة الأولى والثانية، وأورد فيهما حوالي أربعة وأربعين حديثاً أو رواية.
* الهجرة إلى المدينة، وجاء فيها سبعة وعشرون حديثاً أو رواية، بعضها طوال.
* افتتح أبواب هذه المرحلة بباب عنونه بقوله: (باب علو الإسلام على كل دين خالفه وظهوره عليه) ، واختتمها بباب يشبهه، وهو: (باب علو أمره على من عاداه) ، وذكر في الأول أحاديث تدل على ظهور الإسلام على كل الأديان والأمم، وفي الثاني تدل على ظهور أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتمكنه. وكرر في كل منهما حديث زياد بن جَهْوَر، الذي يذكر فيه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وفيه: "أما بعد: فليوضعن كل دين دان به الناس إلا الإسلام، فاعلم ذلك" (1) ، وكأنه يشير بذلك إلى أن ما وعد الله تعالى به في أول الإسلام من النصر والتمكين قد تحقق ببيعتي العقبة، وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيام دولة الإسلام
__________
(1) مجمع الزوائد 6/14، 65.
(1/18)
واقعاً على الأرض.
- ويخصُّ المرحلةَ المدنيةَ ستةٌ وخمسون باباً، وتسعةٌ وعشرون وأربعمائة حديث أو رواية، وقد جاءت الأحاديث والروايات فيها مستوفية بصورة شبه كاملة لمعظم أحداث المرحلة، يتضح ذلك من خلال مسرد أبواب الكتاب الذي سأثبته بعد قليل - بإذن الله تعالى -.
* مما يلفت النظرَ أنه قد ورد في غزوة بدر وما يتعلق بها من أبواب قرابةُ ثمانية عشر ومائة حديث أو رواية.
* بينما جاء في غزوة أحد ثمانيةٌ وستون حديثاً أو رواية.
* أما غزوة الخندق وبني قريظة فلم يرد فيها إلا خمسةٌ وثلاثون حديثاً أو رواية.
* وذُكر في غزوة خيبر خمسةٌ وعشرون حديثاً أو رواية.
* وفي كلٍّ من غزوتي: الفتح، وحنين والطائف ستةٌ وثلاثون حديثاً أو رواية.
* أما غزوة تبوك فلم يرد فيها سوى تسعة عشر حديثاً أو رواية.
* وبعد أن فرغ من الحديث عن (الغزوات) على نحو عام، انتقل إلى (السرايا والبعوث) فعقد لها أبواباً، بلغ عددُها أربعة عشر باباً، كان آخرها عن مجموعة من السرايا غير المشتهرة بأسماء معينة، ووصلت الأحاديث والمرويات فيها إلى واحد وثلاثين.
- وهذا مسرد للأبواب التي أدخلها الهيثمي تحت (كتاب المغازي والسير) :
(1/19)
أبواب المرحلة المكية:
- باب علو الإسلام على كل دين خالفه، وظهوره عليه.
- باب تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم ما أرسل به، وصبره على ذلك.
- باب تكسير الأصنام.
- باب الهجرة إلى الحبشة.
- باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وعرضه نفسه على القبائل.
- باب البيعة على الإسلام التي تسمى بيعة النساء.
- باب بيعة من لم يحتلم.
- باب ابتداء أمر الأنصار، والبيعة على الحرب.
- باب قوله: بعثت بين يدي الساعة بالسيف.
- باب فيمن شهد العقبة.
- باب الهجرة إلى المدينة.
- باب فيمن اختار الهجرة.
- باب علو أمره على من عاداه.
أبواب المرحلة المدنية:
- باب نصره بالريح والرعب.
- باب الغزو في الشهر الحرام.
- باب في أول أمير كان في الإسلام.
- باب سرية حمزة رضي الله عنه.
- باب ما جاء في غزوة الأبواء.
- باب غزوة بدر..
- باب ما جاء في الأسرى
(1/20)
- باب فيمن قتل من المسلمين يوم بدر
- باب فيمن قتل من المشركين يوم بدر.
- بابٌ (1) .
- باب فيمن حمل لواء يوم بدر.
- باب في أي شهر كانت وقعة بدر، وعدة من شهدها.
- وقد حضر بدراً جماعة.
- باب فضل أهل بدر.
- باب غزوة أحد..
- باب فيما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام مما يتعلق بأحد.
- باب فيمن استصغر يوم أحد.
- باب منه في وقعة أحد.
- باب مقتل حمزة رضي الله عنه.
- باب منه في وقعة أحد.
- باب في دعائه صلى الله عليه وسلم بأحد.
- باب فيمن خسف به من الكفار يوم أحد.
- باب فيمن أحسن القتال يوم أحد.
- باب فيمن استشهد يوم أحد.
- باب تاريخ وقعة أحد.
- باب غزوة بني النضير.
- باب غزوة بئر معونة.
__________
(1) ورد في هذا الباب أربعة أحاديث عن الأنفال يوم بدر.
(1/21)
- باب فيمن استشهد يوم بئر معونة.
- باب غزوة الخندق وقريظة.
- باب فيمن استشهد يوم الخندق.
- باب تاريخ الخندق.
- باب غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق.
- باب غزوة ذي قرد.
- باب الحديبية وعمرة القضاء.
- باب غزوة خيبر.
- باب غزوة مؤتة.
- باب غزوة الفتح.
- باب غزوة حنين.
- باب ما جاء في غنائم هوازن وسبيهم.
- باب فيمن استشهد يوم حنين.
- باب غزوة الطائف.
- باب غزوة تبوك.
- باب السرايا والبعوث.
- باب قتل كعب بن الأشرف.
- باب قتل ابن أبي الحقيق.
- باب سرية عبد الله بن جحش.
- باب في يوم الرجيع.
- باب في سرية إلى أبي سفيان بن الحارث
- باب في سرية إلى ابن الملوح.
(1/22)
- باب قتل خالد بن سفيان الهذلي.
- باب في سرية إلى رعية السحيمي.
- باب سرية بكر بن وائل.
- باب في سرية إلى نجد.
- باب في سرية إلى بلاد طيء.
- باب في سرية إلى جفينة.
- باب في سرية إلى ضاحية مضر.
- باب في سراياه.
أبواب ليست من السيرة وردت ضمن كتاب المغازي:
- باب في يوم ذي قار.
- باب في قتال فارس والروم، وعداوتهم.
- باب فيمن قتل بالشام.
- باب في وقعة القادسية، ونهاوند، وغير ذلك.
- باب فيمن قتل يوم الجسر.
- باب وقعة الإسكندرية.
- باب فتح القسطنطينية، ورومية.
- باب قتال أهل الردة.
- باب فيمن استشهد يوم اليمامة.
أما الكتاب الثاني (كتاب علامات النبوة) فهو يتحدث في مجمله عن شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم، وصفاته، وخصائصه، ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، وقد بلغ مجملُ أبوابه ستة وسبعين باباً، أما أحاديثُه فوصلت إلى تسعة وستين وأربعمائة حديث أو رواية، لكنْ ورد في أوله أبواب تتصل في معظمها بحياته وأحواله
(1/23)
ومرحلة دعوته في الفترة المكية، تبلغ أحاديثها ثمانية وأربعين ومائة حديث أو رواية تقريباً.
ويظهر من خلال هذه الأبواب الأخيرة المدرجة في هذا الباب مدى دقة الهيثمي، وحسِّه التاريخي المرهف؛ إذ هي تقترب في بعض تفصيلاتها أو جزئياتها إلى معنى الكتاب العام (علامات النبوة) ؛ كما في باب المولد، والرضاع، وشق صدره، وعصمته، وعلم أهل الكتاب بأمر نبوته، وإيمان الجن به، وسلام الشجر والحجر عليه ...
