المصاحف 9.مصاحف

  مصاحف روابط 9 مصاحف
// // //

الخميس، 16 أغسطس 2018

4.السيرة النبوية

4
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )


الخصائص الكبرى
حَدِيث انس رَضِي الله عَنهُ
اخْرُج مُسلم من طَرِيق ثَابت عَن أنس ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أتيت بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّة أَبيض طَوِيل فَوق الْحمار دون الْبَغْل يضع حَافره عِنْد مُنْتَهى طرفه فركبته حَتَّى أتيت بَيت الْمُقَدّس فربطته بالحلقة الَّتِي ترْبط بهَا الْأَنْبِيَاء ثمَّ دخلت الْمَسْجِد فَصليت رَكْعَتَيْنِ ثمَّ خرجت فجَاء جبرئيل بِإِنَاء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللَّبن فَقَالَ جبرئيل اخْتَرْت الْفطْرَة ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جبرئيل فَقيل من
(1/252)
أَنْت قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا أَنا بِآدَم فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ جبرئيل فَقيل من أَنْت قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا انا بِابْني الْخَالَة عِيسَى بن مَرْيَم وَيحيى بن زَكَرِيَّا فرحبا بِي ودعوا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ جبرئيل فَقيل من أَنْت قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث اليه قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا انا بِيُوسُف وَإِذا هُوَ قد أعطي شطر الْحسن فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جبرئيل قيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا انا بِإِدْرِيس فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ جبرئيل قيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا انا بهَارُون فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ جبرئيل قيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا انا بمُوسَى فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جبرئيل قيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا أَنا بإبراهيم مُسْندًا ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِذا هُوَ يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون إِلَيْهِ ثمَّ ذهب بِي إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فَإِذا وَرقهَا كآذان الفيلة وَإِذا ثَمَرهَا كالقلال فَلَمَّا غشيها من امْر الله مَا غشي تَغَيَّرت فَمَا أحد من خلق الله يَسْتَطِيع ان ينعتها من حسنها فَأوحى الله إِلَى مَا أوحى فَفرض عَليّ خمسين صَلَاة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة فَنزلت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ لي مَا فرض رَبك عَلَيْك وعَلى أمتك قلت خمسين صَلَاة قَالَ ارْجع الى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِن أمتك لَا تطِيق ذَلِك فَإِنِّي قد بلوت بني إِسْرَائِيل وخبرتهم فَرَجَعت إِلَى رَبِّي فَقلت يَا رب خفف عَن أمتِي فحط عني خمْسا فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقلت حط عني خمْسا قَالَ إِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف
(1/253)
قَالَ فَلم ازل ارْجع بَين رَبِّي وَبَين مُوسَى حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّد إنَّهُنَّ خمس صلوَات لكل يَوْم وَلَيْلَة فَكل صَلَاة عشر فَتلك خَمْسُونَ صَلَاة وَمن هم بحسنة فَلم يعملها كتبت لَهُ حَسَنَة فان عَملهَا كتبت لَهُ عشرا وَمن هم بسيئة فَلم يعملها لم تكْتب لَهُ شَيْئا فَإِن عَملهَا كتبت سَيِّئَة وَاحِدَة فَنزلت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرته فَقَالَ إرجع إِلَى رَبك فاساله التَّخْفِيف فَقلت قد رجعت إِلَى رَبِّي حَتَّى استحييت مِنْهُ
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير من طَرِيق شريك بن عبد الله بن أبي نمر عَن أنس قَالَ لَيْلَة أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَسْجِد الْكَعْبَة جَاءَهُ ثَلَاثَة نفر قبل ان يُوحى اليه وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَقَالَ أَوَّلهمْ أَيهمْ هُوَ فَقَالَ أوسطهم هُوَ خَيرهمْ وَقَالَ أحدهم خُذُوا خَيرهمْ فَكَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة فَلم يرهم حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَة أُخْرَى فِيمَا يرى قلبه وتنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه وَكَذَلِكَ الانبياء تنام أَعينهم وَلَا تنام قُلُوبهم فَلم يكلموه حَتَّى احتملوه فوضعوه عِنْد بِئْر زَمْزَم فتولاه مِنْهُم جبرئيل فشق جبرئيل مَا بَين نَحره إِلَى لبته حَتَّى فرغ من صَدره وجوفه فَغسله من مَاء زَمْزَم بِيَدِهِ حَتَّى انقى جَوْفه ثمَّ أَتَى بطست من ذهب محشوا إِيمَانًا وَحِكْمَة فحشي بِهِ صَدره ولغاديده يَعْنِي عروق حلقه ثمَّ أطبقه ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَضرب بَابا من أَبْوَابهَا فَقيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالُوا مرْحَبًا بِهِ وَأهلا وَوجد فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدم فَقَالَ لَهُ جبرئيل هَذَا ابوك آدم فَسلم عَلَيْهِ ورد عَلَيْهِ آدم وَقَالَ مرْحَبًا وَأهلا بِابْني نعم الإبن أَنْت فَإِذا هُوَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا بنهرين يطردان فَقَالَ مَا هَذَانِ النهران يَا جبرئيل قَالَ هَذَانِ النّيل والفرات عنصرهما ثمَّ مضى بِهِ فِي السَّمَاء فَإِذا هُوَ بنهر آخر عَلَيْهِ قصر من لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد فَضرب بِيَدِهِ فَإِذا هُوَ مسك أذفر فَقَالَ مَا هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا الْكَوْثَر الدي خبأ لَك رَبك ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَقيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالُوا مرْحَبًا وَأهلا ثمَّ عرج بِهِ
(1/254)
الى السَّمَاء الثَّالِثَة فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك ثمَّ عرج بِهِ الى السَّمَاء الرَّابِعَة فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك ثمَّ عرج بِهِ الى السَّمَاء السَّادِسَة فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك كل سَمَاء فِيهَا أَنْبيَاء قد سماهم ثمَّ علا بِهِ فَوق ذَلِك بِمَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهى ثمَّ ذكر نَحْو مَا تقدم فِي فرض الصَّلَوَات
وَأخرج النَّسَائِيّ من طَرِيق يزِيد بن مَالك عَن انس ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أتيت بِدَابَّة فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل خطوها عِنْد مُنْتَهى طرفها فركبت وَمَعِي جبرئيل فسرت فَقَالَ انْزِلْ فصل فَفعلت فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْن صليت صليت بِطيبَة وإليها المُهَاجر ثمَّ قَالَ انْزِلْ فصل فَفعلت فَقَالَ اتدري ايْنَ صليت صليت بطور سيناء حَيْثُ كلم الله مُوسَى ثمَّ قَالَ انْزِلْ فصل فَفعلت فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْن صليت صليت بِبَيْت لحم حَيْثُ ولد عِيسَى ثمَّ دخلت بَيت الْمُقَدّس فَجمع لي الْأَنْبِيَاء فَقَدَّمَنِي جبرئيل حَتَّى أممتهم ثمَّ صعد بِي الى السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِذا فِيهَا آدم ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فاذا فِيهَا إبنا الْخَالَة عِيسَى وَيحيى ثمَّ صعد بِي الى السَّمَاء الثَّالِثَة فاذا فِيهَا يُوسُف ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَإِذا فِيهَا مُوسَى ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذا فِيهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ صعد بِي فَوق سبع سموات وأتيت سِدْرَة الْمُنْتَهى فغشيتني ضَبَابَة خَرَرْت سَاجِدا فَقيل لي اني يَوْم خلقت السَّمَوَات وَالْأَرْض فرضت عَلَيْك وعَلى امتك خمسين صَلَاة فَقُمْ بهَا أَنْت وَأمتك فَرَجَعت الى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مَا فرض رَبك عَلَيْك وعَلى امتك قلت خمسين صَلَاة قَالَ انك لَا تَسْتَطِيع ان تقوم بهَا أَنْت وَلَا أمتك فَإِنَّهُ فرض على بني اسرائيل صَلَاتَيْنِ فَمَا قَامُوا بهما فَارْجِع إِلَى رَبك فاساله التَّخْفِيف فَرَجَعت فَخفف عني عشرا ثمَّ عشرا حَتَّى قَالَ هن خمس بِخَمْسِينَ فَعرفت انها من الله تبَارك وَتَعَالَى صرى أَي حتم فَلم أرجع
وَأخرج ابْن ابي حَاتِم من وَجه آخر عَن يزِيد بن ابي مَالك عَن انس قَالَ لما كَانَ لَيْلَة أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام بِدَابَّة فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل حمله جبرئيل عَلَيْهَا يَنْتَهِي خفها حَيْثُ يَنْتَهِي طرفها فَلَمَّا بلغ بَيت الْمُقَدّس أَتَى إِلَى
(1/255)
الْحجر الَّذِي ثمَّة فغمزه جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام بإصبعه فثقبه ثمَّ ربطها ثمَّ صعد فَلَمَّا اسْتَويَا فِي صرحة الْمَسْجِد قَالَ جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام يَا مُحَمَّد هَل سَأَلت رَبك ان يُرِيك الْحور الْعين قَالَ نعم قَالَ فَانْطَلق إِلَى أُولَئِكَ النسْوَة فَسلم عَلَيْهِنَّ وَهن جُلُوس عَن يسَار الصَّخْرَة فأتيتهن فَسلمت عَلَيْهِنَّ فرددن عَليّ السَّلَام فَقلت من أنتن فَقُلْنَ خيرات حسان نسَاء قوم أبرار نقوا فَلم يدرنوا وَأَقَامُوا فَلم يظعنوا وخلدوا فَلم يموتوا ثمَّ انصرفت فَلم البث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى اجْتمع نَاس كثير ثمَّ أذن مُؤذن وأقيمت الصَّلَاة فقمنا صُفُوفا نَنْتَظِر من يؤمنا فاخذ بيَدي جبرئيل فَقَدَّمَنِي فَصليت بهم فَلَمَّا انصرفت قَالَ جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام يَا مُحَمَّد أَتَدْرِي من صلى خَلفك قلت لَا قَالَ صلى خَلفك كل نَبِي بَعثه الله تَعَالَى ثمَّ أَخذ بيَدي فَصَعدَ بِي إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا انتهينا الى الْبَاب استفتح قَالُوا من أَنْت قَالَ جبرئيل قَالُوا وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ نعم ففتحوا لَهُ وَقَالُوا مرْحَبًا بك وبمن مَعَك فَلَمَّا اسْتَوَى على ظهرهَا إِذا فِيهَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لي جبرئيل أَلا تسلم على ابيك آدم قلت بلَى فَأَتَيْته فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ وَقَالَ مرْحَبًا بِابْني وَالنَّبِيّ الصَّالح ثمَّ عرج بِي الى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا مثل ذَلِك فَإِذا فِيهَا عِيسَى وَيحيى ثمَّ عرج بِي الى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا مثل ذَلِك فاذا فِيهَا يُوسُف ثمَّ عرج بِي الى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا مثل ذَلِك فاذا فِيهَا إِدْرِيس ثمَّ عرج بِي الى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا مثل ذَلِك فاذا فِيهَا هَارُون ثمَّ عرج بِي الى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا مثل ذَلِك فاذا فِيهَا مُوسَى ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا مثل ذَلِك فَإِذا فِيهَا ابراهيم ثمَّ انْطلق بِي على ظهر السَّمَاء السَّابِعَة حَتَّى انْتهى الى نهر عَلَيْهِ خيام الْيَاقُوت واللؤلؤ والزبرجد وَعَلِيهِ طير خضر أنعم طير رَأَيْت فَقلت يَا جبرئيل إِن هَذَا الطير لناعم قَالَ يَا مُحَمَّد آكله أنعم مِنْهُ ثمَّ قَالَ اتدري أَي نهر هَذَا قلت لَا قَالَ الْكَوْثَر الَّذِي اعطاك الله إِيَّاه فَإِذا فِيهِ آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة يجْرِي على رَضْرَاض من الْيَاقُوت والزمرد مَاؤُهُ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن فَأخذت من آنيته
(1/256)
فاغترفت من ذَلِك المَاء فَشَرِبت فَإِذا هُوَ أحلى من الْعَسَل وَأَشد رَائِحَة من الْمسك ثمَّ انْطلق بِي حَتَّى انْتهى الى الشَّجَرَة فغشيتني سَحَابَة فِيهَا من كل لون فرفضني جبرئيل وخررت سَاجِدا لله فَقَالَ لي يَا مُحَمَّد إِنِّي يَوْم خلقت السَّمَوَات وَالْأَرْض فرضت عَلَيْك وعَلى أمتك خمسين صَلَاة فَقُمْ بهَا أَنْت وَأمتك ثمَّ انجلت عني السحابة واخذ بيَدي جبرئيل فَانْصَرَفت سَرِيعا فَأتيت على ابراهيم فَلم يقل لي شَيْئا ثمَّ اتيت على مُوسَى فَقَالَ مَا صنعت يَا مُحَمَّد قلت فرض رَبِّي عَليّ وعَلى امتي خمسين صَلَاة قَالَ فَلَنْ تستطيعها انت وَلَا أمتك فَارْجِع الى رَبك فَاسْأَلْهُ ان يُخَفف عَنْك فَرَجَعت سَرِيعا حَتَّى انْتَهَيْت الى الشَّجَرَة فغشيتني السحابة وخررت سَاجِدا وَقلت رب خفف عَنَّا قَالَ قد وضعت عَنْكُم عشر ثمَّ انجلت عني السحابة وَرجعت إِلَى مُوسَى فَقلت وضع عني عشرا قَالَ ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ ان يُخَفف عَنْكُم فَذكر الحَدِيث إِلَى ان قَالَ هن خمس بِخَمْسِينَ ثمَّ انحدر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبرئيل مَا لي لم آتٍ أهل سَمَاء إِلَّا رحبوا بِي وَضَحِكُوا إِلَيّ غير رجل وَاحِد فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام ورحب بِي وَلم يضْحك إِلَيّ قَالَ ذَاك مَالك خَازِن جَهَنَّم لم يضْحك مُنْذُ خلقت وَلَو ضحك إِلَى أحد ضحك إِلَيْك قَالَ ثمَّ ركبت منصرفا فَبينا هُوَ فِي بعض طَرِيقه مر بعير لقريش تحمل طَعَاما مِنْهَا جمل عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ غرارة سَوْدَاء وغرارة بَيْضَاء فَلَمَّا حَاذَى العير نفرت مِنْهُ واستدارت وصرع ذَلِك الْبَعِير وانكسر ثمَّ انه مضى فَأصْبح فَأخْبر عَمَّا كَانَ فَلَمَّا سمع الْمُشْركُونَ قَوْله أَتَوا أَبَا بكر فَقَالُوا يَا أَبَا بكر هَل لَك فِي صَاحبك يخبر انه أَتَى فِي ليلته هَذِه مسيرَة شهر ثمَّ رَجَعَ فِي ليلته فَقَالَ أَبُو بكر إِن كَانَ قَالَه فقد صدق وَإِنَّا لنصدقه فِيمَا هُوَ أبعد من هَذَا نصدقه على خبر السَّمَاء فَقَالَ الْمُشْركُونَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عَلامَة مَا تَقول قَالَ مَرَرْت بعير لقريش وَهِي فِي مَكَان كَذَا أَو كَذَا فنفرت الْإِبِل منا واستدارت وفيهَا بعير عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ غرارة سَوْدَاء وغرارة بَيْضَاء فصرع فانكسر فَلَمَّا قدمت العير سألوهم فَأَخْبرُوهُمْ الْخَبَر على مثل مَا حَدثهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن ذَلِك سمي أَبُو بكر الصّديق وسألوه هَل كَانَ فِيمَن حضر مَعَك مُوسَى وَعِيسَى قَالَ نعم قَالُوا فصفهما قَالَ أما مُوسَى فَرجل آدم كَأَنَّهُ من رجال ازد عمان وَأما عِيسَى فَرجل ربعَة سبط يعلوه حمرَة كَأَنَّمَا يتحادر من لحيته الجمان
(1/257)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه فِي تفسيريهما وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن هَاشم بن عتبَة عَن أنس قَالَ لما جَاءَ جبرئيل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبُرَاقِ فَكَأَنَّهَا صرت اذنيها فَقَالَ جبرئيل مَه يَا براق فوَاللَّه مَا ركبك مثله وَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ بِعَجُوزٍ على جَانب الطَّرِيق فَقَالَ مَا هَذِه يَا جبرئيل قَالَ سر يَا مُحَمَّد فَسَار مَا شَاءَ الله ان يسير فَإِذا شَيْء يَدعُوهُ متنحيا عَن الطَّرِيق يَقُول هَلُمَّ يَا مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ جبرئيل سر يَا مُحَمَّد فَسَار مَا شَاءَ الله ان يسير فَلَقِيَهُ خلق من خلق الله فَقَالُوا السَّلَام عَلَيْك يَا أول السَّلَام عَلَيْك يَا آخر السَّلَام عَلَيْك يَا حاشر فَقَالَ لَهُ جبرئيل ارْدُدْ السَّلَام فَرد السَّلَام ثمَّ لقِيه الثَّانِيَة فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك ثمَّ الثَّالِثَة كَذَلِك حَتَّى انْتهى الى بَيت الْمُقَدّس عَلَيْهِ المَاء وَالْخمر وَاللَّبن فَتَنَاول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّبن فَقَالَ لَهُ جبرئيل اصبت الْفطْرَة وَلَو شربت المَاء لغرقت امتك وَلَو شربت الْخمر لغويت امتك ثمَّ بعث لَهُ آدم فَمن دونه من الْأَنْبِيَاء فَأمهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ قَالَ لَهُ جبرئيل أما الْعَجُوز الَّتِي رَأَيْت على جَانب الطَّرِيق فَلم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَقِي من عمر تِلْكَ الْعَجُوز وَأما الَّذِي اراد ان تميل اليه فَذَاك عَدو الله إِبْلِيس أَرَادَ ان تميل إِلَيْهِ وَأما الَّذين سلمُوا عَلَيْك فإبراهيم ومُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج احْمَد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم من طَرِيق قَتَادَة عَن انس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتي بِالْبُرَاقِ لَيْلَة أسرِي بِهِ مسرجا مُلجمًا ليركبه فاستصعب عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ جبرئيل أبمحمد تفعل هَذَا فوَاللَّه مَا ركبك خلق قطّ أكْرم على الله مِنْهُ قَالَ فَارْفض عرقا
وَأخرج أَحْمد وابو دَاوُد من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن جُبَير عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما عرج بِي مَرَرْت بِقوم لَهُم أطفار من نُحَاس يخمشون وُجُوههم وصدورهم فَقلت من هَؤُلَاءِ يَا جبرئيل قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين يَأْكُلُون لُحُوم النَّاس ويقعون فِي أعراضهم
وَأخرج مُسلم عَن انس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَرْت لَيْلَة اسري بِي على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَائِما يُصَلِّي فِي قَبره
(1/258)
وَأخرج ابو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ عَن انس قَالَ حَدثنِي بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ مر على مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبره قَالَ وَذكر لي انه حمل على الْبراق قَالَ فأوثقت الْفرس أَو قَالَ الدَّابَّة بالحرابة فَقَالَ أَبُو بكر صفها لي يَا رَسُول الله فَقَالَ هِيَ كذه وذه قَالَ وَكَانَ ابو بكر قد رَآهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة وَسليمَان التَّيْمِيّ وثمامة وَعلي بن زيد عَن انس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْلَة اسري بِي مَرَرْت بناس تقْرض شفاههم بمقاريض من نَار كلما قرضت عَادَتْ فَقلت من هَؤُلَاءِ يَا جبرئيل قَالَ هَؤُلَاءِ خطباء امتك يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ
واخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة عَن انس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرضت عَلَيْهِ الصَّلَاة لَيْلَة اسري بِهِ
واخرج ابْن ماجة والحكيم وَالتِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الاصول وَابْن ابي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق يزِيد بن أبي مَالك عَن انس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي مَكْتُوبًا على بَاب الْجنَّة الصَّدَقَة بِعشر أَمْثَالهَا وَالْقَرْض بِثمَانِيَة عشر فَقلت لجبرئيل مَا بَال الْقَرْض أفضل من الصَّدَقَة قَالَ لِأَن السَّائِل يسال وَعِنْده والمستقرض لَا يستقرض إِلَّا من حَاجَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُحَمَّد عَن أنس ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما انْتهى الى سِدْرَة الْمُنْتَهى رأى فراشا من ذهب يلوذ بهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي هَاشم عَن انس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ أسرِي بِهِ رِيحه ريح عروس وَأطيب من ريح عروس
وَأخرج الْبَزَّار من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى ربه عز وَجل
(1/259)
واخرج ابْن سعد وَسَعِيد بن مَنْصُور فِي سنَنه وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْحَارِث بن عبيد عَن ابي عمرَان الْجونِي عَن انس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينا أَنا نَائِم إِذْ جَاءَ جبرئيل فوكزني بَين كَتِفي فَقُمْت إِلَى شَجَرَة فِيهَا كَوَكْرَيْ الطَّائِر فَقعدَ فِي أَحدهمَا وَقَعَدت فِي الآخر فَسَمت وَارْتَفَعت حَتَّى سدت الْخَافِقين وَأَنا اقلب طرفِي وَلَو شِئْت ان أمس السَّمَاء لَمَسِسْت فَالْتَفت إِلَى جبرئيل كَأَنَّهُ حلْس لاطي فَعرفت فضل علمه بِاللَّه وَفتح لي بَاب من أَبْوَاب السَّمَاء فَرَأَيْت النُّور الْأَعْظَم واذا دون الْحجاب رَفْرَف الدّرّ والياقوت واوحي الي مَا شَاءَ الله ان يُوحى قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَكَذَا رَوَاهُ الْحَارِث بن عبيد
وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن أبي عمرَان الْجونِي عَن مُحَمَّد بن عُمَيْر بن عُطَارِد ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي مَلأ من اصحابه فجَاء جبرئيل فَنكتَ فِي ظَهره فَذهب بِهِ إِلَى الشَّجَرَة وفيهَا مثل وَكري الطَّائِر فَقَعَدت فِي احدهما وَقعد جبرئيل فِي الآخر فشأت بِنَا حَتَّى بلغت الْأُفق فَلَو بسطت يَدي إِلَى السَّمَاء لَنِلْتهَا فدلي بِسَبَب وَهَبَطَ النُّور فَوَقع جبرئيل مغشيا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ جلس فَعرفت فضل خَشيته على خَشْيَتِي فَأُوحي إِلَى نَبيا ملكا اَوْ نَبيا عبدا وَإِلَى الْجنَّة مَا أَنْت فَأومى إِلَى جبرئيل وَهُوَ مُضْطَجع ان تواضع قلت لَا بل نَبيا عبدا قَالَ الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير هَذِه وَاقعَة اخرى غير قصَّة الْإِسْرَاء
حَدِيث أبي بن كَعْب ستأتي الْإِشَارَة اليه عقب حَدِيث أبي ذَر
أخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبيد بن عُمَيْر عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِي رَأَيْت الْجنَّة من درة بَيْضَاء قلت يَا جبرئيل إِنَّهُم يَسْأَلُونِي عَن الْجنَّة قَالَ فَأخْبرهُم أَن أرْضهَا قيعان وترابها الْمسك
(1/260)
وَأخرج ان مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس عَن ابي بن كَعْب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْلَة أسرِي بِي وجدت ريحًا طيبَة فَقلت يَا جبرئيل مَا هَذِه قَالَ هَذِه الماشطة وَزوجهَا وابنتها بَينا هِيَ تمشط ابْنة فِرْعَوْن إِذْ سقط الْمشْط من يَدهَا فَقَالَت تعس فِرْعَوْن فَأخْبرت أَبَاهَا فَقَتلهَا
حَدِيث بُرَيْدَة
أخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَزَّار عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كَانَ لَيْلَة أسرِي بِي فَأتى جبرئيل الصَّخْرَة الَّتِي بِبَيْت الْمُقَدّس فَوضع إصبعه فِيهَا فخرقها وَشد بهَا الْبراق
حَدِيث جَابر
اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كذبتني قُرَيْش حِين أسرِي بِي إِلَى بَيت الْمُقَدّس قُمْت فِي الْحجر فَجلى الله لي بَيت الْمُقَدّس فطفقت أخْبرهُم عَن آيَاته وَأَنا أنظر إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَرْت لَيْلَة أسرِي بِي على الْمَلأ الْأَعْلَى فَإِذا جبرئيل كالحلس الْبَالِي من خشيَة الله
الخصائص الكبرى
حَدِيث حُذَيْفَة بن الْيَمَان
أخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة انه حدث عَن لَيْلَة اسري بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا زايل الْبراق حَتَّى فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَوَات فَرَأى الْجنَّة وَالنَّار ووعد الْآخِرَة اجْمَعْ ثمَّ عَاد وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه فأري مَا فِي السَّمَوَات وأري مَا فِي الارض قيل لَهُ أَي دَابَّة الْبراق قَالَ دَابَّة طَوِيل ابيض خطوه مد الْبَصَر
(1/261)
حَدِيث سَمُرَة
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي رجلا يسبح فِي نهر يلقم الْحِجَارَة فَسَأَلت من هَذَا فَقيل لي هَذَا آكل الرِّبَا
حَدِيث سهل بن سعد
اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن سهل بن سعد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرى بِي جبرئيل سَمِعت تسبيحا فِي السَّمَوَات العلى فَرَجَفَ فُؤَادِي فَقَالَ جبرئيل تقدم يَا مُحَمَّد وَلَا تخف فَإِن اسْمك مَكْتُوب على الْعَرْش لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس
اخْرُج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ وَصَححهُ وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ أسرِي بك قَالَ صليت لِأَصْحَابِي الْعَتَمَة بِمَكَّة معتما فَأَتَانِي جبرئيل بِدَابَّة بَيْضَاء فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل فَقَالَ اركب فاستصعب عَليّ فرأزها بأذنها ثمَّ حَملَنِي عَلَيْهَا فَانْطَلَقت تهوي بِنَا يَقع حافرها حَيْثُ أدْرك طرفها حَتَّى بلغنَا أَرضًا ذَات نخل فأنزلني فَقَالَ صل فَصليت ثمَّ ركبنَا فَقَالَ أَتَدْرِي ايْنَ صليت قلت لَا قَالَ صليت بِيَثْرِب صليت بِطيبَة فَانْطَلَقت تهوي بِنَا ثمَّ بلغنَا أَرضًا فَقَالَ انْزِلْ فَنزلت ثمَّ قَالَ صل فَصليت ثمَّ ركبنَا فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْن صليت قلت لَا قَالَ صليت عِنْد شَجَرَة مُوسَى ثمَّ بلغنَا أَرضًا بَدَت لنا قُصُور قَالَ انْزِلْ فَنزلت فَقَالَ صل فَصليت ثمَّ ركبنَا فَقَالَ اتدري أَيْن صليت قلت لَا قَالَ صليت بِبَيْت لحم حَيْثُ ولد عِيسَى ثمَّ انْطلق بِي حَتَّى دَخَلنَا الْمَدِينَة من بَابهَا الثَّانِي فَأتى قبْلَة الْمَسْجِد فَربط فِيهِ دَابَّته ودخلنا الْمَسْجِد
