المصاحف 9.مصاحف

  مصاحف روابط 9 مصاحف
// // //

الجمعة، 25 فبراير 2022

{{{{{{}}}}}}المجلد الاول من سيرة ابن هشام ومع ذلك لم يتم



المجلد الاول
سيرة ابن هشام/المجلد الأول
ذكر سرد النسب الزكي
سياقة النسب من ولد إسماعيل
وصاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل مصر وسبب ذلك
عمر إسماعيل وموطن أمه ووفاته
أصل العرب
أولاد عدنان
موطن عك
أولاد معد
قضاعة
قنص بن معد، ونسب النعمان بن المنذر
لخم بن عدي
أمر عمرو بن عامر وقصة سد مأرب
رؤيا ربيعة بن نصر
نسب سطيح وشق
نسب بجيلة
ربيعة بن نصر وسطيح
ربيعة بن نصر وشق
هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق
نسب النعمان بن المنذر
استيلاء أبي بكر تبان على ملك اليمن وغزوة إلى يثرب
شيء من سيرة تبان
غضب تبان على أهل المدينة ، وسبب ذلك
نسب عمرو بن طلة
سبب قتال تبان لأهل المدينة
انصراف تبان عن إهلاك المدينة، وشعر خالد في ذلك
اعتناق تبان النصرانية، وكسوته البيت وتعظيمه وشعر سبيعة في ذلك
دعوة تبان قومه إلى النصرانية، وتحكيمهم النار بينهم وبينه
رئام وما صار إليه
ملك ابنه حسان بن تبان وقتل عمرو أخيه
وثوب لخنيعة ذي شناتر على ملك اليمن
النصرانية بنجران
 
 
 

ذكر نسب الأنصار

ذكر نسب الأنصار

قال حسان بن ثابت الأنصاري - والأنصار بنو الأوس والخزرج - ، ابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث :

إما سألت فإنا معشر نجب * الأسد نسبتنا والماء غسان

وهذا البيت في أبيات له.

فقالت اليمن : وبعض عك ، وهم الذين بخراسان منهم ، عك بن عدنان بن عبدالله بن الأسد بن الغوث؛ ويقال : عدثان بن الديث بن عبدالله بن الأسد بن الغوث

 
 
 
 ============
كفالة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
حديث تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها
حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش في وضع الحجر
حديث الحمس
إخبار الكهان من العرب والأحبار من يهود والرهبان من النصارى
مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما
ابتداء فرض الصلاة
ذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول ذكر أسلم
إسلام زيد بن حارثة ثانيا
إسلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه وشأنه
مباداة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وما كان منهم
ذكر ما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه
إسلام حمزة رحمه الله
قول عتبة بن ربيعة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين رؤساء قريش وتفسير لسورة الكهف
أول من جهر بالقرآن
قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي
أمر أعشى بني قيس بن ثعلبة
أمر الإراشي الذي باع أبا جهل إبله
أمر ركانة المطلبي ومصارعته للنبي صلى الله عليه وسلم
أمر وفد النصارى الذين أسلموا
نزول سورة الكوثر
نزول وقالوا لولا أنزل عليه ملك
نزول ولقد استهزئ برسل من قبلك
ذكر الإسراء والمعراج
كفاية الله أمر المستهزئين
وفاة أبي طالب وخديجة
سعي الرسول إلى ثقيف يطلب النصرة
عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل
إسلام إياس بن معاذ وقصة أبي الحيسر
بدء إسلام الأنصار
نزول الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال
إذنه صلى الله عليه وسلم لمسلمي مكة بالهجرة
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
الأعداء من يهود
من اجتمع إلى يهود من منافقي الأنصار
ذكر من اعتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدء قتال المشركين
غزوة ودان
سرية عبيدة بن الحارث وهي أول راية عقدها عليه الصلا ة والسلام
سرية حمزة إلى سيف البحر
غزوة بواط
غزوة العشيرة
سرية سعد بن أبي وقاص
غزوة سفوان وهي غزوة بدر الأولى
سرية عبد الله بن جحش ونزول يسألونك عن الشهر الحرام
غزوة بدر الكبرى
تصنيف:سيرة ابن هشام

======
 
 =اول السيرة
 
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/ذكر سرد النسب الزكي
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم 
 
ذِكْرُ سَرْدِ النَّسَبِ الزَّكِيِّ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
 