أما أبواب المرحلة المكية المذكورة في الكتاب الأول (كتاب المغازي والسير) فهي أقرب إلى فحواه وألصق به؛ كما في الأبواب التي تتحدث عن تبليغ الرسالة، وتحمل أعبائها، والصبر على الأذى فيها، والهجرة في سبيلها، وتكبد المشاق في ذلك، والبحث عن مناصرين لها، وعقد العهود معهم، ومبايعتهم على حمايتها والذب عنها، وقتال من يقف في سبيلها ...
وهذا مسرد للأبواب التي وردت في (كتاب علامات النبوة) :
- باب في كرامة أصله صلى الله عليه وسلم.
- باب ما جاء في مولده ورضاعه وشرح صدره صلى الله عليه وسلم.
- باب في أول أمره وشرح صدره أيضاً صلى الله عليه وسلم.
- باب قدم نبوته صلى الله عليه وسلم.
- باب ختانه صلى الله عليه وسلم.
- بابٌ (1) .
- باب عصمته صلى الله عليه وسلم من القرين.
__________
(1) أورد فيه حديثين حول مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند جده عبد المطلب، وعمه أبي طالب.
(1/24)
- باب عصمته صلى الله عليه وسلم من الباطل.
- باب عصمته صلى الله عليه وسلم ممن أراد قتله.
- باب تأييده صلى الله عليه وسلم على أعدائه من الإنس والجن.
- باب ما كان يدعى به صلى الله عليه وسلم قبل البعثة.
- بابٌ (1) .
- باب ما كان عند أهل الكتاب من أمر نبوته صلى الله عليه وسلم.
- باب منه (2) .
- باب فيمن أخبر بنبوته صلى الله عليه وسلم.
- باب عظم قدره صلى الله عليه وسلم.
- باب ما جاء في بعثتهصلى الله عليه وسلم وعمومها ونزول الوحي.
- باب عموم بعثته صلى الله عليه وسلم.
- باب تسليم الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم.
- باب في مثله ومثل من أطاعه صلى الله عليه وسلم.
- باب فيمن سمع به ولم يؤمن به صلى الله عليه وسلم.
- باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم على من أدركه.
- باب تبلغ بعثته صلى الله عليه وسلم كل أحد.
- باب قوله صلى الله عليه وسلم أنا مبلغ والله يهدي.
- باب لا نبي بعدي.
- باب فيما أوتي من العلم.
__________
(1) جاء فيه حديثان عن رعيه الغنم.
(2) أي من الباب الذي قبله، أي في مثل معناه.
(1/25)
- باب ما جاء في الخصائص.
- باب ما جاء في دعائه واشتراطه فيه صلى الله عليه وسلم.
- باب بركة دعائه صلى الله عليه وسلم.
- باب فيمن دعا له صلى الله عليه وسلم.
- باب فيما خص به عمن تقدمه.
- باب منه في الخصائص.
- باب منه.
- بابٌ (1) .
- باب صفته صلى الله عليه وسلم.
- باب منه في صفته وطيب رائحته صلى الله عليه وسلم.
- باب في سره وعلانيته صلى الله عليه وسلم.
- باب في أسمائه.
- باب إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات.
- باب إخبار الذئب بنبوته صلى الله عليه وسلم
- باب سؤال الذئب القوت.
- باب شهادة الشجر بنبوته صلى الله عليه وسلم.
- باب شهادة الضب بنبوته صلى الله عليه وسلم.
- باب حديث الظبية.
- باب ما جاء في الشاة المسمومة.
- باب حبس الشمس له صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) فيه أثر واحد عن أميَّة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(1/26)
- باب رده البصر صلى الله عليه وسلم.
- باب شفاء السلعة.
- باب شفاء الجرح.
- باب تسبيح الحصى.
- باب معجزاته صلى الله عليه وسلم في الماء ونبعه من بين أصابعه.
- باب معجزته صلى الله عليه وسلم في الطعام وبركته فيه.
- باب قوله صلى الله عليه وسلم ناولني الذراع.
- باب من أكل من فيه شيئاً.
- باب بركته صلى الله عليه وسلم في اللبن وآيته فيه.
- باب قدوم وفد الجن وطاعتهم لهصلى الله عليه وسلم.
- باب منه في طاعتهم.
- باب منه.
- باب أدب الحيوانات معه صلى الله عليه وسلم.
- باب في معجزاته صلى الله عليه وسلم في الحيوانات والشجر وغير ذلك.
- باب في حديث جابر في قصة بعيره.
- باب في شجاعته صلى الله عليه وسلم.
- باب في جوده صلى الله عليه وسلم.
- باب في حسن خلقه وحياته وحسن معاشرته.
- باب منه.
- باب في تواضعه صلى الله عليه وسلم.
- باب فيمن خدمه صلى الله عليه وسلم.
- باب في مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم وما أطلعه الله تعالى عليه من ذلك.
(1/27)
- باب في رؤيا العباس.
- باب في تخييره صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة.
- باب ما يحصل لأمته صلى الله عليه وسلم من استغفاره بعد (1) وفاته.
- باب في وداعه.
- باب (2) .
- باب تمني رؤيته صلى الله عليه وسلم.
- باب فيما تركه صلى الله عليه وسلم.
وفيما عدا هذين الكتابين توجد مادة يسيرة متفرقة ذات صلة بالسيرة النبوية؛ ففي (كتاب الإيمان) توجد ثلاثة أبواب عن الإسراء به صلى الله عليه وسلم، ورد فيها ثمانية عشر حديثاً، بعضها طوال جداً (3) . وفي (كتاب العلم) ، باب التاريخ، جاءت أحاديث قصيرة متفرقة عن قدومه إلى المدينة، وتاريخ مولده، ووفاته، وعمره عند وفاته، في حدود أحد عشر حديثاً (4) . وفي (كتاب الجهاد) ، باب
__________
(1) الحديث الوارد تحت هذا الباب في المجمع 9/24: مرسل وهو من أقسام الحديث الضعيف فلا يجوز الاحتجاج به، وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله، واستوفى الكلام عليه في السلسلة الضعيفة رقم 975. والذي يبلغ للرسول صلى الله عليه وسلم: هو سلام أمته عليه، وأما عرض الأعمال ففي صحيح مسلم أنها تعرض على الله عز وجل. كتاب البر والصلة ح 36، وفي صحيح مسلم أيضاً (5/42 – مع شرح النووي) أنه عرضت عليه أعمال أمته في حياته صلى الله عليه وسلم، فرأى حسنها وسيئها، أي أن الله أراه إياها وأطلعه عليها. (اللجنة العلمية) .
(2) هذا باب وضع فيه واحداً وثلاثين حديثاً أو رواية في موضوعات شتى لها علاقة بمرضه ووفاته ورثائه.
(3) مجمع الزوائد 1/64- 78.
(4) المصدر السابق 1/196- 197.
(1/28)
خيل النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر فيه ثلاثة أحاديث عن أسمائها (1) . وفي (كتاب التعبير) باب فيما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ثلاثة أحاديث فقط، عن أحد بعوثه، ورؤياه يوم أحد (2) .
ويستنتج مما سبق ما يلي:
- تبلغ الأبواب المعنونة الخاصة بالسيرة النبوية المدرجة في الكتاب كله حوالي خمسين ومائة باب.
- يبلغ مجموع الأحاديث والروايات المضمنة تحت الأبواب السابقة في حدود ستين وألف حديث أو رواية.
- تبلغ مرويات المرحلة المكية سبعاً وتسعين ومائتي رواية أو حديث تقريباً.
- تبلغ مرويات المرحلة المدنية أربعين وأربعمائة حديث أو رواية تقريباً.
- وصل عدد المرويات المتعلقة بعلامات النبوة إلى حوالي ثلاثة وعشرين وثلاثمائة حديث أو رواية.