(1/262)
من بَاب فِيهِ تميل الشَّمْس وَالْقَمَر فَصليت من الْمَسْجِد حَيْثُ شَاءَ الله وأخذني من الْعَطش أَشد مَا أَخَذَنِي قطّ فاتيت بإنائين فِي احدهما لبن وَفِي الآخر عسل أرسل الي بهما جَمِيعًا فعدلت بَينهمَا ثمَّ هَدَانِي الله فَأخذت اللَّبن فَشَرِبت حَتَّى قرعت بِهِ جبيني وَبَين يَدي شيخ متكئ على مِنْبَر لَهُ فَقَالَ أَخذ صَاحبك الْفطْرَة إِنَّه ليهدى ثمَّ انْطلق بِي حَتَّى أَتَيْنَا الْوَادي الَّذِي فِيهِ الْمَدِينَة فَإِذا جَهَنَّم تنكشف عَليّ مثل الزرابي قلت يَا رَسُول الله كَيفَ وَجدتهَا قَالَ مثل الْحمة السخنة ثمَّ انْصَرف بِي فمررنا بعير لقريش بمَكَان كَذَا وَكَذَا قد أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُم قد جمعه فلَان فَسلمت عَلَيْهِم فَقَالَ بَعضهم هَذَا صَوت مُحَمَّد ثمَّ اتيت أَصْحَابِي قبل الصُّبْح بِمَكَّة فَأَتَانِي ابو بكر فَقَالَ يَا رَسُول الله أَيْن كنت اللَّيْلَة فقد التمستك فِي مظانك فَقَالَ علمت أَنِّي أتيت بَيت الْمُقَدّس اللَّيْلَة فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه مسيرَة شهر فصفه لي قَالَ فَفتح لي صِرَاط كَأَنِّي انْظُر اليه لَا يسألني عَن شَيْء إِلَّا أنبأته عَنهُ قَالَ أَبُو بكر أشهد أَنَّك رَسُول الله فَقَالَ الْمُشْركُونَ انْظُرُوا إِلَى ابْن أبي كَبْشَة يزْعم انه اتى بَيت الْمُقَدّس اللَّيْلَة فَقَالَ إِن من آيَة مَا أَقُول لكم أَنِّي مَرَرْت بعير لكم بمَكَان كَذَا اوكذا قد أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُم فَجَمعه فلَان وَأَن مَسِيرهمْ ينزلون بِكَذَا وَكَذَا ويأتونكم يَوْم كَذَا وَكَذَا يقدمهم جمل آدم عَلَيْهِ مسح اسود وغرارتان سوداوان فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم أشرف النَّاس ينتظرون حَتَّى كَانَ قَرِيبا من نصف النَّهَار أَقبلت العير يقدمهم ذَلِك الْجمل الَّذِي وَصفه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَدِيث صُهَيْب
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب بن سِنَان قَالَ لما عرض على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ المَاء ثمَّ الْخمر ثمَّ اللَّبن أَخذ اللَّبن فَقَالَ لَهُ جبرئيل أصبت أخذت الْفطْرَة وَبِه غذيت كل دَابَّة وَلَو أخذت الْخمر غويت وغوت امتك وَكنت من أهل هَذِه وَأَشَارَ إِلَى الْوَادي الَّذِي فِيهِ جَهَنَّم فَنظر اليه فَإِذا هُوَ نَار تلتهب
(1/263)
حَدِيث ابْن عَبَّاس
أخرج أَحْمد وَأَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح من طَرِيق قَابُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لَيْلَة أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل الْجنَّة فَسمع فِي جَانبهَا وجسا فَقَالَ يَا جبرئيل مَا هَذَا قَالَ هَذَا بِلَال الْمُؤَذّن فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين جَاءَ الى النَّاس قد افلح بِلَال رَأَيْت لَهُ كَذَا وَكَذَا فَلَقِيَهُ مُوسَى فَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي قَالَ وَهُوَ رجل آدم طَوِيل سبط شعره مَعَ أُذُنَيْهِ اَوْ فَوْقهَا فَقَالَ من هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا مُوسَى فَمضى فَلَقِيَهُ شيخ جليل متهيب فَرَحَّبَ بِهِ وَسلم عَلَيْهِم وَكلهمْ يسلم عَلَيْهِ قَالَ من هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا أَبوك ابراهيم قَالَ وَنظر فِي النَّار فَإِذا قوم يَأْكُلُون الْجِيَف قَالَ من هَؤُلَاءِ يَا جبرئيل قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين يَأْكُلُون لُحُوم النَّاس وَرَأى رجلا أَحْمَر أَزْرَق جدا قَالَ من هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا عَاقِر النَّاقة فَلَمَّا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد الآقصى قَامَ يُصَلِّي فاذا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يصلونَ مَعَه فَلَمَّا انْصَرف جِيءَ بقدحين احدهما عَن الْيَمين وَالْآخر عَن الشمَال فِي احدهما لبن وَفِي الآخر عسل فَأخذ اللَّبن فَشرب مِنْهُ فَقَالَ الَّذِي كَانَ مَعَه الْقدح أصبت الفظرة
وَأخرج احْمَد وَأَبُو يعلى وَأَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ جَاءَ من ليلته فَحَدثهُمْ بمسيرة وبعلامة بَيت الْمُقَدّس وبعيرهم فَقَالَ نَاس نَحن لَا نصدق مُحَمَّدًا بِمَا يَقُول فَارْتَدُّوا كفَّارًا فَضرب الله رقابهم مَعَ أبي جهل وَقَالَ ابو جهل يخوفنا مُحَمَّد بشجرة الزقوم هاتوا تَمرا وزبدا وتزقموا وَرَأى الدَّجَّال فِي صورته رُؤْيا عين لَيْسَ برؤيا مَنَام وَعِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيم فَسئلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدَّجَّال فَقَالَ رَأَيْته فيلمانيا اقمر هجانا إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَة كَأَنَّهَا كَوْكَب دري كَأَن شعره اغصان شَجَرَة وَرَأَيْت عِيسَى أَبيض جعد الرَّأْس حَدِيد الْبَصَر مبطن الْخلق وَرَأَيْت مُوسَى اسحم آدم كثير الشّعْر شَدِيد الْخلق وَنظرت إِلَى ابراهيم فَلَا انْظُر إِلَى أقرب مِنْهُ إِلَّا نظرت إِلَيْهِ مني حَتَّى كَأَنَّهُ صَاحبكُم قَالَ جبرئيل سلم على أَبِيك فَسلمت عَلَيْهِ
(1/264)
وَأخرج البُخَارِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} قَالَ هِيَ رُؤْيا عين أريها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق قَتَادَة عَن ابي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت لَيْلَة اسري بِي مُوسَى بن عمرَان رجلا طوَالًا جَعدًا كَأَنَّهُ من رجال شنؤة وَرَأَيْت عِيسَى بن مَرْيَم مَرْبُوع الْخلق الى الْحمرَة وَالْبَيَاض سبط الرَّأْس وَرَأَيْت مَالِكًا خَازِن جَهَنَّم والدجال فِي آيَات أراهن الله قَالَ {فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه} فَكَانَ قَتَادَة يُفَسِّرهَا ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد لَقِي مُوسَى
وَأخرج احْمَد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِي مرت بِي رَائِحَة طيبَة فَقلت مَا هَذِه الرَّائِحَة قَالُوا ماشطة بنت فِرْعَوْن وَأَوْلَادهَا سقط مشطها من يَدهَا فَقَالَت بِسم الله فَقَالَت ابْنة فِرْعَوْن أبي قَالَت رَبِّي هُوَ رَبك وَرب أَبِيك قَالَت أولك رب غير أبي قَالَت نعم فَدَعَاهَا فَقَالَ أَلَك رب غَيْرِي قَالَت نعم رَبِّي وَرَبك الله فَأمر ببقرة من نُحَاس فأحميت ثمَّ امْر بهَا لتلقى فِيهَا وَأَوْلَادهَا فَألْقوا وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى بلغ رضيعا فيهم فَقَالَ قَعِي يَا أمه وَلَا تقاعسي فَإنَّك على الْحق قَالَ وَتكلم أَرْبَعَة وهم صغَار هَذَا وَشَاهد يُوسُف وَصَاحب جريج وَعِيسَى بن مَرْيَم
وَأخرج احْمَد وَابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم بِسَنَد صَحِيح من طَرِيق زُرَارَة بن أبي أوفى عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كَانَ لَيْلَة أسرِي بِي فَأَصْبَحت بِمَكَّة فظعت وَعرفت ان النَّاس مُكَذِّبِي فَقعدَ مُعْتَزِلا حَزينًا فَمر بِهِ عَدو الله أَبُو جهل فجَاء حَتَّى جلس إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ هَل كَانَ من
(1/265)
شَيْء قَالَ نعم قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ إِنِّي أسرِي بِي اللَّيْلَة قَالَ إِلَى أَيْن قَالَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ ثمَّ أَصبَحت بَين ظهرانينا قَالَ نعم فَلم يره انه يكذبهُ مَخَافَة أَن يجحده الحَدِيث أَن دَعَا قومه إِلَيْهِ قَالَ أَرَأَيْت ان دَعَوْت قَوْمك أتحدثهم مَا حَدَّثتنِي قَالَ نعم قَالَ هيا معشر بني كَعْب بن لؤَي فانقضت اليه الْمجَالِس وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا قَالَ حدث قَوْمك بِمَا حَدَّثتنِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أسرِي بِي اللَّيْلَة قَالُوا إِلَى أَيْن قَالَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالُوا ثمَّ أَصبَحت بَين ظهرانينا قَالَ نعم قَالَ فَمن بَين مُصَفِّق وَمن وَاضع يَده على رَأسه مُتَعَجِّبا قَالُوا وتستطيع ان تنْعَت الْمَسْجِد وَفِي الْقَوْم من قد سَافر إِلَيْهِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَهَبت انعت فَمَا زلت انعت حَتَّى الْتبس عَليّ بعض النَّعْت فجيء بِالْمَسْجِدِ وَأَنا أنظر إِلَيْهِ حَتَّى وضع دون دَار عقيل أَو عقال فنعته وَأَنا أنظر إِلَيْهِ فَقَالَ الْقَوْم اما النَّعْت فوَاللَّه لقد أصَاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق شهر بن حَوْشَب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتيت لَيْلَة أسرِي بِي على ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا مُحَمَّد اخبر امتك ان الْجنَّة قيعان وَأَن غراسها سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل يمر بِالنَّبِيِّ والنبيين مَعَهم الرَّهْط وَالنَّبِيّ والنبيين مَعَهم الْقَوْم وَالنَّبِيّ والنبيين لَيْسَ مَعَهم أحد حَتَّى مر سَواد عَظِيم فَقلت من هَذَا قيل مُوسَى وَقَومه وَلَكِن ارْفَعْ رَأسك فَانْظُر فَإِذا سَواد عَظِيم قد سد الْأُفق من ذَا الْجَانِب وَذَا الْجَانِب فَقيل لَهُ هَؤُلَاءِ امتك وَسوى هَؤُلَاءِ من امتك سَبْعُونَ ألفا يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
واخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على مُوسَى وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره
وَأخرج احْمَد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فرض الله على نبيه الصَّلَاة خمسين صَلَاة فَسَأَلَ ربه فَجَعلهَا خمس صلوَات
(1/266)
واخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لما اسري بِي انْتَهَيْت الى سِدْرَة الْمُنْتَهى فَإِذا نبقها أَمْثَال القلال
وَأخرج احْمَد بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت رَبِّي عز وَجل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس انه كَانَ يَقُول ان مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى ربه مرَّتَيْنِ مرّة ببصره وَمرَّة بفؤاده
وَأخرج أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نظر مُحَمَّد إِلَى ربه قَالَ عِكْرِمَة فَقلت لَهُ نظر مُحَمَّد إِلَى ربه قَالَ نعم جعل الْكَلَام لمُوسَى والخلة لإِبْرَاهِيم وَالنَّظَر لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
واخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الرُّؤْيَة بِلَفْظ ان الله اصْطفى إِبْرَاهِيم بالخلة وَاصْطفى مُوسَى بالْكلَام وَاصْطفى مُحَمَّدًا بِالرُّؤْيَةِ واخرجه بِلَفْظ اتعجبون ان تكون الْخلَّة لإِبْرَاهِيم وَالْكَلَام لمُوسَى والرؤية لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج مُسلم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} قَالَ رَآهُ بفؤاده مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد واه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَنِي الله لَيْلَة أسرِي بِي إِلَى يَأْجُوج وَمَأْجُوج فدعوتهم إِلَى دين الله وعبادته فَأَبَوا ان يجيبوني فهم فِي النَّار مَعَ من عصى ولد آدم وَولد إِبْلِيس
الخصائص الكبرى
حَدِيث ابْن عمر
اخْرُج الطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط عَن ابْن عمر ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِهِ إِلَى السَّمَاء أُوحِي إِلَيْهِ بِالْأَذَانِ فَنزل بِهِ فَعلمه جبرئيل
(1/267)
وَأخرج ابو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ كَانَت الصَّلَاة خمسين وَالْغسْل من الْجَنَابَة سبع مَرَّات وَغسل الْبَوْل من الثَّوْب سبع مَرَّات فَلم يزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل حَتَّى جعلت الصَّلَاة خمْسا وَغسل الْجَنَابَة مرّة وَغسل الثَّوْب من الْبَوْل مرّة
حَدِيث ابْن عَمْرو
واخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده فَقَالَ اسري بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة سبع عشرَة من شهر ربيع الأول قبل الْهِجْرَة بِسنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب قَالَ اسري بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَيت الْمُقَدّس قبل خُرُوجه الى الْمَدِينَة بِسنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة مثله
واخرج عَن السّديّ قَالَ أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مهاجره بِسِتَّة عشر شهرا
حَدِيث ابْن مَسْعُود
واخرج مُسلم من طَرِيق مرّة الْهَمدَانِي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْتهى إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى وإليها يَنْتَهِي مَا يصعد بِهِ وَفِي لفظ مَا يعرج بِهِ من الْأَرْوَاح حَتَّى يقبض مِنْهَا وإليها يَنْتَهِي مَا يهْبط بِهِ من فَوْقهَا حَتَّى يقبض إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى قَالَ غشيها فرَاش من ذهب وَأعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَوَات الْخمس وخواتيم سُورَة الْبَقَرَة وغقر لمن لَا يُشْرك بِاللَّه من أمته شَيْئا الْمُقْحمَات
وَأخرج ابْن عَرَفَة فِي جزئه وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتاني جبرئيل بِدَابَّة فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ ثمَّ انْطلق يهوي بِنَا كلما صعد عقبَة اسْتَوَت رِجْلَاهُ كَذَلِك مَعَ يَدَيْهِ وَإِذا هَبَط اسْتَوَت يَدَاهُ مَعَ رجلَيْهِ حَتَّى مَرَرْنَا بِرَجُل طوال سبط آدم كَأَنَّهُ من رجال شنُوءَة وَهُوَ يَقُول وَيرْفَع صَوته اكرمته وفضلته فدفعنا إِلَيْهِ فسلمنا فَرد السَّلَام فَقَالَ من هَذَا مَعَك يَا جبرئيل قَالَ هَذَا احْمَد قَالَ مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي
(1/268)
الْعَرَبِيّ الَّذِي بلغ رِسَالَة ربه ونصح لأمته ثمَّ اندفعنا فَقلت من هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا مُوسَى بن عمرَان قلت وَمن يُعَاتب قَالَ يُعَاتب ربه فِيك قلت وَيرْفَع صَوته على ربه قَالَ إِن الله قد عرف لَهُ حِدته ثمَّ اندفعنا حَتَّى مَرَرْنَا بشجرة كَأَن ثَمَرهَا السرج تحتهَا شيخ وَعِيَاله فَقَالَ لي جبرئيل اعمد إِلَى أَبِيك ابراهيم فدفعنا إِلَيْهِ فسلمنا عَلَيْهِ فَرد السَّلَام فَقَالَ إِبْرَاهِيم من هَذَا مَعَك يَا جبرئيل قَالَ هَذَا ابْنك احْمَد فَقَالَ مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي الَّذِي بلغ رِسَالَة ربه ونصح لأمته يَا بني إِنَّك لَاق رَبك اللَّيْلَة وَإِن امتك آخر الامم وأضعفها فَإِن اسْتَطَعْت ان تكون حَاجَتك كلهَا اَوْ جلها فِي امتك فافعل ثمَّ اندفعنا حَتَّى انتهينا إِلَى الْمَسْجِد الاقصى فَنزلت فَربطت الدَّابَّة بالحلقة الَّتِي فِي بَاب الْمَسْجِد الَّتِي كَانَت الْأَنْبِيَاء ترْبط بهَا ثمَّ دخلت الْمَسْجِد فَعرفت النَّبِيين من بَين قَائِم وَرَاكِع وَسَاجِد ثمَّ اتيت بكأسين من عسل وَلبن فَأخذت اللَّبن فَشَرِبت فَضرب جبرئيل مَنْكِبي وَقَالَ أصبت الْفطْرَة ثمَّ اقيمت الصَّلَاة فأممتهم ثمَّ انصرفنا فأقبلنا
وَأخرج احْمَد وَابْن ماجة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُؤثر بن غفارة عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقِيت لَيْلَة اسري بِي إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فتذاكروا امْر السَّاعَة فَردُّوا أَمرهم إِلَى ابراهيم فَقَالَ لَا علم لي بهَا فَردُّوا امرهم الى مُوسَى فَقَالَ لَا علم لي بهَا فَردُّوا أَمرهم إِلَى عِيسَى فَقَالَ أما وجبتها فَلَا يعلم بهَا أحد إِلَّا الله وَفِيمَا عهد إِلَيّ رَبِّي ان الدَّجَّال خَارج وَمَعِي قضيبان فاذا رَآنِي ذاب كَمَا يذوب الرصاص فيهلكه الله إِذا رَآنِي حَتَّى ان الْحجر وَالشَّجر يَقُول يَا مُسلم إِن تحتي كَافِرًا فتعال فاقتله فيهلكهم الله ثمَّ يرجع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ وأوطانهم فَعِنْدَ ذَلِك يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدب يَنْسلونَ فيطأون بِلَادهمْ لَا يأْتونَ على شَيْء إِلَّا أهلكوه وَلَا يَمرونَ على مَاء إِلَّا شربوه ثمَّ يرجع النَّاس إِلَيّ فيشكونهم فأدعو الله عَلَيْهِم فيهلكهم ويميتهم حَتَّى تجوى الارض من نَتن ريحهم فَينزل الله الْمَطَر فيجرف أَجْسَادهم حَتَّى يقذفهم فِي الْبَحْر فَفِيمَا عهد إِلَيّ رَبِّي ان ذَلِك إِذا كَانَ كَذَلِك ان السَّاعَة كالحامل المتم لَا يدْرِي أَهلهَا مَتى تفاجأهم بولادتها لَيْلًا اَوْ نَهَارا
(1/269)
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى والْحَارث بن أبي اسامة وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتيت بِالْبُرَاقِ فركبته إِذا أَتَى على جبل ارْتَفَعت رِجْلَاهُ وَإِذا هَبَط ارْتَفَعت يَدَاهُ فَسَار بِنَا فِي أَرض عمَّة مُنْتِنَة ثمَّ أفضينا إِلَى أَرض فيحاء طيبَة فَسَأَلت جبرئيل قَالَ تِلْكَ أَرض النَّار وَهَذِه أَرض الْجنَّة فَأتيت على رجل قَائِم يُصَلِّي فَقَالَ من هَذَا يَا جبرئيل مَعَك قَالَ اخوك مُحَمَّد فَرَحَّبَ ودعا لي بِالْبركَةِ وَقَالَ سل لأمتك الْيُسْر فَقلت من هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا اخوك عِيسَى فسرنا فَسمِعت صَوتا وتذمرا فأتينا على رجل فَقَالَ من هَذَا مَعَك قَالَ هَذَا اخوك مُحَمَّد فَسلم ودعا لي بِالْبركَةِ وَقَالَ سل لأمتك الْيُسْر قلت من هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا اخوك مُوسَى قلت على من كَانَ تذمره قَالَ على ربه قلت أَعلَى ربه قَالَ نعم قد عرف حِدته ثمَّ سرنا فَرَأَيْت مصابيح وضوأ فَقلت مَا هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذِه شَجَرَة أَبِيك ابراهيم أدن مِنْهَا فدنوت مِنْهَا فَرَحَّبَ ودعا لي بِالْبركَةِ ثمَّ مضينا حَتَّى أَتَيْنَا بَيت الْمُقَدّس فَربطت الدَّابَّة بالحلقة الَّتِي ترْبط بهَا الْأَنْبِيَاء ثمَّ دخلت الْمَسْجِد فنشرت لي الْأَنْبِيَاء من سمى الله وَمن لم يسم فَصليت بهم إِلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيت ابراهيم لَيْلَة اسري بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّد اقْرَأ امتك مني السَّلَام واخبرهم ان الْجنَّة طيبَة التربة عذبة المَاء وَأَنَّهَا قيعان وَأَن غراسها سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله اكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
وَأخرج مُسلم من طَرِيق زر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله تَعَالَى {لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} قَالَ رأى جبرئيل لَهُ سِتّمائَة جنَاح
واخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق ذَر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت جبرئيل عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى لَهُ
(1/270)
سِتّمائَة جنَاح ينتثر من ريشه تهاويل الدّرّ والياقوت
واخرج البُخَارِيّ من طَرِيق عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله تَعَالَى {لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} قَالَ رأى رفرفا أَخْضَر قد مَلأ الْأُفق
حَدِيث عبد الله بن اِسْعَدْ بن زُرَارَة
اخْرُج الْبَزَّار وَابْن قَانِع وَابْن عدي عَن عبد الله بن أسعد بن زُرَارَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِي أنتهيت الى قصر من لؤلؤة فرَاشه ذهب يتلألأ نورا وَأعْطيت ثَلَاثًا إِنَّك سيد الْمُرْسلين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وقائد الغر المحجلين وَأخرجه الْبَغَوِيّ وَابْن عَسَاكِر بِلَفْظ اسري بِي فِي قفص من لُؤْلُؤ فرَاشه من ذهب
حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن قرط الثمالِي
اخْرُج سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن عبد الرَّحْمَن بن قرط ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة اسري بِهِ الى الْمَسْجِد الْأَقْصَى كَانَ بَين الْمقَام وزمزم جبرئيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره فطَارَا بِهِ حَتَّى بلغ السَّمَوَات العلى فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ سَمِعت تسبيحا فِي السَّمَوَات العلى مَعَ تَسْبِيح كثير سبحت السَّمَوَات العلى من ذِي المهابة مشفقات من ذِي الْعُلُوّ بِمَا علا سُبْحَانَ الْعلي الاعلى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
الخصائص الكبرى
حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه
تقدم ذكره فِي اول الْكتاب فِي الْأَذَان من طَرِيق الْحُسَيْن عَن ابيه
واخرج ابو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن الحنفيه قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء فَانْتهى إِلَى مَكَان من السَّمَاء وقف بِهِ وَبعث الله ملكا فَقَامَ من السَّمَاء مقَاما مَا قامه قبل ذَلِك قيل لَهُ علمه الْأَذَان فَقَالَ الْملك الله اكبر الله اكبر فَقَالَ الله صدق عَبدِي أَنا الله الْأَكْبَر فَقَالَ الْملك أشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ الله صدق عَبدِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا انا فَقَالَ الْملك أشهد ان مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ الله صدق عَبدِي
(1/271)
أَنا أَرْسلتهُ وَأَنا اخترته وَأَنا ائتمنته فَقَالَ حَيّ على الصَّلَاة فَقَالَ الله صدق عَبدِي دَعَا إِلَى فريضتي وحقي فَمن أَتَاهَا محتسبا كَانَت كَفَّارَة لكل ذَنْب فَقَالَ الْملك حَيّ على الْفَلاح فَقَالَ الله صدق عَبدِي أَنا اقمت فريضتها وعدتها ومواقيتها ثمَّ قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقدم فَتقدم فَأم اهل السَّمَاء فتم لَهُ شرفه على سَائِر الْخلق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق زيد بن عَليّ عَن آبَائِهِ عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم الْأَذَان لَيْلَة اسري بِهِ وفرضت عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مَرَرْت على مَلأ من الْمَلَائِكَة لَيْلَة أسرِي بِي إِلَّا قَالُوا مر أمتك بالحجامة وَأخرجه احْمَد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه مثله من حَدِيث ابْن عَبَّاس
حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
اخْرُج احْمَد عَن عبيد بن آدم ان عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ بالجابية فَذكر فتح بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ لكعب أَيْن ترى ان أُصَلِّي قَالَ خلف الصَّخْرَة قَالَ لَا وَلَكِن أُصَلِّي حَيْثُ صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتقدم إِلَى الْقبْلَة فصلى
واخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر قَالَ لما اسري برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى مَالِكًا خَازِن النَّار فَإِذا رجل عَابس يعرف الْغَضَب فِي وَجهه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صليت لَيْلَة أسرِي بِي فِي مقدم الْمَسْجِد ثمَّ دخلت إِلَى الصَّخْرَة فاذا ملك قَائِم مَعَه آنِية ثَلَاث فتناولت الْعَسَل فَشَرِبت مِنْهُ قَلِيلا ثمَّ تناولت الآخر فَشَرِبت مِنْهُ حَتَّى رويت فَإِذا هُوَ لبن فَقَالَ اشرب من الآخر فَإِذا هُوَ خمر قلت قد رويت قَالَ أما انك لَو شربت من هَذَا لم تَجْتَمِع أمتك على الْفطْرَة أبدا ثمَّ انْطلق بِي إِلَى السَّمَاء فَفرضت عَليّ الصَّلَاة ثمَّ رجعت إِلَى خَدِيجَة وَمَا تحولت عَن جَانبهَا الآخر
(1/272)
حَدِيث مَالك بن صعصعة
اخْرُج احْمَد والشيخان وَابْن جرير من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس أَن مَالك بن صعصعة حَدثهُ انه نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثهمْ عَن لَيْلَة اسرى بِهِ قَالَ بَيْنَمَا أَنا فِي الْحطيم وَرُبمَا قَالَ قَتَادَة فِي الْحجر مُضْطَجعا إِذْ أَتَانِي آتٍ فَجعل يَقُول لصَاحبه الْأَوْسَط بَين الثَّلَاثَة فَأَتَانِي فشق مَا بَين هَذِه إِلَى هَذِه يَعْنِي من ثغرة نَحره إِلَى شعرته فاستخرج قلبِي فَأتيت بطست من ذهب مَمْلُوءَة إِيمَانًا وَحِكْمَة فَغسل قلبِي ثمَّ حشي ثمَّ اعيد ثمَّ أتيت بِدَابَّة دون الْبَغْل وَمَا فَوق الْحمار يَقع خطوه عِنْد أقْصَى طرفه فَحملت عَلَيْهِ فَانْطَلق بِي جبرئيل حَتَّى أَتَى بِي الى السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل اَوْ قد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قيل مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ فَفتح فَلَمَّا خلصت فَإِذا فِيهَا آدم قَالَ هَذَا ابوك آدم فَسلم عَلَيْهِ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالابن الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل أوقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالَ مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ فَفتح فَلَمَّا خصلت فاذا بِيَحْيَى وَعِيسَى وهما ابْنا الْخَالَة قَالَ هَذَا يحيى وَعِيسَى فَسلم عَلَيْهِمَا فَسلمت فَردا السَّلَام ثمَّ قَالَا مرْحَبًا بالاخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل أَو قد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالَ مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ فَفتح فَلَمَّا خلصت إِذا يُوسُف فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ قيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل أَو قد ارسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قيل مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ فَفتح فَلَمَّا خلصت فَإِذا إِدْرِيس فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح ثمَّ صعد حَتَّى اتى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل اَوْ قد ارسل اليه قَالَ نعم قيل مرْحَبًا بِهِ ولنعم المحيء جَاءَ فَلَمَّا خلصت فَإِذا هَارُون فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ
(1/273)
جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل أَو قد ارسل اليه قَالَ نعم قيل مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ فَلَمَّا خلصت اذا انا بمُوسَى فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح فَلَمَّا تجاوزته بَكَى قيل لَهُ مَا يبكيك قَالَ ابكي لِأَن غُلَاما بعث بعدِي يدْخل الْجنَّة من أمته اكثر مِمَّا يدخلهَا من أمتِي ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ قيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل اَوْ قد ارسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قيل مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ فَفتح فَلَمَّا خلصت فَإِذا ابراهيم قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيم فَسلم عَلَيْهِ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ مرْحَبًا بالابن الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح ثمَّ رفعت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فَإِذا نبقها مثل قلال هجر وَإِذا وَرقهَا مثل آذان الفيلة فَقَالَ هَذِه سِدْرَة الْمُنْتَهى وَإِذا أَرْبَعَة أَنهَار نهران باطنان ونهران ظاهران فَقلت مَا هَذَا يَا جبرئيل قَالَ اما الباطنان فنهران فِي الْجنَّة وَأما الظاهران فالنيل والفرات قَالَ ثمَّ رفع لي الْبَيْت الْمَعْمُور
قَالَ قَتَادَة وَحدثنَا الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى الْبَيْت الْمَعْمُور يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك ثمَّ لَا يعودون فِيهِ
ثمَّ رَجَعَ الى حَدِيث انس قَالَ ثمَّ اتيت باناء من خمر واناء من لبن وإناء من عسل فَأخذت اللَّبن قَالَ هَذِه الْفطْرَة الَّتِي أَنْت عَلَيْهَا وَأمتك ثمَّ فرضت الصَّلَاة خمسين صَلَاة كل يَوْم فَنزلت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فرض رَبك على امتك قلت خمسين صَلَاة كل يَوْم قَالَ إِن امتك لَا تَسْتَطِيع ذَلِك وَإِنِّي قد خبرت النَّاس قبلك وعالجت بني إِسْرَائِيل أَشد المعالجة فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك فَرَجَعت فَوضع عني عشرا فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقلت وضع عني عشرا قَالَ ارْجع إِلَى رَبك فاساله التَّخْفِيف فَرَجَعت فَوضع عني عشرا اخرى فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقلت وضع عني عشرا اخرى قَالَ أرجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَلم ازل ارْجع حَتَّى امرت بِخمْس صلوَات كل يَوْم فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقلت أمرت بِخمْس صلوَات كل يَوْم قَالَ ان امتك لَا تَسْتَطِيع خمس صلوَات كل يَوْم وَإِنِّي قد خبرت النَّاس قبلك وعالجت بني اسرائيل أَشد المعالجة فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك فَقلت
(1/274)
قد سَأَلت رَبِّي حَتَّى استحييت وَلَكِن ارْض وَأسلم فناداني مُنَاد قد امضيت فريضتي وخففت عَن عبَادي
حَدِيث أبي أَيُّوب
اخْرُج ابْن ابي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ايوب الانصاري ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ مر على ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ ابراهيم مر أمتك فليكثروا من غراس الْجنَّة فَإِن تربَتهَا طيبَة وأرضها وَاسِعَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا غراس الْجنَّة قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
حَدِيث أبي حَبَّة
يَأْتِي فِي اثناء حَدِيث أبي ذَر
حَدِيث ابي الْحَمْرَاء
اخْرُج الطَّبَرَانِيّ وَابْن قَانِع وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْحَمْرَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِي الى السَّمَاء السَّابِعَة فاذا على سَاق الْعَرْش الايمن لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
حَدِيث أبي ذَر
اخْرُج الشَّيْخَانِ من طَرِيق يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس قَالَ كَانَ ابو ذَر يحدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فرج سقف بَيْتِي وَأَنا بِمَكَّة فَنزل جبرئيل فَفرج صَدْرِي ثمَّ غسله بِمَاء زَمْزَم ثمَّ جَاءَ بطست من ذهب ممتلئ حِكْمَة وإيمانا فأفرغه فِي صَدْرِي ثمَّ اطبقه ثمَّ اخذ بيَدي فعرج بِي إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا جِئْت الى السَّمَاء قَالَ جبرئيل لخازن السَّمَاء افْتَحْ قَالَ من هَذَا قَالَ جبرئيل قَالَ هَل مَعَك اُحْدُ قَالَ نعم معي مُحَمَّد قَالَ أرسل اليه قَالَ نعم فَلَمَّا فتح علونا السَّمَاء الدُّنْيَا وَإِذا رجل قَاعد على يَمِينه اسودة وعَلى يسَاره اسودة فاذا نظر قبل يَمِينه ضحك واذا نظر قبل شِمَاله بَكَى فَقَالَ مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالِابْن الصَّالح قلت لجبرئيل من هَذَا قَالَ آدم وَهَذِه الأسودة عَن يَمِينه
(1/275)
وَعَن شِمَاله نسم بنيه فَأهل الْيَمين هم أهل الْجنَّة والأسودة الَّتِي عَن شِمَاله أهل النَّار فَإِذا انْظُر عَن يَمِينه ضحك وَإِذا نظر عَن شِمَاله بَكَى ثمَّ عرج بِي الى السَّمَاء الثَّانِيَة فَقَالَ لخازنها افْتَحْ فَقَالَ لَهُ خازنها مثل مَا قَالَ لَهُ الأول فَفتح قَالَ أنس فَذكر انه وجد فِي السَّمَوَات آدم وَإِدْرِيس ومُوسَى وَعِيسَى وابراهيم وَلم يثبت كَيفَ مَنَازِلهمْ
وَقَالَ الزُّهْرِيّ فَأَخْبرنِي ابْن حزم ان ابْن عَبَّاس وَأَبا حَبَّة الْأنْصَارِيّ كَانَا يَقُولَانِ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عرج بِي حَتَّى ظَهرت بمستوى اسْمَع فِيهِ صريف الأقلام قَالَ انس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفرض الله على امتي خمسين صَلَاة فَرَجَعت بذلك حَتَّى مَرَرْت على مُوسَى فَقَالَ مَا فرض الله على أمتك قلت فرض خمسين صَلَاة قَالَ فَارْجِع الى رَبك فان امتك لَا تطِيق ذَلِك فَرَجَعت فَقَالَ هِيَ خمس وَهن خَمْسُونَ لَا يُبدل القَوْل لدي فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ أرجع إِلَى رَبك قلت قد استحييت من رَبِّي ثمَّ انْطلق بِي حَتَّى انْتهى إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فغشيها ألوان لَا أَدْرِي مَا هِيَ ثمَّ أدخلت الْجنَّة فَإِذا فِيهَا جنابذ اللُّؤْلُؤ وَإِذا ترابها الْمسك
واخرج عبد الله بن احْمَد فِي زوايد الْمسند وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن انس عَن أبي بن كَعْب مثله سَوَاء حرفا بِحرف فعده جمَاعَة من مُسْند أبي بن كَعْب
وَذكر الْحَافِظ ابْن حجر انه وَقع فِيهِ تَحْرِيف وَأَنه كَانَ فِي الاصل عَن أبي ذَر فَسقط من النُّسْخَة لَفظه ذَر فَظن أَن أبي أَبَيَا فادرج فِي مُسْند أبي بن كَعْب غَلطا وَالله أعلم
وَأخرج مُسلم عَن أبي ذَر قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل رَأَيْت رَبك قَالَ رَأَيْت نورا أَنى أرَاهُ
حَدِيث أبي سعيد
اخْرُج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن ابي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي هَارُون الْعَبْدي عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه حدث عَن لَيْلَة
(1/276)
أسرِي بِهِ قَالَ بَيْنَمَا انا نَائِم عشَاء فِي الْمَسْجِد الْحَرَام إِذْ أَتَانِي آتٍ فأيقظني فَاسْتَيْقَظت فَلم أر شَيْئا وَإِذا انا بكهيئة خيال فاتبعته بَصرِي حَتَّى خرجت من الْمَسْجِد فاذا انا بِدَابَّة أدنى شُبْهَة بدوابكم هَذِه بغالك مُضْطَرب الْأُذُنَيْنِ يُقَال لَهَا الْبراق وَكَانَت الْأَنْبِيَاء تركبه قبلي يَقع حَافره عِنْد مد بَصَره فركبته فَبينا انا اسير عَلَيْهِ إِذْ دَعَاني دَاع عَن يَمِيني يَا مُحَمَّد انظرني أَسأَلك فَلم أجبه ثمَّ دَعَاني دَاع عَن شمَالي يَا مُحَمَّد أَنْظرنِي اسألك فَلم أجبه فَبينا أَنا أَسِير عَلَيْهِ إِذا أَنا بِامْرَأَة حَاسِرَة عَن ذراعيها وَعَلَيْهَا من كل زِينَة خلقهَا الله فَقَالَت يَا مُحَمَّد انظرني اسألك فَلم الْتفت إِلَيْهَا حَتَّى أتيت بَيت الْمُقَدّس فأوثقت دَابَّتي بالحلقة الَّتِي كَانَت الْأَنْبِيَاء توثقها بهَا أَتَانِي جبرئيل بإنائين احدهما خمر وَالْآخر لبن فَشَرِبت اللَّبن وَتركت الْخمر فَقَالَ جبرئيل اصبت الْفطْرَة فَقلت الله اكبر الله اكبر فَقَالَ جبرئيل مَا رَأَيْت فِي وَجهك هَذَا قلت بَيْنَمَا انا أَسِير إِذْ دَعَاني دَاع عَن يَمِيني يَا مُحَمَّد انظرني اسألك فَلم اجبه قَالَ ذَاك دَاعِي الْيَهُود اما أَنَّك لَو أَجَبْته لتهودت أمتك قلت وبينما انا اسير إِذا دَعَاني دَاع عَن يساري يَا مُحَمَّد انظرني أَسأَلك فَلم أجبه قَالَ ذَاك دَاعِي النَّصَارَى اما انك لَو احبته لتنصرت امتك فَبَيْنَمَا انا اسير إِذا أَنا بِامْرَأَة حَاسِرَة عَن ذراعيها عَلَيْهَا من كل زِينَة خلقهَا الله تَقول يَا مُحَمَّد انظرني أَسأَلك فَلم أجبها قَالَ تِلْكَ الدُّنْيَا أما أَنَّك لَو أجبتها لاختارت امتك الدُّنْيَا على الْآخِرَة ثمَّ دخلت أَنا وجبرئيل بَيت الْمُقَدّس فصلى كل وَاحِد منا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أتيت بالمعراج الَّذِي تعرج عَلَيْهِ أَرْوَاح بني آدم فَلم تَرَ الْخَلَائق احسن من الْمِعْرَاج مَا رَأَيْت الْمَيِّت حِين يشق بَصَره طامحا إِلَى السَّمَاء فَإِن ذَلِك عجبه بالمعراج فَصَعدت أَنا وجبرئيل فَإِذا انا بِملك يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيل وَهُوَ صَاحب سَمَاء الدُّنْيَا وَبَين يَدَيْهِ سَبْعُونَ ألف ملك مَعَ كل ملك جنده مائَة الف ملك قَالَ وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ} قَالَ فَاسْتَفْتَحَ جبرئيل بَاب السَّمَاء قيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل أَو قد بعث إِلَيْهِ قَالَ نعم فَإِذا انا بِآدَم كَهَيْئَته يَوْم خلقه الله على صورته تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته الْمُؤمنِينَ فَيَقُول روح طيبَة
(1/277)
وَنَفس طيبَة فاجعلوها فِي عليين ثمَّ تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته الْفجار فَيَقُول روح خبيثة وَنَفس خبيثة اجْعَلُوهَا فِي سِجِّين ثمَّ مضيت هنيهة فَإِذا انا بأخونه عَلَيْهَا لحم نضج لَيْسَ بِقُرْبِهِ أحد وَإِذا انا بأخونه عَلَيْهَا لحم قد أروح وانتن عِنْدهَا أنَاس يَأْكُلُون مِنْهَا قلت يَا جبرئيل من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ قوم من امتك يتركون الْحَلَال وياتون الْحَرَام ثمَّ مضيت هنيَّة فَإِذا انا بِأَقْوَام بطونهم أَمْثَال الْبيُوت كلما نَهَضَ احدهم خر يَقُول اللَّهُمَّ لَا تقم السَّاعَة وهم على سابلة آل فِرْعَوْن فتجيء السابلة فتطأهم فَسَمِعتهمْ يضجون إِلَى الله قلت يَا جبرئيل من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ من أمتك الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس ثمَّ مضيت هنيَّة فَإِذا انا بِأَقْوَام مشافرهم كمشافر الْإِبِل فتفتح افواههم ويلقمون حجرا ثمَّ يخرج من أسافلهم فَسَمِعتهمْ يضجون إِلَى الله قلت يَا جبرئيل من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ من أمتك الَّذين يَأْكُلُون اموال الْيَتَامَى ظلما {إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا وسيصلون سعيرا} ثمَّ مضيت هينة فَإِذا انا بنساء معلقات بثديهن وَنسَاء منكسات بأجلهن فسمعتهن يضججن إِلَى الله قلت يَا جبرئيل من هَؤُلَاءِ النِّسَاء قَالَ هَؤُلَاءِ من امتك اللَّاتِي يَزْنِين ويقتلن اولادهن ثمَّ مضيت هنيَّة فَإِذا انا بِأَقْوَام يقطع من جنُوبهم اللَّحْم فيلقمون فَيُقَال لَهُ كل كَمَا كنت تَأْكُل من لحم أَخِيك قلت يَا جبرئيل من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الهمازون من أمتك اللمازون ثمَّ صعدنا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَإِذا انا بِرَجُل احسن مَا خلق الله قد فضل النَّاس بالْحسنِ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر على سَائِر الْكَوَاكِب قلت يَا جبرئيل من هَذَا قَالَ هَذَا أَخُوك يُوسُف وومعه نفر من قومه فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم عَليّ ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَإِذا انا بِيَحْيَى وَعِيسَى ومعهما نفر من قومهما فَسلمت عَلَيْهِمَا وسلما عَليّ ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَإِذا انا بِإِدْرِيس قد رَفعه الله مَكَانا عليا فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم عَليّ ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَإِذا انا بهَارُون وَنصف لحيته بَيْضَاء وَنِصْفهَا سَوْدَاء تكَاد لحيته تضرب سرته من طولهَا قلت يَا جبرئيل من هَذَا قَالَ هَذَا المحبب فِي قومه هَذَا هَارُون بن عمرَان وَمَعَهُ نفر من قومه فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم عَليّ ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذا انا بمُوسَى بن عمرَان رجل آدم
(1/278)
شطرين شطر عَلَيْهِم ثِيَاب بيض كَأَنَّهَا الْقَرَاطِيس وَشطر عَلَيْهِم ثِيَاب رمد فَدخلت الْبَيْت الْمَعْمُور وَدخل معي الَّذين عَلَيْهِم الثِّيَاب الْبيض وحجب الْآخرُونَ الَّذين عَلَيْهِم الثِّيَاب كثير الشّعْر لَو كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ لنفذ شعره دون الْقَمِيص وَإِذا هُوَ يَقُول يزْعم النَّاس اني أكْرم على الله من هَذَا بل هَذَا اكرم على الله مني قلت يَا جبرئيل من هَذَا قَالَ هَذَا اخوك مُوسَى بن عمرَان وَمَعَهُ نفر من قومه فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم عَليّ ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذا انا بإبراهيم الْخَلِيل مُسْندًا ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور كأحسن الرِّجَال قلت يَا جبرئيل من هَذَا قَالَ هَذَا ابوك خَلِيل الرَّحْمَن وَمَعَهُ نفر من قومه فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم عَليّ فَقيل لي هَذَا مَكَانك وَمَكَان أمتك وَإِذا انا بأمتي شطرين شطر عَلَيْهِم ثِيَاب بيض كَأَنَّهَا الْقَرَاطِيس وَشطر عَلَيْهِم ثِيَاب رمد وهم على خير فَصليت انا وَمن معي من الْمُؤمنِينَ فِي الْبَيْت الْمَعْمُور ثمَّ خرجت انا وَمن معي قَالَ وَالْبَيْت الْمَعْمُور يُصَلِّي فِيهِ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون فِيهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ دفعت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فَإِذا كل ورقة مِنْهَا تكَاد تغطي هَذِه الْأمة وَإِذا فِيهَا عين تجْرِي يُقَال لَهَا السلسبيل فينشق مِنْهَا نهران أَحدهمَا الْكَوْثَر وَالْآخر يُقَال لَهُ نهر الرَّحْمَة فاغتسلت فِيهِ فغفر لي مَا تقدم من ذَنبي وَمَا تَأَخّر ثمَّ اني دفعت الى الْجنَّة فاستقبلتني جَارِيَة فَقلت لمن انت يَا جَارِيَة قَالَت لزيد بن حَارِثَة وَإِذا بأنهار من مَاء غير آسن وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وَإِذا رمانها كَأَنَّهُ الدلاء وأذا انا بطيرها كَأَنَّهُ بختيكم هَذِه ثمَّ عرضت عَليّ النَّار فَإِذا فِيهَا غضب الله وزجره ونقمته لَو طرح فِيهَا الْحِجَارَة وَالْحَدِيد لأكلتها ثمَّ غلقت دوني ثمَّ اني رفعت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فتغشاني فَكَانَ بيني وَبَينه قاب قوسين أَو أدنى وَنزل على كل ورقة ملك من الْمَلَائِكَة وفرضت عَليّ خَمْسُونَ صَلَاة وَقَالَ لَك بِكُل حَسَنَة عشر إِذا هَمَمْت بِالْحَسَنَة فَلم تعملها كتبت لَك حَسَنَة فَإِذا عملتها كتبت لَك عشرا وَإِذا هَمَمْت بِالسَّيِّئَةِ فَلم تعملها لم يكْتب عَلَيْك شَيْء فَإِن عملتها كتبت عَلَيْك سَيِّئَة وَاحِدَة ثمَّ دفعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أَمرك رَبك قلت بِخَمْسِينَ صَلَاة قَالَ ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك فَإِن امتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك فَرَجَعت إِلَى رَبِّي فَقلت يَا رب خفف عَن أمتِي فَإِنَّهَا أَضْعَف الْأُمَم فَوضع عني عشرا فَمَا زلت اخْتلف بَين مُوسَى وربي حَتَّى جعلهَا خمْسا فناداني ملك عِنْدهَا تمت فريضتي وخففت
(1/279)
عَن عبَادي وأعطيتهم بِكُل حَسَنَة عشرا أَمْثَالهَا ثمَّ رجعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أمرت قلت بِخمْس صلوَات قَالَ ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك قلت قد رجعت إِلَى رَبِّي حَتَّى استحييته ثمَّ اصبح بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ الْعَجَائِب إِنِّي اتيت البارحة بَيت الْمُقَدّس وعرج بِي إِلَى السَّمَاء ثمَّ رَأَيْت كَذَا وَكَذَا فَقَالَ ابو جهل أَلا تعْجبُونَ مِمَّا يَقُول مُحَمَّد قَالَ فَأَخْبَرتهمْ بعير لقريش لما كَانَت فِي مصعدي رَأَيْتهَا فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا وَأَنَّهَا نفرت فَلَمَّا رجعت رَأَيْتهَا عِنْد الْعقبَة وَأَخْبَرتهمْ بِكُل رجل وبعيره كَذَا وَكَذَا ومتاعه فَقَالَ رجل من الْمُشْركين أَنا اعْلَم النَّاس بِبَيْت الْمُقَدّس فَكيف بِنَاؤُه وَكَيف هَيئته وَكَيف قربه من الْجَبَل فَرفع الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيت الْمُقَدّس من مَقْعَده فَنظر إِلَيْهِ كنظر أَحَدنَا إِلَى بَيته فَقَالَ بِنَاؤُه كَذَا وهيئته كَذَا وقربه من الْجَبَل كَذَا فَقَالَ صدقت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي نَضرة عَن أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِي مَرَرْت بالكوثر فَقَالَ جبرئيل هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك رَبك فَضربت بيَدي إِلَى تربته فَإِذا مسك أذفر
وَأخرج من وَجه آخر عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اسري بِي مَرَرْت بمُوسَى وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره
واخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَلْقَمَة عَن ابي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت ابراهيم لَيْلَة أسرِي بِي وَهُوَ أشبه من رَأَيْت بصاحبكم
حدث أبي سُفْيَان
اخْرُج ابو نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دحْيَة الْكَلْبِيّ إِلَى قَيْصر وَكتب اليه مَعَه فَلَقِيَهُ بحمص فَدَعَا الترجمان فَإِذا فِي الْكتاب من مُحَمَّد رَسُول الله الى قَيْصر صَاحب الرّوم فَغَضب اخ لَهُ وَقَالَ تنظر فِي كتاب رجل بَدَأَ بِنَفسِهِ قبلك وَسماك قَيْصر صَاحب الرّوم وَلم يذكر لَك ملكا قَالَ لَهُ قَيْصر إِنَّك وَالله مَا علمت أَحمَق صَغِيرا مَجْنُونا كَبِيرا تُرِيدُ أَن تمزق كتاب رجل قبل ان انْظُر فِيهِ فلعمري لَئِن كَانَ رَسُول الله كَمَا يَقُول فنفسه أَحَق ان يبْدَأ بهَا مني وَإِن كَانَ سماني
(1/280)
صَاحب الرّوم لقد صدق مَا أَنا إِلَّا صَاحبهمْ وَمَا أملكهم وَلَكِن الله سخرهم لي وَلَو شَاءَ لسلطهم عَليّ ثمَّ قَرَأَ قَيْصر الْكتاب وَقَالَ يَا معشر الرّوم إِنِّي لأَظُن هَذَا الَّذِي بشر بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم وَلَو أعلم انه هُوَ مشيت اليه حَتَّى أخدمه بنفسي لَا يسْقط وضوءه إِلَّا على يَدي قَالُوا مَا كَانَ الله ليجعل ذَلِك فِي الاعراب الاميين ويدعنا وَنحن أهل الْكتاب قَالَ فَأصل الْهدى عِنْدِي بيني وَبَيْنكُم الْإِنْجِيل نَدْعُو بِهِ فنفتحه فَإِن كَانَ هُوَ إِيَّاه اتبعناه وَإِلَّا أعدنا عَلَيْهِ خواتمه كَمَا كَانَت إِنَّمَا هِيَ خَوَاتِم مَكَان خَوَاتِم قَالَ وعَلى الانجيل يَوْمئِذٍ إثنا عشر خَاتمًا من ذهب ختم عَلَيْهِ هِرقل فَكَانَ كل ملك يَلِيهِ بعده ظَاهر عَلَيْهِ بِخَاتم آخر حَتَّى ألفى ملك قَيْصر وَعَلِيهِ إثنا عشر خَاتمًا يخبر أَوَّلهمْ لآخرهم أَنه لَا يحل لَهُم ان يفتحوا الْإِنْجِيل فِي دينهم وَأَنه يَوْم يفتحونه يُغير دينهم وَيهْلك ملكهم فَدَعَا بالانجيل ففض عَنهُ اُحْدُ عشر خَاتمًا حَتَّى بَقِي عَلَيْهِ خَاتم وَاحِد قَامَت إِلَيْهِ الشمامسة والأساقفة والبطارقة فشقوا ثِيَابهمْ وصكوا وُجُوههم ونتفوا رؤوسهم قَالَ مالكم قَالُوا الْيَوْم يهْلك ملك بَيْتك ويتغير دين قَوْمك قَالَ فَأصل الْهدى عِنْدِي قَالُوا لَا تعجل حَتَّى تسْأَل عَن هَذَا وتكتابه وَتنظر فِي أمره قَالَ فَمن نسْأَل عَنهُ قَالُوا قوما كثيرا بِالشَّام فَأرْسل يَبْتَغِي قوما ليسألهم فَجمع لَهُ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه فَقَالَ أَخْبرنِي يَا ابا سُفْيَان عَن هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَلم يأل ان يصغر امْرَهْ مَا اسْتَطَاعَ قَالَ ايها الْملك لَا يكبر عَلَيْك شَأْنه إِنَّا لنقول هُوَ سَاحر ونقول هُوَ شَاعِر ونقول هُوَ كَاهِن قَالَ قَيْصر كَذَلِك وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ كَانَ يُقَال للأنبياء قبله أَخْبرنِي مَوْضِعه فِيكُم قَالَ هُوَ أوسطنا سطة قَالَ كَذَلِك يبْعَث الله كل نَبِي من أَوسط قومه أَخْبرنِي عَن أَصْحَابه قَالَ غلماننا وأحدث أسنانهم والسفهاء أما رؤساؤنا فَلم يتبعهُ مِنْهُم اُحْدُ قَالَ اولئك وَالله أَتبَاع الرُّسُل اما الْمَلأ والرؤوس فتأخذهم الحمية أَخْبرنِي عَن أَصْحَابه هَل يفارقونه بَعْدَمَا يدْخلُونَ فِي دينه قَالَ مَا يُفَارِقهُ مِنْهُم اُحْدُ قَالَ فَلَا يزَال دَاخل مِنْكُم فِي دينه قَالَ نعم قَالَ مَا تزيدونني عَلَيْهِ إِلَّا بَصِيرَة وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليوشكن ان يغلب على مَا تَحت قدمي يَا معشر الرّوم هلموا إِلَى ان نجيب هَذَا الرجل إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ ونسأله الشَّام ان لَا يوطىء علينا أبدا فَإِنَّهُ لم يكْتب قطّ نَبِي من الْأَنْبِيَاء إِلَى ملك من الْمُلُوك يَدعُوهُ إِلَى الله فَيُجِيبهُ إِلَى مَا
(1/281)
دَعَاهُ ثمَّ يسْأَله غَيرهَا مَسْأَلَة إِلَّا أعطَاهُ مَسْأَلته مَا كَانَت فأطيعوني قَالُوا لَا نطاوعك فِي هَذَا ابدا قَالَ أَبُو سُفْيَان وَالله مَا يَمْنعنِي من أَن أَقُول عَلَيْهِ قولا أسْقطه من عينه إِلَّا أَنِّي أكره ان اكذب عِنْده كذبة يَأْخُذهَا عَليّ وَلَا يصدقني حَتَّى ذكرت قَوْله لَيْلَة أسرِي بِهِ قلت ايها الْملك أَلا أخْبرك عَنهُ خَبرا تعرف انه قد كذب قَالَ وَمَا هُوَ قلت انه يزْعم لنا انه خرج من أَرْضنَا أَرض الْحرم فِي لَيْلَة فجَاء مَسْجِدكُمْ هَذَا مَسْجِد إيلياء وَرجع إِلَيْنَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة قبل الصَّباح قَالَ وبطريق إيلياء عِنْد رَأس قَيْصر قَالَ البطريق قد علمت تِلْكَ اللَّيْلَة قَالَ فَنظر قَيْصر وَقَالَ مَا علمك بِهَذَا قَالَ إِنِّي كنت لَا أَبيت لَيْلَة حَتَّى أغلق أَبْوَاب الْمَسْجِد فَلَمَّا كَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة أغلقت الْأَبْوَاب كلهَا غير بَاب وَاحِد غلبني فاستعنت عَلَيْهِ عَمَّا لي وَمن يحضرني كلهم فعالجته فَلم نستطع ان نحركه كَأَنَّمَا نزاول بِهِ جبلا فدعوت النجاجرة فنظروا إِلَيْهِ فَقَالُوا هَذَا بَاب قد سقط عَلَيْهِ النجاف أَو الْبُنيان فَلَا نستطيع ان نحركه حَتَّى نصبح فَنَنْظُر من أَيْن أَتَى عَلَيْهِ فَرَجَعت وَتركته مَفْتُوحًا فَلَمَّا اصبحت غَدَوْت فاذا الْحجر الَّذِي من زَاوِيَة الْبَاب مثقوب وَإِذا فِيهِ اثر مربط الدَّابَّة فَقلت لِأَصْحَابِي مَا حبس هَذَا الْبَاب اللَّيْلَة إِلَّا على نَبِي وَقد صلى اللَّيْلَة فِي مَسْجِدنَا فَقَالَ قَيْصر يَا معشر الرّوم أَلَيْسَ تعلمُونَ ان بَين عِيسَى وَبَين السَّاعَة نَبيا بشركم بِهِ عِيسَى وَهَذَا هُوَ النَّبِي الَّذِي بشر بِهِ عِيسَى فأجيبوه إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ فَلَمَّا رأى نفورهم قَالَ يَا معشر الرّوم دعَاكُمْ مليككم يختبركم كَيفَ صلابتكم فِي دينكُمْ فشتمتموه وسببتموه وَهُوَ بَين أظْهركُم فَخَروا لَهُ سجدا
حَدِيث أبي ليلى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَة عَن اخيه عِيسَى عَن ابيه عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه ابي ليلى ان جبرئيل أَتَى النَّبِي