 
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ هَذَا كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَّلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: شَيْبَةُ بْنُ هَاشِمٍ، وَاسْمُ هَاشِمٍ: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ: الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ، وَاسْمُ قُصَيٍّ: زَيْدُ بْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ ابْن كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ، وَاسْمُ مُدْرِكَةَ: عَامِرُ بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ بْنِ أُدٍّ، وَيُقَالُ: أُدَدُ بْنُ مُقَوِّمِ بْنِ نَاحُورَ بْنِ تَيْرَحَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ- خَلِيلِ الرَّحْمَنِ- بْنِ تَارِحٍ وَهُوَ آزَرُ بْنُ نَاحُورَ بْنِ سَارُوغَ بْنِ رَاعُو بْنِ فَالَخٍ ابْن عَيْبَرِ بْنِ شالَخٍ بْنِ أرْفَخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحِ بْنِ لَمْكَ بْنِ مُتَوَشْلِخَ ابْن أَخْنُوخَ، وَهُوَ إدْرِيسُ النَّبِيُّ- فِيمَا يَزْعُمُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ أَوَّلَ بَنِي آدَمَ أُعْطَى النُّبُوَّةَ، وَخَطَّ بِالْقَلَمِ- ابْنِ يَرْدِ بْنِ مُهْلَيِلِ بْنِ قَيْنَنَ بْنِ يانِشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ بِهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ نَسَبِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا فِيهِ مِنْ حَدِيثِ إدْرِيسَ وَغَيْرِهِ.قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّدُوسِيُّ، عَنْ شَيْبَانَ ابْن زُهَيْرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دُعَامةَ، أَنَّهُ قَالَ:إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ- خَلِيلِ الرَّحْمَنِ- ابْن تَارِحٍ، وهُوَ آزَرُ بْنُ نَاحُورَ بْنِ أَسْرَغَ ابْن أَرْغُو بْنِ فَالَخٍ بْنِ عَابِرِ [4]ابْنِ شَالَخٍ بْنِ أرْفخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحِ بْنِ لَمْكِ بْنِ مَتُّوشَلَخِ بْنِ أَخْنُوخَ بْنِ يَرْدِ بْنِ مِهْلَائِيلَ بْنِ قَايِنَ بْنِ أَنُوشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ.
نَهْجُ ابْنِ هِشَامٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مُبْتَدِئٌ هَذَا الْكِتَابَ بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَمَنْ وَلَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَلَدِهِ، وَأَوْلَادِهِمْ لِأَصْلَابِهِمْ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، مِنْ إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَعْرِضُ مِنْ حَدِيثهِمْ، وَتَارِكٌ ذِكْرَ غَيْرِهِمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لِلِاخْتِصَارِ، إلَى حَدِيثِ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَارِكٌ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، مِمَّا لَيْسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ذِكْرٌ، وَلَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ سَبَبًا لِشَيْءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا شَاهِدًا عَلَيْهِ، لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ الِاخْتِصَارِ، وَأَشْعَارًا ذَكَرَهَا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يَعْرِفُهَا، وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النَّاسِ ذِكْرُهُ، وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرَّ لَنَا الْبَكَّائِيُّ بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرِّوَايَةِ لَهُ، وَالْعِلْمِ بِهِ.
======
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/سياقة النسب من ولد إسماعيل
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
[4]
سِيَاقَةُ النَّسَبِ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَسَبُ أُمِّهِمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ قَالَ:وَلَدَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا: نَابِتًا، وَكَانَ أَكْبَرَهُمْ،وقَيْذَرُ ، وَأَذْبُلَ، وَمُبِشًّا، وَمِسْمَعًا، وَمَاشِي، وَدِمَّا وَأَذَرُ، وَطَيْمَا، وَيَطُورَ، ونَبِشَ، وقَيْذُما. وَأُمُّهُمْ (رَعْلَةُ) بِنْتُ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مِضَاضٌ. وَجُرْهُمُ بْنُ قَحْطَانَ، وَقَحْطَانُ أَبُو الْيَمَنِ كلهَا، وَإِلَيْهِ تَجْتَمِع نَسَبُهَا- ابْنُ عَامِرِ بْنِ شالَخِ بْنِ أرْفَخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: جُرْهُمُ بْنُ يَقْطَنَ بْنِ عَيْبَرِ بْنِ شَالَخٍ. و (يَقْطَنُ هُوَ) قَحْطَانُ بْنُ عَيْبَرِ بْنِ شالَخٍ.
=====
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/عمر إسماعيل وموطن أمه ووفاته
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
عُمْرُ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَدْفِنُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عُمْرُ إسْمَاعِيلَ- فِيمَا يذكرُونَ مائَة سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ مَاتَ [5]رحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ، وَدُفِنَ فِي الْحِجْرِ مَعَ أُمِّهِ هَاجَرَ، رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى
مَوْطِنُ هَاجَرَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ: هَاجَرَ وَآجَرَ فَيُبْدِلُونَ الْأَلِفَ مِنْ الْهَاءِ كَمَا قَالُوا:هَرَاقَ الْمَاءَ، وَأَرَاقَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ. وَهَاجَرُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ.
===
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/وصاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل مصر وسبب ذلك
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
وَصَاةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مِصْرَ وَسَبَبُ ذَلِكَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:اللَّهَ اللَّهَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَهْلِ الْمَدَرَةِ السَّوْدَاءِ السُّحْمِ الْجِعَادِ، فَإِنَّ لَهُمْ نَسَبًا وَصِهْرًا. قَالَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ: نَسَبُهُمْ، أَنَّ أُمَّ إسْمَاعِيلَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ. وَصِهْرُهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَسَرَّرَ فِيهِمْ.قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: أُمُّ إسْمَاعِيلَ: هَاجَرُ، مِنْ أُمِّ الْعَرَبِ، قَرْيَةٍ كَانَتْ أَمَامَ الْفَرَمَا مِنْ مِصْرَ. وَأُمُّ إبْرَاهِيمَ: مَارِيَةُ سُرِّيَّةُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ مِنْ حَفْنٍ مِنْ كُورَةِ أنْصِنا.قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ السُّلَمِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:إذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا. فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ: مَا الرَّحِمُ الَّتِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ؟ فَقَالَ:كَانَتْ هَاجَرُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ.
====
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/أصل العرب
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
أَصْلُ الْعَرَبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَالْعَرَبُ كُلُّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَقَحْطَانَ. وَبَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقُولُ: قَحْطَانُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، وَيَقُولُ: إسْمَاعِيلُ أَبُو الْعَرَبِ كُلِّهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: عَاد بن عوض بْنُ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَثَمُودُ وَجُدَيْسٌ ابْنَا عَابِرِ بْنِ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وطَسْمُ وَعِمْلَاقُ وَأُمَيْمُ بَنُو لَاوِذْ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ: عَرَبٌ كُلُّهُمْ. فَوَلَدَ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: يَشْجُبَ بْنَ نَابِتٍ، فَوَلَدَ يَشْجُبُ: يَعْرُبَ بْنَ يَشْجُبَ، فَوَلَدَ يَعْرُبُ: تَيْرَحَ بْنَ يَعْرُبَ، فَوَلَدَ تَيْرَحُ: احُورَ بْنَ تَيْرَحَ، فَوَلَدَ نَاحُورُ: مُقَوِّمَ بْنَ نَاحُورٍ: أُدَدَ بْنَ مقوّم: فولد مُقَوِّمٍ: فَوَلَدَ أُدَدُ: عَدْنَانَ بْنَ أُدَدَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:وَيُقَالُ: عَدْنَانُ بْنُ أُدٍّ.
=====
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/أولاد عدنان
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
أَوْلَادُ عَدْنَانَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمِنْ عَدْنَانَ [6]تَفَرَّقَتْ الْقَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَوَلَدَ عَدْنَانُ رَجُلَيْنِ: مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ، وَعَكَّ بْنَ عَدْنَانَ.
==
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/موطن عك
مَوْطِنُ عَكٍّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَصَارَتْ عَكٌّ فِي دَارِ الْيَمَنِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَكَّا تَزَوَّجَ فِي الْأَشْعَرِيِّينَ فَأَقَامَ فِيهِمْ، فَصَارَتْ الدَّارُ وَاللُّغَةُ وَاحِدَةً، وَالْأَشْعَرِيُّونَ بَنُو أَشْعَرَ بْنِ نَبْتِ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هُمَيْسِعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ ابْن سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَيُقَالُ: أَشْعَرُ : نَبْتُ بْنُ أُدَدَ، وَيُقَالُ: أَشْعَرُ: ابْنُ مَالِكٍ. وَمَالِكٌ: مَذْحجُ بْنُ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هُمَيْسِعِ. وَيُقَالُ أَشْعَرُ: ابْنُ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ.وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، لِعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَحَدِ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، يَفْخَرُ بِعَكِّ:
وَعَكُّ بْنُ عَدْنَانَ الَّذِينَ تَلَقَّبُوا
بِغَسَّانِ حَتَّى طُرِّدُوا كُلَّ مَطْرِدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَغَسَّانُ: مَاءٌ بِسَدِّ مَأْرِبَ بِالْيَمَنِ، كَانَ شِرْبًا لِوَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ فَسُمُّوا بِهِ، وَيُقَالُ: غَسَّانُ: مَاءٌ بِالْمُشَلَّلِ قَرِيبٌ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَاَلَّذِينَ شَرِبُوا مِنْهُ فَسُمُّوا بِهِ قَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ ابْن الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ ابْن قَحْطَانَ. قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ- وَالْأَنْصَارُ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ابْنَيْ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ حَارِثَة بن أَمْرِي الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ
إمَّا سَأَلْتِ فَإِنَّا مَعْشَرٌ نُجُبٌ
الْأَسْدُ نِسْبَتُنَا وَالْمَاءُ غَسَّانُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.فَقَالَتْ الْيَمَنُ: وَبَعْضُ عَكٍّ، وَهُمْ الَّذِينَ بِخُرَاسَانَ مِنْهُمْ، عَكُّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَيُقَالُ: عُدْثَانَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْدِ ابْن الْغَوْثِ.
==
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/أولاد معد
أَوْلَادُ مَعَدٍّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: نِزَارَ بْنَ [7]مَعَدٍّ، وَقُضَاعَةَ ابْن مَعَدٍّ، وَكَانَ قُضَاعَةُ بِكْرَ مَعَدٍّ الَّذِي بِهِ يُكَنَّى فِيمَا يَزْعُمُونَ، وقُنُصُ بْنَ مَعَدٍّ، وَإِيَادَ بْنَ مَعَدٍّ.فَأَمَّا قُضَاعَةُ فَتَيَامَنَتْ إلَى حِمْيَرِ بْنِ سَبَأٍ- وَكَانَ اسْمُ سَبَأٍ عَبْدَ شَمْسٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ سَبَأً، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَبَى فِي الْعَرَبِ- ابْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ.
==
قُضَاعَةُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَالَتْ الْيَمَنُ وَقُضَاعَةُ: قُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ، وَجُهَيْنَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ الْحَافِ ابْن قُضَاعَةَ:
نَحْنُ بَنُو الشَّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرَ
قُضَاعَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِالنَّسَبِ
النَّسَبِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ
فِي الْحَجَرِ الْمَنْقُوشِ تَحْتَ الْمِنْبَرِ
[1]
هَذَا الشّطْر الْأَخير سَاقِط فِي هذه النسخة. وَيُقَال إِن هَذَا الشّعْر لأفلح بن اليعبوب.
==
قنص بن معد، ونسب النعمان بن المنذر
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
قُنُصُ بْنُ مَعَدٍّ، وَنَسَبُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا قُنُصُ بْنُ مَعَدٍّ فَهَلَكَتْ بَقِيَّتُهُمْ- فِيمَا يَزْعُمُ نُسَّابُ مَعَدٍّ- وَكَانَ مِنْهُمْ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ مَلِكُ الْحِيرَةِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ كَانَ مِنْ وَلَدِ قُنُصِ بْنِ مَعَدٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَنَصَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ:أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أُتِيَ بِسَيْفِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، دَعَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ- وَكَانَ جُبَيْرُ مِنْ أَنْسَبِ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشِ وَلِلْعَرَبِ قَاطِبَةً، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّمَا أَخَذْتُ النَّسَبَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَنْسَبَ الْعَرَبِ فَسَلَّحَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ: مِمَّنْ كَانَ يَا جُبَيْرُ، النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ؟ قَالَ كَانَ مِنْ أَشْلَاءِ قُنُصِ بْنِ مَعَدٍّ .قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا سَائِرُ الْعَرَبِ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ، مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
===
نسب لخم بن عدي
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
نَسَبُ لَخْمِ بْنِ عَدِيٍّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [8]لَخْمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هُمَيْسِعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ لَخْمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَ تَخَلَّفَ بِالْيَمَنِ بَعْدَ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ.
==
أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مأرب
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
أَمْرُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْيَمَنِ وَقِصَّةُ سَدِّ مَأْرِبٍ
وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ- فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ- أَنَّهُ رَأَى جُرَذًا يَحْفِرُ فِي سَدِّ مَأْرِبٍ، الَّذِي كَانَ يَحْبِسُ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ، فَيُصَرِّفُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ أَرْضِهِمْ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلسَّدِّ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَزَمَ عَلَى النُّقْلَةِ مِنْ الْيَمَنِ، فَكَادَ قَوْمَهُ، فَأَمَرَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ إذَا أَغْلَظَ لَهُ وَلَطَمَهُ أَنْ يَقُومَ إلَيْهِ فَيَلْطِمَهُ، فَفَعَلَ ابْنُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا أُقِيمُ بِبَلَدِ لَطَمَ وَجْهِي فِيهِ أَصْغَرُ وَلَدِي، وَعَرَضَ أَمْوَالَهُ. فَقَالَ أَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ: اغْتَنِمُوا غَضْبَةَ عَمْرٍو، فَاشْتَرَوْا مِنْهُ أَمْوَالَهُ. وَانْتَقَلَ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَالَتْ الْأَزْدُ: لَا نَتَخَلَّفُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، فَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ، وَخَرَجُوا مَعَهُ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِلَادَ عَكٍّ مُجْتَازِينَ يَرْتَادُونَ الْبُلْدَانَ، فَحَارَبَتْهُمْ عَكٌّ، فَكَانَتْ حَرْبُهُمْ سِجَالًا . فَفِي ذَلِكَ قَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ الْبَيْتَ الَّذِي كَتَبْنَا. ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهُمْ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ، فَنَزَلَ آلُ جَفْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الشَّامَ، وَنَزَلَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ يَثْرِبَ، وَنَزَلَتْ خُزَاعَةُ مَرَّا، وَنَزَلَتْ أَزْد السّراة السَّرَاةَ، وَنَزَلَتْ أَزْدُ عَمَّانَ عُمَانَ، ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى السَّدِّ السَّيْلَ فَهَدَمَهُ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّعم: ﴿لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ، جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ 34: 15- 16. [9]وَالْعَرِمُ: السَّدُّ، وَاحِدَتُهُ: عَرِمَةٌ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ.قَالَ الْأَعْشَى: أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ.- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنِ دُعْمِيِّ بْنِ [1] جَدِيلَةَ، وَاسْمُ الْأَعْشَى، مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلِ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ قَيْسِ ابْن ثَعْلَبَةَ:
وَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ
ومارِبُ عَفَّى عَلَيْهَا العَرِمْ
رُخَامٌ بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيرٌ
إذَا جَاءَ مَوَّارُهُ لَمْ يَرِمْ
فَأَرْوَى الزُّرُوعَ وَأَعْنَابَهَا
عَلَى سَعَةٍ مَاؤُهُمْ إذْ قُسِمْ
فَصَارُوا أيادي مَا يقدرُونَ
مِنْهُ عَلَى شُرْبِ طِفْلٍ فُطِمْ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ- وَاسْمُ ثَقِيفٍ قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ بْنِ عَدْنَانَ:
مِنْ سَبَأِ الْحَاضِرِينَ مَأْرِبَ إذْ
يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ الْعَرِمَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَتُرْوَى لِلنَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدُ بَنِي جَعْدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ.وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْتُ مِنْ الِاخْتِصَارِ
===
/أمر ربيعة بن نصر ملك اليمن وقصة شق وسطيح الكاهنين معه
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
أَمْرُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرِ مَلِكِ الْيَمَنِ وَقِصَّةُ شِقٍّ وَسَطِيحٍ الْكَاهِنَيْنِ مَعَهُ
رؤيا ربيعة بن نصر
 