- يؤلف مجموع ما ورد من الأحاديث والمرويات في موضوع السيرة النبوية في كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد مادة علمية غزيرة جداً لا يوجد ما يماثلها في المصادر الحديثية الأخرى - فيما أعلم -.
- استخراج هذه المادة من الكتاب وتحريرها، يضع بين أيدي الباحثين فرصاً جيدة للتحليل والدراسة والمقارنة مع مرويات السيرة النبوية في المصادر الأخرى.
- سار الهيثمي في منهجه في تدوين أحاديث ومرويات السيرة النبوية وفق
__________
(1) المصدر السابق 5/261.
(2) المصدر السابق 7/180- 181.
(1/29)
طريقته التي سار عليها في عامة الكتاب، من حيث الترتيب والحكم على الأسانيد.
- يتميز الهيثمي عمن جاء بعده، باعتنائه بتخريج الزوائد، واهتمامه بإيراد ما يجده زائداً على ما في الكتب الستة، من كتب الزوائد التي خرجها فيلتقط ما فيها من معلومات تاريخية أو فوائد، ومن ذلك اهتمامه بتخريج ما وجده في معجم الطبراني الكبير من تراجم الصحابة رضي الله عنهم على الرغم من كثرتها (1) .
- توافر من خلال عمل الهيثمي للباحثين في السيرة النبوية مادةٌ محكومٌ عليها حديثياً، إلى حد كبير، سهلةُ التوظيف والمأخذ، مرتبةُ الأبواب.
__________
(1) الدرويش، بغية الرائد 1/64.
(1/30)
السيرة النبوية عند الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد
معالم من منهج الهيثمي في نقد الرجال والأحاديث.
طُبع أكثرُ كتب الهيثمي، وتناول محققو هذه الكتب منهج الهيثمي النقدي فيها، وسأثبت هنا موجزاً لبعض ما ذُكر عن منهجه، ولاسيما أن من تحدثوا عنه هم من المتخصصين في علم الحديث النبوي الشريف؛ فمن أبرز المسائل التي أثيرت في هذا الصدد:
- أنه تكونت لديه المقدرة على النقد، والتمييز بين الرجال، من كثرة الممارسة، لكن لم تكن دائرة معرفته بعلم الرجال واسعة جداً (1) .
- من مزاياه التدقيق فيما ينقله من مصادره (2) .
- محاولته الانعتاق من إسار القيود التي وضعها على نفسه في عدم إصدار أحكام ذاتية (3) .
- له عبارات لطيفة في نقد الرجال، ومقدرة على معرفة العلل الظاهرة والخفية، ولم يبلغ ذلك الشأو الذي بلغه غيره (4) .
- من منهج الهيثمي عدم الحكم الصريح على الحديث النبوي تصحيحاً أو تضعيفاً، كأن يقول: "هذا إسناد صحيح "، أو " هذا إسناد ضعيف " إلا في حالات قليلة جداً، ومدار حكمه على رجال الأسانيد، وأيضاً في الغالب، اعتماداً على كلام من سبقه من رجال الجرح والتعديل والنقاد الذين مارسوا هذا الفن وسبروا أغواره، فيقول مثلاً: " رجاله ثقات"، "رجاله رجال الصحيح"، "فيه فلان ضعيف، وبقية رجاله ثقات"، "رجاله رجال الشيخين"،
__________
(1) الدعيس، المقصد العلي ص 31.
(2) الدرويش، بغية الرائد 1/48.
(3) المصدر السابق 1/48.
(4) الدعيس، المقصد العلي ص 33.
(1/31)
ونحو هذه العبارات التي لا تفيد حكماً على الحديث؛ لأن قول الحافظ "رجاله رجال الصحيح" لا يعني صحة الإسناد، فقد يكون رجاله رجال الصحيح، لكنه لا يسلم من انقطاع، أو شذوذ، أو علة أخرى، تضعف الإسناد المذكور (1) .
- وإذا حَكَمَ على الحديث فلا يعدو قوله: "إسناده حسن"، ويعقب على ذلك بقوله - أحياناً -: "إن شاء الله" (2) .
- عُمدتُه في الكلام على الأسانيد ثقاتُ ابن حبان، وميزانُ الذهبي، فإذا أطلق التوثيق فيريد ابن حبان، إلا في مواضع بيَّن فيها أن رجال الإسناد وثقهم ابن حبان فقط، إشارة منه إلى تضعيف غيره لهم، أو وثقهم جماعة وضعفهم آخرون (3) .
- عدم تسرعه في الأحكام وتوقفه فيما يتشكك فيه؛ فهو يتوقف في الحكم على الأحاديث التي اختلف النقاد في أسانيدها والحكم على رجالها، فلا يجزم بحكم فاصل عليهم، بل يذكر الراوي وينقل كلام النقاد فيه ولا يتعقبه إلا نادراً (4) .
- تمييزه للسماع، مَنْ سمع من الراوي قبل اختلاطه أو بعده، وإن كان هذا غير مطرد دائماً، ومعرفته أن الشخص ثقة في رواية فلان عنه، ضعيف في غيره (5) .
- محاولته أحياناً توثيق من تُكُلِّم فيه، وهذا من علامات وضوح
__________
(1) الدرويش، بغية الرائد 1/ 44؛ علوش، علم زوائد الحديث ص 257؛والدعيس، المقصد العلي ص 42.
(2) الدرويش، بغية الرائد 1/ 44، ومجمع الزوائد 6/48.
(3) الدرويش، بغية الرائد 1/ 48، 51؛ الدعيس، المقصد العلي ص 33.
(4) الدرويش، بغية الرائد 1/48؛ الدعيس، المقصد العلي ص 41.
(5) الدرويش، بغية الرائد 1/48.
(1/32)
شخصيته (1) .
- ينقل الفوائد التي يذكرها المخرِّجون إذا رأى ضرورة (2) .
- عدم اكتفائه بحكم صاحب الأصل؛ كما في تعقبه للبزار في مواطن (3) .
- تمييزه أحياناً لرجال الصحيح وأن أحدهم فيه كلام، أو يُبَيِّن إرسالَه (4) .
- ذكره متابعات للإسناد من كتب أخرى كالمستدرك للحاكم، ولذلك تراه أحياناً يسقط الكلام على أحد رجال الإسناد إذا كان له متابع في المصادر الأخرى (5) .
- يشير أحياناً إلى الشواهد التي ترفع من درجة الأحاديث المعلول إسنادُها (6) .
- يعدِلُ أحياناً إلى ذكر عدم معرفته بالراوي إلى التصريح بعدم الوقوف على جرح أو تعديل فيه (7) .
- إذا لم يتكلم على الإسناد فهو إشارة منه - والله أعلم - إلى زيادة ضعفه، أو قربه من الوضع، وكأنه يتوقف في ذلك فلا يتكلم، أو ربما إشارة
__________
(1) المصدر السابق 1/48.
(2) الدرويش، بغية الرائد 1/49.
(3) المصدر السابق 1/48؛ الدعيس، المقصد العلي ص 40.
(4) الدرويش، بغية الرائد 1/48.
(5) المصدر السابق 1/49.
(6) انظر مثلاً: مجمع الزوائد 5/302، 6/97، 7/187، 8/222، 9/83. وهذا يخالف ما قرره الأستاذ علوش؛ من أن الهيثمي لا يعرج على هذا البتة ص 257.
(7) الدعيس، المقصد العلي ص 32 الدرويش، بغية الرائد 1/48.
(1/33)
إلى عدم أهمية الحديث عن الإسناد في ذلك الموضع؛ كالأخبار التاريخية، أو أسانيد بعض الأشعار (1) .
- يذكر أحياناً عدم معرفته براو، نجدُ مَنْ سَبقه أو عاصره قد ترجم له، بل وثقه، ولعل ذلك يرجع إلى عدم وقوفه على بعض المصنفات في علم الرجال (2) .