(1/282)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبُرَاقِ فَحَمله عَلَيْهِ بَين يَدَيْهِ ثمَّ جعل يسير بِهِ فَإِذا بلغ مَكَانا مطأطئا طَالَتْ يَدَاهُ وَقصرت رِجْلَاهُ حَتَّى يَسْتَوِي بِهِ وَإِذا بلغ مَكَانا مرتفعا قصرت يَدَاهُ وطالت رِجْلَاهُ حَتَّى يَسْتَوِي بِهِ ثمَّ عرض لَهُ رجل عَن يَمِين الطَّرِيق فَجعل يُنَادِيه يَا مُحَمَّد إِلَى الطَّرِيق مرَّتَيْنِ فَقَالَ لَهُ جبرئيل امْضِ وَلَا تكلم أحدا ثمَّ عرض لَهُ رجل عَن يسَار الطَّرِيق فَقَالَ لَهُ إِلَى الطَّرِيق يَا مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ جبرئيل امْضِ وَلَا تكلم أحدا ثمَّ عرضت لَهُ امْرَأَة حسناء جملاء فَقَالَ لَهُ جبرئيل أَتَدْرِي من الرجل الَّذِي دعَاك عَن يَمِين الطَّرِيق قَالَ لَا قَالَ تِلْكَ الْيَهُود دعتك إِلَى دينهم ثمَّ قَالَ لَهُ تَدْرِي من الرجل الَّذِي دعَاك عَن يسَار الطَّرِيق قَالَ لَا قَالَ تِلْكَ النَّصَارَى دعتك إِلَى دينهم ثمَّ قَالَ تَدْرِي من الْمَرْأَة الْحَسْنَاء الجملاء قَالَ لَا قَالَ تِلْكَ الدُّنْيَا تدعوك إِلَى نَفسهَا ثمَّ انْطَلقَا حَتَّى أَتَيَا بَيت الْمُقَدّس فَإِذا هم بِنَفر جُلُوس فَقَالُوا مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي وَإِذا فِي النَّفر شيخ قَالَ وَمن هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا أَبوك ابراهيم وَهَذَا مُوسَى وَهَذَا عِيسَى ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فتدافعوا حَتَّى قدمُوا مُحَمَّدًا ثمَّ أَتَوا بأشربة فَاخْتَارَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّبن فَقَالَ لَهُ جبرئيل أصبت الْفطْرَة ثمَّ قيل لَهُ قُم إِلَى رَبك فَقَامَ فَدخل ثمَّ جَاءَ فَقيل لَهُ مَاذَا صنعت قَالَ فرضت على أمتِي خَمْسُونَ صَلَاة فَقَالَ لَهُ مُوسَى ارْجع إِلَى رَبك فسله التَّخْفِيف لأمتك فان امتك لَا تطِيق هَذَا فَرجع ثمَّ جَاءَ فَقَالَ مُوسَى مَاذَا صنعت قَالَ ردهَا إِلَى خمس وَعشْرين صَلَاة قَالَ ارْجع إِلَى رَبك فسله التَّخْفِيف فَرجع ثمَّ جَاءَ فَقَالَ ردهَا إِلَى اثْنَي عشر فَقَالَ مُوسَى ارْجع إِلَى رَبك فسله التَّخْفِيف فَرجع ثمَّ جَاءَ فَقَالَ ردهَا إِلَى خمس فَقَالَ مُوسَى ارْجع فسله التَّخْفِيف قَالَ قد استحييت من رَبِّي مِمَّا أراجعه وَقد قَالَ لي رَبِّي أَن لَك بِكُل ردة رَددتهَا مَسْأَلَة أعطيكها
حَدِيث أبي هُرَيْرَة
اخْرُج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ جبرئيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ مِيكَائِيل فَقَالَ
(1/283)
جبرئيل لميكائيل ائْتِنِي بطست من مَاء زَمْزَم كَيْمَا أطهر قلبه وأشرح صَدره فشق عَن بَطْنه فَغسله ثَلَاث مَرَّات وَاخْتلف إِلَيْهِ مِيكَائِيل بِثَلَاث طساس من مَاء زَمْزَم فشرح صَدره وَنزع مَا كَانَ فِيهِ من غل وملأه حلما وعلما وإيمانا ويقينا وإسلاما وَختم بَين كَتفيهِ بِخَاتم النُّبُوَّة ثمَّ أَتَاهُ بفرس فَحمل عَلَيْهِ كَانَ خطْوَة مِنْهُ مُنْتَهى بَصَره فَسَار وَسَار مَعَه جبرئيل فَأتى على قوم يزرعون فِي يَوْم ويحصدون فِي يَوْم كلما حصدوا عَاد كَمَا كَانَ فَقَالَ النَّبِي يَا جبرئيل مَا هَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ المجاهدون فِي سَبِيل الله تضَاعف لَهُم الْحَسَنَة بسبعمائة ضعف وَمَا أَنْفقُوا من شَيْء فَهُوَ يخلفه ثمَّ أَتَى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عَادَتْ كَمَا كَانَت وَلَا يفتر عَنْهُم من ذَلِك شَيْء فَقَالَ مَا هَؤُلَاءِ يَا جبرئيل قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين تتثاقل رؤوسهم عَن الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ثمَّ أَتَى على قوم على أقبالهم رقاع وعَلى أدبارهم رقاع يسرحون كَمَا تسرح الْإِبِل وَالنعَم ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جَهَنَّم وحجارتها قَالَ مَا هَؤُلَاءِ يَا جبرئيل قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذين لَا يؤدون صدقَات أَمْوَالهم وَمَا ظلمهم الله شَيْئا ثمَّ أَتَى على قوم بَين أَيْديهم لحم نضيج فِي قدر وَلحم آخر ني خَبِيث فَجعلُوا يَأْكُلُون من الني الْخَبيث وَيدعونَ النضيج الطّيب قَالَ مَا هَؤُلَاءِ يَا جبرئيل قَالَ هَذَا الرجل من امتك تكون عِنْده الْمَرْأَة الْحَلَال الطّيب فَيَأْتِي إمرأة خبيثة فيبيت عِنْدهَا حَتَّى يصبح وَالْمَرْأَة تقوم من عِنْد زَوجهَا حَلَالا طيبا فتأتي رجلا خبيثا فتبيت مَعَه حَتَّى تصبح ثمَّ أَتَى على خَشَبَة على الطَّرِيق لَا يمر بهَا ثوب إِلَّا شقته وَلَا شَيْء إِلَّا خرقته قَالَ مَا هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا مثل أَقوام من أمتك يَقْعُدُونَ على الطَّرِيق فيقطعونه ثمَّ أَتَى على رجل قد جمع حزمة عَظِيمَة لَا يَسْتَطِيع حملهَا وَهُوَ يزِيد عَلَيْهَا فَقَالَ مَا هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا الرجل من أمتك تكون عَلَيْهِ أمانات النَّاس لَا يقدر على أَدَائِهَا وَهُوَ يُرِيد ان يحمل عَلَيْهَا ثمَّ اتى على قوم تقْرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حَدِيد كلما قرضت عَادَتْ كَمَا كَانَت لَا يفتر عَنْهُم من ذَلِك شَيْء قَالَ مَا هَؤُلَاءِ يَا جبرئيل قَالَ هَؤُلَاءِ خطباء الْفِتْنَة ثمَّ أَتَى على حجر صَغِير يخرج مِنْهُ ثَوْر عَظِيم فَجعل الثور يُرِيد ان يرجع من حَيْثُ خرج فَلَا يَسْتَطِيع فَقَالَ مَا هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا الرجل يتَكَلَّم بِكَلِمَة عَظِيمَة ثمَّ ينْدَم عَلَيْهَا فَلَا يَسْتَطِيع ان يردهَا ثمَّ أَتَى على وَاد فَوجدَ ريحًا طيبَة بَارِدَة
(1/284)
وريح مسك وَسمع صَوتا فَقَالَ يَا جبرئيل مَا هَذَا قَالَ هَذَا صَوت الْجنَّة تَقول يَا رب إيتني بِمَا وَعَدتنِي فقد كثرت غرفي واستبرقي وحريري وسندسي وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي ومراكبي وعسلي ومائي ولبني وخمري فآتني مَا وَعَدتنِي فَقَالَ لَك كل مُسلم ومسلمة وَمُؤمن ومؤمنة قَالَت رضيت ثمَّ أَتَى على وَاد فَسمع صَوتا مُنْكرا وَوجد ريحًا مُنْتِنَة فَقَالَ مَا هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا صَوت جَهَنَّم تَقول يَا رب آتني مَا وَعَدتنِي فَلَقَد كثرت سلاسلي واغلالي وسعيري وحميمي وضريعي وغساقي وعذابي وَقد بعد قعري وَاشْتَدَّ حري فآتني مَا وَعَدتنِي قَالَ لَك كل مُشْرك ومشركة وَكَافِر وكافرة وكل خَبِيث وخبيثة وكل جَبَّار لَا يُؤمن بِيَوْم الْحساب قَالَت قد رضيت ثمَّ سَار حَتَّى أَتَى بَيت الْمُقَدّس فَنزل فَربط فرسه إِلَى صَخْرَة ثمَّ دخل فصلى مَعَ الْمَلَائِكَة فَلَمَّا قضيت الصَّلَاة قَالُوا يَا جبرئيل من هَذَا مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا أَو قد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالُوا حَيَّاهُ الله من أَخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ ثمَّ لَقِي أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء فَأَثْنوا على رَبهم فَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَمد لله الَّذِي اتَّخَذَنِي خَلِيلًا وَأَعْطَانِي ملكا عَظِيما وَجَعَلَنِي امة قَانِتًا يؤتم بِي وانقذني من النَّار وَجعلهَا عَليّ بردا وَسلَامًا ثمَّ أَن مُوسَى اثنى على ربه فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي كلمني تكليما وَجعل هِلَال آل فِرْعَوْن وَنَجَاة بني إِسْرَائِيل على يَدي وَجعل من أمتِي قوما يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ ثمَّ أَن دَاوُد اثنى على ربه فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعل لي ملكا عَظِيما وَعَلمنِي الزبُور وألان لي الْحَدِيد وسخر لي الْجبَال يسبحْنَ وَالطير وَأَعْطَانِي الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب ثمَّ أَن سُلَيْمَان أثنى على ربه فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي سخر لي الرِّيَاح وسخر لي الشَّيَاطِين يعْملُونَ مَا شِئْت من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات وَعَلمنِي منطق الطير وآتاني من كل شَيْء فضلا وسخر لي جنود الشَّيَاطِين وَالْإِنْس وَالطير وفضلني على كثير من عباده الْمُؤمنِينَ وآتاني ملكا عَظِيما لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي وَجعل ملكي ملكا طيبا لَيْسَ فِيهِ حِسَاب ثمَّ أَن عِيسَى أثنى على ربه فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعلني كَلمته وَجعل مثلي مثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون وَعَلمنِي الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل وَجَعَلَنِي أخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير فانفخ فِيهِ فَيكون
(1/285)
طيرا بِإِذن الله وَجَعَلَنِي أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الْمَوْتَى بِإِذْنِهِ ورفعني وطهرني وأعاذني وَأمي من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَلم يكن للشَّيْطَان علينا سَبِيل ثمَّ ان مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثنى على ربه فَقَالَ كلكُمْ اثنى على ربه وَإِنِّي مثن على رَبِّي فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أَرْسلنِي رَحْمَة للْعَالمين وكافة للنَّاس بشيرا وَنَذِيرا وَأنزل عَليّ الْفرْقَان فِيهِ بَيَان لكل شَيْء وَجعل امتي خير امة أخرجت للنَّاس وَجعل امتي امة وسطا وَجعل امتي هم الْأَوَّلين والآخرين وَشرح لي صَدْرِي وَوضع عني وزري وَرفع لي ذكري وَجَعَلَنِي فاتحا وخاتما فَقَالَ ابراهيم بِهَذَا فَضلكُمْ مُحَمَّد ثمَّ أَتَى بآنية ثَلَاث مغطاة افواهها فَأتى بِإِنَاء مِنْهَا فِيهِ مَاء فَقيل اشرب فَشرب مِنْهُ يَسِيرا ثمَّ دفع إِلَيْهِ إِنَاء آخر فِيهِ لبن فَقيل لَهُ اشرب فَشرب مِنْهُ حَتَّى رُوِيَ ثمَّ رفع إِلَيْهِ إِنَاء آخر فِيهِ خمر فَقيل لَهُ اشرب فَقَالَ لَا اريده قد رويت فَقَالَ لَهُ جبرئيل أما انها ستحرم على امتك وَلَو شربت مِنْهَا لم يتبعك من أمتك إِلَّا قَلِيل ثمَّ صعد بِهِ إِلَى السَّمَاء فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا يَا جبرئيل قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالُوا حَيَّاهُ الله من أَخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَدخل فَإِذا هُوَ بِرَجُل تَامّ الْخلق لم ينقص من خلقه شَيْء كَمَا ينقص من خلق النَّاس على يَمِينه بَاب يخرج مِنْهُ ريح طيبَة وعَلى شِمَاله بَاب يخرج مِنْهُ ريح خبيثة إِذا نظر إِلَى الْبَاب الَّذِي عَن يَمِينه ضحك واستبشر وَإِذا نظر الى الْبَاب الَّذِي عَن يسَاره بَكَى وحزن فَقلت يَا جبرئيل من هَذَا قَالَ هَذَا ابوك آدم وَهَذَا الْبَاب الَّذِي عَن يَمِينه بَاب الْجنَّة إِذا نظر إِلَى من يدْخلهُ من ذُريَّته ضحك واستبشر وَالْبَاب الَّذِي عَن شِمَاله بَاب جَهَنَّم إِذا نظر إِلَى من يدْخلهُ من ذُريَّته بَكَى وحزن ثمَّ صعد بِهِ جبرئيل الى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا من هَذَا قَالَ جبرئيل قَالُوا وَمن هَذَا مَعَك قَالَ مُحَمَّد رَسُول الله قَالُوا أوقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالُوا حَيَّاهُ الله من أَخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَدخل فَإِذا هُوَ بِرَجُل قد فضل على النَّاس فِي الْحسن كَمَا فضل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر على سَائِر الْكَوَاكِب قَالَ من هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا اخوك يُوسُف ثمَّ صعد بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا مَعَك يَا جبرئيل قَالَ هَذَا مُحَمَّد قَالُوا أَو قد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالُوا حَيَّاهُ الله من أَخ وَمن خَليفَة
(1/286)
فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَدخل فَإِذا هُوَ بِابْني الْخَالَة عِيسَى بن مَرْيَم وَيحيى بن زَكَرِيَّا قَالَ من هَذَا يَا جبرئيل قَالَ عِيسَى وَيحيى ثمَّ صعد بِهِ إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قَالُوا وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا أَو قد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالُوا حَيَّاهُ الله من أَخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَدخل فَإِذا هُوَ بِرَجُل قَالَ من هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذَا إِدْرِيس رَفعه اد مَكَانا عليا ثمَّ صعد بِهِ إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ قَالُوا من هَذَا قَالَ جبرئيل قَالُوا وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا أَو قد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالُوا حَيَّاهُ الله من اخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ ثمَّ دخل فَإِذا هوبرجل جَالس وَحَوله قوم يقص عَلَيْهِم قَالَ من هَذَا يَا جبرئيل وَمن هَؤُلَاءِ الَّذين حوله قَالَ هَذَا هَارُون المحبب وَهَؤُلَاء بَنو اسرائيل ثمَّ صعد بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل لَهُ من هَذَا قَالَ جبرئيل قالو وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا أَو قد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالُوا حَيَّاهُ الله من أَخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَإِذا هُوَ بِرَجُل جَالس فجاوزه فَبكى الرجل قَالَ يَا جبرئيل من هَذَا قَالَ مُوسَى قَالَ فَمَا لَهُ يبكي قَالَ يزْعم بَنو اسرائيل أَنِّي اكرم بني آدم على الله وَهَذَا رجل من بني آدم قد خلفني فِي الدُّنْيَا وَأَنا فِي أُخْرَى فَلَو انه بِنَفسِهِ لم أبال وَلَكِن مَعَ كل نَبِي أمته ثمَّ صعد بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ جبرئيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالُوا حَيَّاهُ الله من اخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَدخل فَإِذا هُوَ بِرَجُل أشمط جَالس عِنْد بَاب الْجنَّة على كرْسِي وَعِنْده قوم جُلُوس بيض الْوُجُوه امثال الْقَرَاطِيس وَقوم فِي ألوانهم شَيْء فَقَامَ هَؤُلَاءِ الَّذين فِي ألوانهم شَيْء فَدَخَلُوا نَهرا فاعتسلوا فِيهِ فَخَرجُوا وَقد خلص من ألوانهم شَيْء ثمَّ دخلُوا نَهرا آخر فاغتسلوا فِيهِ فَخَرجُوا وَقد خلص من ألوانهم شَيْء ثمَّ دخلُوا نَهرا آخر فاغتسلوا فِيهِ فَخَرجُوا وَقد خلص من ألوانهم شَيْء فَصَارَت ألوانهم مثل ألوان أَصْحَابهم
(1/287)
فجاؤوا فجلسوا إِلَى أَصْحَابهم فَقَالَ يَا جبرئيل من هَذَا الرجل الأشمط وَمن هَؤُلَاءِ الْبيض الْوُجُوه وَمن هَؤُلَاءِ الَّذين فِي ألوانهم شَيْء وَمَا هَذِه الْأَنْهَار الَّتِي دخلُوا قَالَ هَذَا أَبوك إِبْرَاهِيم أول من شمط على الأَرْض وَأما هَؤُلَاءِ الْبيض الْوُجُوه فقوم لم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم وَأما هَؤُلَاءِ الَّذين فِي ألوانهم شَيْء فقوم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا فتابوا فَتَابَ الله عَلَيْهِم وَأما الْأَنْهَار فأولها رَحْمَة الله وَالثَّانِي نعْمَة الله وَالثَّالِث سقاهم رَبهم شرابًا طهُورا ثمَّ انْتهى الى السِّدْرَة قيل لَهُ هَذِه السِّدْرَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا كل أحد خلا من أمتك على سنتك فَإِذا هِيَ شَجَرَة تخرج من أَصْلهَا انهار من مَاء غير آسن وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وَهِي شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها سبعين عَاما لَا يقطعهَا والورقة مِنْهَا مغطية للْأمة كلهَا فغشيها نور الخلاق عز وَجل وغشيتها الْمَلَائِكَة أَمْثَال الْغرْبَان حِين تقع على الشَّجَرَة فَكَلمهُ الله تَعَالَى عِنْد ذَلِك فَقَالَ لَهُ سل فَقَالَ اتَّخذت إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وأعطيته ملكا عَظِيما وَكلمت مُوسَى تكليما وَأعْطيت دَاوُد ملكا عَظِيما وألنت لَهُ الْحَدِيد وسخرت لَهُ الْجبَال وَأعْطيت سُلَيْمَان ملكا لَا يَنْبَغِي لَاحَدَّ من بعده وَعلمت عِيسَى التَّوْرَاة والانجيل وَجَعَلته يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الْمَوْتَى بإذنك وأعذته وَأمه من الشَّيْطَان فَلم يكن للشَّيْطَان عَلَيْهِمَا سَبِيل فَقَالَ لَهُ ربه وَقد اتخذتك خَلِيلًا وحبيبا وَهُوَ مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة حبيب الرَّحْمَن وأرسلتك إِلَى النَّاس كَافَّة بشيرا وَنَذِيرا وشرحت لَك صدرك وَوضعت عَنْك وزرك وَرفعت لَك ذكرك فَلَا أذكر إِلَّا ذكرت معي وَجعلت أمتك خير أمة أخرجت للنَّاس وَجعلت أمتك أمة وسطا وَجعلت أمتك هم الْأَوَّلين والآخرين وَجعلت أمتك لَا تجوز لَهُم خَطِيئَة حَتَّى يشْهدُوا انك عَبدِي ورسولي وَجعلت من امتك اقواما قُلُوبهم أَنَاجِيلهمْ وجعلتك اول النَّبِيين خلقا وَآخرهمْ بعثا وأولهم يقْضى لَهُ وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعْطهَا نَبيا قبلك وأعطيتك خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش لم أعْطهَا نَبيا قبلك وأعطيتك الْكَوْثَر وأعطيتك ثَمَانِيَة أسْهم الْإِسْلَام وَالْهجْرَة وَالْجهَاد وَالصَّلَاة وَالصَّدَََقَة وَصَوْم رَمَضَان والامر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وجعلتك فاتحا وخاتما قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضلني رَبِّي أَرْسلنِي رَحْمَة للْعَالمين وكافة للنَّاس بشيرا وَنَذِيرا وَألقى فِي قلب عدوي
(1/288)
الرعب مني مسيرَة شهر واحل لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي وَجعلت لي الأَرْض كلهَا مَسْجِدا وَطهُورًا وَأعْطيت فواتح الْكَلم وخواتمه وجوامعه وَعرضت على أمتِي فَلم يخف عَليّ التَّابِع والمتبوع ورأيتهم أَتَوا على قوم ينتعلون الشّعْر ورأيتهم أَتَوا على قوم عراض الْوَجْه صغَار الْأَعْين كَأَنَّمَا خرمت أَعينهم بالمخيط فَلم يخف على مَا هم لاقون من بعدِي وَأمرت بِخَمْسِينَ صَلَاة فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُوسَى قَالَ بِمَا أمرت قَالَ بِخَمْسِينَ صَلَاة قَالَ ارْجع إِلَى رَبك فسله التَّخْفِيف فَإِن امتك أَضْعَف الْأُمَم فقد لقِيت من بني اسرائيل شدَّة فَرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ربه فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف فَوضع عَنهُ عشرا ثمَّ رَجَعَ الى مُوسَى فَقَالَ بكم أمرت قَالَ بِأَرْبَعِينَ قَالَ ارْجع الى رَبك فسله التَّخْفِيف فَرجع فَوضع عَنهُ عشرا إِلَى أَن جعلهَا خمْسا قَالَ ارْجع الى رَبك فسله التَّخْفِيف قَالَ قد رجعت إِلَى رَبِّي حَتَّى استحييت فَمَا أَنا رَاجع إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ اما إِنَّك كَمَا صبرت نَفسك على خمس صلوَات فانهن يجزين عَنْك خمسين صَلَاة فَإِن كل حَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا فَرضِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل الرضى قَالَ وَكَانَ مُوسَى من أَشَّدهم عَلَيْهِ حِين مر بِهِ وَخَيرهمْ لَهُ حِين رَجَعَ إِلَيْهِ
وَأخرج الشَّيْخَانِ وَابْن جرير من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أسرِي بِهِ لقِيت مُوسَى فنعته فاذا هُوَ رجل مُضْطَرب رجل الرَّأْس كَأَنَّهُ من رجال شنُوءَة وَلَقِيت عِيسَى فنعته ربعَة أَحْمَر كَأَنَّمَا خرج من ديماس يَعْنِي حمام وَرَأَيْت إِبْرَاهِيم وَأَنا أشبه وَلَده بِهِ وأتيت بإنائين فِي أَحدهمَا لبن وَفِي الآخر خمر فَقيل لي خُذ أَيهمَا شِئْت فَأخذت اللَّبن فَشَرِبت فَقيل لي هديت الْفطْرَة أما إِنَّك لَو اخذت الْخمر لغوت أمتك
وَأخرج مُسلم من طَرِيق أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد رَأَيْتنِي فِي الْحجر وقريش تَسْأَلنِي عَن مسراي فسألوني عَن أَشْيَاء من بَيت الْمُقَدّس لم أثبتها فكربت كربا مَا كربت مثله قطّ فرفعه الله لي أنظر إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا أنبأتهم بِهِ وَقد رَأَيْتنِي فِي جمَاعَة من الْأَنْبِيَاء وَإِذا مُوسَى قَائِم يُصَلِّي أقرب النَّاس بِهِ شبها عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَإِذا ابراهيم قَائِم يُصَلِّي أشبه النَّاس بِهِ صَاحبكُم يَعْنِي
(1/289)
نَفسه فحانت الصَّلَاة فأممتهم فَلَمَّا فرغت قَالَ قَائِل يَا مُحَمَّد هَذَا مَالك صَاحب النَّار فَالْتَفت إِلَيْهِ فبدأني بِالسَّلَامِ
وَأخرج احْمَد وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الصَّلْت عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي لما انتهينا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَنَظَرت فَوق فَإِذا رعد وبرق وصواعق وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فِيهَا الْحَيَّات ترى من خَارج بطونهم فَقلت من هَؤُلَاءِ يَا جبرئيل قَالَ هَؤُلَاءِ أَكلَة الرِّبَا فَلَمَّا نزلت إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا نظرت أَسْفَل مني فَإِذا أَنا برهج ودخان وأصوات فَقلت مَا هَذَا يَا جبرئيل قَالَ هَذِه الشَّيَاطِين يحومون على أعين بني آدم لَا يتفكرون فِي ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَوْلَا ذَلِك لرأوا الْعَجَائِب
وَأخرج احْمَد ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي سَلمَة عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لَيْلَة أسرِي بِي وضعت قدمي حَيْثُ تُوضَع أَقْدَام الْأَنْبِيَاء من بَيت الْمُقَدّس وَعرض عَليّ عِيسَى فَإِذا أقرب النَّاس بِهِ شبها عُرْوَة بن مَسْعُود وَعرض عَليّ مُوسَى فاذا رجل جعد ضرب من الرِّجَال وَعرض عَليّ ابراهيم فَإِذا أقرب النَّاس بِهِ شبها صَاحبكُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أنس عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء رَأَيْت مُوسَى يُصَلِّي فِي قَبره
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي معشر عَن أبي وهب مولى أبي هُرَيْرَة قَالَ لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ وَكَانَ بِذِي طوى قَالَ ياجبرئيل إِن قومِي لَا يصدقونني قَالَ يصدقك أَبُو بكر وَهُوَ الصّديق
(1/290)
حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
اخْرُج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت لما أسرى بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى أصبح يحدث النَّاس بذلك فَارْتَد نَاس مِمَّن كَانُوا آمنُوا بِهِ وَصَدقُوهُ وَسعوا بذلك إِلَى أبي بكر فَقَالُوا هَل لَك فِي صَاحبك يزْعم أَنه أسرِي بِهِ الليله إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ أَو قَالَ ذَلِك قَالُوا نعم قَالَ لَئِن قَالَ ذَلِك لقد صدق قَالُوا فتصدقه انه ذهب اللَّيْلَة الى بَيت الْمُقَدّس وَجَاء قبل أَن يصبح قَالَ نعم إِنِّي لَأُصَدِّقهُ بِمَا هُوَ أبعد من ذَلِك أصدقه بِخَبَر السَّمَاء فِي غدْوَة أَو رَوْحَة فَلذَلِك سمي أبوبكر الصّديق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء أذن جبرئيل فظنت الْمَلَائِكَة انه يُصَلِّي بهم فَقَدَّمَنِي فَصليت بِالْمَلَائِكَةِ
واخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء أدخلت الْجنَّة فوقفت على شَجَرَة من أَشجَار الْجنَّة لم أر فِي الْجنَّة أحسن مِنْهَا وَلَا أَبيض وَرقا وَلَا أطيب ثَمَرَة فتناولت ثَمَرَة من ثَمَرَتهَا فَأَكَلتهَا فَصَارَت نُطْفَة فِي صلبي فَلَمَّا هَبَطت إِلَى الأَرْض واقعت خَدِيجَة فَحملت بفاطمة فَإِذا أَنا اشْتقت إِلَى رَائِحَة الْجنَّة شممت ريح فَاطِمَة
وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن سعد بن ابي وَقاص مَرْفُوعا أَتَانِي جبرئيل بسفرجلة فَأَكَلتهَا لَيْلَة أسرِي بن فعلقت خَدِيجَة بفاطمة فَكنت اذا اشْتقت إِلَى رَائِحَة الْجنَّة شممت رَقَبَة فَاطِمَة قَالَ الْحَاكِم غَرِيب وَفِي سَنَده شهَاب بن حَرْب مَجْهُول وَتعقبه الذَّهَبِيّ بِأَن فَاطِمَة ولدت قبل النُّبُوَّة فضلا عَن الْإِسْرَاء
حَدِيث أَسمَاء
اخْرُج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عَن جده عَن أَسمَاء بن أبي بكر قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يصف سِدْرَة الْمُنْتَهى
(1/291)
فَقَالَ فِيهَا فرَاش من ذهب وَثَمَرهَا كالقلال وورقها كآذان الفيلة فَقلت يَا رَسُول الله مَا رَأَيْت عِنْدهَا قَالَ رَأَيْت عِنْدهَا يَعْنِي ربه
حَدِيث أم هَانِئ
اخْرُج ابْن اسحاق وَابْن جرير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن أم هَانِئ بنت أبي طَالب قَالَت مَا اسري برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي نَائِم عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَة فصلى الْعشَاء الْآخِرَة ثمَّ نَام وَنِمْنَا فَلَمَّا كَانَ قبيل الْفجْر اهبنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا صلى الصُّبْح وصلينا مَعَه قَالَ يَا أم هَانِئ لقد صليت مَعكُمْ الْعشَاء الْآخِرَة كَمَا رَأَيْت بِهَذَا الْوَادي ثمَّ جِئْت بَيت الْمُقَدّس فَصليت فِيهِ ثمَّ صليت صَلَاة الْغَدَاة مَعكُمْ الْآن كَمَا تَرين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الْأَعْلَى بن أبي الْمسَاوِر عَن عِكْرِمَة عَن ام هَانِئ قَالَت بَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ فِي بَيْتِي فَفَقَدته من اللَّيْل فَامْتنعَ مني النّوم مَخَافَة أَن يكون عرض لَهُ بعض قُرَيْش فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن جبرئيل أَتَانِي فَأخذ بيَدي فَأَخْرجنِي فَإِذا على الْبَاب دَابَّة دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار فَحَمَلَنِي عَلَيْهَا ثمَّ انْطلق حَتَّى انْتهى بِي إِلَى الْبَيْت الْمُقَدّس فَأرَانِي ابراهيم يشبه خلقه خلقي وَيُشبه خلقي خلقه وَأرَانِي مُوسَى آدم طَويلا سبط الشّعْر شبهته بِرِجَال أَزْد شنؤة وَأرَانِي عِيسَى بن مَرْيَم ربعَة أَبيض يضْرب إِلَى الْحمرَة شبهته بِعُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَأرَانِي الدَّجَّال مَمْسُوح الْعين الْيُمْنَى شبهته بِقطن بن عبد الْعُزَّى قَالَ وَأَنا أُرِيد أَن أخرج إِلَى قُرَيْش فَأخْبرهُم مَا رَأَيْت فَأخذت بِثَوْبِهِ فَقلت إِنِّي أذكرك الله انك تَأتي قوما يكذبُونَك وَيُنْكِرُونَ مَقَالَتك فَأَخَاف أَن يَسْطُوا بك قَالَت فَضرب ثَوْبه من يَدي ثمَّ خرج إِلَيْهِم فَأَتَاهُم وهم جُلُوس فَأخْبرهُم فَقَامَ مطعم بن عدي فَقَالَ يَا مُحَمَّد لَو كنت شَابًّا كَمَا كنت مَا تَكَلَّمت بِمَا تَكَلَّمت بِهِ وَأَنت بَين ظهرانينا فَقَالَ رجل من الْقَوْم يَا مُحَمَّد هَل مَرَرْت بِإِبِل لنا فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَقَالَ نعم وَالله