رؤيا ربيعة بن نصر
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
رُؤْيَا رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ بَيْنَ أَضْعَافِ مُلُوكِ التَّبَابِعَةِ، فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ، وَفَظِعَ بِهَا فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا، وَلَا سَاحِرًا، وَلَا عَائِفًا وَلَا مُنَجِّمًا مِنْ أَهْلِ [10]مَمْلَكَتِهِ إلَّا جَمَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرُونِي بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا لَهُ: اُقْصُصْهَا عَلَيْنَا نُخْبِرْكَ بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إنِّي إنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنَّ إلَى خَبَرِكُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إلَّا مَنْ عَرَفَهَا قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا فَلْيَبْعَثْ إلَى سَطِيحٍ وَشِقٍّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا، فَهُمَا يُخْبِرَانِهِ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ.
فهرس
رؤيا ربيعة بن نصر
نسب سطيح وشق
نسب سطيح وشق
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
نَسَبُ سَطِيحٍ وَشِقٍّ
وَاسْمُ سَطِيحٍ رَبِيعُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ ذِئْبِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَازِنِ غَسَّانَ.وَشِقٌّ: ابْنُ صَعْبِ بْنُ يَشْكُرَ بْنِ رُهْمِ بْنِ أَفْرَكَ بْنِ قَسْرِ بْنِ عَبْقَرَ بْنِ أَنْمَارِ بْنِ نِزَارٍ، وَأَنْمَارُ أَبُو بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ.
فهرس
رؤيا ربيعة بن نصر
رؤيا ربيعة بن نصر
< سيرة ابن هشام‏ | المجلد الأول
رُؤْيَا رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ بَيْنَ أَضْعَافِ مُلُوكِ التَّبَابِعَةِ، فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ، وَفَظِعَ بِهَا فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا، وَلَا سَاحِرًا، وَلَا عَائِفًا وَلَا مُنَجِّمًا مِنْ أَهْلِ [10]مَمْلَكَتِهِ إلَّا جَمَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرُونِي بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا لَهُ: اُقْصُصْهَا عَلَيْنَا نُخْبِرْكَ بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إنِّي إنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنَّ إلَى خَبَرِكُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إلَّا مَنْ عَرَفَهَا قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا فَلْيَبْعَثْ إلَى سَطِيحٍ وَشِقٍّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا، فَهُمَا يُخْبِرَانِهِ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ.
فهرس
رؤيا ربيعة بن نصر
نسب سطيح وشق
نسب بجيلة
ربيعة بن نصر وسطيح
ربيعة بن نصر وشق
هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق
نسب النعمان بن المنذر
----------------------------------------
نسب سطيح وشق
---------------------------------
نسب بجيلة
نسب بجيلة
نَسَبُ بَجِيلَةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَتْ: الْيَمَنُ وَبَجِيلَةُ: أَنْمَارِ بْنِ إرَاشِ ابْن لِحْيَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ. وَدَارُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ يَمَانِيَّةٌ.
==============================
ربيعة بن نصر وسطيح
رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ وَسَطِيحٌ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثَ إلَيْهِمَا، فَقَدِمَ عَلَيْهِ سَطِيحٌ قَبْلَ شِقٍّ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِهَا، فَإِنَّكَ إنْ أَصَبْتَهَا أَصَبْتَ تَأْوِيلَهَا.قَالَ: أَفْعَلُ، رَأَيْتُ حُمَمَهُ خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمِهِ، فَوَقَعَتْ بِأَرْضِ تُهَمِهِ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ مِنْهَا شَيْئًا يَا سَطِيحٌ، فَمَا عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِهَا؟ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ حَنَشٍ، لَتَهْبِطَنَّ أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ، فَلَتَمْلِكَنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جُرَشَ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ:
وَأَبِيكَ يَا سَطِيحُ،إنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ أَفِي زَمَانِي هَذَا، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِحِينِ، أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ، يَمْضِينَ مِنْ السِّنِينَ قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِمْ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ لِبِضْعِ وَسَبْعِينَ مِنْ السِّنِينَ، ثُمَّ يُقْتَلُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا هَارِبِينَ، قَالَ: وَمَنْ يَلِي مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ؟ قَالَ: يَلِيهِ إرَمُ ذِي يَزَنَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ، قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ، أَمْ [11]يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ، قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟ قَالَ: نَبِيٌّ زَكِيٌّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ، قَالَ: وَمِمَّنْ هَذَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ، قَالَ: وَهَلْ لِلدَّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، يَسْعَدُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ قَالَ: أَحَقٌّ مَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالشَّفَقُ وَالْغَسَقُ، وَالْفَلَقُ إذَا اتَّسَقَ، إنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لَحَقٌّ.
====================================
/ربيعة بن نصر وشق
رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ وَشِقٌّ
ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ شِقٌّ، فَقَالَ لَهُ كَقَوْلِهِ لِسَطِيحِ، وَكَتَمَهُ مَا قَالَ سَطِيحٌ، لِيَنْظُرَ أَيَتَّفِقَانِ أَمْ يَخْتَلِفَانِ، فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ حُمَمَهُ، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمِهِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ نَسَمَهْ.
قَالَ: فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَرَفَ أَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا فأَنَّ قَوْلَهُمَا وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ سَطِيحًا قَالَ: «وَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ» . وَقَالَ شِقٌّ:«وَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ نَسَمَهْ» .فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ يَا شِقُّ مِنْهَا شَيْئًا، فَمَا عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِهَا؟ قَالَ:أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ إنْسَانٍ، لَيَنْزِلَنَّ أَرْضَكُمْ السُّودَانُ، فَلَيَغْلِبُنَّ عَلَى كُلِّ طَفْلَةِ الْبَنَانِ، وَلَيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى نَجْرَانَ.فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا شِقُّ، إنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟أَفِي زَمَانِي، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِزَمَانِ، ثُمَّ يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شَأْنٍ، وَيُذِيقُهُمْ أَشَدَّ الْهَوَانِ، قَالَ: وَمَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الشَّانِ؟ قَالَ: غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيِّ، وَلَا مُدَنٍّ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ * فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ * قَالَ: أَفَيَدُومُ سُلْطَانُهُ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ يَأْتِي بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ، قَالَ: وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ قَالَ: يَوْمٌ تُجْزَى فِيهِ الْوُلَاةُ، وَيُدْعَى فِيهِ مِنْ السَّمَاءِ بِدَعَوَاتِ، يَسْمَعُ مِنْهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، وَيُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ لِلْمِيقَاتِ، يَكُونُ فِيهِ لِمَنْ اتَّقَى [12]الْفَوْزُ وَالْخَيْرَاتُ، قَالَ: أَحَقٌّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وَخَفْضٍ، إنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لَحَقٌّ مَا فِيهِ أَمْضِ.قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَمْضِ: يَعْنِي شَكَّا، هَذَا بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: أَمْضِ أَيْ بَاطِلٌ.
====
هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق
هِجْرَةُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ إلَى الْعِرَاقِ
فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَا قَالَا. فَجَهَّزَ بَنِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ إلَى الْعِرَاقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ إلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ سَابُورُ بْنُ خُرَّزاذَ، فَأَسْكَنَهُمْ الْحِيرَةَ.
===================
نسب النعمان بن المنذر
نَسَبُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ
فَمِنْ بَقِيَّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَهُوَ فِي نَسَبِ الْيَمَنِ وَعِلْمِهِمْ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، ذَلِكَ الْمَلِكُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فِيمَا أَخْبَرَنِي خَلَفٌ الْأَحْمَرُ. ========================
استيلاء أبي بكر تبان على ملك اليمن وغزوة إلى يثرب
اسْتِيلَاءُ أَبِي كَرِبٍ تُبَّانَ أَسْعَدَ عَلَى مَلِكِ الْيَمَنِ وَغَزْوِهِ إلَى يَثْرِبَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا هَلَكَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ رَجَعَ مُلْكُ الْيَمَنِ كُلُّهُ إلَى حَسَّانِ بْنِ تُبَّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ- وَتُبَّانُ أَسْعَدُ هُوَ تُبَّعٌ الْآخِرُ- ابْنُ كُلِي كَرِبِ بْنِ زَيْدٍ، وَزَيْدٌ هُوَ تُبَّعٌ الْأَوَّلُ بْنُ عَمْرِو ذِي الْأَذْعَارِ بْنِ أَبْرَهَةَ ذِي الْمَنَارِ بْنِ الرِّيشِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الرَّائِشُ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ابْنَ عَدِيِّ بْنِ صَيْفِيِّ ابْن سَبَأٍ الْأَصْغَرِ بْنِ كَعْبٍ، كَهْفِ الظُّلْمِ، بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَمْرِو ابْن قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ وَائِلِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ قَطَنِ بْنِ عَرِيبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ الهُمَيْسِعِ بْنِ العَرَنجَج
والعَرَنْجَجُ: حِمْيَرُ بْنُ سَبَأٍ الْأَكْبَرِ ابْن يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ قَحْطَانَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَشْجُبُ: ابْنُ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ
استيلاء أبي بكر تبان على ملك اليمن وغزوة إلى يثرب
/شيء من سيرة تبان
شَيْءٌ مِنْ سِيرَةِ تُبَّانَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتُبَّانُ أَسْعَدُ أَبُو كَرِبٍ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَسَاقَ الْحِبْرَيْنِ مِنْ يَهُودِ (الْمَدِينَةِ)إلَى الْيَمَنِ، وَعَمَّرَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَكَسَاهُ، وَكَانَ مُلْكُهُ قَبْلَ مُلْكِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ.قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ [13]
لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَبِي كَرِبٍ
أَنْ يَسُدَّ خَيْرُهُ خَبَلَهُ
=====
/غضب تبان على أهل المدينة ، وسبب ذلك
غَضَبُ تُبَّانَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ قَدْ جَعَلَ طَرِيقَهُ- حِينَ أَقْبَلَ مِنْ الْمَشْرِقِ- عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ قَدْ مَرَّ بِهَا فِي بَدْأَتِهِ فَلَمْ يَهِجْ أَهْلَهَا، وَخَلَّفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ابْنًا لَهُ، فَقُتِلَ غِيلَةً، فَقَدِمَهَا وَهُوَ مُجْمِعٌ لِإِخْرَابِهَا، وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا، وَقَطْعِ نَخْلِهَا، فَجُمِعَ لَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَرَئِيسُهُمْ عَمْرُو بْنُ طَلَّةَ أَخُو بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ. وَاسْمُ مَبْذُولٍ: عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَاسْمُ النَّجَّارِ:تَيْمُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ.
--------------
نسب عمرو بن طلة
نَسَبُ عَمْرِو بْنِ طَلَّةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ طَلَّةَ: عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ ابْن النَّجَّارِ، وَطَلَّةُ أُمُّهُ، وَهِيَ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ ابْن غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ
-------------------------
سبب قتال تبان لأهل المدينة
سَبَبُ قِتَالِ تُبَّانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ، عَدَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ تُبَّعٍ حِينَ نَزَلَ بِهِمْ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي عَذْقٍ لَهُ يَجُدُّهُ فَضَرَبَهُ بِمِنْجَلِهِ فَقَتَلَهُ، وَقَالَ: إنَّمَا التَّمْرُ لِمَنْ أَبَّرَهُ. فَزَادَ ذَلِكَ تُبَّعًا حَنَقًا عَلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا. فَتَزْعُمُ الْأَنْصَارُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُ بِالنَّهَارِ، وَيَقْرُونَهُ بِاللَّيْلِ، فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَيَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّ قَوْمَنَا لَكِرَامٌ. =====================
انصراف تبان عن إهلاك المدينة، وشعر خالد في ذلك
انْصِرَافُ تُبَّانَ عَنْ إهْلَاكِ الْمَدِينَةِ، وَشِعْرُ خَالِدٍ فِي ذَلِكَ
فَبَيْنَا تُبَّعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِتَالِهِمْ، إذْ جَاءَهُ حَبْرَانِ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ (وَقُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ وَالنَّجَّامُ وَعَمْرٌو، وَهُوَ هَدَلُ، بَنُو الْخَزْرَجِ بْنِ الصَّرِيح بن التّوأمان بْنِ السِّبْطِ بْنِ الْيَسَعَ بْنِ سَعْدِ بْنِ لَاوِيِّ بْنِ خَيْرِ بْنِ النَّجَّامِ بْنِ تَنْحُومَ بْنِ عَازَرِ بْنِ عُزْرَى بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ يَصْهَرَ بْنِ قَاهِثِ ابْنِ لَاوَى بْنِ يَعْقُوبَ، وَهُوَ إسْرَائِيلُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ) الِمَانِ رَاسِخَانِ حِينَ سَمِعَا بِمَا يُرِيدُ مِنْ إهْلَاكِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا، فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّكَ إنْ أَبَيْتَ إلَّا مَا تُرِيدُ حِيلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ عَلَيْكَ عَاجِلَ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ لَهما: وَلم ذَاك؟ فَقَالَا: هِيَ [14]مُهَاجَرُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَرَمِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، تَكُونُ دَارَهُ وَقَرَارَهُ، فَتَنَاهَى عَنْ ذَلِكَ، وَرَأَى أَنَّ لَهُمَا عِلْمًا، وَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمَا، فَانْصَرَفَ عَنْ الْمَدِينَةِ، وَاتَّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ غَزِيَّةَ بْنِ عَمْرِو ابْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غُنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ يَفْخَرُ بِعَمْرِو بْنِ طَلَّةَ
أَصَحَّا أَمْ قَدْ نَهَى ذُكَرَهْ
أَمْ قَضَى مِنْ لَذَّةٍ وَطَرَهْ
أَمْ تَذَكَّرْتَ الشَّبَابَ وَمَا
ذِكْرُكَ الشَّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ
إنَّهَا حَرْبٌ رَبَاعِيَةٌ
مِثْلُهَا أَتَى الْفَتَى عِبَرَهْ
فَاسْأَلَا عِمْرَانَ أَوْ أَسَدًا
إذْ أَتَتْ عَدْوًا مَعَ الزُّهَرَهْ
فَيْلَقٌ فِيهَا أَبُو كَرِبٍ
سُبَّغٌ أَبْدَانُهَا ذَفِرَهْ
ثُمَّ قَالُوا: مَنْ نَؤُمُّ بِهَا
أَبَنِي عَوْف أَن النَّجَرَهْ
بَلْ بَنِي النَّجَّارِ إنَّ لَنَا
فِيهِمْ قَتْلَى وَإِنَّ تِرَهْ
فَتَلَقَّتْهُمْ مُسَايِفَةٌ
مُدُّهَا كَالغَبْيَةِ النَّثِرَهْ
فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ طَلَّةَ مَلَّى
الْإِلَهُ قَوْمَهُ عُمُرَهْ
سَيْدٌ سَامِي الْمُلُوكِ وَمَنْ
رَامَ عَمْرًا لَا يَكُنْ قَدَرَهْ
وَهَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ حَنَقُ تُبَّعٍ عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ هَلَاكَهُمْ فَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، حَتَّى انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شِعْرِهِ:
مَا بَال نَوْمِكَ مِثْلٌ نَوْمِ اَلْأَرَمِد
أرَقًا كَأَنَّكَ لَا تَسؤالُ تُسَهَّدِ
حَنَقًا عَلَى سَبْطَيْنِ حَلَّا يَثْرِبَا
أَوْلَى لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الشِّعْرُ الَّذِي فِي هَذَا الْبَيْتِ مَصْنُوعٌ، فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنَا مِنْ إثْبَاتِهِ. =======================
/اعتناق تبان النصرانية، وكسوته البيت وتعظيمه وشعر سبيعة في ذلك