- ينقل أحياناً عن بعض الأئمة كلاماً في الرواة دون أن يتقيد بألفاظهم (3) .
- قد يُنَبِّه على وجود راوٍ ضعيف في الإسناد، ولا يفصح باسمه (4) .
- وإذا قال عن حديث: "مرسل صحيح" فيريد بصحيح: أن رجاله ثقات، لأن المرسل كله ضعيف (5) .
- وإذا قال: "رجاله رجال الصحيح" فيريد صحيح مسلم، لا البخاري (6) .
- وإذا قال: "إسناده ضعيف" بدون تحديد، فيشير إلى وجود أكثر من علة (7) .
- وإذا قال عن رجل: "مجمع على ضعفه" فيريد غالباً أنه متروك، إذا كان متشككاً بعض الشيء (8) .
- وإذا قال عن رجل: "وهو متهم بهذا الحديث" فهي إشارة إلى وضعه
__________
(1) الدرويش، بغية الرائد 1/50.
(2) الدعيس، المقصد العلي ص 32.
(3) المصدر السابق ص 33.
(4) الدعيس، المقصد العلي ص 32، يذكر الشيخ الدرويش أنه في مثل هذه الحال يريد أبا حنيفة النعمان، بغية الرائد 1/51.
(5) الدرويش، بغية الرائد 1/50.
(6) المصدر السابق 1/50.
(7) المصدر السابق 1/51.
(8) المصدر السابق 1/51.
(1/34)
لذلك الحديث (1) .
- معرفة الراوي بعد الجهل به، وتغير حكمه فيه (2) .
- يضبط الأسماء بالحروف أحياناً (3) .
ويؤخذ عليه في مجال نقده مآخذ - وهو ما أشرنا سابقاً إلى تتبع العلماء له فيه - مثل:
- تصحيح أسانيد ليست صحيحة (4) .
- تحسين أحاديث ليست بحسنة (5) .
- تعليل أخرى وهي غير معلولة (6) .
- تضعيف ما هو صحيح (7) .
- اختلاف حكمه على الحديث من موضع لآخر (8) .
__________
(1) المصدر السابق 1/51.
(2) علوش، علم زوائد الحديث ص 246، ومثَّل لهذا بـ (علي بن عاصم) قال عنه أولاً: " لم أر من ترجم له " المجمع 1/172، ثم وجده فيما بعد فقال: " كان كثير الغلط، وينبه على ذلك، فلا يرجع، ويحتقر الحفاظ " المجمع 1/209،ثم رأى من- - وثقه، فقال: " فيه ضعف وقد وثق " المجمع 4/19، ثم كان آخر ما جاء في المجمع عنه: " ضعيف لكثرة غلطه، وتماديه فيه، وقد وثق " 6/179.
(3) الدعيس، المقصد العلي ص 42.
(4) الدعيس، المقصد العلي ص 47.
(5) المصدر السابق ص 47.
(6) المصدر السابق ص 47.
(7) المصدر السابق ص 47.
(8) الدرويش، بغية الرائد 1/47.
(1/35)
- إعلاله بما هو أقل من المطلوب (1) .
- كلامه على بعض الضعفاء في الإسناد دون بعض (2) .
- وصف بعض الرجال بأوصاف لم تذكر عنهم، كالتدليس مثلاً (3) .
- نفيه أن يكون الرجل فلاناً، فإذا به هو (4) .
- ظنّه بعضَ الكُنى لفلان ثم يتبين أنها لغيره، أو أن في الإسناد فلاناً فإذا هو غيره (5) .
- تبيينه أحياناً تصريح المدلس بالتحديث، وإغفاله ذلك في مواطن أخرى (6) .
- يذكر أحياناً أسماء ضعفاء في إسناد ما، ولا يبين ضعفهم (7) .
- تغير عبارته في الحكم على الرواة (8) .
- إلى آخر ما قيل في هذا الصدد، لكني أقول: إن اهتمام أهل العلم بكتب الهيثمي وتتبع أوهامه فيها، دليل على قيمتها العلمية الكبيرة، والنقص من سمة الطبع البشري الذي لا يكاد ينفك منه أحد إلا المعصومون عليهم الصلاة والسلام.
__________
(1) المصدر السابق 1/45.
(2) المصدر السابق 1/45.
(3) المصدر السابق 1/45.
(4) المصدر السابق 1/45.
(5) المصدر السابق 1/45- 46.
(6) المصدر السابق 1/46.
(7) المصدر السابق 1/47.
(8) انظر مثلاً مجمع الزائد في حديثه عن عبد العزيز بن عمران؛ فأحياناً يقول عنه: "ضعيف" وأحياناً يقول: "متروك" 6/ 77، 80، 82، 8/220، 231، 298، 299.
(1/36)
السيرة النبوية عند الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد
علماء استفادوا من كتاب مجمع الزوائد للهيثمي
في إطلالة سريعة على بعض المصنفات الحديثية اطلعت على نماذج ممن استفاد من تخريجات الهيثمي وأحكامه على الأسانيد من أهل العلم والمحدِّثين قديماً وحديثاً؛ ومما وقفت عليه من ذلك:
- الشيخ البوصيري (ت 840هـ) استفاد من كتابي شيخه الهيثمي (بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث) و (المقصد العلي) ، ونقل منهما كثيراً من الأحاديث، ونقل منهما كذلك كلام شيخه على الأحاديث، ولم يصرح باسمه، وتعقبه في إيراد بعض الأحاديث في بغية الباحث، في مواطن قليلة (1) .
- صرح الحافظ ابن حجر (ت 852هـ) في مواضع من مؤلفاته باستفادته من شيخه الهيثمي؛ كما في (القول المسدد) و (تعجيل المنفعة) وغيرها (2) .
- المحدث السيوطي (ت 911هـ) أحصيتُ في كتابه الشهير (الجامع الصغير) ما يقرب من اثنتي عشرة ومائة إحالة على أحكام الهيثمي (3) .
- الشيخ المناوي (ت 1031هـ) في كتابه (فيض القدير) رأيت في هذا الكتاب إحالات كثيرة جداً على أحكام الهيثمي وتخريجه تنوف على سبعمائة وألف مرة (4) .
- والإمام محمد بن محمد بن سليمان السوسي (ت1094هـ) ما قام كتابه (جمع الفوائد) إلا على جامع الأصول ومجمع الزوائد (5) .
- والشيخ الحسيني (ت 1120هـ) صاحب كتاب (البيان والتعريف) نقل
__________
(1) مقدمة كتاب إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة 1/18- 19.
(2) مثلاً: القول المسدد ص 84، 89؛ وتعجيل المنفعة ص 74، 221.
(3) مثلاً: ص 83، 226.
(4) على سبيل المثال: 1/52، 6/467.
(5) البغدادي، إيضاح المكنون 1/367.
(1/37)
من الهيثمي ما يقرب من خمسة وسبعين ومائة من كلامه على الرجال والأسانيد (1) .
- والشيخ العجلوني (ت 1162هـ) أسند إلى أحكام الهيثمي مرات متعددة في كتابه المعروف (كشف الخفاء) (2) .
- الإمام الصنعاني (ت 1182هـ) كثيراً ما كان يعزو الأحاديث في كتابه (سبل السلام) إلى مجمع الزوائد، ثم يورد كلام الهيثمي عقبها (3) .
- والإمام الشوكاني (ت 1255هـ) نقل عنه في مواضع عديدة في كتابه (نيل الأوطار) (4) .
- والشيخ أبو الطيب العظيم آبادي (ت 1329هـ) في كتابه (عون المعبود) (5) .
- والشيخ أبو العلا المباركفوري (ت 1353هـ) في كتابه (تحفة الأحوذي) أحال أكثر من ستين مرة على الهيثمي (6) .