(1/292)
وَجَدتهمْ قد أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُم فهم فِي طلبه فَهَل مَرَرْت بِإِبِل لبني فلَان قَالَ نعم وَجَدتهمْ فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا قد انْكَسَرت لَهُم نَاقَة حَمْرَاء فوجدتهم وَعِنْدهم قَصْعَة من مَاء فَشَرِبت مَا فِيهَا قَالُوا فَأخْبرنَا مَا عدتهَا وَمَا فِيهَا من الرعاء قَالَ قد كنت عَن عدتهَا مَشْغُولًا فَنَامَ فَأتي بِالْإِبِلِ فَعَدهَا وَعلم مَا فِيهَا من الرعاء ثمَّ أَتَى قُريْشًا فَقَالَ لَهُم سَأَلْتُمُونِي عَن إبل بني فلَان فَهِيَ كَذَا وَكَذَا وفيهَا من الرعاء فلَان وَفُلَان وَسَأَلْتُمُونِي عَن إبل بني فلَان فَهِيَ كَذَا وَكَذَا وفيهَا من الرعاء ابْن أبي قُحَافَة وَفُلَان وَفُلَان وَهِي مُصَبِّحَتكُمْ بِالْغَدَاةِ على الثَّنية فقعدوا على الثَّنية ينظرُونَ أصدقهم مَا قَالَ فَاسْتَقْبلُوا الْإِبِل فسألوا هَل ضل لكم بعير قَالُوا نعم فسألوا الآخر هَل انْكَسَرت لكم نَاقَة حَمْرَاء قَالُوا نعم قَالُوا نعم قَالُوا فَهَل كَانَ عنْدكُمْ قَصْعَة من مَاء قَالَ أَبُو بكر أَنا وَالله وَضَعتهَا فَمَا شربهَا أحد منا وَلَا أهريقت فِي الأَرْض فَصدقهُ أَبُو بكر وآمن بِهِ فَسُمي يَوْمئِذٍ الصّديق
وَأخرج أَبُو يعلى عَسَاكِر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق يحيى بن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن أبي صَالح عَن أم هَانِئ قَالَت دخل عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَلَس وَأَنا على فِرَاشِي فَقَالَ شَعرت أَنِّي نمت اللَّيْلَة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَأَتَانِي جبرئيل فَذهب بِي إِلَى بَاب الْمَسْجِد فَإِذا دَابَّة أَبيض فَوق الْحمار دون الْبَغْل مُضْطَرب الْأُذُنَيْنِ فركبته فَكَانَ يضع حَافره مد بَصَره إِذا أَخذ بِي فِي هبوط طَالَتْ يَدَاهُ وَقصرت رِجْلَاهُ وَإِذا أَخذ بِي فِي صعُود طَالَتْ رِجْلَاهُ وَقصرت يَدَاهُ وجبرئيل لَا يفوتني حَتَّى انتهينا إِلَى بَيت الْمُقَدّس فأوثقته بالحلقة الَّتِي كَانَت الْأَنْبِيَاء توثق بهَا فنشر لي رَهْط من الْأَنْبِيَاء مِنْهُم إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فَصليت بهم وكلمتهم وأتيت بأنائين أَحْمَر وأبيض فَشَرِبت الْأَبْيَض فَقَالَ لي جبرئيل شربت اللَّبن وَتركت الْخمر لَو شربت الْخمر لأرتدت امتك ثمَّ ركبته فَأتيت الْمَسْجِد الْحَرَام فَصليت بِهِ الْغَدَاة فتعلقت بردائه وَقلت انشدك الله تَعَالَى يَا ابْن عَم ان تحدث بِهَذَا قُريْشًا فيكذبك من صدقك فَضرب بِيَدِهِ على رِدَائه فانتزعه من يَدي فارتفع عَن بَطْنه فَنَظَرت إِلَى عكنه فَوق إزَاره كَأَنَّهُ طي الْقَرَاطِيس وَإِذا نور سَاطِع عِنْد فُؤَاده كَاد يختطف بَصرِي فَخَرَرْت سَاجِدَة فَلَمَّا رفعت رَأْسِي إِذا هُوَ قد خرج فَقلت لجاريتي وَيحك اتبعيه فانظري مَاذَا يَقُول وماذا يُقَال لَهُ
(1/293)
فَلَمَّا رجعت اخبرتني انه انْتهى إِلَى نفر من قُرَيْش فيهم الْمطعم بن عدي وَعَمْرو ابْن هِشَام والوليد بن الْمُغيرَة فَقَالَ إِنِّي صليت اللَّيْلَة الْعشَاء فِي هَذَا الْمَسْجِد وَصليت بِهِ الْغَدَاة وأتيت فِيمَا بَين ذَلِك بَيت الْمُقَدّس فنشر لي رَهْط من الْأَنْبِيَاء فيهم إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فَصليت بهم وكلمتهم فَقَالَ عَمْرو بن هِشَام كَالْمُسْتَهْزِئِ صفهم لي فَقَالَ أما عِيسَى ففوق الربعة وَدون الطَّوِيل عريض الصَّدْر ظَاهر الدَّم جعد الشّعْر تعلوه صهبة كَأَنَّهُ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَأما مُوسَى فضخم آدم طوال كَأَنَّهُ من رجال شنؤة كثير الشّعْر غائر الْعَينَيْنِ متراكب الْأَسْنَان مقلص الشّفة خَارج اللثة عَابس وَأما إِبْرَاهِيم فوَاللَّه لأشبه النَّاس بِي خلقا وخلقا فضجوا وأعظموا ذَاك فَقَالَ الْمطعم كل أَمرك قبل الْيَوْم كَانَ أمما غير قَوْلك الْيَوْم أَنا أشهد انك كَاذِب نَحن نضرب أكباد الْإِبِل الى بَيت الْمُقَدّس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا تزْعم أَنَّك أَتَيْته فِي لَيْلَة وَاللات والعزى لَا اصدقك فَقَالَ أَبُو بكر يَا مطعم بئس مَا قلت لِابْنِ أَخِيك جَبهته وكذبته أَنا أشهد انه صَادِق فَقَالُوا يَا مُحَمَّد صف لنا بَيت الْمُقَدّس قَالَ دَخلته لَيْلًا وَخرجت مِنْهُ لَيْلًا فَأَتَاهُ جبرئيل فَصورهُ فِي جنَاحه فَجعل يَقُول بَاب مِنْهُ كَذَا فِي مَوضِع كَذَا وَبَاب مِنْهُ كَذَا فِي مَوضِع كَذَا وَأَبُو بكر يَقُول صدقت صدقت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ يَا أَبَا بكر إِن الله قد سماك الصّديق قَالُوا يَا مُحَمَّد أخبرنَا عَن عيرنَا فَقَالَ أتيت على عير بني فلَان بِالرَّوْحَاءِ قد أَضَلُّوا نَاقَة لَهُم فَانْطَلقُوا فِي طلبَهَا فانتهيت إِلَى رحالهم لَيْسَ بهَا مِنْهُم أحد وَإِذا قدح مَاء فَشَرِبت مِنْهُ ثمَّ انْتَهَيْت إِلَى عير بني فلَان فنفرت مني الْإِبِل وبرك مِنْهَا جمل أَحْمَر عَلَيْهِ جوالق مخطط ببياض لَا أَدْرِي أكسر الْبَعِير أم لَا ثمَّ انْتَهَيْت إِلَى عير بني فلَان فِي التَّنْعِيم يقدمهَا وأورق وَهَا هِيَ ذه تطلع عَلَيْكُم من الثَّنية فَقَالَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة سَاحر فَانْطَلقُوا فنظروا فوجدوا كَمَا قَالَ فَرَمَوْهُ بِالسحرِ وَقَالُوا صدق الْوَلِيد بن الْمُغيرَة فَأنْزل الله {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس}
(1/294)
حَدِيث أم سَلمَة
قَالَ ابْن سعد ثَنَا الْوَاقِدِيّ حَدثنِي أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وحَدثني مُوسَى بن يَعْقُوب الزمعِي عَن أَبِيه عَن جده عَن أم سَلمَة قَالَ مُوسَى وحَدثني أَبُو الْأسود عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة
قَالَ الْوَاقِدِيّ وحَدثني اسحاق بن حَازِم عَن وهب بن كيسَان عَن أبي مرّة مولى عقيل عَن أم هَانِئ بنت أبي طَالب وحَدثني عبد الله بن جَعْفَر عَن زَكَرِيَّا بن عَمْرو عَن أبن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس دخل حَدِيث بَعضهم فِي حَدِيث بعض قَالُوا أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة سبع عشرَة من شهر ربيع الأول قبل الْهِجْرَة بِسنة من شعب أبي طَالب إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حملت على دَابَّة بَيْضَاء بَين الْحمار وَبَين الْبَغْل فِي فخذيها جَنَاحَانِ تحفز بهما رِجْلَيْهَا فَلَمَّا دَنَوْت لأركبها شمست فَوضع جبرئيل يَده على مَعْرفَتهَا ثمَّ قَالَ أَلا تستحيين يَا براق مِمَّا تصنعين وَالله مَا ركب عَلَيْك عبد لله قبل مُحَمَّد أكْرم على الله مِنْهُ فاستحيت حَتَّى ارفضت عرقا ثمَّ قرت حَتَّى ركبتها فَعمِلت بأذنيها وقبضت الأَرْض حَتَّى كَأَن مُنْتَهى وَقع حافرها طرفها وَكَانَت طَوِيلَة الظّهْر طولة الْأُذُنَيْنِ وَخرج معي جبرئيل لَا يفوتني وَلَا أفوته حَتَّى انْتهى بِي إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَأتى الْبراق إِلَى موقفه الَّذِي كَانَ يقف فربطه فِيهِ وَكَانَ مربط الْأَنْبِيَاء وَرَأَيْت الْأَنْبِيَاء جمعُوا لي فَرَأَيْت إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فَظَنَنْت أَنه لابد من أَن يكون لَهُم إِمَام فَقَدَّمَنِي جبرئيل حَتَّى صليت بَين أَيْديهم وسألتهم فَقَالُوا بعثنَا بِالتَّوْحِيدِ
وَقَالَ بَعضهم فقد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ اللَّيْلَة فتفرقت بَنو عبد الْمطلب يطلبونه ويلتمسونه وَخرج الْعَبَّاس حَتَّى بلغ ذَا طوى فَجعل يصْرخ يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَأَجَابَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبيْك فَقَالَ يَا ابْن اخي عنيت قَوْمك مُنْذُ اللَّيْلَة فَأَيْنَ كنت قَالَ
(1/295)
اتيت من بَيت الْمُقَدّس قَالَ فِي ليلتك قَالَ نعم قَالَ هَل أَصَابَك إِلَّا خير قَالَ مَا أصابني إِلَّا خير
وَقَالَت أم هَانِئ مَا أسرِي بِهِ إِلَّا من بيتنا نَام عندنَا تِلْكَ اللَّيْلَة صلى الْعشَاء ثمَّ نَام فَلَمَّا كَانَ قبل الْفجْر انبهناه للصبح فَقَامَ فَلَمَّا صلى الصُّبْح قَالَ يَا أم هَانِئ لقد صليت مَعكُمْ الْعشَاء كَمَا رَأَيْت بِهَذَا الْوَادي ثمَّ قد جِئْت بَيت الْمُقَدّس فَصليت فِيهِ ثمَّ صليت الْغَدَاة مَعكُمْ ثمَّ قَامَ ليخرج فَقلت لَا تحدث هَذَا النَّاس فيكذبوك ويؤذوك فَقَالَ وَالله لأحدثنهم فَأخْبرهُم فتعجبوا وَقَالُوا لم نسْمع بِمثل هَذَا قطّ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبرئيل يَا جبرئيل إِن قومِي لَا يصدقونني قَالَ يصدقك أبوبكر وَهُوَ الصّديق وافتتن نَاس كثير كَانُوا قد صلوا وَأَسْلمُوا وَقمت فِي الْحجر فَجلى الله لي بَيت الْمُقَدّس فطفقت أخْبرهُم عَن آيَاته وَأَنا أنظر إِلَيْهِ فَقَالَ بَعضهم كم لِلْمَسْجِدِ من بَاب وَلم أكن عددت أبوابه فَجعلت انْظُر إِلَيْهَا وأعدها بَابا بَابا واعلمهم وَأَخْبَرتهمْ عَن عيرات لَهُم فِي الطَّرِيق وعلامات فِيهَا فوجدوا ذَلِك كَمَا أَخْبَرتهم وَأنزل الله {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} قَالَت كَانَت رُؤْيا عين رَآهَا بِعَيْنِه أخرجه ابْن عَسَاكِر
الْمَرَاسِيل
اخْرُج أَبُو نعيم عَن عُرْوَة قَالَ قَالَت قُرَيْش لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اخبرهم بمسراه إِلَى بَيت الْمُقَدّس أخبرنَا مَاذَا ضل عَنَّا وأتنا بِآيَة مَا تَقول فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضلت مِنْك نَاقَة وَرْقَاء عَلَيْهَا بز لكم فَلَمَّا قدمت عَلَيْهِم قَالُوا انعت لنا مَا كَانَ عَلَيْهَا وَنشر لَهُ جبرئيل مَا كَانَ عَلَيْهَا كُله ينظر إِلَيْهِ فَأخْبرهُم بِمَا كَانَ عَلَيْهَا وهم قيام ينظرُونَ فَزَادَهُم ذَلِك شكا وتكذيبا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إسباط بن نصر عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن قَالَ لما أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاخْبَرْ قومه بالرفقة والعلامة فِي العير قَالُوا فَمَتَى تجئ قَالَ يَوْم الْأَرْبَعَاء فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم أشرفت قُرَيْش ينظرُونَ وَقد ولى النَّهَار وَلم تجئ
(1/296)
فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فزيد لَهُ فِي النَّهَار سَاعَة وحبست عَلَيْهِ الشَّمْس فَلم ترد الشَّمْس على أحد إِلَّا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ وعَلى يُوشَع بن نون حِين قَاتل الجبارين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ لما أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بِدَابَّة دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار يضع حَافره عِنْد مُنْتَهى طرفه يُقَال لَهُ الْبراق وَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعير للْمُشْرِكين فنفرت فَقَالُوا يَا هَؤُلَاءِ مَا هَذَا فَقَالُوا مَا نرى شَيْئا مَا هَذِه إِلَّا ريح حَتَّى أَتَى بَيت الْمُقَدّس فَأتى بإنائين فِي وَاحِد خمر وَفِي الآخر لبن فَأخذ اللَّبن فَقَالَ لَهُ جبرئيل هديت وهديت أمتك ثمَّ سَار إِلَى مُضر
وَقَالَ ابْن سعد أَنبأَنَا الْوَاقِدِيّ عَن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سُبْرَة وَغَيره من رِجَاله قَالُوا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل ربه ان يرِيه الْجنَّة وَالنَّار فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة السبت لسبع عشرَة خلت من شهر رَمَضَان قبل الْهِجْرَة بِثمَانِيَة عشر شهرا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَائِم فِي بَيته ظهرا أَتَاهُ جبرئيل وَمِيكَائِيل فَقَالَا انْطلق إِلَى مَا سَأَلت الله فَانْطَلقَا بِهِ إِلَى مَا بَين الْمقَام وزمزم فَأتى بالمعراج فاذا هُوَ أحسن شَيْء منْظرًا فعرجا بِهِ الى السَّمَوَات سَمَاء سَمَاء فلقي فِيهَا الْأَنْبِيَاء وانْتهى إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى وَرَأى الْجنَّة وَالنَّار قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلما انْتَهَيْت إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة لم أسمع إِلَّا صريف الاقلام وفرضت عَلَيْهِ الصَّلَوَات الْخمس وَنزل جبرئيل فصلى برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَوَات فِي مواقيتها اخرجه ابْن عَسَاكِر
واخرج الْحَاكِم فِي كتاب الرُّؤْيَة عَن كَعْب الاحبار قَالَ إِن الله قسم رُؤْيَته وَكَلَامه بَين مُحَمَّد ومُوسَى فَرَآهُ مُحَمَّد مرَّتَيْنِ وَكَلمه مُوسَى مرَّتَيْنِ
فَوَائِد فِي تعدد الاسراء والنكات فِيهِ
ذهب كَثِيرُونَ إِلَى أَن الاسراء وَقع مرَّتَيْنِ وَجمع بذلك بَين الِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي الْأَحَادِيث وَمِمَّنْ اخْتَار هَذَا القَوْل ابو نصر الْقشيرِي وَابْن الْعَرَبِيّ والسهيلي وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَقع الاسراء فِي النّوم وَفِي الْيَقَظَة وَوَقع بِمَكَّة
(1/297)
وبالمدينة ونكتة وُقُوعه فِي النّوم توطين النَّفس وتمهيدها ليسهل ذَلِك عَلَيْهِ إِذا وَقع فِي الْيَقَظَة كَمَا كَانَ بدؤ نبوته الرُّؤْيَا الصادقة ليسهل عَلَيْهِ أَمر النُّبُوَّة وَذهب ابو شامة إِلَى وُقُوع الْمِعْرَاج مرَارًا واستند إِلَى حَدِيث أنس الَّذِي أخرجه الْبَزَّار السَّابِق
قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَلَا شكّ ان التَّعَدُّد فِيهِ لَا يستبعد وَإِنَّمَا المستبعد وُقُوع التَّعَدُّد فِي مثل سُؤَاله عَن كل نَبِي وَفرض الصَّلَوَات وَنَحْو ذَلِك فَإِن قيل بِتَعَدُّد ذَلِك بِأَن وَقع فِي الْمَنَام تَوْطِئَة ثمَّ فِي الْيَقَظَة على وَفقه لم يبعد قَالَ وَقد تكَرر الْإِسْرَاء فِي الْمَنَام بِالْمَدِينَةِ
وَقد ألف ابْن الْمُنِير كتابا نفيسا فِي اسرار الْإِسْرَار فمما ذكر فِيهِ أَن الْحِكْمَة فِي الاسراء بِهِ أَولا إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ إِلَى السَّمَاء حُصُول الهجرتين لِأَن بَيت الْمُقَدّس كَانَ هِجْرَة غَالب الْأَنْبِيَاء فَحصل لَهُ الرحيل فِي الْجُمْلَة ليجمع بَين أشتات الْفَضَائِل وَوُجُود السَّبِيل إِلَى بَيَان صدقه بِذكر العلامات الَّتِي اخبر بهَا عَن بَيت الْمُقَدّس وَصَدقُوهُ فِيهَا فَيلْزم تَصْدِيقه فِي بَقِيَّة مَا ذكره بِخِلَاف مَا لَو أسرِي بِهِ ابْتِدَاء إِلَى السَّمَاء
وَمِمَّا ذكر فِيهِ أَن إكرامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمناجاة كَانَ على سَبِيل المفاجأة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله بَينا أَنا وَفِي حق مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ على ميعاد واستعداد فَحمل عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألم الِانْتِظَار
وَمِمَّا ذكر فِيهِ ان ابْن حبيب ذكر ان بَين السَّمَاء وَالْأَرْض بحرا يُسمى المكفوف بَحر الأَرْض بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كالقطرة من الْبَحْر الْمُحِيط قَالَ فعلى هَذَا يكون ذَلِك الْبَحْر انْفَلق لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جاوزه وَهُوَ أعظم من انفلاق الْبَحْر لمُوسَى
وَمِمَّا ذكر فِيهِ أَن الْحِكْمَة فِي بَقَاء أَبْوَاب السَّمَاء مغلقة حَتَّى استفتح جبرئيل وَلم تتهيأ لَهُ بِالْفَتْح قبل مجيئة أَنَّهَا لَو فتحت قبل لظن أَنَّهَا لَا تزَال كَذَلِك فأبقيت ليعلم أَن ذَلِك لأَجله وَلِأَن الله أَرَادَ أَن يطلعه على كَونه مَعْرُوفا عِنْد أهل السَّمَوَات لِأَنَّهُ قيل لجبرئيل لما قَالَ مُحَمَّد أبْعث إِلَيْهِ وَلم يقل وَمن مُحَمَّد مثلا
(1/298)
بَاب مَا وَقع فِي تَزْوِيجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة من الْآيَات
أخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أريتك فِي الْمَنَام مرَّتَيْنِ أرى رجلا يحملك فِي سَرقَة حَرِير فَيَقُول هَذِه امْرَأَتك فاكشف فَأَرَاك فَأَقُول إِن كَانَ هَذَا من عِنْد الله يمضه
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْحَاكِم عَن حبيب مولى عُرْوَة قَالَ لما مَاتَت خَدِيجَة حزن عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ جبرئيل بعائشة فِي مهد فَقَالَ هَذِه تذْهب بِبَعْض حزنك وَأَن فِيهَا لخلفا من خَدِيجَة
أخرج أَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَابْن أبي عمر الْعَدنِي وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَت مَا تزَوجنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَاهُ جبرئيل بِصُورَتي وَتَزَوَّجنِي وَإِنِّي لجارية على حوف فَلَمَّا تزَوجنِي ألْقى الله عَليّ حَيَاء وَأَنا صَغِيرَة الحوف سيور فِي الْوسط
بَاب الْآيَة فِي نِكَاحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَة بنت زَمعَة
اخْرُج ابْن سعد من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَت سَوْدَة بنت زَمعَة عِنْد السَّكْرَان بن عَمْرو أخي سُهَيْل بن عَمْرو فرأت فِي الْمَنَام كَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقبل يمشي حَتَّى وطىء على عُنُقهَا فَأخْبرت زَوجهَا بذلك فَقَالَ لَئِن صدقت رُؤْيَاك لأموتن وليتزوجنك مُحَمَّد ثمَّ رَأَتْ فِي الْمَنَام لَيْلَة أُخْرَى ان قمرا انقض عَلَيْهَا من السَّمَاء وَهِي مُضْطَجِعَة فَأخْبرت زَوجهَا فَقَالَ لَئِن صدقت رُؤْيَاك لم ألبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى أَمُوت وتتزوجين من بعدِي فاشتكى السَّكْرَان من يَوْمه ذَلِك فَلم يلبث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى مَاتَ وَتَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/299)
بَاب مَا وَقع فِي اسلام رِفَاعَة
اخْرُج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن رِفَاعَة بن رَافع الزرقي انه خرج هُوَ وَابْن خَالَته معَاذ ابْن عفراء حَتَّى قدما مَكَّة وَذَلِكَ قبل خُرُوج السِّتَّة من الْأَنْصَار فَرَأى رِفَاعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرض عَلَيْهِ الاسلام وَقَالَ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال قُلْنَا الله قَالَ فَمن خَلقكُم قُلْنَا الله قَالَ فَمن عمل هَذِه الْأَصْنَام قُلْنَا نَحن قَالَ فالخالق أَحَق بِالْعبَادَة أم الْمَخْلُوق فَأنْتم أَحَق ان يعبدوكم وَأَنْتُم عملتموها وَالله أَحَق ان تَعْبُدُوهُ من شَيْء عملتموه وَأَنا أَدْعُو إِلَى عبَادَة الله وَشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله وصلَة الرَّحِم وَترك الْعدوان قُلْنَا لَو كَانَ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ بَاطِلا لَكَانَ من معالي الْأُمُور ومحاسن الْأَخْلَاق ثمَّ ذهبت فطفت وأخرجت سَبْعَة قداح فَجعلت لَهُ مِنْهَا قدحا فاستقبلت الْبَيْت فَضربت بهَا وَقلت اللَّهُمَّ إِن كَانَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّد حَقًا فَأخْرج قدحه سبع مَرَّات فَضربت فَخرج سبع مَرَّات فَصحت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
بَاب مَا وَقع فِي عرضه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه على الْقَبَائِل من الْآيَات
اخْرُج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب ومُوسَى بن عقبَة قَالَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض نَفسه على قبائل الْعَرَب فِي كل موسم فَعرض نَفسه على ثَقِيف فَلم يُجِيبُوهُ فَرجع فاستظل بحائط وَهُوَ مكروب وَفِي الْحَائِط عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة فَلَمَّا رأياه أرسلا إِلَيْهِ غُلَاما لَهما يدعى عداس وَهُوَ نَصْرَانِيّ من أهل نِينَوَى فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَي أَرض أَنْت قَالَ من أهل نِينَوَى قَالَ من مَدِينَة الرجل الصَّالح يُونُس بن مَتى قَالَ وَمَا يدْريك من يُونُس بن مَتى قَالَ أَنا رَسُول الله وَالله اخبرني خَبره فَخر عداس سَاجِدا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل يقبل قَدَمَيْهِ فَلَمَّا أبْصر عتبَة وَشَيْبَة مَا يصنع غلامهما سكتا فَلَمَّا أتاهما قَالَا مَا شَأْنك سجدت لمُحَمد وَقبلت قَدَمَيْهِ وَلم نرك فعلته بِأحد منا قَالَ هَذَا رجل صَالح أَخْبرنِي بِشَيْء
(1/300)
عَرفته من شَأْن رَسُول بَعثه الله إِلَيْنَا يدعى يُونُس بن مَتى فضحكا لَهُ وَقَالا بِهِ لَا يفتننك عَن نصارنيتك فَإِنَّهُ رجل خداع
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل أَتَى عَلَيْك يَوْم أَشد من يَوْم أحد قَالَ مَا لقِيت من قَوْمك كَانَ أَشد مِنْهُ يَوْم الْعقبَة إِذْ عرضت نَفسِي على ابْن عبد يَا ليل فَلم يجبني إِلَى مَا أردْت فَانْطَلَقت وَأَنا مهموم على وَجْهي فَلم استفق إِلَّا وَأَنا بقرن الثعالب فَرفعت رَأْسِي فَإِذا أَنا بسحابة قد أظلتني فَنَظَرت فَإِذا هُوَ جبرئيل فناداني فَقَالَ إِن الله قد سمع قَول قَوْمك لَك وَمَا ردوا عَلَيْك وَقد بعث إِلَيْك ملك الْجبَال لتأمره بِمَا شِئْت فيهم ثمَّ إِن شِئْت أَن أطبق عَلَيْهِم الأخشبين فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل أَرْجُو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وَلَا يُشْرك بِهِ شَيْئا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي عَليّ بن أبي طَالب قَالَ لما أَمر الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان يعرض نَفسه على قبائل الْعَرَب خرج وَأَنا مَعَه وَأَبُو بكر فدفعنا إِلَى مجْلِس من مجَالِس الْعَرَب فيهم مفروق بن عمر وهانئ بن قبيصَة فَقَالَ مفروق إِلَى مَا تَدْعُو فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدعوكم إِلَى شَهَادَة ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَإِلَى أَن تؤووني وتنصروني فَإِن قُريْشًا قد تظاهرت على أَمر الله وكذبت رسله واستغنت بِالْبَاطِلِ عَن الْحق وَالله غَنِي حميد فَقَالَ مفروق وَالله مَا سَمِعت كلَاما أحسن من هَذَا فَتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم} الْآيَات فَقَالَ مفروق وَالله مَا هَذَا من كَلَام أهل الأَرْض ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} الْآيَة فَقَالَ مفروق دَعَوْت وَالله إِلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق ومحاسن الْأَعْمَال وَلَقَد أفك قوم كَذبُوك وظاهروا عَلَيْك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَأَيْتُم إِن لم تلبثوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى يورثكم الله أَرض كسْرَى وديارهم وَأَمْوَالهمْ ويفرشكم نِسَاءَهُمْ تسبحون الله وتقدسونه
(1/301)
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق خَالِد بن سعيد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قدمت بكر بن وَائِل مَكَّة فِي الْحَج فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر ائتهم فأعرضني عَلَيْهِم فَأَتَاهُم فَعرض عَلَيْهِم قَالُوا حَتَّى يَجِيء شَيخنَا حَارِثَة فَلَمَّا جَاءَ قَالَ إِن بَيْننَا وَبَين الْفرس حَربًا فَإِذا أفرغنا مِمَّا بَيْننَا وَبينهمْ عدنا فَنَظَرْنَا فِيمَا تَقول فَلَمَّا الْتَقَوْا بِذِي قار هم وَالْفرس قَالَ لَهُم شيخهم مَا اسْم الرجل الَّذِي دعَاكُمْ إِلَى مَا دعَاكُمْ إِلَيْهِ قَالُوا مُحَمَّد قَالَ فَهُوَ شِعَاركُمْ فنصروا على الْفرس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِي نصروا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه عَن الأخرم الهُجَيْمِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم ذِي قار هَذَا أول يَوْم انتصف فِيهِ الْعَرَب من الْعَجم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَبَقِي بن مخلد فِي سَنَده وَالْبَغوِيّ مثله من حَدِيث بشير بن يزِيد الضبعِي وَقَالَ الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ ذكرت وقْعَة ذِي قار عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ذَاك أول يَوْم انتصفت فِيهِ الْعَرَب من الْعَجم وَبِي نصروا
وَرَأَيْت فِي شرح ديوَان الْأَعْشَى للآمدي مَا نَصه يُقَال ان يَوْم ذِي قار كَانَ مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن جبرئيل أرَاهُ الْحَرْب وقتال بكر للْفرس فَقَالَ اللَّهُمَّ انصر بكر بن وَائِل مرَّتَيْنِ وَأَرَادَ ان يَدْعُو لَهُم الثَّالِثَة بِأَن يديم لَهُم نَصرهم فَقَالَ لَهُ جبرئيل انك مستجاب الدعْوَة وَمَتى دَعَوْت لَهُم بدوام النَّصْر لم تقم لَهُم قَائِمَة فَلَمَّا دَعَا لَهُم وانهزمت الْفرس تَبَسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُرُورًا وَقَالَ هَذَا اول يَوْم انتصفت فِيهِ الْعَرَب من الْعَجم وَبِي نصروا
واخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن عبد الله بن وابصة الْعَبْسِي عَن أَبِيه عَن جده قَالَ جَاءَنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى فَدَعَانَا فَمَا استجبنا لَهُ وَلَا خير لنا وَكَانَ مَعنا ميسرَة بن مَسْرُوق الْعَبْسِي فَقَالَ لنا احْلِف بِاللَّه لَو صدقنا هَذَا الرجل وحملناه حَتَّى نحل بِهِ وسط رحالنا لَكَانَ الرَّأْي فاحلف بِاللَّه لَيظْهرَن أمره حَتَّى يبلغ كل مبلغ فَأبى الْقَوْم وَانْصَرفُوا فَقَالَ لَهُم ميسرَة ميلوا بِنَا إِلَى فدك فَإِن بهَا يهود نسائلهم عَن هَذَا الرجل فمالوا إِلَى الْيَهُود فأخرجوا سفرا لَهُم فوضعوه ثمَّ درسوا ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/302)
النَّبِي الْأُمِّي الْعَرَبِيّ يركب الْحمار ويجتزىء بالكسرة وَلَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير وَلَا بالجعد وَلَا بالسبط فِي عَيْنَيْهِ حمرَة مشرب اللَّوْن فَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي دعَاكُمْ فأجيبوه وادخلوا فِي دينه فَإنَّا نحسده وَلَا نتبعه وَلنَا مِنْهُ فِي مَوَاطِن بلَاء عَظِيم وَلَا يبْقى أحد من الْعَرَب إِلَّا اتبعهُ أَو قَتله فَقَالَ ميسرَة يَا قوم إِن هَذَا الْأَمر بَين فَأسلم ميسرَة فِي حجَّة الْوَدَاع
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن رُومَان وَعبد الله بن أبي بكر وَغَيرهمَا قَالُوا جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِنْدَة فِي مَنَازِلهمْ فَعرض نَفسه عَلَيْهِم فَأَبَوا فَقَالَ اصغر الْقَوْم يَا قوم استبقوا إِلَى هَذَا الرجل قبل ان تسبقوا اليه فوَاللَّه إِن أهل الْكتاب ليحدثونا أَن نَبيا يخرج من الْحرم قد أظل زَمَانه فَأَبَوا
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي رجل من كِنْدَة يُقَال لَهُ يُوسُف عَن أَشْيَاخ قومه قَالُوا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرِي فِي مَنَامه أَن ينصره أهل مدر ونخل
وَأخرج ابو نعيم عَن عُرْوَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بَايع الْأَنْصَار بِالْعقبَةِ صَاح الشَّيْطَان من رَأس الْجَبَل يَا معشر قُرَيْش هَذِه بَنو الْأَوْس والخزرج تحالف على قتالكم ففزعوا عِنْد ذَلِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرعكم هَذَا الصَّوْت فَإِنَّمَا هُوَ عَدو الله إِبْلِيس لَيْسَ يسمعهُ أحد مِمَّن تخافون وَبلغ قُريْشًا الحَدِيث فَأَقْبَلُوا حَتَّى انه ليطؤون على مَتَاع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يبصرونهم فَرَجَعُوا وَأخرج أَبُو نعيم نَحوه عَن الزُّهْرِيّ
وَأخرج عَن ابْن اسحاق قَالَ لما بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعقبَةِ صرح صارخ فِي الْجَبَل وَهُوَ إِبْلِيس يَا معشر قُرَيْش إِن كَانَ لكم فِي مُحَمَّد حَاجَة فَأتوهُ بمَكَان كَذَا وَكَذَا من الْجَبَل قد حالفه الَّذين يسكنون يثرب فَنزل جبرئيل فَلم يبصره أحد من الْقَوْم غير حَارِثَة بن النُّعْمَان قَالَ بَعْدَمَا فرغوا يَا نَبِي الله لقد رَأَيْت رجلا عَلَيْهِ ثِيَاب بَيَاض أنكرته قَائِما على يَمِينك قَالَ وَقد رَأَيْته قَالَ نعم قَالَ رَأَيْت خيرا ذَاك جبرئيل
(1/303)
وَأخرج ابو نعيم عَن ابْن عمر قَالَ لما أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النُّقَبَاء قَالَ لَا يجدن امْرُؤ فِي نَفسه شَيْئا إِنَّمَا آخذ من أَشَارَ إِلَيْهِ جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام
بَاب مَا وَقع فِي الْهِجْرَة من الْآيَات والمعجزات
اخْرُج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جرير ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله اوحى إِلَيّ أَي هَؤُلَاءِ الْبِلَاد الثَّلَاث نزلت فَهِيَ دَار هجرتك الْمَدِينَة أَو الْبَحْرين أَو قنسرين
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْمُسلمين قد أريت دَار هجرتكم أريت سبخَة ذَات نخل بَين لابتين فَهَاجَرَ من هَاجر قبل الْمَدِينَة حِين ذكر ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتجهز أَبُو بكر مُهَاجرا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رسلك فَإِنِّي أَرْجُو أَن يُؤذن لي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة خمس عشرَة سنة سبعا وثمانيا يرى الضَّوْء وَيسمع الصَّوْت وَأقَام بِالْمَدِينَةِ عشرا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن قُريْشًا اجْتمعت فِي دَار الندوة وَاتَّفَقُوا على قَتله فَأتى جبرئيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره أَن لَا يبيت فِي مضجعه الَّذِي كَانَ يبيت فِيهِ وَأخْبرهُ بمكر الْقَوْم وَأذن لَهُ عِنْد ذَلِك بِالْخرُوجِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن اسحاق قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْقَوْم وهم على بَابه وَمَعَهُ حفْنَة تُرَاب فَجعل يذرها على رؤوسهم وَأخذ الله بِأَبْصَارِهِمْ عَن نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقْرَأ {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} إِلَى قَوْله {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون}
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس وَعلي وَعَائِشَة بنت أبي بكر وَعَائِشَة بنت قدامَة وسراقة بن جعْشم دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقَوْم جُلُوس على بَابه فَأخذ حفْنَة من الْبَطْحَاء فَجعل يذرها على رؤوسهم وَيَتْلُو {يس}
(1/304)
الْآيَات وَمضى فَقَالَ لَهُم قَائِل مَا تنتظرون قَالُوا مُحَمَّدًا قَالَ قد وَالله مر بكم قَالُوا وَالله مَا أبصرناه وَقَامُوا يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر إِلَى غَار ثَوْر فدخلا وَضربت العنكبوت على بَابه بعشاش بَعْضهَا على بعض وطلبته قُرَيْش أَشد الطّلب حَتَّى انْتَهَت إِلَى بَاب الْغَار فَقَالَ بَعضهم إِن عَلَيْهِ لعنكبوتا قبل مِيلَاد مُحَمَّد فانصرفوا
وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واخذ حفْنَة من تُرَاب واخذ الله على أَبْصَارهم فَلَا يرونه فَجعل يثير ذَلِك التُّرَاب على رؤوسهم وَهُوَ يَتْلُو {يس} الْآيَات وَذكر نَحوه
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَائِشَة بنت قدامَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد خرجت من الخوخة متنكرا فَكَانَ اول من لَقِيَنِي أَبُو جهل فَعمى الله بَصَره عني وَعَن أبي بكر حَتَّى مضينا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب وَعُرْوَة بن الزبير أَنهم ركبُوا فِي كل وَجه يطْلبُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبعثوا إِلَى اهل الْمِيَاه يأمرونهم ويجعلون لَهُم الْجعل الْعَظِيم وَأتوا على ثَوْر الْجَبَل الَّذِي فِيهِ الْغَار الَّذِي فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى طلعوا فَوْقه وَسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر أَصْوَاتهم فأشفق ابو بكر وَاقْبَلْ عَلَيْهِ الْهم وَالْخَوْف فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحزن ان الله مَعنا ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت عَلَيْهِ سكينَة من الله
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أنس أَن أَبَا بكر حَدثهُ قَالَ كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار فَقلت يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرنَا تَحت قَدَمَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أَسمَاء بنت أبي بكر أَن أَبَا بكر رأى رجلا مواجه الْغَار فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه لرائينا قَالَ كلا إِن الْمَلَائِكَة تستره الْآن بأجنحتها فَلم يلبث الرجل ان قعد يَبُول مستقبلهما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا بكر لَو كَانَ يراك مَا فعل هَذَا وَأخرج أَبُو يعلى نَحوه من طَرِيق عَائِشَة عَن أبي بكر
(1/305)
واخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي مُصعب الْمَكِّيّ قَالَ أدْركْت انس بن مَالك وَزيد بن أَرقم والمغيرة بن شُعْبَة فَسَمِعتهمْ يتحدثون ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْغَار أَمر الله بشجرة فَنَبَتَتْ فِي وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسترته وَأمر الله العنكبوت فَنسجَتْ فِي وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسترته وَأمر الله حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فوقفتا بِفَم الْغَار وَأَقْبل فتيَان قُرَيْش من كل بطن رجل بِعِصِيِّهِمْ وهراويهم وَسُيُوفهمْ حَتَّى إِذا كَانُوا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقدر أَرْبَعِينَ ذِرَاعا جعل رجل مِنْهُم ينظر فِي الْغَار فَرَأى حَمَامَتَيْنِ بِفَم الْغَار فَرجع إِلَى أَصْحَابه فَقَالُوا لَهُ مَالك لَا تنظر فِي الْغَار فَقَالَ رَأَيْت حَمَامَتَيْنِ بِفَم الْغَار فَعلمت أَنه لَيْسَ فِيهِ أحد فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ فَعرف أَن الله قد دَرأ بهما عَنهُ فَدَعَا لَهُنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسمت عَلَيْهِنَّ وَفرض جزاءهن وانحدرن فِي الْحرم فأفرخ ذَلِك الزَّوْج كل شَيْء فِي الْحرم
وَأخرج احْمَد وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس ان الْمُشْركين تشاوروا لَيْلَة بِمَكَّة فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بَعضهم إِذا أصبح فأثبتوه بِالْوَثَاقِ وَقَالَ بَعضهم بل اقْتُلُوهُ وَقَالَ بَعضهم بل أَخْرجُوهُ فَاطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك فَخرج تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى لحق بِالْغَارِ فَلَمَّا أَصْبحُوا اقتصوا أَثَره فَلَمَّا بلغُوا الْجَبَل اخْتَلَط عَلَيْهِم فَصَعِدُوا فِي الْجَبَل فَمروا بِالْغَارِ فَرَأَوْا على بَابه نسج العنكبوت فَقَالُوا لَو كَانَ دخل هَهُنَا لم يكن نسج العنكبوت على بَابه
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي مُوسَى بن مُحَمَّد بن ابراهيم عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين دخل الْغَار ضرب العنكبوت على بَابه بعشاش بَعْضهَا على بعض فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى فَم الْغَار قَالَ قَائِل مِنْهُم ادخُلُوا الْغَار قَالَ أُميَّة بن خلف وَمَا إربكم إِلَى الْغَار إِن عَلَيْهِ لعنكبوتا كَانَ قبل مِيلَاد مُحَمَّد فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ عَن قتل العنكبوت فَقَالَ إِنَّهَا جند من جنود الله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَطاء بن ميسرَة قَالَ نسجت العنكبوت مرَّتَيْنِ مرّة على دَاوُد حِين كَانَ طالوت يَطْلُبهُ وَمرَّة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار
(1/306)
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي بكر قَالَ طلبنا الْقَوْم فَلم يدركنا اُحْدُ مِنْهُم غير سراقَة ابْن مَالك على فرس لَهُ فَقلت يَا رَسُول الله هَذَا الطّلب قد لحقنا قَالَ لَا تحزن إِن الله مَعنا فَلَمَّا كَانَ بَيْننَا وَبَينه قيد رمح أَو ثَلَاثَة دَعَا عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اللَّهُمَّ اكفناه بِمَا شِئْت فساخت بِهِ فرسه فِي الأَرْض إِلَى بَطنهَا فَقَالَ يَا مُحَمَّد قد علمت ان هَذَا عَمَلك فَادع الله ان ينجيني مِمَّا انا فِيهِ فوَاللَّه لأعمين على من ورائي من الطّلب فَدَعَا لَهُ فَانْطَلق رَاجعا
وَأخرج البُخَارِيّ عَن سراقَة بن مَالك قَالَ خرجت أطلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر حَتَّى إِذا دَنَوْت مِنْهُ عثرت بِي فرسي فَقُمْت فركبت حَتَّى إِذا سَمِعت قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لَا يلْتَفت وَأَبُو بكر يكثر التلفت ساخت يدا فرسي فِي الأَرْض حَتَّى بلغتا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْت عَنْهَا ثمَّ زجرتها فَنَهَضت فَلم تكد تخرج يَديهَا فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة إِذا لأثر يَديهَا عثان سَاطِع فِي السَّمَاء مثل الدُّخان فناديتهما بالأمان فوقفوا لي وَوَقع فِي نَفسِي حِين لقِيت مَا لقِيت من الْحَبْس عَنْهُمَا أَنه سَيظْهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ لما خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر الْتفت أَبُو بكر فَإِذا هُوَ بِفَارِس قد لحقهم فَقَالَ يَا نَبِي الله هَذَا فَارس قد لحق بِنَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اصرعه فصرع عَن فرسه فَقَالَ يَا نَبِي الله مرني بِمَا شِئْت قَالَ تقف مَكَانك لَا تتركن أحدا يلْحق بِنَا فَكَانَ أول النَّهَار جاهدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآخر النَّهَار مسلحة لَهُ وَفِي ذَلِك يَقُول سراقَة مُخَاطبا لأبي جهل
(أَبَا حكم وَالله لَو كنت شَاهدا ... لأمر جوادي إِذْ تسيخ قوائمه)
(علمت وَلم تشكك بِأَن مُحَمَّدًا ... رَسُول ببرهان فَمن ذَا يقاومه)
واخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد واه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ أَبُو بكر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار فعطش فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْهَبْ إِلَى صدر الْغَار فَاشْرَبْ فَانْطَلق أَبُو بكر إِلَى صدر الْغَار فَشرب مِنْهُ مَاء أحلى من الْعَسَل وأبيض من اللَّبن
(1/307)
وأذكى رَائِحَة من الْمسك ثمَّ عَاد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أَمر الْملك الْمُوكل بأنهار الْجنَّة إِن خرق نَهرا من جنَّة الفردوس إِلَى صدر الْغَار لتشرب
وَقَالَ البُخَارِيّ سَمِعت أَبَا مُحَمَّد الْكُوفِي قَالَ لما اراد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان يُهَاجر سمعُوا صَوتا بِمَكَّة يَقُول
(إِن يسلم السعدان يصبح مُحَمَّد ... من الْأَمْن لَا يخْشَى خلاف الْمُخَالف)
فَقَالَت قُرَيْش لَو علمنَا من السعدان لفعلنَا وَفعلنَا فَسَمِعُوا من الْقَابِلَة وَهُوَ يَقُول
(فيا سعد سعد الْأَوْس إِن كنت مَانِعا ... وَيَا سعد سعد الخزرجين الغطارف)
(أجيبا إِلَى دَاعِي الْهدى وتمنيا ... على الله فِي الفردوس زلفة عَارِف)
قَالَ سعد الْأَوْس سعد بن معَاذ وَسعد الخزرجين سعد بن عبَادَة وَأخرجه ابْن عَسَاكِر من هَذَا الطَّرِيق
وَأخرجه من طَرِيق ابْن ابي الدُّنْيَا أَنبأَنَا أبي ثَنَا هِشَام بن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ حَدثنَا عبد الْمجِيد بن أبي عبس عَن أَبِيه عَن جده قَالَ سَمِعت قُرَيْش صائحا يَصِيح على أبي قبيس فَذكر الْبَيْت الأول فَقَالُوا من السُّعُود سعد بن بكر وَسعد بن زيد مَنَاة وَسعد هذيم فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة سمعُوا صَوته على أبي قبيس فَذكر الْبَيْتَيْنِ وَزَاد
(فَإِن ثَوَاب الله للطَّالِب الْهدى ... جنان من الفردوس ذَات رفارف)
فَقَالَت قُرَيْش هَذَا سعد بن معَاذ وَسعد بن عبَادَة وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ والخرائطي نَحوه
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات وَأَبُو نعيم من طَرِيق شهر بن حَوْشَب عَن ابْن عَبَّاس عَن سعد بن عبَادَة قَالَ لما بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيعَة الْعقبَة خرجت إِلَى حَضرمَوْت لبَعض الْحَاجة فَقضيت حَاجَتي ثمَّ رجعت حَتَّى إِذا كنت بِبَعْض الأَرْض نمت فَفَزِعت من اللَّيْل بصائح يَقُول
(أَبَا عَمْرو تأوبني السهود ... وَرَاح النّوم وَانْقطع الهجود)
(1/308)
ثمَّ صَاح آخر يَا خر عب ذهب بك اللّعب إِن أعجب الْعجب بَين زهرَة ويثرب قَالَ وَمَا ذَاك يَا شاصب قَالَ نَبِي السَّلَام بعث بِخَير الْكَلَام إِلَى جَمِيع الانام فَأخْرج من الْبَلَد الْحَرَام إِلَى نخيل وآطام ثمَّ طلع الْفجْر فَذَهَبت انْظُر فَإِذا عظاءة وثعبان ميتان قَالَ فَمَا علمت ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَاجر إِلَى الْمَدِينَة إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق حدثت عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكثنا ثَلَاث لَيَال مَا نَدْرِي أَيْن توجه حَتَّى أقبل رجل من الْجِنّ من أَسْفَل مَكَّة يُغني بِأَبْيَات شعر وَأَن النَّاس ليتبعونه يسمعُونَ صَوته وَمَا يرونه حَتَّى خرج من أَعلَى مَكَّة يَقُول
(جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم معبد)
واخرج الْبَغَوِيّ وَابْن شاهين وَابْن السكن وَابْن مندة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق حزَام بن هِشَام بن حُبَيْش بن خَالِد عَن أَبِيه عَن جده ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خرج من مَكَّة خرج مِنْهَا مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة هُوَ وَأَبُو بكر وَمولى أبي بكر عَامر بن فهَيْرَة وَدَلِيلهمَا اللَّيْثِيّ عبد الله بن الْأُرَيْقِط مروا على خَيْمَتي ام معبد الْخُزَاعِيَّة وَكَانَت بَرزَة حلده تَحْتَبِيَ بِفنَاء الْقبَّة ثمَّ تَسْقِي وَتطعم فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا شَيْئا فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة فَقَالَ مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد قَالَت شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم قَالَ أَبِهَا من لبن قَالَت هِيَ أجهد من ذَلِك قَالَ أَتَأْذَنِينَ لي ان احلبها قَالَت إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فاحلبها فَدَعَا عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح بِيَدِهِ ضرْعهَا وسمى الله ودعا لَهَا فِي شَاتِهَا فتفاجت عَلَيْهِ وَدرت ودعا بِإِنَاء يريض الرَّهْط فَحلبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى علاهُ الْبَهَاء ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رويت ثمَّ سقى أَصْحَابه حَتَّى رووا ثمَّ شرب آخِرهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أراضوا ثمَّ حلب فِيهِ ثَانِيًا بعد بَدْء حَتَّى مَلأ الْإِنَاء ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا ثمَّ بَايَعَهَا وَارْتَحَلُوا عَنْهَا فَقل مَا لَبِثت حَتَّى جَاءَ زَوجهَا ابو معبد يَسُوق أَعْنُزًا عِجَافًا
(1/309)
فَلَمَّا رأى اللَّبن عجب وَقَالَ من أَيْن لَك هَذَا اللَّبن وَالشَّاة عَازِب حِيَال وَلَا حَلُوب فِي الْبَيْت فَقَالَت لَا وَالله إِلَّا انه مر بِنَا رجل مبارك من حَاله كَذَا وَكَذَا قَالَ صَفيه لي قَالَت رَأَيْت رجلا ظَاهر الْوَضَاءَة أَبْلَج الوحه حسن الْخلق لم تَعبه ثجله وَلَا تزريه صعلة وسيم قسيم فِي عَيْنَيْهِ دعجٌ وَفِي أَشْفَاره عطف وَفِي صَوته صَهل وَفِي عُنُقه سَطَعَ وَفِي لحيته كثاثة أَزجّ أقرن إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سَمَّاهُ وعلاه الْبَهَاء أجمل النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيد وأحلاه وَأحسنه من قريب حُلْو الْمنطق فصل لَا نزر وَلَا هذر كَأَن منْطقَة خَرَزَات نظمن ربعَة لَا بَائِن من طول وَلَا تَقْتَحِمُهُ عين من قصر عصنا بَين عصنين فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَة منْظرًا وَأَحْسَنهمْ قدرا لَهُ رُفَقَاء يحفونَ بِهِ ان قَالَ أَنْصتُوا لَهُ وَإِن أَمر تبَادرُوا إِلَى امْرَهْ مَحْفُودٌ محشود لَا عَابس وَلَا مُعْتَد فَقَالَ أَبُو معبد هُوَ وَالله صَاحب قُرَيْش الَّذِي ذكر لنا من أمره مَا ذكر بِمَكَّة فَأصْبح صَوت بِمَكَّة عَالِيا يسمعُونَ الصَّوْت وَلَا يَدْرُونَ من صَاحبه وَهُوَ يَقُول
(جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم معبد)
(هما نَزَّلَاهَا بِالْهدى فاهتديت بِهِ ... فقد فَازَ من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد)
(فيآل قصي مَا زوى الله عَنْكُم ... بِهِ من فعال لَا تجازى وسؤدد)
(لِيهن بني كَعْب مقَام فَتَاتهمْ ... ومقعدها للْمُؤْمِنين بِمَرْصَد)
(سلوا أختكم عَن شَاتِهَا وأناثها ... فَإِنَّكُم إِن تسألوا الشَّاة تشهد)
(دَعَاهَا بِشَاة حَائِل فتحلبت ... لَهُ بِصَرِيح ضرَّة الشَّاة مُزْبِد)
(فغادرها رهنا لَدَيْهَا بحالب ... يُرَدِّدهَا فِي مصدر ثمَّ مورد)
فَقَوله بَرزَة يُرِيد أَنه خلالها سنّ فَهِيَ تبرز لَيست كالصغيرة المحجوبة قَوْله كسر الْخَيْمَة يُرِيد جانبا مِنْهَا وتفاجت فتحت مَا بَين رِجْلَيْهَا للحلب ويريض الرَّهْط يرويهم حَتَّى يثقلوا والرهط مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وثجا أَي سيلا وعلاه الْبَهَاء أَي علا الْإِنَاء بهاء اللَّبن وَهُوَ وبيص رغوته وأراضوا شربوا وعازب أَي بعيد فِي المرعى وثجلة أَي ورقة وصعلة الخاصرة تَعْنِي أَنه ضرب لَيْسَ بناحل وَلَا منتفخ والوسيم الْحسن الوضيء وَكَذَلِكَ القسيم والعطف انعطاف الاشفار
(1/310)
وسطع أَي طول إِن تكلم سما أَي علا بِرَأْسِهِ أَو يَده لَا نزر وَلَا هذر أَي وسط لَا قَلِيل وَلَا كثير وَلَا تَقْتَحِمُهُ لَا تحتقره وَلَا تزدريه ومحفود اي مخدوم ومحشود اي محفوف حشدة أَصْحَابه أطافوا بِهِ لَا عَابس أَي فِي الْوَجْه لَا مُعْتَد من الاعتداء وَهُوَ الظُّلم والصريح الْخَالِص والضرة لحم الضَّرع وَقَوله فغادرها رهنا لَدَيْهَا بحالب يُرِيد أَنه خلف الشَّاة مرتهنة لِأَن تدر
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَغوِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق الْحر بن الصَّباح عَن أبي معبد الْخُزَاعِيّ مثله بِطُولِهِ
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي حزَام بن هِشَام عَن أَبِيه عَن أم معبد قَالَت بقيت الشَّاة الَّتِي لمس ضرْعهَا عندنَا حَتَّى كَانَ زمَان الرَّمَادَة زمَان عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَكُنَّا نَحْلُبهَا صَبُوحًا وغبوقا وَمَا فِي الأَرْض قَلِيل وَلَا كثير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة فَانْتَهَيْنَا إِلَى حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَيت منتحيا فقصد إِلَيْهِ فَلَمَّا نزلنَا لم يكن فِيهِ إِلَّا إمرأة وَذَلِكَ عِنْد الْمسَاء فجَاء ابْن لَهَا بأعنز يَسُوقهَا فَقَالَت لَهُ انْطلق بِهَذِهِ العنز إِلَى هذَيْن الرجلَيْن ليذبحاها ويأكلا فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْطلق بالشفرة وجئني بالقدح فَقَالَ إِنَّهَا قد عزبت وَلَيْسَ لَهَا لبن قَالَ انْطلق فَانْطَلق فجَاء بقدح فَمسح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرْعهَا ثمَّ حلب حَتَّى مَلأ الْقدح ثمَّ قَالَ انْطلق بِهِ إِلَى أمك فَشَرِبت حَتَّى رويت ثمَّ جَاءَ بِهِ فَقَالَ انْطلق بِهَذِهِ وجئني بِأُخْرَى فَفعل بهَا كَذَلِك ثمَّ سقى أَبَا بكر ثمَّ جَاءَ بِأُخْرَى فَفعل بهَا كَذَلِك ثمَّ شرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فبتنا ليلتنا ثمَّ انطلقنا فَكَانَت تسميه الْمُبَارك وَكَثُرت غنمها حَتَّى جلبت جلبا إِلَى الْمَدِينَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ الظَّاهِر أَن هَذِه الْمَرْأَة أم معبد
(1/311)
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن قيس بن النُّعْمَان قَالَ لما انْطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر مستخفيين مرا بِعَبْد يرْعَى غنما فاستسقياه اللَّبن فَقَالَ مَا عِنْدِي شَاة تحلب غير أَن هَهُنَا عنَاقًا حملت أَو الشتَاء وَقد اخرجت وَمَا بَقِي لَهَا لبن فَقَالَ أدع بهَا فَدَعَا بهَا فاعتقلها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمسح ضرْعهَا ودعا وَجَاء أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بمجن فَحلبَ وَسَقَى أَبَا بكر ثمَّ حلب فسقى الرَّاعِي ثمَّ حلب فَشرب فَقَالَ الرَّاعِي من أَنْت فوَاللَّه مَا رَأَيْت مثلك قطّ قَالَ مُحَمَّد رَسُول الله قَالَ أَنْت الَّذِي تزْعم قُرَيْش انه صابئ قَالَ إِنَّهُم ليقولون ذَلِك قَالَ فَأشْهد أَنَّك نَبِي وأنما جِئْت بِهِ حق وَأَنه لَا يفعل مَا فعلت إِلَّا نَبِي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن مَالك بن أَوْس الْأَسْلَمِيّ قَالَ لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مروا بِإِبِل لنا بِالْجُحْفَةِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن هَذِه الْإِبِل قَالَ لرجل من أسلم فَالْتَفت إِلَى أبي بكر فَقَالَ سلمت إِن شَاءَ الله فَقَالَ مَا اسْمك قَالَ مَسْعُود فَالْتَفت إِلَى أبي بكر فَقَالَ سعدت إِن شَاءَ الله
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن ابراهيم بن عبد الله بن حَارِثَة عَن ابيه قَالَ نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كُلْثُوم بن الْهدم فصاح كُلْثُوم بِغُلَام لَهُ يَا نجيح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انجحت يَا أَبَا بكر
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس ان الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد قَالَ إِلَى مَكَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ شهِدت يَوْم دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَلم أر يَوْمًا أحسن وَلَا أَضْوَأ مِنْهُ