اعْتِنَاقُ تُبَّانَ النصرانيَّةَ، وَكِسْوَتُهُ الْبَيْتَ وَتَعْظِيمَهُ وَشِعْرُ سُبَيعَةَ فِي ذَلِكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ تُبَّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، فَتَوَجَّهَ إلَى مَكَّةَ، وَهِيَ طَرِيقُهُ إلَى الْيَمَنِ، حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفانَ، وَأَمَجٍ، أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ هُذَيلِ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ، فَقَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَلَا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ دَاثِرٍ أَغَفَلَتْهُ الْمُلُوكُ قَبْلَكَ، فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ وَالْيَاقُوتُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؟ قَالَ: بَلَى، قَالُوا: بَيْتٌ بِمَكَّةَ يَعْبُدُهُ أَهْلُهُ، وَيُصَلُّونَ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْهُذَلِيُّونَ هَلَاكَهُ بِذَلِكَ، لِمَا عَرَفُوا مِنْ هَلَاكِ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ الْمُلُوكِ وَبَغَى عِنْدَهُ. فَلَمَّا أَجْمَعَ لِمَا قَالُوا أَرْسَلَ إلَى الْحَبْرَيْنِ، فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَا لَهُ:مَا أَرَادَ الْقَوْمُ إلَّا هَلَاكَكَ وَهَلَاكَ جُنْدِكَ، مَا نَعْلَمُ بَيْتًا للَّه اتَّخَذَهُ فِي الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ فَعَلْتَ مَا دَعَوْكَ إلَيْهِ لَتَهْلَكَنَّ وَلَيَهْلَكَنَّ مَنْ مَعَكَ جَمِيعًا، قَالَ: فَمَاذَا تَأْمُرَانِنِي أَنْ أَصْنَعَ إذَا أَنَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ؟ قَالَا: تَصْنَعُ عِنْدَهُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُهُ: تَطُوفُ بِهِ وَتُعَظِّمُهُ وَتُكْرِمُهُ، وَتَحْلِقُ رَأْسَكَ عِنْدَهُ، وَتَذِلُّ لَهُ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْتُمَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ إنَّهُ لَبَيْتُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ، وَإِنَّهُ لَكَمَا أَخْبَرْنَاكَ، وَلَكِنَّ أَهْلَهُ حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْأَوْثَانِ الَّتِي نَصَبُوهَا حَوْلَهُ، وَبِالدِّمَاءِ الَّتِي يُهْرِقُونَ عِنْدَهُ، وَهُمْ نَجَسٌ أَهْلُ شِرْكٍ- أَوْ كَمَا قَالَا لَهُ- فَعَرَفَ نُصْحَهُمَا وَصِدْقَ حَدِيثِهِمَا فَقَرَّبَ النَّفَرَ مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَنَحَرَ عِنْدَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ سِتَّةَ أَيَّامٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- يَنْحَرُ بِهَا لِلنَّاسِ، وَيُطْعِمُ أَهْلَهَا وَيَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ، وَأُرَى فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَ الْبَيْتَ، فَكَسَاهُ الْخَصَفَ، ثُمَّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمَعَافِرَ، ثُمَّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمُلَاءَ وَالْوَصَائِلَ، فَكَانَ تُبَّعٌ- فِيمَا يَزْعُمُونَ-أَوَّلَ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ، وَأَوْصَى بِهِ وُلَاتَهُ مِنْ جُرْهُمٍ، وَأَمَرَهُمْ بِتَطْهِيرِهِ وَأَلَّا يُقَرِّبُوهُ دَمًا وَلَا مِيتَةً وَلَا مِئْلَاةً، وَهِيَ الْمَحَايِضُ، وَجَعَلَ لَهُ بَابًا وَمِفْتَاحًا وَقَالَتْ [16]سُبَيعَةُ بِنْتُ الْأَحَبِّ بْنِ زَبِينةَ بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ ابْن هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَكَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ ابْن مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لِابْنِ لَهَا مِنْهُ يُقَالُ لَهُ خَالِدٌ، تُعَظِّمُ عَلَيْهِ حُرْمَةَ مَكَّةَ، وَتَنْهَاهُ عَنْ الْبَغْيِ فِيهَا، وَتَذْكُرُ تُبَّعًا وَتَذَلُّلَهُ لَهَا، وَمَا صَنَعَ بِهَا:
أَبُنَيَّ لَا تَظْلِمْ بِمَكَّةَ
لَا الصَّغِيرَ وَلَا الْكَبِيرْ
واحفظ محارمها بنىّ
وَلَا يَغُرَّنكَ الغَرورْ
أَبُنَيَّ مَنْ يَظْلِمْ بِمَكَّةَ
يَلْقَ أَطْرَافَ الشُّرورْ
أَبُنَيَّ يُضْرَبْ وَجْهُهُ
وَيَلُحْ بِخَدَّيْهِ السَّعيرْ
أَبُنَيَّ قَدْ جَرَّبْتهَا
فَوَجَدْتُ ظَالِمهَا يَبُورْ
اللَّهُ أَمَّنَهَا وَمَا
بُنِيَتْ بِعَرْصَتِهَا قُصورْ
وَاَللَّهُ أَمَّنَ طَيْرَهَا
وَالْعُصْمُ تَأْمَنُ فِي ثَبيرْ
وَلَقَدْ غَزَاهَا تُبَّعٌ
فَكَسَا بَنِيَّتَهَا الْحَبِيرْ
وَأَذَلَّ رَبِّي مُلْكَهُ
فِيهَا فَأَوْفَى بالنُّذُورْ
يَمْشِي إلَيْهَا حَافِيًا
بِفِنَائِهَا أَلْفَا بَعِيرْ
وَيَظَلُّ يُطْعِمُ أَهْلَهَا
لَحْمَ الْمَهَارَى والجَزورْ
يَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ الْمُصَفَّى
وَالرَّحِيضَ مِنْ الشعيرْ
وَالْفِيلُ أُهْلِكَ جَيْشُهُ
يُرْمَوْنَ فِيهَا بِالصُّخُورْ
وَالْمُلْكَ فِي أقْصَى الْبِلَاد
وَفِي الْأَعَاجِمِ وَالْخَزِيرْ
فَاسْمَعْ إذَا حُدِّثْتَ وَافْهَمْ
كَيْفَ عَاقِبَةُ الأمورْ
[17]قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُوقَفُ عَلَى قَوَافِيهَا لَا تُعْرَبُ.[1] ==================
دعوة تبان قومه إلى النصرانية، وتحكيمهم النار بينهم وبينه
دَعْوَةُ تُبَّانَ قَوْمَهُ إلَى النصرانيَّة، وَتَحْكِيمُهُمْ النَّارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ
.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مُتَوَجِّهًا إلَى الْيَمَنِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنُودِهِ وَبِالْحَبْرَيْنِ، حَتَّى إذَا دَخَلَ الْيَمَنَ دَعَا قَوْمَهُ إلَى الدُّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، حَتَّى يُحَاكِمُوهُ إلَى النَّارِ الَّتِي كَانَتْ بِالْيَمَنِ.قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكِ القُرَظيُّ، قَالَ سَمِعْتُ إبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ:أَنَّ تُبَّعًا لَمَّا دَنَا مِنْ الْيَمَنِ لِيَدْخُلَهَا حَالَتْ حِمْيَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ: وَقَالُوا: لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْنَا، وَقَدْ فَارَقْتَ دِينَنَا، فَدَعَاهُمْ إلَى دِينِهِ وَقَالَ: إنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، فَقَالُوا:فَحَاكِمْنَا إلَى النَّارِ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- نَارٌ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، تَأْكُلُ الظَّالِمَ وَلَا تَضُرُّ الْمَظْلُومَ، فَخَرَجَ قَوْمُهُ بِأَوْثَانِهِمْ وَمَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ فِي دِينِهِمْ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا مُتَقَلِّدَيْهَا، حَتَّى قَعَدُوا لِلنَّارِ عِنْدَ مَخْرَجِهَا الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ، فَخَرَجَتْ النَّارُ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ حَادُوا عَنْهَا وَهَابُوهَا، فَذَمَرَهُمْ مَنْ حَضَرَهُمْ مِنْ النَّاسِ، وَأَمَرُوهُمْ بِالصَّبْرِ لَهَا، فَصَبَرُوا حَتَّى غَشِيَتْهُمْ، فَأَكَلَتْ الْأَوْثَانَ وَمَا قَرَّبُوا مَعَهَا، وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا تَعْرَقُ جِبَاهُهُمَا لَمْ تَضُرَّهُمَا فَأُصْفِقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِ، فَمِنْ هُنَالِكَ وَعَنْ ذَلِكَ كَانَ أَصْلُ الْيَهُودِيَّةِ بِالْيَمَنِ.قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ أَنَّ الْحَبْرَيْنِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ حِمْيَرَ، إنَّمَا اتَّبَعُوا النَّارَ لِيَرُدُّوهَا، وَقَالُوا: مَنْ رَدَّهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقِّ، فَدَنَا مِنْهَا رِجَالٌ مِنْ حِمْيَرَ بِأَوْثَانِهِمْ لِيَرُدُّوهَا فَدَنَتْ مِنْهُمْ لِتَأْكُلَهُمْ، فَحَادُوا عَنْهَا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا رَدَّهَا، وَدَنَا مِنْهَا الْحَبْرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلَا يَتْلُوَانِ التَّوْرَاةَ وَتَنْكُصُ عَنْهُمَا، حَتَّى رَدَّاهَا إلَى مَخْرَجِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ، فَأُصْفِقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
 ==============
رئام وما صار إليه
رئَامٌ وَمَا صَارَ إلَيْهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِئَامٌ بَيْتًا لَهُمْ يُعَظِّمُونَهُ، وَيَنْحَرُونَ [18]عِنْدَهُ، وَيَكَلَّمُونَ مِنْهُ إذْ كَانُوا عَلَى شِرْكِهِمْ؟ فَقَالَ الْحَبْرَانِ لِتُبَّعِ: إنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ يَفْتِنُهُمْ بِذَلِكَ فَخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَشَأْنُكُمَا بِهِ، فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- كَلْبًا أَسْوَدَ فَذَبَحَاهُ، ثُمَّ هَدَمَا ذَلِكَ الْبَيْتَ، فَبَقَايَاهُ الْيَوْمَ- كَمَا ذُكِرَ لِي- بِهَا آثَارُ الدِّمَاءِ الَّتِي كَانَتْ تُهْرَاقُ عَلَيْهِ.
 ===