- والمحدث العلامة الألباني (ت 1420هـ) أحال في كثير من كتبه على أحكام الهيثمي، وعلى سبيل المثال: رأيت من هذا القبيل في تحقيقه لكتاب (السنة لابن أبي عاصم) ما يقارب الثمانين موضعاً (7) .
__________
(1) مثلاً: 1/365، 2/230 من الكتاب نفسه.
(2) انظر مثلاً: 1/ 176، 2/13.
(3) انظر على سبيل المثال: 1/151، 2/20 من الكتاب نفسه.
(4) انظر مثلاً: 2/291.
(5) مثلاً: 1/273، 13/214.
(6) على سبيل المثال: 1/68، 10/117.
(7) مثلاً: ص 141، 490.
(1/38)
نماذج من مرويات السيرة النبوية من مجمع الزوائد للهيثمي (1) .
أولاً: (من كتاب المغازي والسير) :
1- وعن جُبير بن نُفير قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوماً، ومر بنا رجلٌ واستمعنا إليه، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت، فأقبل إليه فقال: ما يحمل الرجل أن يتمنى محضراً غيَّبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف يكون فيه! والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وس
__________
لم أقوامٌ كبهم الله على مناخرهم في جهنم؛ لم يجيبوه، ولم يصدقوه، ألا يحمد الله تعالى أحدكم ألا تعرفوا إلا ربكم، مصدِّقين بما جاء به نبيكم، فق
__________
د كُفيتم البلاء بغيركم، والله لقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبي من الأنبياء، في فترة وجاهلية، لم يروا أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى إن كان الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافراً، وقد فتح الله تعالى قُفلَ قلبه للإيمان، ليعلم أنه قد هلك من دخل النار فلا تقر عينه، وهو يعلم أن حميمه في النار وأنها التي قال الله تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} (الفرقان: 74) .
رواه الطبراني بأسانيد، في أحدها يحيى بن صالح، وثقه الذهبي، وقد تكلموا
__________
(1) ليعلمَ أنني قد أضيف أحياناً إلى نص (مجمع الزوائد) من (الأصل المستخرج منه) زيادات يسيرة مما قد يقتضية المقام؛ لإكمال نقص، أو توضيح معنى، دون أن أشير إلى ذلك.
(1/39)
فيه، وبقية رجاله رجال الصحيح (1) .
2- وعن الحارث بن الحارث قال: قلت لأبي: ما هذه الجماعة؟ قال هؤلاء القوم الذين اجتمعوا على صابئ لهم، قال: فنزلنا، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله - عز وجل - والإيمان به، وهم يردون عليه ويؤذونه، حتى انتصف النهار، وانصدعَ الناس عنه، أقبلت امرأة قد بدا نحرها تحمل قدحاً ومنديلاً، فتناوله منها فشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه، فقال: "يا بنية خَمِّري عليك نحرك، ولا تخافين على أبيك" قلنا: من هذه؟ قالوا: هذه زينب بنته. رواه الطبراني ورجاله ثقات (2) .
3- وعن عبد الله بن مسعود قال: ما سمعنا مناشداً ينشد حقاً له أشدَ مناشدة من محمد صلى الله عليه وسلم يومَ بدر؛ يقول: "اللهم أنشدك ما وعدتني، إن تهلك هذه العصابة لا تعبد"، ثم التفت كأن وجهه القمر، فقال:"كأنما أنظر إلى مصارع القوم عشية".
__________
(1) مجمع الزوائد 6/17، والمعجم الكبير 2/253، وإسناده: (حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا نعيم بن حماد ح وحدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا يحيى الحماني قالا ثنا ابن المبارك عن صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال:..) .
(2) مجمع الزوائد 6/21، والمعجم الكبير 3/268، وإسناد الحديث: (حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، والحسين بن إسحاق التستري، قالا: ثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا عبد الغفار بن إسماعيل بن عبيد الله، ثنا الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، ثنا الحارث بن الحارث الغامدي، قال: ... ) .
(1/40)
رواه الطبراني، ورجاله ثقات، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه (1) .
4- وعن أنس والحسن قال: استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى، يوم بدر، فقال: " إن الله - عز وجل - قد أمكنكم منهم " قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قال ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس" قال: فقام عمر، فقال: يا رسول الله، اضرب أعناقهم، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ترى أن تعفو عنهم، وأن تقبل منهم الفداء. قال: فذهب عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم، قال: فعفا عنهم، وقبِلَ منهم الفداء، قال، وأنزل الله عز وجل {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} الآية..) سورة الأنفال:68) رواه أحمد عن شيخه علي بن عاصم بن صهيب، وهو كثير الغلط والخطأ، لا يرجع إذا قيل له الصواب، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح (2) .
__________
(1) مجمع الزوائد 6/82، المعجم الكبير 10/147، وإسناده: (حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصبهاني، وعبدان بن أحمد، وعلي بن بسطام الزعفراني، قالوا: ثنا سهل بن عثمان، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال:..)
(2) مجمع الزوائد 6/87، ومسند الإمام أحمد 3/243، وإسناده: (حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا علي بن عاصم، عن حميد، عن أنس، وذكر رجلا، عن الحسن، قال:..) .
(1/41)
5- وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب، وكنت قد أسلمْتُ، وأسلمَتْ أم الفضل، وأسلم العباس، وكان يكتم إسلامه مخافة قومه، وكان أبو لهب تخلف عن بدر، وبعث مكانه العاص بن هشام، وكان له عليه دين، فقال له: اكفني من هذا الغزو، وأترك لك ما عليك، ففعل. فلما جاء الخبر، وكبتَ الله أبا لهب، وكنت رجلاً ضعيفاً أنحتُ هذه الأقداح في حجرة زمزم، فوالله إني لجالس أنحت أقداحي في الحجرة، وعندي أم الفضل، إذا الفاسق أبو لهب يجر رجليه، أراه قال: حتى جلس عند طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري، فقال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث، فقال أبو لهب: هلمَّ إلي يابن أخي، فجاء أبو سفيان حتى جلس عنده، فجاء الناس فقاموا عليهما، فقال: يابن أخي، كيف كان أمر الناس؟ قال: لا شيء، والله ما هو إلا أن لقيناهم، فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤوا، ويأسروننا كيف شاؤوا، وايم الله ما لمتُ الناس، قال: ولِمَ؟ فقال: رأيت رجالاً بيضاً على خيل بُلق، لا والله ما تُليق (1) شيئاً، ولا يقوم لها شيء، قال: فرفعت طنب الحجرة، فقلت: تلك والله الملائكة، فرفع أبو لهب يده فلطم وجهي، وثاورته؛ فاحتملني فضرب بي الأرض حتى نزل علي، وقامت أم الفضل، فاحتجزت، وأخذت عموداً من عمد الحجرة، فضربته به، ففلقت في رأسه شجة منكرة، وقالت: أي عدو الله، استضعفتَه أنْ رأيت سيده غائباً عنه! فقام ذليلاً، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى ضربه الله بالعدسة (2) فقَتَلَتْه، فتركه ابناه يومين أو ثلاثة ما يدفنانه، حتى أنتن، فقال
__________
(1) أي: ما تمسك.
(2) بثرة تخرج في البدن كالطاعون، وقلما يسلم صاحبها. المعجم الوسيط 2/587.
(1/42)
رجل من قريش لابنيه: ألا تستحييان أن أباكما قد أنتن في بيته؟ فقالا: إنا نخشى هذه القرحة، وكانت قريش تتقي العدسة كما تتقي الطاعون، فقال رجل: انطلقا فأنا معكما، قال: فوالله ما غسَّلاه إلا قذفاً بالماء من بعيد، ثم احتملوه، فقذفوه في أعلى مكة إلى جدار، وقذفوا عليه الحجارة.
رواه الطبراني والبزار وفي إسناده حسين بن عبد الله بن عبيد الله وثقه أبو حاتم وغيره وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات (1) .