وَأخرج ابْن سعد عَن انس قَالَ لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَضَاء مِنْهَا كل شَيْء
(1/312)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الزبير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم الْمَدِينَة فاستناخت بِهِ رَاحِلَته فَأَتَاهُ النَّاس فَقَالُوا يَا رَسُول الله الْمنزل فانبعثت بِهِ رَاحِلَته فَقَالَ دَعُوهَا فانها مأمورة ثمَّ خرجت بِهِ حَتَّى جَاءَت بِهِ مَوضِع الْمِنْبَر فاستناخت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَلَمَّا دخل جَاءَت الْأَنْصَار برجالها ونسائها فَقَالُوا إِلَيْنَا يَا رَسُول الله فَقَالَ دعوا النَّاقة فَإِنَّهَا مأمورة فبركت على بَاب أبي أَيُّوب فَخرجت جوَار من بني النجار يضربن بِالدُّفُوفِ وَهن يقلن
(نَحن جوَار من بني النجار ... يَا حبذا مُحَمَّد من جَار)
واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة جعل النِّسَاء وَالصبيان يقلن
(طلع الْبَدْر علينا ... من ثنيات الْوَدَاع)
(وَجب الشُّكْر علينا ... مَا دَعَا لله دَاع)
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن صُهَيْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت دَار هجرتكم سبخَة بَين ظهراني حرَّة فإمَّا ان تكون هجر وَإِمَّا ان تكون يثرب قَالَ وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة وَخرج مَعَه أَبُو بكر وَكنت قد هَمَمْت بِالْخرُوجِ مَعَه فصدني فتيَان من قُرَيْش فَجعلت لَيْلَتي تِلْكَ أقوم لَا أقعد فَقَالُوا قد شغله الله عَنْكُم ببطنه وَلم اكن شاكيا فَنَامُوا فلحقني مِنْهُم نَاس بَعْدَمَا سرت بريدا ليردوني فَقلت لَهُم هَل لكم أَن أُعْطِيكُم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي فَفَعَلُوا فسقتهم إِلَى مَكَّة فَقلت احفروا تَحت اسكفة الْبَاب فَإِن تحتهَا الأواقي وَخرجت حَتَّى قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبَاء قبل ان يتَحَوَّل مِنْهَا فَلَمَّا رَآنِي قَالَ يَا أَبَا يحيى ربح البيع ثَلَاثًا فَقلت يَا رَسُول الله مَا سبقني إِلَيْك اُحْدُ وَمَا أخْبرك إِلَّا جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام
(1/313)
بَاب اجْتِمَاع الْيَهُود بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قدم الْمَدِينَة وسؤالهم لَهُ ومعرفتهم صدقه
اخْرُج ابْن سعد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة انجفل النَّاس قبله فَجئْت فِي النَّاس لأنظر إِلَى وَجهه فَلَمَّا رَأَيْت وَجهه عرفت أَن وَجهه لَيْسَ بِوَجْه كَذَّاب فَكَانَ أول شَيْء سَمِعت مِنْهُ ان قَالَ يَا أَيهَا النَّاس اطعموا الطَّعَام وأفشوا السَّلَام وصلوا الْأَرْحَام وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام تدْخلُوا الْجنَّة بِسَلام
وَأخرج البُخَارِيّ عَن انس قَالَ سمع عبد الله بن سَلام بقدوم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلك عَن ثَلَاث لَا يعلمهُنَّ إِلَّا نَبِي مَا أول أَشْرَاط السَّاعَة وَمَا أول طَعَام أهل الْجنَّة وَمَا ينْزع الْوَلَد إِلَى أَبِيه وَإِلَى أمه قَالَ اخبرني بِهن جبرئيل آنِفا اما اول اشراط السَّاعَة فَنَار تخرج على النَّاس من الْمشرق الى الْمغرب وَأما أول طَعَام يَأْكُلهُ اهل الْجنَّة فَزِيَادَة كبد الْحُوت وَإِذا سبق مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة نزع الْوَلَد إِلَى أَبِيه وَإِذا سبق مَاء الْمَرْأَة نزعت قَالَ أشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد انك رَسُول الله يَا رَسُول الله إِن الْيَهُود قوم بهت وَإِنَّهُم إِن يعلمُوا بِإِسْلَامِي قبل ان تَسْأَلهُمْ عني بَهَتُونِي فَجَاءَت الْيَهُود إِلَيْهِ قَالَ أَي رجل عبد الله بن سَلام فِيكُم قَالُوا خيرنا وَابْن خيرنا وَسَيِّدنَا وَابْن سيدنَا قَالَ أَرَأَيْتُم إِن أسلم قَالُوا أَعَاذَهُ الله من ذَلِك فَخرج عبد الله فَقَالَ أشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالُوا أَشَرنَا وَابْن شَرنَا وانتقصوا قَالَ هَذَا الَّذِي كنت أَخَاف يَا رَسُول الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ لما سَمِعت برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرفت صفته واسْمه وهيئته وَالَّذِي كُنَّا نتوكف لَهُ فَكنت مسرا لذَلِك صامتا عَلَيْهِ حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَأخْبر رجل بقدومه وانا فِي رَأس نَخْلَة لي أعمل فِيهَا وعمتي جالسة فَلَمَّا
(1/314)
سَمِعت الْخَبَر بقدومه كَبرت فَقَالَت لي عَمَّتي لَو كنت سَمِعت بمُوسَى بن عمرَان مَا زِدْت قلت لَهَا أَي عمَّة هُوَ وَالله أَخُو مُوسَى بن عمرَان بعث بِمَا بعث بِهِ فَقَالَت يَا ابْن اخي أهوَ النَّبِي الَّذِي كُنَّا نخبر بِهِ انه يبْعَث مَعَ السَّاعَة قلت لَهَا نعم ثمَّ خرجت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسْلمت وَذكر نَحْو مَا تقدم
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من مُرْسل سعيد المَقْبُري نَحوه وَزَاد أَنه سَأَلَهُ عَن السوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انهما كَانَا شمسين قَالَ الله {وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فمحونا آيَة اللَّيْل} فالسواد الَّذِي فِيهِ هُوَ المحو فَقَالَ ابْن سَلام اشْهَدْ ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد ان مُحَمَّدًا رَسُول الله
واخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن صَفِيَّة بنت حييّ قَالَت لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدا إِلَيْهِ أبي وَعمي أَبُو يَاسر بن اخْطُبْ ثمَّ رجعا فَسمِعت عمي يَقُول لأبي أهوَ هُوَ قَالَ نعم وَالله قَالَ تعرفه بِعَيْنِه وَصفته قَالَ نعم وَالله قَالَ فَمَاذَا فِي نَفسك مِنْهُ قَالَ عداوته وَالله مَا بقيت أبدا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَوْف بن مَالك قَالَ انْطلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه حَتَّى دخل كَنِيسَة الْيَهُود فَقَالَ يَا معشر الْيَهُود أروني اثنى عشر رجلا يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله يحبط الله عَن كل يَهُودِيّ تَحت أَدِيم السَّمَاء الْغَضَب الَّذِي غضب عَلَيْهِم قَالَ فَسَكَتُوا فَمَا أَجَابَهُ مِنْهُم أحد ثمَّ رد عَلَيْهِم فَلم يجبهُ مِنْهُم أحد فَقَالَ أَبَيْتُم فوَاللَّه لأَنا الحاشر وَأَنا العاقب وَأَنا النَّبِي الْمُصْطَفى آمنتم أم كَذبْتُمْ ثمَّ انْصَرف وَأَنا مَعَه حَتَّى كدنا ان نخرج فَإِذا رجل من خلفنا يَقُول كَمَا أَنْت يَا مُحَمَّد فَأقبل فَقَالَ ذَلِك الرجل أَي رجل تعلموني فِيكُم يَا معشر الْيَهُود قَالُوا وَالله مَا نعلم أَنه كَانَ فِينَا رجل أعلم بِكِتَاب الله مِنْك وَلَا أفقه مِنْك وَلَا من أَبِيك قبلك وَلَا من جدك قبل أَبِيك قَالَ فَإِنِّي اشْهَدْ لَهُ بِاللَّه انه نَبِي الله الَّذِي تجدونه فِي التَّوْرَاة
(1/315)
فَقَالُوا كذبت ثمَّ ردوا عَلَيْهِ قَوْله وَقَالُوا شرا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذبْتُمْ لن يقبل الله قَوْلكُم وَأنزل الله فِيهِ {قل أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد الله وكفرتم بِهِ} الْآيَة
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَت عِصَابَة من الْيَهُود النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا حَدثنَا عَن خلال نَسْأَلك عَنْهَا لَا يعلمهَا إِلَّا نَبِي أخبرنَا عَن الطَّعَام الَّذِي حرم إِسْرَائِيل على نَفسه وَأخْبرنَا عَن مَاء الرجل كَيفَ يكون مِنْهُ الذّكر وَكَيف تكون مِنْهُ الْأُنْثَى وَأخْبرنَا كَيفَ النَّبِي فِي الْقَوْم فَقَالَ انشدك بِاللَّه هَل تعلمُونَ ان إِسْرَائِيل مرض مَرضا شَدِيدا أَطَالَ سقمه مِنْهُ فَنَذر لله نذرا لَئِن شفَاه من سقمه ليحرمن أحب الشَّرَاب إِلَيْهِ وَأحب الطَّعَام إِلَيْهِ فَحرم ألبان الْإِبِل ولحمان الْإِبِل قَالُوا نعم قَالَ انشدكم بِاللَّه هَل تعلمُونَ ان مَاء الرجل غليط أَبيض وَمَاء الْمَرْأَة رَقِيق أصفر فَأَيّهمَا علا كَانَ لَهُ الْوَلَد والشبه بِإِذن الله قَالُوا اللَّهُمَّ نعم قَالَ انشدكم بِاللَّه هَل تعلمُونَ هَذَا النَّبِي تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه قَالُوا اللَّهُمَّ نعم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي ظبْيَان قَالَ حَدثنَا أَصْحَابنَا أَنهم بَيْنَمَا هم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فاعترضهم يَهُودِيّ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم إِنِّي أَسأَلك عَن مَسْأَلَة لَا يعلمهَا إِلَّا نَبِي من أَي المائين يكون الْوَلَد فَصمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وَدِدْنَا أَنه لم يسْأَله ثمَّ عرفنَا انه قد تبين لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما نُطْفَة الرجل فبيضاء غَلِيظَة فَمِنْهَا الْعِظَام والعصب وَأما نظفة الْمَرْأَة فحمراء رقيقَة فمنهما اللَّحْم وَالدَّم فَقَالَ أشهد انك رَسُول الله
وَأخرج احْمَد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ مر يَهُودِيّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يحدث أَصْحَابه فَقَالَت قُرَيْش يَا يَهُودِيّ إِن هَذَا يزْعم أَنه نَبِي قَالَ لأسألنه عَن شَيْء لَا يُعلمهُ إِلَّا نَبِي فَقَالَ يَا مُحَمَّد مِم يخلق الْإِنْسَان قَالَ يَا يَهُودِيّ من كل يخلق من نُطْفَة الرجل وَمن نُطْفَة الْمَرْأَة أمانطفة الرجل فنطفة غَلِيظَة مِنْهَا الْعظم والعصب وَأما نُطْفَة الْمَرْأَة فنطفة رقيقَة مِنْهَا اللَّحْم وَالدَّم فَقَالَ الْيَهُودِيّ هَكَذَا كَانَ يَقُول من قبلك
(1/316)
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ بَينا أَنا أَمْشِي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حرث الْمَدِينَة وَهُوَ يتَوَكَّأ على عسيب فمررنا بِنَفر من الْيَهُود فَقَالَ بَعضهم سلوه عَن الرّوح وَقَالَ بَعضهم لَا تسألوه عَسى ان يخبر فِيهِ بِشَيْء تكرهونه فسالوه فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَظَنَنْت انه يُوحى إِلَيْهِ فَلَمَّا انجلى عَنهُ قَالَ {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي} الْآيَة
قَالَ ابو نعيم قيل إِن من عَلَامَات نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْكتب الْمنزلَة أَنه إِذا سُئِلَ عَن الرّوح فوض الْعلم بحقيقتها إِلَى منشئتها وبارئها وَأمْسك عَمَّا خاضت الفلاسفة وَأهل الْمنطق الْقَائِلُونَ فِيهَا بالحدس والتخمين فامتحنته الْيَهُود بالسؤال عَنْهَا ليقفوا مِنْهُ على نَعته الْمُثبت عِنْدهم فِي كِتَابهمْ فَوَافَقَ جَوَابه مَا ثَبت فِي كتبهمْ
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِابْنِ صوريا أنْشدك بِاللَّه هَل تعلم ان لله حكم فِي التَّوْرَاة فِيمَن زنا بعد إحْصَانه بِالرَّجمِ فَقَالَ اللَّهُمَّ نعم أما وَالله يَا أَبَا الْقَاسِم انهم ليعرفون انك نَبِي مُرْسل وَلَكنهُمْ يحسدونك
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن صَفْوَان بن عَسَّال قَالَ قَالَ يَهُودِيّ لصَاحبه إذهب بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِي نَسْأَلهُ عَن هَذِه الْآيَة {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى تسع آيَات بَيِّنَات} فَسَأَلَاهُ فَقَالَ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تسحرُوا وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا تَمْشُوا ببرىء إِلَى ذِي سُلْطَان ليَقْتُلهُ وَلَا تَقْذِفُوا مُحصنَة وَأَنْتُم يَا يهود عَلَيْكُم خَاصَّة لَا تعدوا فِي السبت فَقبلا يَده وَرجله وَقَالا نشْهد أَنَّك نَبِي فَقَالَ مَا منعكما ان تسلما فَقَالَا إِن دَاوُد دَعَا ان لَا يزَال من ذُريَّته نَبِي وَإِنَّا نخشى ان تَقْتُلنَا الْيَهُود
(1/317)
وَأخرج مُسلم عَن ثَوْبَان قَالَ كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء حبر من الْيَهُود فَقَالَ ايْنَ النَّاس يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الظلمَة دون الجسر قَالَ فَمن أول النَّاس إجَازَة قَالَ فُقَرَاء الْمُهَاجِرين قَالَ فَمَا تحفتهم حِين يدْخلُونَ الْجنَّة قَالَ زِيَادَة كبدنون قَالَ فَمَا عداؤهم على اثره قَالَ ينْحَر لَهُم ثَوْر الْجنَّة الَّذِي كَانَ يَأْكُل من أطرافها قَالَ فَمَا شرابهم عَلَيْهِ قَالَ من عين فِيهَا تسمى سلسبيلا قَالَ صدقت قَالَ وَجئْت اسْأَل عَن شَيْء لَا يُعلمهُ أحد من أهل الأَرْض إِلَّا نَبِي أَو رجل أَو رجلَانِ جِئْت أَسأَلك عَن الْوَلَد قَالَ مَاء الرجل أَبيض وَمَاء الْمَرْأَة أصفر فَإِذا اجْتمعَا فعلا مني الرجل مني الْمَرْأَة أذكرا بِإِذن الله وَإِذا علا مني الْمَرْأَة مني الرجل آنثا بِإِذن الله قَالَ الْيَهُودِيّ صدقت وَإنَّك لنَبِيّ ثمَّ انْصَرف فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه سَأَلَني هَذَا الَّذِي سَأَلَني عَنهُ وَمَا أعلم شَيْئا مِنْهُ حَتَّى أَتَانِي الله بِهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَهُودِيّ فَقَالَ يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي عَن النُّجُوم الَّتِي رَآهَا يُوسُف ساجده لَهُ مَا اسماؤها فَلم يجبهُ بِشَيْء فَنزل عَلَيْهِ جبرئيل فَأخْبرهُ فَبعث إِلَى الْيَهُودِيّ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ أتسلم إِن اخبرتك قَالَ نعم قَالَ حرثان وطارق وَالذَّيَّال والكتفان وَذُو الْفَرْع وَوَثَّاب وَعَمُودَان وَقَابِس وَالضَّرُوح والمصيح وَالْفَيْلَق والضياء والنور رَآهَا فِي افق السَّمَاء سَاجِدَة لَهُ فَقَالَ الْيَهُودِيّ هَذِه وَالله أسماؤها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس ان حبرًا من الْيَهُود دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوافقه وَهُوَ يقْرَأ سُورَة يُوسُف فَقَالَ يَا مُحَمَّد من علمكها قَالَ الله علمنيها فَعجب الحبر لما سمع مِنْهُ فَرجع إِلَى الْيَهُود فَقَالَ لَهُم وَالله إِن مُحَمَّدًا ليقْرَأ الْقُرْآن كَمَا أنزل فِي التَّوْرَاة وَانْطَلق بِنَفر مِنْهُم حَتَّى دخلُوا عَلَيْهِ فعرفوه بِالصّفةِ ونظروا إِلَى خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ فَجعلُوا يَسْتَمِعُون إِلَى قِرَاءَته لسورة يُوسُف فتعجبوا مِنْهُ وَأَسْلمُوا عِنْد ذَلِك
(1/318)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْيَهُود إِن كُنْتُم صَادِقين فِي مَقَالَتَكُمْ إِن الْجنَّة خَالِصَة لكم من دون النَّاس فَقولُوا اللَّهُمَّ أمتنَا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَقُولهَا رجل مِنْكُم إِلَّا غص بريقه فَمَاتَ مَكَانَهُ فَأَبَوا ذَلِك وكرهوه فَنزل {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} الْآيَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ جَاءَ جرمقاني إِلَى أَصْحَاب مُحَمَّد فَقَالَ أَيْن صَاحبكُم هَذَا الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي لَئِن سَأَلته لاعلمن نَبِي هُوَ أَو غير نَبِي فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الجرمقاني إقرأ عَليّ فَتلا عَلَيْهِ آيَات من كتاب الله فَقَالَ الجرمقاني هَذَا وَالله الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى
بَاب رفع الوباء والحمى والطاعون عَن الْمَدِينَة معْجزَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة قَالَت قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَهِي أوبأ أَرض الله فَقَالَ اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا الْمَدِينَة كحبنا مَكَّة أَو أَشد اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي صاعنا ومدنا وصححها لنا وانقل حماها إِلَى الْجحْفَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ كَانَ وباء الْمَدِينَة مَعْرُوفا فِي الْجَاهِلِيَّة فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان تنقل حماها إِلَى الْجحْفَة فَكَانَ الْمَوْلُود يُولد بِالْجُحْفَةِ فَلَا يبلغ الْحلم حَتَّى تصرعه الْحمى
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت امْرَأَة سَوْدَاء ثائرة الرَّأْس خرجت من الْمَدِينَة حَتَّى نزلت مهيعة فَأَوَّلتهَا أَن وباء الْمَدِينَة نقل الى مهيعة وَهِي الْجحْفَة
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أنقاب الْمَدِينَة مَلَائِكَة لَا يدخلهَا الطَّاعُون وَلَا الدَّجَّال
(1/319)
قَالَ بعض الْعلمَاء هَذِه معْجزَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْأَطِبَّاء من أَوَّلهمْ إِلَى آخِرهم عجزوا عَن أَن يدفعوا الطَّاعُون عَن بلد من الْبِلَاد بل عَن قَرْيَة من الْقرى وَقد امْتنع الطَّاعُون من الْمَدِينَة بدعائه وخيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْمدَّة المتطاولة
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحسن عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عبد الرَّحْمَن عَن مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث عَن أَبِيه قَالَ لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وعك فِيهَا أَصْحَابه وَقدم رجل فَتزَوج امْرَأَة كَانَت مهاجرة فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ ثَلَاثًا فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته فِي دنيا يطْلبهَا اَوْ امْرَأَة يخطبها فَإِنَّمَا هجرته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ انقل عَنَّا الوباء ثَلَاثًا فَلَمَّا أصبح قَالَ أتيت هَذِه اللَّيْلَة بالحمى فَإِذا الْعَجُوز سَوْدَاء ملببة فِي يَدي الَّذِي جَاءَ بهَا فَقَالَ هَذِه الْحمى فَمَا ترى فِيهَا فَقلت اجْعَلُوهَا نجم
وَأخرج الزبير أَيْضا حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحسن عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَجَاءَهُ انسان قدم من نَاحيَة طَرِيق مَكَّة فَقَالَ لَهُ هَل لقِيت أحدا قَالَ لَا يَا رَسُول الله إِلَّا امْرَأَة سَوْدَاء عُرْيَانَة ثائرة الشّعْر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْحمى وَلنْ تعود بعد الْيَوْم أبدا
بَاب الْآيَة فِي وضع الْبركَة فِيهَا
اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن عبد الله بن زيد ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ابراهيم حرم مَكَّة وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة ودعوت لَهَا فِي مدها وصاعها مثلى مَا دَعَا إِبْرَاهِيم لمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عبد الله بن الْفضل بن عَبَّاس قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدْعُوك لأهل الْمَدِينَة مثل مَكَّة قَالَ عبد الله إِنَّا لنعرف ذَلِك إِنَّا ليجزىء الْمَدّ عندنَا والصاع مثل مَا يجزىء بِمَكَّة
(1/320)
وَأخرج الزبير بن بكار فِي اخبار الْمَدِينَة عَن إِسْمَاعِيل بن النُّعْمَان قَالَ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لغنم كَانَت ترعى بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل نصف أكراشها مثل ملئها فِي غَيرهَا من الْبِلَاد
بَاب مَا وَقع عِنْد بِنَاء الْمَسْجِد من الْآيَات
أخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم قَالَ بَلغنِي ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا وضعت قبله مَسْجِدي هَذَا حَتَّى رفعت لي الْكَعْبَة فَوَضَعتهَا أمهَا
وَأخرج أَيْضا عَن دَاوُد بن قيس أَنه بلغه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضع أساس الْمَسْجِد حِين وَضعه وجبرئيل قَائِم ينظر إِلَى الْكَعْبَة قد كشف مَا بَينه وَبَينهَا
وَأخرج ايضا عَن ابْن شهَاب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا وضعت قبْلَة مَسْجِدي هَذَا حَتَّى فرج لي مَا بيني وَبَين الْكَعْبَة
وَأخرج أَيْضا عَن الْخَلِيل بن عبد الله الْأَزْدِيّ عَن رجل من الْأَنْصَار أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقَامَ رهطا على زَوَايَا الْمَسْجِد ليعدل الْقبْلَة فَأَتَاهُ جبرئيل فَقَالَ ضع الْقبْلَة وَأَنت تنظر إِلَى الْكَعْبَة ثمَّ قَالَ بِيَدِهِ فانماط كل جبل بَينه وَبَين الْكَعْبَة فَوضع تربيع الْمَسْجِد وَهُوَ ينظر إِلَى الْكَعْبَة لَا يحول دون بَصَره شَيْء فَلَمَّا فرغ قَالَ جبرئيل بِيَدِهِ فَأَعَادَ الْجبَال وَالشَّجر والأشياء على حَالهَا هَذِه مَرَاسِيل يشد بَعْضهَا بَعْضًا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن الشموس بنت النُّعْمَان قَالَت نظرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قدم وَنزل وَأسسَ هَذَا الْمَسْجِد مَسْجِد قبَاء فرأيته يَأْخُذ الْحجر حَتَّى يهصره الْحجر حَتَّى أسسه وَيَقُول إِن جبرئيل هُوَ يؤم الْكَعْبَة
(1/321)
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن أبي هُرَيْرَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو بني مَسْجِدي هَذَا إِلَى صنعاء كَانَ مَسْجِدي
قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي احكام الْمَسَاجِد إِن صَحَّ هَذَا كَانَ من إِعْلَام نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَاب مَا وَقع فِي صرف الْقبْلَة من الخصائص
أخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هَاجر إِلَى الْمَدِينَة صلى الى بَيت الْمُقَدّس سِتَّة عشر شهرا وَكَانَ يحب ان يصرف إِلَى الْكَعْبَة فَقَالَ يَا جبرئيل وددت ان الله صرف وَجْهي عَن قبْلَة يهود فَقَالَ جبرئيل إِنَّمَا انا عبد فَادع رَبك وسله وَجعل اذا صلى الى بَيت الْمُقَدّس رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَنزلت عَلَيْهِ {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء فلنولينك قبْلَة ترضاها}
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ مَا خَالف نَبِي نَبيا قطّ فِي قبْلَة وَلَا فِي سنة إِلَّا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتقْبل بَيت الْمُقَدّس من حَيْثُ قدم الْمَدِينَة سِتَّة عشر شهرا ثمَّ تحول إِلَى الْكَعْبَة
بَاب مَا وَقع فِي الْأَذَان من الْآيَات
أخرج ابو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن أبي ليلى قَالَ حَدثنَا أَصْحَابنَا ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد هَمَمْت أَن أبث رجَالًا فِي الدّور ينادون النَّاس بِحِين الصَّلَاة وَحَتَّى هَمَمْت ان آمُر رجَالًا يقومُونَ على الْآطَام ينادون الْمُسلمين بِحِين الصَّلَاة فجَاء رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي لما رجعت لما رَأَيْت من اهتمامك رَأَيْت رجلا كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أخضرين فَقَامَ على الْمَسْجِد فَأذن ثمَّ قعد قعدة ثمَّ قَامَ فَقَالَ مثلهَا إِلَّا أَنه يَقُول قد قَامَت الصَّلَاة وَلَوْلَا أَن تَقولُوا لَقلت كنت يقظان غير نَائِم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد أَرَاك الله خيرا فَمر بِلَالًا فليؤذن فَقَالَ عمر أما إِنِّي لقد رَأَيْت مثل الَّذِي رأى وَلَكِنِّي لما سبقت استحييت
(1/322)
وَأخرج ابْن ماجة عَن عبد الله بن زيد قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد هم بالبوق وبالناقوس فَرَأَيْت فِي الْمَنَام رجلا عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران يحمل ناقوسا فَقلت لَهُ يَا عبد الله تبيع الناقوس قَالَ وَمَا تصنع بِهِ قلت أنادي بِهِ إِلَى الصَّلَاة قَالَ أَفلا أدلك على خير من ذَلِك تَقول الله أكبر الله أكبر فَذكر الآذان فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فجَاء عمر فَقَالَ وَالله لقد رَأَيْت مثل الَّذِي رأى وَقَالَ عبد الله بن زيد فِي ذَلِك
(أَحْمد الله ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام ... حمدا على الْأَذَان كثيرا)
(إِذْ أَتَانِي بِهِ البشير من الله ... فَأكْرم بِهِ لدي بشيرا)
(فِي لَيَال والى بِهن ثَلَاث ... كلما جَاءَ زادني توقيرا)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن بُرَيْدَة أَن رجلا من الْأَنْصَار أَتَاهُ آتٍ فِي النّوم فَعلمه الْأَذَان فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بِمثل مَا أخْبرت بِهِ أَبُو بكر فَمروا بِلَالًا أَن يُؤذن
وَأخرج ابْن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده عَن كثير بن مرّة الْحَضْرَمِيّ قَالَ أول من أذن بِالصَّلَاةِ جبرئيل فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فَسَمعهُ عمر وبلال فَسبق عمر بِلَالًا فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جَاءَ بِلَال فَقَالَ لَهُ قد سَبَقَك بهَا عمر
وَأخرج ابو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل عَن عبيد بن عُمَيْر ان عمر لما رأى الْأَذَان جَاءَ ليخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ الْوَحْي قد ورد بذلك فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَقَك الْوَحْي
واخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رجل من الْيَهُود إِذا سمع الْمُنَادِي يُنَادي بالاذان قَالَ احْرِقْ الله الْكَاذِب فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ دخلت جَارِيَته بشعلة من نَار فطارت شرارة مِنْهَا فِي الْبَيْت فالتهبت فِي الْبَيْت فَأَحْرَقتهُ