ملك ابنه حسان بن تبان وقتل عمرو أخيه
مُلْكُ ابْنِهِ حَسَّانَ بْنِ تُبَّانَ وَقَتْلُ عَمْرٍو أَخِيهِ
فَلَمَّا مَلَكَ ابْنُهُ حَسَّانُ بْنُ تُبَّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ سَارَ بِأَهْلِ الْيَمَنِ يُرِيدُ أَنْ يَطَأَ بِهِمْ أَرْضَ الْعَرَبِ وَأَرْضَ الْأَعَاجِمِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ أَرْضِ الْعِرَاقِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بالَبحريْنِ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ- كَرِهَتْ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ الْمَسِيرَ مَعَهُ، وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِهِمْ، فَكَلَّمُوا أَخًا لَهُ يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو، وَكَانَ مَعَهُ فِي جَيْشِهِ، فَقَالُوا لَهُ: اُقْتُلْ أَخَاكَ حَسَّانَ وَنُمَلِّكُكَ عَلَيْنَا، وَتَرْجِعُ بِنَا إلَى بِلَادِنَا، فَأَجَابَهُمْ. فَاجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا ذَا رُعَيْنٍ الْحِمْيَرِيُّ، فَإِنَّهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، فَقَالَ ذُو رُعَيْنٍ:
أَلَا مَنْ يَشْتَرِي سَهْرًا بِنَوْمِ
سَعِيدٌ مَنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنِ
فَأَمَّا حِمْيَرُ غَدَرَتْ وَخَانَتْ
فَمَعْذِرَةُ الْإِلَهِ لَذِي رُعَيْنِ
ثُمَّ كَتَبَهُمَا فِي رُقْعَةٍ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا عَمْرًا، فَقَالَ لَهُ: ضَعْ لِي هَذَا الْكِتَابَ عنْدك، فَفعل، ثمَّ قَتَلَ عَمْرٌو أَخَاهُ حَسَّانَ، وَرَجَعَ بِمَنْ مَعَهُ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ:
لَاهِ عَيْنَا الَّذِي رأى مثل حسّان
قَتِيلًا فِي سَالِفِ الْأَحْقَابِ
قَتَلَتْهُ مَقاوِلٌ خَشْيَةَ الْحَبْسِ
غَدَاةً قَالُوا: لَبَابِ لَبَابِ
مَيْتُكُمْ خَيْرُنَا وَحَيُّكُمْ
رَبٌّ عَلَيْنَا وَكُلُّكُمْ أَرْبَابِ
وَقَوْلُهُ لَبَابِ لَبَابِ: لَا بَأْسَ، بِلُغَةِ حِمْيَرَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: لِبَابِ لِبَابِ. [19]
نَدَمُ عَمْرٍو وَهَلَاكُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا نَزَلَ عَمْرُو بْنُ تُبَّانَ الْيَمَنَ مُنِعَ مِنْهُ النَّوْمُ، وَسُلِّطَ عَلَيْهِ السَّهَرُ، فَلَمَّا جَهَدَهُ ذَلِكَ سَأَلَ الْأَطِبَّاءَ والْحُزَاةَ مِنْ الْكُهَّانِ وَالْعَرَّافِينَ عَمَّا بِهِ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا قَتَلَ رَجُلٌ قَطُّ أَخَاهُ، أَوْ ذَا رَحِمِهِ بَغْيًا عَلَى مِثْلِ مَا قَتَلْتَ أَخَاكَ عَلَيْهِ، إلَّا ذَهَبَ نَوْمُهُ، وَسُلِّطَ عَلَيْهِ السَّهَرُ. فَلَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ جَعَلَ يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ أَمَرَهُ بِقَتْلِ أَخِيهِ حَسَّانَ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ، حَتَّى خَلَصَ إلَى ذِي رُعَيْنٍ، فَقَالَ لَهُ ذُو رُعَيْنٍ: إنَّ لِي عِنْدَكَ بَرَاءَةً، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: الْكِتَابُ الَّذِي دَفَعْتُ إلَيْكَ، فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا فِيهِ الْبَيْتَانِ، فَتَرَكَهُ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ نَصَحَهُ. وَهَلَكَ عَمْرٌو، فَمَرَجَ أَمْرُ حِمْيَرَ عِنْدَ ذَلِكَ وتفرّقوا.
=====
/وثوب لخنيعة ذي شناتر على ملك اليمن وثوب لخنيعة ذِي شَنَاتِرَ عَلَى مُلْكِ الْيَمَنِ
فَوَثَبَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بُيُوتِ الْمَمْلَكَةِ، يُقَالُ لهَ لِخُنَيْعَةَ يَنُوفَ ذو شَنِاتَرَ، فَقَتَلَ خِيَارَهُمْ، وَعَبِثَ بِبُيُوتِ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ مِنْهُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ حِمْيَرَ لِلْخَنِيعَةِ:
تُقَتِّلُ أَبْنَاهَا وَتَنْفِي سَرَاتَهَا
وَتَبْنِي بِأَيْدِيهَا لَهَا الذُّلَّ حِمْيَرُ
تُدَمِّرُ دُنْيَاهَا بِطَيْشِ حُلُومِهَا
وَمَا ضَيَّعَتْ مِنْ دِينِهَا فَهُوَ أَكْثَرُ
كَذَاك الْقُرُون قبل ذَاكَ بِظُلْمِهَا
وَإِسْرَافِهَا تَأْتِي الشُّرُورَ فَتُخْسَرُ
وَكَانَ لَخَنِيعَةَ امْرِأً فَاسِقًا يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَكَانَ يُرْسِلُ إلَى الْغُلَامِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، فَيَقَعُ عَلَيْهِ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ قَدْ صَنَعَهَا لِذَلِكَ، لِئَلَّا يَمْلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ يَطْلُعُ مِنْ مَشْرَبَتِهِ تِلْكَ إلَى حَرَسِهِ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ جُنْدِهِ، قَدْ أَخَذَ مِسْوَاكًا فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ، أَيْ لِيُعْلَمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ. حَتَّى بَعَثَ إلَى زُرْعَةَ ذِي نُوَاسِ بْنِ تُبَّانَ أَسْعَدَ أَخِي حَسَّانَ، وَكَانَ صَبِيَّا صَغِيرًا حِينَ قُتِلَ حَسَّانُ، ثُمَّ شَبَّ غُلَامًا جَمِيلًا وَسِيمًا، ذَا هَيْئَةٍ وَعَقْلٍ، فَلَمَّا أَتَاهُ رَسُولُهُ عَرَفَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ، فَأَخَذَ سِكِّينًا حَدِيدًا لَطِيفًا، فَخَبَّأَهُ [20]بَيْنَ قَدَمِهِ وَنَعْلِهِ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَلَمَّا خَلَا مَعَهُ وَثَبَ إلَيْهِ، فَوَاثَبَهُ ذُو نُوَاسٍ فَوَجَأَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ حَزَّ رَأْسَهُ، فَوَضَعَهُ فِي الْكُوَّةِ الَّتِي كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا، وَوَضَعَ مِسْوَاكَهُ فِي فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا لَهُ: ذَا نُوَاسٍ، أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ فَقَالَ: سَلْ نَخْمَاسَ اسْتِرْطُبَانَ ذُو نواس. استرطبان لَا باس قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا كَلَامُ حِمْيَرَ. وَنَخْمَاسُ: الرَّأْسُ- فَنَظَرُوا إلَى الْكُوَّةِ فَإِذَا رَأْسُ لَخَنِيعَةَ مَقْطُوعٌ، فَخَرَجُوا فِي إثْرِ ذِي نُوَاسٍ حَتَّى أَدْرَكُوهُ، فَقَالُوا: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَنَا غَيْرُكَ: إذْ أَرَحْتنَا مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ.
مُلْكُ ذِي نُوَاسٍ
فَمَلَّكُوهُ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ، فَكَانَ آخِرَ مُلُوكِ حِمْيَرَ، وَهُوَ صَاحِبُ الْأُخْدُودِ، وَتَسَمَّى يُوسُفَ، فَأَقَامَ فِي مُلْكِهِ زَمَانًا.
النَّصْرَانِيَّةُ بِنَجْرَانَ
وَبِنَجْرَانَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَى الْإِنْجِيلِ، أَهْلِ فَضْلٍ، وَاسْتِقَامَةٍ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، لَهُمْ رَأْسٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ، وَكَانَ مَوْقِعُ أَصْلِ ذَلِكَ الدِّينِ بِنَجْرَانَ، وَهِيَ بِأَوْسَطِ أَرْضِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَأَهْلُهَا وَسَائِرُ الْعَرَبِ كُلِّهَا أَهْلُ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُونُ - وَقَعَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ، فَدَانُوا بِهِ.
ابْتِدَاءُ وُقُوعِ النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي لَبِيَدٍ مَوْلَى الْأَخْنَسِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ:أَنَّ مَوْقِعَ ذَلِكَ الدِّينِ بِنَجْرَانَ كَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُونُ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا، مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ سَائِحًا يَنْزِلُ بَيْنَ الْقُرَى، لَا يُعْرَفُ بِقَرْيَةِ إلَّا خَرَجَ [21]مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ لَا يُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ كَسْبِ يَدَيْهِ، وَكَانَ بَنَّاءً يَعْمَلُ الطِّينَ وَكَانَ يُعَظِّمُ الْأَحَدَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ شَيْئًا، وَخَرَجَ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُصَلِّي بِهَا حَتَّى يُمْسِيَ. قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ مُسْتَخْفِيًا، فَفَطِنَ لِشَأْنِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ، فَأَحَبَّهُ صَالِحٌ حُبًّا لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ، فَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ، وَلَا يَفْطِنُ لَهُ فَيْمِيُونُ: حَتَّى خَرَجَ مَرَّةً فِي يَوْمِ الْأَحَدِ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، وَقَدْ اتَّبَعَهُ صَالِحٌ وفَيْمِيونُ لَا يَدْرِي، فَجَلَسَ صَالِحٌ مِنْهُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ مُسْتَخْفِيًا مِنْهُ، لَا يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ بِمَكَانِهِ. وَقَامَ فَيْمِيُونُ يُصَلِّي، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ التِّنِّينُ- الْحَيَّةُ ذَاتُ الرُّءُوسِ السَّبْعَةِ [1]- فَلَمَّا رَآهَا فَيْمِيُونُ دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ، وَرَآهَا صَالِحٌ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَصَابَهَا، فَخَافَهَا عَلَيْهِ، فَعِيلَ عَوْلُهُ [2] ، فَصَرَخَ: يَا فَيْمِيُونُ، التِّنِّينُ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، وَأَمْسَى فَانْصَرَفَ. وَعَرَفَ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ، وَعَرَفَ صَالِحٌ أَنَّهُ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ، فَقَالَ (لَهُ: يَا) [3] فَيْمِيُونُ، تَعْلَمُ وَاَللَّهِ أَنِّي مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ حُبَّكَ، وَقَدْ أَرَدْتُ صُحْبَتَكَ، وَالْكَيْنُونَةَ مَعَكَ حَيْثُ كُنْتَ، فَقَالَ: مَا شِئْتَ، أَمْرِي كَمَا تَرَى، فَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّكَ تَقْوَى عَلَيْهِ فَنَعَمْ، فَلَزِمَهُ صَالِحٌ. وَقَدْ كَادَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ يَفْطِنُونَ لِشَأْنِهِ، وَكَانَ إذَا فَاجَأَهُ [4] الْعَبْدُ بِهِ الضُّرُّ دَعَا لَهُ فَشُفِيَ، وَإِذَا دُعِي إلَى أَحَدٍ بِهِ ضُرٌّ لَمْ يَأْتِهِ، وَكَانَ لِرَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ابْنٌ ضَرِيرٌ، فَسَأَلَ عَنْ شَأْنِ فَيْمِيُونَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَأْتِي أَحَدًا دَعَاهُ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِلنَّاسِ الْبُنْيَانَ بِالْأَجْرِ.فَعَمَدَ الرَّجُلُ إلَى ابْنِهِ ذَلِكَ فَوَضَعَهُ فِي حُجْرَتِهِ وَأَلْقَى عَلَيْهِ ثوبا، ثمَّ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ:
===
الي هنا وقف من مصدر ويكي
«سيرة ابن هشام/المجلد الأول/النصرانية بنجران»
=====
=====================
================
=============================