6- وعن الزبير قال: اجتمعت على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة يوم أحد، فلم يبق أحدٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - يعني: بالمدينة - حتى كثرت القتلى، فصرخ صارخٌ: قد قتل محمد، فبكين نسوة، فقالت امرأة: لا تعجلن بالبكاء حتى أنظر، فخرجت تمشي ليس لها همٌّ سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسؤال عنه.
رواه البزار، وفيه عمرو بن صفوان، وهو مجهول (2) .
7- وعن حسيل بن خارجة الأشجعي قال: قدمت المدينة في جَلَبٍ أبيعُه، فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " أجعلُ لك عشرين صاعاً، من تمرٍ، على أن تدلَّ أصحابي على طريق خيبر"، ففعلتُ، فلما قدم رسول الله
__________
(1) مجمع الزوائد 6/88- 89، والمعجم الكبير 1/308، وإسناده: (حدثنا موسى بن هارون، ثنا إسحاق بن راهويه، حدثنا وهب بن جرير، حدثني أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق يقول: حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:..) ؛ وانظر المستدرك على الصحيحين، للحاكم 3/363، الحديث رقم: 5403.
(2) مجمع الزوائد 6/115، ومسند البزار 3/199، وإسناده: (حدثنا أحمد بن يحيى الكوفي، قال: نا إبراهيم بن علي، قال: نا عمرو بن صفوان، عن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال:..) .
(1/43)
صلى الله عليه وسلم خيبر، وفتحها، جئت فأعطاني العشرين، ثم أسلمت.
رواه الطبراني وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف (1) .
8- وعن عروة بن الزبير، قال: وفرَّ عكرمة بن أبي جهل عامداً إلى اليمن، وأقبلت أم الحكيم بنت الحارث بن هشام، وهي يومئذ مسلمة، وهي تحت عكرمة بن أبي جهل، فاستأذنتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في طلب زوجها، فأذن لها وأمَّنَهُ، فخرجت بعبدٍ لها روميٍّ فَرَاوَدَها عن نفسها، فلم تزل تُمنِّيه وتُقرِّب له حتى قدمت على أناس من عُكّ، فاستعانتهم عليه، فأوثقوه، فأدركت زوجها ببعض تهامة، وقد كان ركب سفينة، فلما جلس فيها نادى باللات والعزى، فقال أصحاب السفينة: لا يجوز أن تدعوَ هاهنا أحداً إلا الله وحده مخلصاً، فقال عكرمة: والله لئن كان في البحر، إنه لفي البر وحده، فأقسم بالله لأرجعن إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فرجع عكرمة مع امرأته، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه، وقبلَ منه. ودخل رجلٌ من هذيل حين هُزمت بنو بكر على امرأته فاراً، فلامته وعجَّزته وعيَّرته بالفرار، فقال:
وأنتِ لو رأيتِنا بالخَنْدَمَة
إذ فرَّ صفوانُ وفرَّ عِكرمة
ولَحِقَتْنَا بالسيوف المُسلِمة
يقطعنَ كلَّ ساعدٍ وجُمجمة
__________
(1) مجمع الزوائد 6/148، والمعجم الكبير 4/33، وإسناده: (حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أحمد بن سنان الواسطي، ثنا يعقوب بن محمد الزهري، ثنا عبد العزيز بن عمران، عن إبراهيم بن حويصة الحارثي، عن معن بن جويرية، عن حسيل بن خارجة الأشجعي، قال:..) .
(1/44)
لم تنطقي في اللَّومِ أدنى كَلِمَة
رواه الطبراني وهو مرسل، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف (1) .
ثانياً: (من كتاب علامات النبوة) :
9- وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال عبد المطلب: خرجت إلى اليمن في إحدى رحلتي الإيلاف، فنزلت على رجل من اليهود، فرآني رجل من أهل الديور، فنسبني، فانتسبت له، فقال: أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك؟ قلت: نعم، مالم يكن عورة، ففتح إحدى منخري فنظر، ثم نظر في الآخر، قال: أشهد أن في إحدى يديك ملكاً، وفي الأخرى نبوة، وإنا لنجد ذلك في بني زهرة! فكيف ذلك؟ قلت: لا أدري، قال: هل لك من شاعة؟ قلت: وما الشاعة؟ قال: زوجة، قلت: أما اليوم فلا، قال: فإذا رجعتَ فتزوجْ في بني زهرة، فرجعَ عبد المطلب، فتزوجَ هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة، فولدت له حمزة وصفية، وزوَّج عبد الله ابنه آمنة بنت وهب، فقالت قريش: نتج عبد المطلب على ابنه، فولدت له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان حمزة رضي الله عنه أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة؛ مولاة أبي لهب، وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني وفيه عبد العزيز بن عمران وهو متروك (2) .
__________
(1) مجمع الزوائد 6/174- 175، والمعجم الكبير 17/372، وإسناده: (حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني حدثني أبي ثنا بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة في قصة الفتح قال وفر عكرمة..) ؛ وانظر المستدرك للحاكم 3/269، الحديث: 5056.
(2) مجمع الزوائد 8/230- 231، والمعجم الكبير 3/137 - 138، وإسناده: (حدثني العباس بن حمدان الحنفي الأصبهاني، ثنا علي بن أحمد الجواربي الواسطي، ثنا يعقوب بن محمد الزهري، ثنا عبد العزيز بن عمران، عن عبد الله بن جعفر المخرمي، عن أبي عون مولى المسور بن مخرمة، عن المسور، عن ابن عباس، عن أبيه، قال: قال عبد المطلب:..) .
(1/45)
10- وعن أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله، ما كان بدء أول أمرك؟ قال: "دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منه قصور الشام". رواه أحمد، وإسناده حسن، وله شواهد تقويه، ورواه الطبراني (1) .
11- وعن رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم -وكانت لِدة عبد المطلب- قالت: تتابعتْ على قريش سنونَ أمحلت الضرعَ وأدقت العظم، فبينا أنا راقدة الهمِّ أو مهمومة، إذا هاتف يصرخ بصوت صَحْلٍ (2) يقول: يا معشر قريش، إن هذا النبي المبعوث قد أظلتكم أيامه، وهذا إبَّانُ نجومه، فحيهلا بالحيا والخصب، ألا فانظروا رجلاً منكم وسيطاً عظاماً جساماً أبيضَ بضياء، أوطفَ أهدبَ، سهلَ الخدين، أشمَّ العِرنين، له فخرٌ يكظم عليه، وسنة يهدي إليه، فليخلص هو وولده، وليهبط إليه من كل بطن رجلٌ، فليشنُّوا من الماء، وليمسّوا من الطيب، وليستسلموا الركن، ثم ليرقوا أبا قبيس، ثم ليدعوَ الرجلُ، وليؤمِّن القوم، فغثتم ما شئتم، فأصبحتُ - علمَ الله - مذعورة، اقشعر جلدي، ووله عقلي، واقتصصت رؤيايَ، وفشت في شعاب مكة، فوالحرمة والحرم ما بقي بها أبطحي إلا قال: هذا شيبةُ الحمد، وتناهت إليه
__________
(1) مجمع الزوائد 8/222، ومسند الإمام أحمد 5/262، وإسناده: (حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا أبو النضر، ثنا الفرج، ثنا لقمان بن عامر، قال: سمعت أبا أمامة، قال: قلت:..) ، والمعجم الكبير 8/175 وإسناده: (حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، ثنا عاصم ابن علي، ح وحدثنا محمد بن الفضل السقطي، ثنا سعيد بن سليمان، قالا: ثنا فرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي أمامة، قال: قيل:..) .
(2) أي خشن.