روابط سيرة ابن هشام





صفحات تصنيف «سيرة ابن هشام»


ا
صفحة:السيرة النبوية لابن هشام.pdf/4
صفحة:السيرة النبوية لابن هشام.pdf/6

س
سيرة ابن هشام
فهرس:السيرة النبوية لابن هشام.pdf
سيرة ابن هشام/المجلد الأول
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/أصل العرب
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/أمر ربيعة بن نصر ملك اليمن وقصة شق وسطيح الكاهنين معه
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مأرب
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/أمر عمرو بن عامر وقصة سد مأرب
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/أولاد عدنان
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/أولاد معد
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/استيلاء أبي بكر تبان على ملك اليمن وغزوة إلى يثرب
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/اعتناق تبان النصرانية، وكسوته البيت وتعظيمه وشعر سبيعة في ذلك
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/انصراف تبان عن إهلاك المدينة، وشعر خالد في ذلك
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/دعوة تبان قومه إلى النصرانية، وتحكيمهم النار بينهم وبينه
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/ذكر سرد النسب الزكي
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/رؤيا ربيعة بن نصر
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/رئام وما صار إليه
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/ربيعة بن نصر وسطيح
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/ربيعة بن نصر وشق
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/سبب قتال تبان لأهل المدينة
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/سياقة النسب من ولد إسماعيل
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/شيء من سيرة تبان
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/عمر إسماعيل وموطن أمه ووفاته
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/غضب تبان على أهل المدينة ، وسبب ذلك
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/قضاعة
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/قنص بن معد، ونسب النعمان بن المنذر
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/ملك ابنه حسان بن تبان وقتل عمرو أخيه
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/نسب النعمان بن المنذر
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/نسب بجيلة
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/نسب سطيح وشق
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/نسب عمرو بن طلة
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/نسب لخم بن عدي
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/وثوب لخنيعة ذي شناتر على ملك اليمن
سيرة ابن هشام/المجلد الأول/وصاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل مصر وسبب ذلك

====================

الأربعاء، 13 أكتوبر 2021

السجود لله عز وجل قرب وقربة

بسم الله الرحمن الرحيم

السجود لله عز وجل قرب وقربة

الحمد لله الذي يسجدُ لعظمته وجلاله وكبريائه كلُّ مخلوقاته؛ قال الله عز وجل: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج: 18]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل: 49]؛ فالمؤمنون والملائكة يسجدون لله طوعًا واختيارًا، والكافرون يسجدون لله كرهًا واضطرارًا؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ﴾ [الرعد: 15].

والسجود عبادة جليلة لا تُصرَف إلا لله وحده؛ قال عز وجل: ﴿ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾ [النجم: 62]؛ فلا يُعبَدُ ولا يُسجَدُ لشيءٍ من المخلوقات مهما كبرت وعظُمت؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37].

ومَن استولَتْ عليه الشياطين، زيَّنت له السجود لغير الله؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 23، 24]، وما أكثرَ الذين استولت عليهم الشياطين في عصرنا، وزيَّنت لهم السجود لغير الله؛ كمن يسجدون للشمس أو القمر، أو النار أو البقر، وغيرها.

ومَن تكبَّر عن السجود لله في الدنيا، فلن يستطيع السجود في الآخرة إذا دُعِيَ لذلك؛ قال الله عز وجل: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم: 43].

والشيطان إذا رأى ابن آدم ساجدًا لله اعتزل يبكي؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله قال: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتَزَلَ الشيطان يبكي يقول: يا ويله! أُمر ابنُ آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيتُ، فلِيَ النار))؛ [أخرجه مسلم].

السجود لله من صفات المؤمنين الذين يبتغون رضا الله عنهم والفوز بالجنة؛ قال الله عز وجل: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29].

فيا سعادة مَن سجد لله جل جلاله، فأول سعادةِ سحَرةِ فرعون سجودُهم لله جل جلاله؛ قال عز وجل: ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الشعراء: 46 - 48]؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "ولما عَلِمت السحرةُ صِدْقَ موسى وكَذِبَ فرعون، خرُّوا سُجَّدًا لربِّهم، فكانت تلك السجدة أولَ سعادتهم، وغفران ما أفنَوا فيه أعمارَهم من السِّحْر".

للسجود لله عز وجل فضائلُ، منها:

أنَّ مَن سَجَدَ لله عز وجل، فلن تأكل النار أَثَرَ سجودِه

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((تأكل النار من ابن آدم إلا أَثَر السجود؛ حرَّم الله على النار أن تأكل أَثَر السجود))؛ [متفق عليه]

 

ومنها أنَّ كثرة السجود سببٌ لدخول الجنة 

عن ربيعة الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آتيه بوَضُوئه وبحاجته، فقال لي: ((سَلْني))، قلتُ: مرافقتك في الجنة، قال عليه السلام: ((أو غير ذلك؟)) قلتُ: هو ذاك؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((فأَعنِّي على ذلك بكثرة السجود))؛ [أخرجه مسلم].

ومنها أنَّ السجود يزيد الحسنات، ويحطُّ السيئات، ويرفع الدرجات

فعن معدان بن أبي طلحة اليعمري رضي الله عنه قال: لقيت ثوبانَ مَولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعملٍ أعمله يدخلني به الجنة، أو قال: قلت: بأحبِّ الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته، فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدةً، إلا رَفَعَك الله بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة))، قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ما قال ثوبان؛ [أخرجه مسلم].

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن عبد يسجد لله سجدةً إلا كَتَب الله له بها حسنة، وحطَّ عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة؛ فاستكثِروا من السجود))؛ [أخرجه ابن ماجه].

ومنها أنَّ السجود من أسباب رحمة الله لعبده.

 قال الله جل جلاله: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [الفرقان: 60] قال العلامة العثيمين رحمه الله السجود من أسباب الرحمة؛ ولهذا قال: ﴿ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ﴾ [الفرقان: 60] سواء السجود العام أو السجود الخاص؛ فإنه من أسباب الرحمة؛ ولهذا لم يقل: اسجدوا لله، بل قال: ﴿ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ﴾ ؛ يعني: لتصلوا إلى رحمة هذا المسجود له.

ومنها أنَّ السجود موضعُ استجابةٍ للدعاء؛ 

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأمَّا الركوع، فعظِّموا فيه الرب، وأمَّا السجود، فاجتهِدوا في الدعاء؛ فقَمِنٌ أن يستجاب لكم))؛ [أخرجه مسلم].

ومنها أنَّ العبد أقرب ما يكون مِن ربِّه وهو ساجد؛ 

قال الله عز وجل: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ [العلق: 17 - 19]، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أقربُ ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد؛ فأكثِروا فيه الدعاء)[أخرجه مسلم]

قال العلامة ابن القيم رحمه الله:الصلاة.فيها من مناجاة مَن لا تقر العيون ولا تطمئنُّ القلوب،ولا تسكنُّ النفوس إلا إليه، والتنعُّم بذكره، والتذلُّل والخضوع له والقرب منه، ولا سيما في حال السجود، وتلك الحال أقرب ما يكون العبد من ربِّه فيها".

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "السجود هو أعظم ما يظهر فيه ذلُّ العبد لربِّه عز وجل؛حيث جعل العبدُ أشرَفَ ما له من الأعضاء، وأعزَّها عليه، وأعلاها حقيقة - أوضَعَ ما يمكنه، فيضعه في التراب مُتعفِّرًا، ويتبع ذلك انكسار القلب وتواضعه، وخشوعه لله عز وجل ولهذا كان جزاء المؤمن إذا فعل ذلك أن يُقرِّبه الله عز وجل

وفرق كبير وبَوْن شاسع بين مَن يكون في أفضل الأوقات في ثلث الليل الأخير، ساجدًا لله، خائفًا ذنوبَه، خاشيًا ربَّه، راجيًا رحمته وعفوه، فهو في لذَّة وسعادة، وبين مَن هو في لهو وغفلة؛ قال الله عز وجل: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

 ومَن ضاق صدرُه، وكثُر همُّه، وأحزَنَه الناس، فليشتغل بذكر ربِّه، وليُكثر من الصلاة والسجود والدعاء، وليبشر بكلِّ خير؛ فالحزن يزول بسجدة؛ قال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 97، 98]؛ قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: وقوله: ﴿ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 98] يريد من المصلِّين، فذكَرَ من الصلاة حالة القرب من الله تعالى وهي السجود وهي أكرم حالات الصلاة وأقمنها بنيل الرحمة، وفي الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزَبَه أمرٌ فزع إلى الصلاة).

ومن لم يتبيَّن له الصواب، ولم يظهر له الحقُّ، فليُكثر من التضرُّع ساجدًا لله؛ فقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: ربما طالعت على الآية الواحدة نحوًا من مائة تفسير، ثم أسأل الله الفَهم، وأقول: يا معلِّم إبراهيم علِّمني، وكنت أذهب للمساجد المهجورة ونحوها أمرِّغ وجهي في التراب، وأسأل الله تعالى وأقول: يا معلِّم إبراهيم فهِّمني.

ومَن أكثرَ من السجود لله، وأحسن فيه، استنار وجهه؛ قال الله عز وجل: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]؛ قال بعض السلف رحمهم الله: مَن كثرت صلاتُه بالليل حسُن وجهه بالنهار، قال السدي رحمه الله: الصلاة تُحسِّن وجوهَهم.

لقد تمنَّى أناسٌ الموتَ وهم سجود، ودعوا الله أن يرزقَهم ذلك، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في ترجمة أحمد بن مظفر بن أبي محمد بن مظفر بن بدر بن

حسن بن مفرج بن بكار النابلسي رحمه الله: كان يقول: أشتهي أنْ أموت وأنا ساجد، فرَزَقَه اللهُ ذلك.

 

وممن منَّ الله عليهم فماتوا وهم سجود لله:

♦ الإمام المبارك بن سعيد الثوري رحمه الله (ت180) - أخو الإمام سفيان.

♦ الشيخ عبدالعزيز بن أبي حازم رحمه الله (ت 185).

♦ الشيخ نصر بن علي بن نصر بن علي بن صهبان رحمه الله (ت250).

♦ الشيخ ابن أبي شجاع؛ يعرف: بابن الثلجي رحمه الله (ت266).

♦ الشيخ أبو عقال علوان بن الحسن رحمه الله (ت296).

♦ الشيخ يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن عيسى البختري رحمه الله (ت322).

♦ الشيخ أحمد بن علي بن الحسن بن محمد الدقاق رحمه الله (ت474).

♦ الشيخ محمد بن الحسين المزرقي رحمه الله (ت527).

♦ الشيخ عفر بن الحسن الأذربيجاني رحمه الله (ت506).

♦ الشيخ محمد بن الحسين بن علي الشيباني الحاجي رحمه الله (ت 526).

♦ الشيخ علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح السلمي رحمه الله (ت533).

♦ الشيخ يحيى بن محمد بن هبيرة رحمه الله (ت 560).

♦ الشيخ عبدالرحيم بن نصر بن يوسف بن مبارك البعلبكي رحمه الله (ت656).

♦ الشيخ سعد بن عثمان بن مرزوق بن حميد سلامة القرشي رحمه الله (ت592).

♦ الشيخ أحمد بن مظفر بن أبي محمد بن مظفر بن مفرج رحمه الله (ت758).

♦ الشيخ محمد بن أحمد بن محمد؛ يعرف بابن الخلال رحمه الله (ت867).

♦ الشيخ محمد بن عبداللطيف بن محمد بن علي الباهلي رحمه الله (ت1278).

♦ الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن محمد بن سالم الضويان رحمه الله (ت 1358).

♦ الشيخ عبدالحميد كشك رحمه الله (ت 1417).

السجود لله جلَّ جلاله قُربٌ منه، وقُربة إليه، فليغتنم العبدُ هذا، وليكثر من الصلاة والسجود لله، وليدعُ بخيرَي الدنيا والآخرة، وليَبْكِ من خشية الله؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قرأ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه سورةَ مريم فسجد، وقال هذا السجود، فأين البُكيُّ؛ يريد: البكاء.

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإنسان ينبغي له أن يكون له مع الله تعالى صلة، فيبكي من خشية الله سبحانه وتعالى في سجوده.

اللهم إنَّا نسألك أن ترزقنا القيام بطاعتك، والقرب منك، وأن تُحسن خاتمتنا، وأن تجعلنا من أوليائك المتقين، وحزبك المفلحين، وعبادك الصالحين.

 كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