(1/46)
رجالات قريش، وهبط إليه من كل بطن رجل، فشنوا، ومسوا، واستلموا، ثم ارتقوا أبا قبيس، واصطفوا حوله، ما يبلغ سعيهم مهله، حتى إذا استووا بذروة الجبل، قام عبد المطلب ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، غلامٌ أيفعٌ، أو كَرُبَ، فرفعَ يده، وقال: اللهم سادَّ الخُلَّة، وكاشف الكربة، أنت مُعْلِم غير مُعْلَم، ومسؤول غير مبخَّل، وهذه عبداؤك وإماؤك بِعَذِرَاتِ حَرَمِكَ يشتكون إليك، سَنَتُهم أذهبتْ الخفَّ والظلفَ، اللهم فأمطرن علينا غيثاً مغدقاً مريعاً. فورب الكعبة ما راموا حتى تفجرت السماء بمائها، واكتظ الوادي بثجيجه، فسمعتُ شيخانَ قريش وجُلَّتَها، عبدَ الله بن جدعان، وحربَ بن أمية، وهشامَ بن المغيرة، يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك أبا البطحاء (1) ، وفي ذلك تقول رقيقة بنتُ أبي صيفي:
بشيبةَ الحمد أسقى الله بلدتَنا ... وقد فقدنا الحيا واجلوَّذ المطرُ
فجاد بالماء جَوْنيٌّ له سَبَلٌ ... سَحَا فعاشت به الأنعام والشجر
مَنّاً منَ الله بالميمونِ طائرُه ... وخيرِ من بُشِّرت يوماً به مضر
مباركُ الأمر يُستسقى الغمامُ به ... ما في الأنام له عِدل ولا خَطر
رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم (2) .
12- وعن سعيد بن أبي راشد قال: رأيت التنوخيَّ رسولَ هرقل
__________
(1) أي عاش بك أهل البطحاء.
(2) مجمع الزوائد 8/219، والمعجم الكبير 24/259- 260، وإسناده: (حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري، ثنا زكريا بن يحيى أبو السكن الطائي، ثنا عم أبي زجر بن حصن، عن جده حميد بن منهب، قال: حدثني عروة بن مضرس، قال: حدث مخرمة بن نوفل، عن أمه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم..) .
(1/47)
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص، وكان جاراً لي؛ شيخاً كبيراً قد بلغ الفَنَدَ، أو قربَ، فقلت: ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل؟ قال: بلى، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، وبعث دحية الكلبي إلى هرقل، فلما أن جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا قسِّيسي الروم وبطارقتها، ثم غلق عليه وعليهم الدار، قال: نزل هذا الرجلُ حيث رأيتم، وقد أرسل إليَّ يدعوني إلى ثلاث خصال: يدعوني أن أتبعه على دينه، أو أن نعطيه مالنا على أرضنا، والأرض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب، والله لقد عرفتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي، فهلمَّ نتبعه على دينه، أو نعطيه مالنا على أرضنا، فَنَخَروا نخرة رجل واحد، حتى خرجوا من برانسهم، وقالوا: تدعونا إلى أن نذر النصرانية، أو نكون عبيداً لأعرابي جاء من الحجاز، فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه رفاقهم وملكَه، قال: إنما قلت ذلك لكم: لأعلم صلابتكم على أمركم، ثم دعا رجلاً من عرب تجيب - كان على نصارى العرب - قال: ادع لي رجلاً حافظاً للحديث، عربي اللسان، أبعثُه إلى هذا الرجل بجواب كتابه، فجاءني فدفع إليَّ هرقل كتاباً، فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل، فما ضيَّعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال: انظر هل يذكر صحيفته التي كتب إلي بشيء؟ وانظر إذا قرأ كتابي، هل يذكر الليل؟ وانظر في ظهره هل به شيء يريبك؟ فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك، فإذا هو جالس بين أصحابه على الماء، فقلت: أين صاحبكم؟ قيل: ها هو ذا، فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه، فناولته كتابي فوضعه في حجره، ثم قال: " ممن أنت "؟ قلت: أنا أحد تنوخ، فقال: " هل لكَ في الحنيفية ملة أبيكم إبراهيم "؟ قلت: إني رسولُ قوم، وعلى دين
(1/48)
قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم، قال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (سورة القصص: 56) . يا أخا تنوخ إني كتبت بكتابٍ إلى كسرى فمزَّقه والله ممزِّقُه وممزقٌ ملكه، وكتبت إلى النجاشي فخرَّقها والله مخرِّقُه ومخرقٌ ملكَه، وكتبت إلى صاحبكم بصحيفة فأمسكها، فلن يزال الناس يجدون منه بأساً ما دام في العيش خير ". قلت: هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي، وأخذت سهماً من جعبتي فكتبتها في جلد سيفي، ثم إنه ناول الصحيفة رجلاً عن يساره، فقلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قالوا: معاوية، فإذا في كتاب صاحبي؛ تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين! فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله! فأين الليل إذا جاء النهار؟ " فأخذت سهماً من جعبتي، فكتبته في جلد سيفي، فلما فرغ من قراءة كتابي، قال: " إن لك حقاً، وإنك رسولٌ، فلو وجدتَ عندنا جائزة جوَّزناك بها، إنا سَفْرٌ مُرمِلون "، قال: فناداه رجل من طائفة الناس، أنا أجوزه، ففتح رحَله، فإذا هو يأتي بحلة صفورية فوضعها في حجري، فقلت: من صاحب الحلة؟ قيل: عثمان، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يُنْزِلُ هذا الرجل"؟ فقال فتى من الأنصار: أنا، فقام الأنصاري، وقمت معه فلما خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أخا تنوخ" فأقبلت أهوي حتى كنت قائماً في مجلسي الذي كنت فيه بين يديه، فحلَّ حبوتَه عن ظهره فقال: "هاهنا امض لما أمرتَ به" فجلت في ظهره، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف، مثل الحجمة الضخمة. رواه عبد الله بن أحمد، وأبو يعلى،
(1/49)
ورجال أبي يعلى ثقات، ورجال عبد الله بن أحمد كذلك (1) .
13- وعن حذيفة قال: بينا أنا أمشي في طريق المدينة، إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: "أنا محمد، وأحمد، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، والحاشر، والمقفي، ونبي الملحمة" أو "الملاحم".
رواه أحمد، والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير عاصم بن بهدلة، وهو ثقة، وفيه سوء حفظ (2) .
14- وعن أم أنس بن مالك قالت: كانت لنا شاة، فجمعت من سمنها في عُكة، فملأت العكة، ثم بعثت بها مع ربيبة، فقلت: يا ربيبة أبلغي هذه العكة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدمُ بها، فانطلقت ربيبةُ حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله عكة سمن بعثت بها إليك أم سليم، فقال: "فرِّغوا لها عكتها" ففرغت العكة، فدفعت إليها، فانطلقت، فجاءت أم سليم، فرأت العكة ممتلئةً تقطرُ، فقالت أم سليم: يا ربيبة، أليس قد أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: قد فعلت، فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت أم سليم ومعها ربيبة فقالت: يا رسول الله، إني بعثتُ إليك
__________
(1) مجمع الزوائد 8/235- 236، ومسند الإمام أحمد 3/441، وإسناده: (حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا إسحاق بن عيسى، قال: حدثني يحيى بن سليمان، عن عبد الله بن عثمان ابن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد، قال:..) .
(2) مجمع الزوائد 8/284، ومسند الإمام أحمد 5/405، وإسناده: (حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا روح وعفان، قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن حذيفة، قال:..) ومسند البزار 7/294، وإسناده: (حدثنا الفضل بن سهل، قال: أخبرنا الأسود بن عامر، قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش، قال أخبرنا عاصم، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال:..) .
(1/50)
معها بعكة فيها سمن، فقال: "قد فَعَلَتْ، قد جاءت بها"، فقالت: والذي بعثك بالهدى ودين الحق إنها لممتلئة تقطر سمناً. قال: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتعجبين أن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه كلي وأطعمي"، قالت: فجئت البيت فقسمت في قُعب لنا كذا وكذا، وتركت فيها ما ائتدمنا به شهراً، أو شهرين. رواه أبو يعلى، والطبراني إلا أنه قال: زينب بدل ربيبة، وفي إسنادهما: محمد بن زياد البرجمي، وهو اليشكري، وهو كذاب (1) .
ويظهر من خلال النصوص السابقة ما يأتي:
- أحكام مختلفة بين التوثيق والتجريح.
- أحاديث مختلفة بين الطول والقصر.
- الجمع بين أكثر من مصدر في استخراج الزوائد.
- التوقف عن الحكم على الإسناد في حال وجود راو غير معروف.
- التفصيل في حال بعض الرواة.
- الاعتبار بالشواهد.
- عدم التزام ألفاظ معينة في التوثيق والتجريح في حال بعض الرواة.
- التمييز بين الأسانيد المتصلة والمرسلة.
- تمييز سماع المتقدم من المتأخر.
- الدقة في تمييز الألفاظ الزائدة بين مصدر وآخر.
- اعتماد توثيق ابن حبان أحياناً، وأخرى توثيق الذهبي.
__________
(1) مجمع الزوائد 8/309، مسند أبي يعلى 7/217، وإسناده: (حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا محمد بن زياد البرجمي، عن أبي الظلال، عن أنس بن مالك، عن أمه، قال:..) ، والمعجم الكبير 25/120، وإسناده: (حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا شيبان بن فروخ، ثنا محمد بن زياد البرجمي، ثنا أبو ظلال، عن أنس بن مالك، عن أمه، قالت:..) . (1/51)



السيرة النبوية عند الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد
الخاتمة:
- تناول هذا البحث كتاباً من أشهر المصنفات الحديثية في بابه، وأجلى مادته المتعلقة بالسيرة النبوية، بعد أن وقف على جوانب مهمة من حياة مصنِّفه، ولاسيما تأكيد تفوقه في الحفظ والاستحضار للمتون على أقرانه، بل شيوخه.
- أوضح البحث أن الأبواب الخاصة بالسيرة النبوية المدرجة في هذا الكتاب تشمل مساحة شاسعة في ميدان السيرة النبوية، تحوي مادة غزيرة جداً تعدُّ من أوسع ما هو موجود في المصادر الحديثية.
- بلغ مجموع المرويات المتعلقة بالمرحلة المكية من السيرة النبوية ما يناهز سبعة وتسعين ومائتي حديث أو رواية.
- بينما بلغت المرويات المتعلقة بالمرحلة المدنية ما يقارب أربعين وأربعمائة حديث أو رواية.
- أما المرويات التي تدخل في أبواب علامات النبوة فتصل إلى ما ينوف على ثلاثة وعشرين وثلاثمائة حديث أو رواية.
- ومن كل هذا يتألف لدينا من هذا الكتاب رصيد من المرويات؛ يبلغ مجموعه قريباً من ستين وألف حديث أو رواية، يصب كله في محيط السيرة النبوية.
- وهذا الرصيد الضخم من المرويات المحكوم عليه حديثياً إلى حد كبير، يتيح فرصاً جديدة للباحثين في ميدان السيرة النبوية؛ دراسة وتحليلاً ومقارنة بمرويات أخرى من مصادر أخرى.هذا والله تعالى أحكم وأعلم، وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه(1/52)
..........................................
المصادر والمراجع
- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري، تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، دار الوطن للنشر، الطبعة الأولى، الرياض 1420هـ.
- إنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر العسقلاني، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الأولى، الهند 1392هـ.
- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون للبغدادي، مكتبة المثنى، بغداد د. ت.
- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني، دار المعرفة، بيروت د. ت.
- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للهيثمي، تحقيق: حسين بن أحمد الباكري، مركز خدمة السنة والسيرة في الجامعة الإسلامية بالتعاون مع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الطبعة الأولى، المدينة الشريفة 1413هـ.
- بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي، تحقيق: عبد الله محمد الدرويش، دار الفكر، الطبعة الأولى، بيروت 1414هـ.
- البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف للحسيني، تحقيق: حسين عبد المجيد هاشم، دار التراث العربي، القاهرة د. ت.
- التبيين لأسماء المدلسين لسبط بن العجمي، تحقيق: محمد إبراهيم الموصلي، دار الريان، الطبعة الأولى، بيروت 1414هـ.
- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري، دار الكتب
(1/53)
العلمية، بيروت د. ت.
- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، بيروت 1399هـ.
- ترتيب الثقات للعجلي، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت 1405هـ.
- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة لابن حجر العسقلاني، تحقيق: إكرام الله إمداد الحق، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، بيروت د. ت.
- تنبيهات على تحريفات وتصحيفات في كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي د. عاصم القريوتي، دار الهجرة، الطبعة الثانية، الثقبة، السعودية 1415هـ.
- الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير للسيوطي، عالم الكتب، الطبعة الأولى، بيروت 1406هـ.
- حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة للسيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، القاهرة 1387هـ.
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، الطبعة الثانية، القاهرة 1385هـ.
- ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني، نشر حسام الدين القدسي، القاهرة د. ت.
(1/54)
- ذيل التقييد في رواة السنن والمسانيد للفاسي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت 1410هـ.
- ذيل طبقات الحفاظ للسيوطي، نشر حسام الدين القدسي، القاهرة د. ت.
- الذيل على العبر في خبر من غبر لابن العراقي، تحقيق: صالح مهدي عباس، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، بيروت 1409هـ.
- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة للكتاني، تحقيق: محمد المنتصر الكتاني، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الرابعة، بيروت 1406هـ.
- سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني، تحقيق: محمد عبد العزيز الخولي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الرابعة، بيروت 1379هـ.
- السنة لابن أبي عاصم، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، بيروت 1413هـ.
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي، دار الفكر، بيروت د. ت.
- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة د. ت.
- طبقات الحفاظ للذهبي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت 1403هـ.
- علم زوائد الحديث عبد السلام محمد علوش، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، بيروت 1415هـ.
- عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم آبادي، دار
(1/55)
الكتب العلمية، الطبعة الثانية، بيروت 1415هـ.
- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين للفاسي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتب الحديثة، الطبعة الثانية، القاهرة 1385هـ.
- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي، المكتبة التجارية، الطبعة الأولى، مصر 1356هـ.
- القول المسدد لابن حجر العسقلاني، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى، القاهرة 1401هـ.
- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة، بيروت د. ت.
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة، مكتبة المثنى، بغداد د. ت.
- لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ لابن فهد، نشر حسام الدين القدسي، القاهرة د. ت.
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي، دار الكتب العلمية، بيروت 1408هـ.
- المجمع المؤسس للمعجم المفهرس (مشيخة) لابن حجر، تحقيق: يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، الطبعة الأولى، بيروت 1415هـ.
- المستدرك على الصحيحين للحاكم، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت 1411هـ.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة، مصر د. ت.
(1/56)
- مسند البزار، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، الطبعة الأولى، بيروت، 1409هـ.
- مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم الأسد، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى، دمشق 1404هـ.
- المعجم الأوسط للطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد وزميله، دار الحرمين، القاهرة 1415هـ.
- المعجم الكبير للطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الثانية، 1404هـ.
- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار المعارف، القاهرة 1392هـ.
- المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي للهيثمي، تحقيق: نايف بن هاشم الدعيس، تهامة، الطبعة الأولى، جدة 1402هـ.
- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي، تحقيق: محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية، بيروت د. ت.
- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني، دار الجيل، بيروت 1393هـ.
(1/57)