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ ابْن أم مَكْتُوم يتوخى الْفجْر فَلَا يخطئه وَكَانَ ضريرا
(1/323)
وَأخرج مُسلم عَن سُهَيْل بن أبي صَالح قَالَ أَرْسلنِي أبي إِلَى بني حَارِثَة وَمَعِي غُلَام فناداه مُنَاد من حَائِط باسمه فَأَشْرَف على الْحَائِط فَلم ير شَيْئا فَذكرت ذَلِك لأبي فَقَالَ إِذا سَمِعت صَوتا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ فَإِنِّي سَمِعت ابا هُرَيْرَة يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان إِذا نُودي بِالصَّلَاةِ ولى وَله حصاص
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ إِذا تغولت لأحدكم الغيلان فليؤذن فَإِن ذَلِك لَا يضر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن أَن عمر بعث رجلا إِلَى سعد بن أبي وَقاص فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق عرضت لَهُ الغول فَأخْبر سَعْدا فَقَالَ إِنَّا كُنَّا نؤمر إِذا تغولت لنا الغول أَن ننادي بِالْأَذَانِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى عمر عرض لَهُ ليسير مَعَه فَنَادَى بِالْأَذَانِ فَذهب عَنهُ فَإِذا سكت عرض لَهُ فَإِذا أذن ذهب عَنهُ
(1/324)
ذكر المعجزات الْوَاقِعَة فِي الْغَزَوَات
بَاب مَا وَقع فِي عزوة بدر من الْآيَات والمعجزات
قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد نصركم الله ببدر} الْآيَات وَقَالَ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم} الْآيَات وَقَالَ {وَإِذ يريكموهم إِذْ التقيتم فِي أعينكُم قَلِيلا} الْآيَات
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْطلق سعد بن معَاذ مُعْتَمِرًا فَنزل على أُميَّة بن خلف بن صَفْوَان وَكَانَ أُميَّة إِذا انْطلق إِلَى الشَّام فَمر بِالْمَدِينَةِ نزل على سعد فَقَالَ أُميَّة لسعد انْتظر حَتَّى إِذا انتصف النَّهَار وغفل النَّاس انْطَلَقت فطفت قَالَ فَبَيْنَمَا سعد يطوف إِذا أَتَاهُ أَبُو جهل فَقَالَ من هَذَا الَّذِي يطوف بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ سعد بن معَاذ انا سعد فَقَالَ أَبُو جهل أتطوف بِالْكَعْبَةِ آمنا وَقد آويتم مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه فتلاحيا فَقَالَ أُميَّة لسعد لَا ترفع صَوْتك على أبي الحكم فَإِنَّهُ سيد أهل هَذَا الْوَادي فَقَالَ لَهُ سعد وَالله لَئِن منعتني أَن أَطُوف بِالْبَيْتِ لأقطعن عَلَيْك متجرك بِالشَّام فَجعل أُميَّة يَقُول لسعد لَا ترفع صَوْتك ويسكته فَغَضب سعد فَقَالَ دَعْنَا عَنْك فَإِنِّي سَمِعت مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزْعم أَنه قَاتلك قَالَ إيَّايَ قَالَ نعم قَالَ وَالله مَا يكذب مُحَمَّد إِذا حدث فَرجع إِلَى امْرَأَته فَقَالَ أما تعلمين مَا قَالَ أخي اليثربي قَالَت وَمَا قَالَ قَالَ زعم انه سمع مُحَمَّدًا يزْعم أَنه قاتلي قَالَت فوَاللَّه مَا يكذب مُحَمَّد فَلَمَّا خَرجُوا لبدر وَجَاء الصَّرِيخ قَالَت لَهُ امْرَأَته اما علمت مَا قَالَ
(1/325)
لَك أَخُوك اليثربي قَالَ فَإِنِّي إِذا لَا أخرج فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل إِنَّك من أشرف أهل الْوَادي فسر مَعنا يَوْمًا اَوْ يَوْمَيْنِ فَسَار مَعَهم فَقتل
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس وَمن طَرِيق عُرْوَة بن الزبير وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب قَالُوا رَأَتْ عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب فِيمَا يرى النَّائِم قبل مقدم ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ على قُرَيْش بِمَكَّة بِثَلَاث لَيَال رُؤْيا فَأَصْبَحت عَاتِكَة فأعظمتها فَبعثت إِلَى أَخِيهَا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فَقَالَت لَهُ يَا أخي لقد رَأَيْت اللَّيْلَة رُؤْيا أفزعتني ليدخلن على قَوْمك مِنْهَا شَرّ وبلاء فَقَالَ وَمَا هِيَ قَالَت رَأَيْت أَن رجلا أقبل على بعير لَهُ فَوقف بِالْأَبْطح فَقَالَ انفروا يَا آل غدر لمصارعكم فِي ثَلَاث فَأذن النَّاس فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ ثمَّ ان بعيره دخل بِهِ الْمَسْجِد وَاجْتمعَ إِلَيْهِ النَّاس ثمَّ مثل بِهِ بعيره فَإِذا هُوَ على رَأس الْكَعْبَة فَقَالَ انفروا يَا آل غدر لمصارعكم فِي ثَلَاث ثمَّ اخذ صَخْرَة فأرسلها من رَأس الْجَبَل فَأَقْبَلت تهوي حَتَّى إِذا كَانَت فِي أَسْفَله ارفضت فَمَا بقيت دَار من دور قَوْمك وَلَا بَيت إِلَّا دخل فِيهِ بَعْضهَا فَقَالَ الْعَبَّاس وَالله إِن هَذِه لرؤيا فاكتميها قَالَت وَأَنت فاكتمها لَئِن بلغت هَذِه قُريْشًا ليؤذوننا فَخرج الْعَبَّاس من عِنْدهَا فَلَقِيَهُ الْوَلِيد بن عتبَة وَكَانَ لَهُ صديقا فَذكرهَا لَهُ واستكتمه إِيَّاهَا فَذكرهَا الْوَلِيد لِأَبِيهِ فَتحدث بهَا فَفَشَا الحَدِيث قَالَ الْعَبَّاس فَإِنِّي لغاد إِلَى الْكَعْبَة فَإِذا أَبُو جهل قَالَ يَا أَبَا الْفضل مَتى حدثت هَذِه النبية فِيكُم قلت وَمَا ذَاك قَالَ رُؤْيا رأتها عَاتِكَة أما رَضِيتُمْ يَا بني عبد الْمطلب أَن يتنبأ رجالكم حَتَّى تتنبأ نِسَاؤُكُمْ سنتربص بكم هَذِه الثَّلَاث الَّتِي ذكرت عَاتِكَة فَإِن كَانَ حَقًا فسيكون وَإِلَّا كتبنَا عَلَيْكُم كتابا أَنكُمْ أكذب أهل بَيت فِي الْعَرَب فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث إِذا ضَمْضَم بن عَمْرو بِالْأَبْطح على بعيره يخبر ان العير قد عرض لَهَا مُحَمَّد وَأَصْحَابه فَلم يكن إِلَّا الجهاز حَتَّى خرجنَا فَأصَاب قُريْشًا مَا أَصَابَهَا يَوْم بدر فَقَالَت عَاتِكَة فِي ذَلِك أبياتا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة بن الزبير قَالَا لما نفرت قُرَيْش إِلَى بدر نزلُوا الْجحْفَة عشَاء وَفِيهِمْ رجل من بني الْمطلب
(1/326)
ابْن عبد منَاف يُقَال لَهُ جهيم بن الصَّلْت بن مخرمَة فَوضع جهيم رَأسه فأغفى ثمَّ فزع فَقَالَ لأَصْحَابه هَل رَأَيْتُمْ الْفَارِس الَّذِي وقف عَليّ آنِفا فَقَالُوا لَا إِنَّك مَجْنُون قَالَ قد وقف عَليّ فَارس آنِفا فَقَالَ قتل أَبُو جهل وَعتبَة وَشَيْبَة وَزَمعَة وَأَبُو البخْترِي وَأُميَّة بن خلف فعد أشرافا من كفار قُرَيْش فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه إِنَّمَا لعب بك الشَّيْطَان وَرفع الحَدِيث إِلَى أبي جهل فَقَالَ قد جئْتُمْ بكذب بني الْمطلب مَعَ كذب بني هَاشم سيرون غَدا من يقتل
وَأخرج البُخَارِيّ عَن الْبَراء قَالَ كُنَّا نتحدث أَن عدَّة أهل بدر ثَلَاث مائَة وَبضْعَة عشر كعدة أَصْحَاب طالوت الَّذين جاوزوا مَعَه النَّهر
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْم بدر بثلاثمائة وَخَمْسَة عشر من الْمُقَاتلَة كَمَا خرج طالوت فَدَعَا لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خرج فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّهُم حُفَاة فاحملهم اللَّهُمَّ انهم عُرَاة فاكسهم اللَّهُمَّ إِنَّهُم جِيَاع فأشبعهم فَفتح الله لَهُم يَوْم بدر فانقلبوا وَمَا مِنْهُم رجل إِلَّا وَقد رَجَعَ بجمل أَو بجملين واكتسوا وشبعوا
وَأخرج وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ مَا كَانَ مَعنا يَوْم بدر إِلَّا فرسَان فرس للزبير وَفرس لِلْمِقْدَادِ بن الاسود
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ أَخذنَا رجلَيْنِ يَوْم بدر فَأَفلَت أَحدهمَا وأخذنا الآخر فَقُلْنَا كم الْقَوْم قَالَ كثير عَددهمْ شَدِيد بأسهم فَجعلنَا نضربه حَتَّى انتهينا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأبى أَن يُخبرهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كم تنحرون من الْجَزُور فَقَالَ فِي كل يَوْم عشرا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَوْم ألف لكل جزور مائَة
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد بن رُومَان نَحوه وَفِيه كم تنحرون كل يَوْم قَالَ يَوْمًا عشرا وَيَوْما تسعا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَوْم بَين الْألف والتسعمائة
(1/327)
وَأخرج ابْن سعد وَابْن رَاهَوَيْه وَابْن منيع وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لقد قللُوا فِي أَعيننَا يَوْم بدر حَتَّى قلت لرجل إِلَى جَنْبي أَترَاهُم سبعين قَالَ أَرَاهُم مائَة فَأَسَرْنَا رجلا مِنْهُم فَقُلْنَا كم كُنْتُم قَالَ ألفا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضْطجع يَوْم بدر وَقَالَ لأَصْحَابه لَا تقاتلوا حَتَّى أؤذنكم وغشيه نوم فغلبه فاستيقط وَقد أرَاهُ الله إيَّاهُم فِي مَنَامه قَلِيلا وقلل الْمُسلمين فِي أعين الْمُشْركين حَتَّى طمع بعض الْقَوْم فِي بعض
وَأخرج وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما دنا الْقَوْم بَعضهم من بعض قلل الله الْمُسلمين فِي أعين الْمُشْركين وقلل الْمُشْركين فِي أعين الْمُسلمين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ لما دنا الْقَوْم منا وصاففناهم إِذا بِرَجُل مِنْهُم يسير فِي الْقَوْم على جمل أَحْمَر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَاحب الْجمل الْأَحْمَر ثمَّ قَالَ إِن يَك فِي الْقَوْم أحد يَأْمر بِخَير فَعَسَى أَن يكون صَاحب الْجمل الاحمر فجَاء حَمْزَة فَقَالَ هُوَ عتبَة بن ربيعَة وَهُوَ ينْهَى عَن الْقِتَال وَيَأْمُر بِالرُّجُوعِ وَيَقُول يَا قوم أعصبوها الْيَوْم برأسي وَقَالُوا جبن عتبَة وَأَبُو جهل يَأْبَى ذَلِك وَأخرج أَيْضا نَحوه من طَرِيق ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة وَزَاد بعد قَوْله الْأَحْمَر وَأَن يطيعوه يرشدوا
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْلَة بدر هَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الأَرْض وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الأَرْض وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الارض وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى غَدا وَوضع يَده على الأَرْض فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا أخطأوا تِلْكَ الْحُدُود جعلُوا يصرعون عَلَيْهَا ثمَّ ألقوا فِي القليب وَجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا فلَان ابْن فلَان ابْن فلَان هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا فَإِنِّي وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حَقًا قالو يَا رَسُول الله
(1/328)
أَتكَلّم أجسادا لَا أَرْوَاح فِيهَا فَقَالَ مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهُم وَلَكنهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ان يردوا عَليّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة بن الزبير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اسْتَشَارَ أَصْحَابه فِي الْخُرُوج إِلَى بدر قَالَ سِيرُوا على اسْم الله فَإِنِّي قد رَأَيْت مصَارِع الْقَوْم
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُشْركين يَوْم بدر قَالَ كأنكم بأعداء الله بِهَذِهِ الضلع الْحَمْرَاء من الْجَبَل يقتلُون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ مَا سَمِعت مناشدا ينشد حَقًا لَهُ أَشد من مناشدة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَجعل يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أنْشدك عَهْدك وَوَعدك اللَّهُمَّ ان تهْلك هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد ثمَّ الْتفت كَأَن شقّ وَجهه الْقَمَر فَقَالَ كَأَنَّمَا أنظر إِلَى مصَارِع الْقَوْم عَشِيَّة
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قُبَّته يَوْم بدر اللَّهُمَّ اني انشدك عَهْدك وَوَعدك اللَّهُمَّ إِن شِئْت لم تعبد بعد الْيَوْم أبدا فَأخذ ابو بكر بِيَدِهِ فَقَالَ حَسبك يَا رَسُول الله فقد ألححت على رَبك فَخرج وَهُوَ يثب فِي الدرْع وَيَقُول سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُشْركين وهم ألف وَأَصْحَابه ثَلَاثمِائَة وَسَبْعَة عشر رجلا فَاسْتقْبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقبْلَة ثمَّ مد يَدَيْهِ فَجعل يَهْتِف بربه مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبل الْقبْلَة حَتَّى سقط رِدَاؤُهُ عَن مَنْكِبَيْه فَأَتَاهُ أَبُو بكر فَأخذ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ على مَنْكِبَيْه ثمَّ الْتَزمهُ من وَرَائه فَقَالَ يَا نَبِي الله كفاء مُنَاشَدَتك رَبك فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك فَأنْزل الله {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم فَاسْتَجَاب لكم أَنِّي مُمِدكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} فأمده الله بِالْمَلَائِكَةِ قَالَ ابْن عَبَّاس فَبَيْنَمَا رجل من الْمُسلمين
(1/329)
يَوْمئِذٍ يشْتَد فِي اثر رجل من الْمُشْركين أَمَامه إِذْ سمع ضَرْبَة بِالسَّوْطِ فَوْقه وَصَوت الْفَارِس أقدم حيزوم إِذْ نظر إِلَى الْمُشرك أَمَامه مُسْتَلْقِيا فَنظر إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ قد حطم أَنفه وشق وَجهه كَضَرْبَة السَّوْط فأخضر ذَلِك أجمع فجَاء الْأنْصَارِيّ فَحدث ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ صدقت ذَلِك من مدد السَّمَاء الثَّالِثَة فَقتلُوا يَوْمئِذٍ سبعين وأسروا سبعين
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر قَاتَلت شَيْئا من قتال ثمَّ جِئْت مسرعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأنظر مَا فعل فَإِذا هُوَ ساجد يَقُول يَا حَيّ يَا قيوم يَا حَيّ يَا قيوم لَا يزِيد عَلَيْهَا ثمَّ رجعت إِلَى الْقِتَال ثمَّ جِئْت وَهُوَ ساجد يَقُول ذَلِك ثمَّ رجعت لِلْقِتَالِ ثمَّ جِئْت وَهُوَ ساجد يَقُول ذَلِك فَفتح الله عَلَيْهِ
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ رَأَيْت يَوْم بدر رجلَيْنِ عَن يَمِين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحدهمَا وَعَن يسَاره أَحدهمَا يقاتلان أَشد الْقِتَال ثمَّ ثلثهما ثَالِث من خَلفه ثمَّ ربعهما رَابِع أَمَامه
وَأخرج ابْن اسحاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس عَن رجل من بني غفار قَالَ حضرت أَنا وَابْن عَم لي بَدْرًا وَنحن على شركنا فَإنَّا لفي جبل نَنْتَظِر الْوَقْعَة على من تكون الدبرة فننتهب فَأَقْبَلت سَحَابَة فَلَمَّا دنت من الْجَبَل سمعنَا فِيهَا حَمْحَمَة الْخَيل وَسَمعنَا فِيهَا فَارِسًا يَقُول اقدم حيزوم فَأَما صَاحِبي فانكشف قناع قلبه فَمَاتَ مَكَانَهُ وَأما أَنا فكدت أهلك ثمَّ انتعشت بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن اسحاق وَابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي أسيد السَّاعِدِيّ انه قَالَ بَعْدَمَا عمي لَو كنت مَعكُمْ ببدر الْآن وَمَعِي بَصرِي لأخبرتكم بِالشعبِ الَّذِي خرجت من الْمَلَائِكَة لَا أَشك وَلَا أتمارى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَحَكِيم بن حزَام قَالَا لما حضر الْقِتَال رفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ يسْأَل الله النَّصْر وَمَا وعده وَقَالَ اللَّهُمَّ إِن ظَهَرُوا على هَذِه الْعِصَابَة ظهر الشّرك وَلَا يقوم لَك دين وَأَبُو بكر يَقُول وَالله لينصرنك الله وليبيضن وَجهك
(1/330)
فَانْزِل الله ألف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ عِنْد أكناف الْعَدو قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبشر يَا أَبَا بكر هَذَا جبرئيل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَلَمَّا نزل إِلَى الأَرْض تغيب عني سَاعَة ثمَّ طلع على ثناياه النَّقْع يَقُول أَتَاك نصر الله إِذْ دَعوته
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم بدر هَذَا جبرئيل آخذ بِرَأْس فرسه عَلَيْهِ أَدَاة الْحَرْب
وَأخرج ابو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ بَيْنَمَا انا اميح من قليب بدر إِذْ جَاءَت ريح شَدِيدَة لم أر مثلهَا قطّ ثمَّ ذهبت ثمَّ جَاءَت ريح شَدِيدَة لم أر مثلهَا قطّ إِلَّا الَّتِي كَانَت قبلهَا ثمَّ جَاءَت ريح شَدِيدَة قَالَ فَكَانَت الرّيح الأولى جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام نزل فِي ألف من الْمَلَائِكَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت الرّيح الثَّانِيَة مِيكَائِيل نزل فِي ألف من الْمَلَائِكَة عَن يَمِين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أَبُو بكر عَن يَمِينه وَكَانَت الرّيح الثَّالِثَة إسْرَافيل نزل فِي ألف من الْمَلَائِكَة عَن ميسرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا فِي الميسرة
وَأخرج احْمَد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ قيل لي وَلأبي بكر يَوْم بدر قيل لِأَحَدِنَا مَعَك جبرئيل وَقيل للْآخر مَعَك مِيكَائِيل وإسرافيل ملك عَظِيم يشْهد الْقِتَال وَلَا يُقَاتل وَيكون فِي الصَّفّ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن سهل بن حنيف قَالَ لقد رَأَيْتنَا يَوْم بدر وان أَحَدنَا يُشِير بِسَيْفِهِ إِلَى رَأس الْمُشرك فَيَقَع رَأسه عَن جسده قبل أَن يصل إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ إِنِّي لَأَتبع يَوْم بدر رجلا من الْمُشْركين لأَضْرِبهُ فَوَقع رَأسه قبل ان يصل إِلَيْهِ سَيفي فَعرفت ان غَيْرِي قد قَتله
واخرج ابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن أبي دَاوُد الْمَازِني مثله
(1/331)
وَأخرج ابو نعيم عَن ابي دارة قَالَ حَدثنِي رجل من قومِي من بني سعد بن بكر قَالَ إِنِّي لمنهزم يَوْم بدر إِذْ أَبْصرت رجلا بَين يَدي مُنْهَزِمًا فَقلت الْحَقْهُ فأستأنس بِهِ فَتَدَلَّى من جرف وَلَحِقتهُ فَإِذا رَأسه قد زايله سَاقِطا وَمَا رَأَيْت قربه أحدا
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة قَالَ كَانَ يَوْمئِذٍ ينْدر رَأس الرجل لَا يدْرِي من ضربه وتندر يَد الرجل لَا يدْرِي من ضربه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الرّبيع بن انس قَالَ كَانَ النَّاس يَوْم بدر يعْرفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَة مِمَّن قتلوهم بِضَرْب فَوق الْأَعْنَاق وعَلى البنان مثل سمة النَّار قد أحرق بِهِ
وَأخرج ابْن اسحاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَت سيماء الْمَلَائِكَة يَوْم بدر عمائم بيض قد أرسلوها فِي ظُهُورهمْ وَيَوْم حنين عمائم حمر وَلم تقَاتل الْمَلَائِكَة فِي يَوْم سوى يَوْم بدر وَكَانُوا يكونُونَ فِيمَا سواهُ من الْأَيَّام عددا ومددا لَا يضْربُونَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن سُهَيْل بن عَمْرو قَالَ لقد رَأَيْت يَوْم بدر رجَالًا بيضًا على خيل بلق بَين السَّمَاء وَالْأَرْض معلمين يقتلُون وَيَأْسِرُونَ
وَأخرج ابْن سعد عَن حويطب بن عبد الْعُزَّى قَالَ لقد شهِدت بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين فَرَأَيْت عيرًا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تقتل وتأسر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن خَارِجَة بن ابراهيم عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبرئيل من الْقَائِل يَوْم بدر من الْمَلَائِكَة اقدم حيزوم فَقَالَ جبرئيل مَا كل أهل السَّمَاء أعرف
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن صُهَيْب قَالَ مَا أَدْرِي كم يَد مَقْطُوعَة أَو ضَرْبَة جَائِفَة لم يدم كلمها يَوْم بدر قد رَأَيْتهَا
(1/332)
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي بردة بن نيار قَالَ جِئْت يَوْم بدر بِثَلَاثَة رُؤُوس فوضعتهن بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله أما رأسان فقتلتهما وَأما الثَّالِث فَإِنِّي رَأَيْت رجلا أَبيض طَويلا ضربه فَأخذت رَأسه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك فلَان من الْمَلَائِكَة
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْملك يتَصَوَّر فِي صُورَة من يعْرفُونَ من النَّاس يثبتونهم فَيَقُول إِنِّي قد دَنَوْت مِنْهُم فَسَمِعتهمْ يَقُولُونَ لَو حملُوا علينا مَا ثبتنا لَيْسُوا بِشَيْء فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {إِذْ يوحي رَبك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعكُمْ فثبتوا الَّذين آمنُوا}
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن السَّائِب بن أبي حُبَيْش انه كَانَ يَقُول وَالله مَا أسرني أحد من النَّاس فَيُقَال فَمن فَيَقُول لما انْهَزَمت قُرَيْش انْهَزَمت مَعهَا فيدركني رجل أَبيض طَوِيل على فرس أَبيض بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فأوثقني رِبَاطًا وَجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فوجدني مربوطا فَنَادَى فِي الْعَسْكَر من أسر هَذَا فَلَيْسَ يزْعم أحد أَنه أسرني حَتَّى انْتهى بِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي من أسرك فَقلت لَا أعرفهُ وكرهت ان اخبره بِالَّذِي رَأَيْت فَقَالَ أسرك ملك من الْمَلَائِكَة
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ لقد رَأَيْتنَا يَوْم بدر وَقد وَقع بوادي خليص بجاد من السَّمَاء قد سد الْأُفق وَإِذا الْوَادي يسيل نملا فَوَقع فِي نَفسِي أَن هَذَا شَيْء من السَّمَاء أيد بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا كَانَت إِلَّا الْهَزِيمَة وَهِي الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم بِسَنَد حسن عَن جُبَير بن مطعم قَالَ رَأَيْت قبل هزيمَة الْقَوْم وَالنَّاس يقتتلون مثل البجاد الْأسود أقبل من السَّمَاء حَتَّى وَقع على الأَرْض فَنَظَرت فَإِذا مثل النَّمْل السود مبثوث حَتَّى امْتَلَأَ الْوَادي فَلم أَشك أَنَّهَا الْمَلَائِكَة فَلم يكن إِلَّا هزيمَة الْقَوْم
(1/333)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَليّ قَالَ جَاءَ رجل من الْأَنْصَار قصير بِرَجُل من بني هَاشم وَلَفظ أبي نعيم بِالْعَبَّاسِ أَسِيرًا يَوْم بدر فَقَالَ الرجل إنهذا وَالله مَا أسرني لقد أسرني رجل أجلح من أحسن النَّاس وَجها على فرس ابلق مَا أرَاهُ فِي الْقَوْم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك ملك كريم
واخرج احْمَد وَابْن سعد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الَّذِي أسر الْعَبَّاس أَبُو الْيُسْر كَعْب بن عَمْرو وَكَانَ أَبُو الْيُسْر رجلا مجموعا وَكَانَ الْعَبَّاس رجلا جسيما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا الْيُسْر كَيفَ أسرت الْعَبَّاس قَالَ يَا رَسُول الله لقد اعانني عَلَيْهِ رجل مَا رَأَيْته قبل ذَلِك وَلَا بعده هَيئته كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد أعانك عَلَيْهِ ملك كريم
واخرج ابو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قلت لأبي يَا أبه كَيفَ أسرك ابو الْيُسْر وَلَو شِئْت لجعلته فِي كفك قَالَ يَا بني لَا تقل ذَلِك لقد لَقِيَنِي وَهُوَ أعظم فِي عَيْني من الخندمة جبل بِمَكَّة
وَأخرج ابْن سعد عَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ حَدثنَا عبيد بن أَوْس قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر أسرت الْعَبَّاس وَعقيل بن أبي طَالب فَلَمَّا نظر إِلَيْهِمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أعانك عَلَيْهِمَا ملك كريم
وَأخرج ابْن سعد عَن عَطِيَّة بن قيس قَالَ لما فرغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتال أهل بدر جَاءَهُ جبرئيل على فرس انثى حَمْرَاء عَلَيْهِ درعه وَمَعَهُ رمحه فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن الله بَعَثَنِي إِلَيْك وَأَمرَنِي أَن لَا أُفَارِقك حَتَّى ترْضى هَل رضيت قَالَ نعم رضيت فَانْصَرف
وَأخرج أَبُو يعلى عَن جَابر قَالَ كُنَّا نصلي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة بدر إِذْ تَبَسم فِي صلَاته فَلَمَّا قضى الصَّلَاة قُلْنَا يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك تبسمت قَالَ مر بِي مِيكَائِيل وعَلى جنَاحه أثر الْغُبَار وَهُوَ رَاجع من طلب الْقَوْم فَضَحِك إِلَيّ فتبسمت إِلَيْهِ
(1/334)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر اتقينا الْمُشْركين برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أَشد النَّاس بَأْسا وَمَا كَانَ أحد أقرب إِلَى الْمُشْركين مِنْهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة قَالَا أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَلأ كَفه من الْحَصَاة فَرمى بهَا وُجُوه الْمُشْركين فَجعل الله تِلْكَ الْحَصْبَاء عَظِيما شَأْنهَا لم تتْرك من الْمُشْركين رجلا إِلَّا مَلَأت عَيْنَيْهِ ويجدون النَّفر كل رجل مِنْهُم منكبا على وَجهه لَا يدْرِي أَيْن يتَوَجَّه يعالج التُّرَاب يَنْزعهُ من عَيْنَيْهِ وَوجد ابْن مَسْعُود أَبَا جهل مصروعا بَينه وَبَين المعركة غير كثير مقنعا فِي الْحَدِيد وَاضِعا سَيْفه على فَخذيهِ لَيْسَ بِهِ جرح وَلَا يَسْتَطِيع ان يُحَرك مِنْهُ عضوا وَهُوَ منْكب ينظر إِلَى الأَرْض فَضَربهُ من قَفاهُ فَوضع رَأسه ثمَّ سلبه فَإِذا هُوَ لَيْسَ بِهِ جراج وَأبْصر فِي عُنُقه خدرا وَفِي يَدَيْهِ وكتفيه كَهَيئَةِ اثار للسياط فَأخْبر بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ذَاك ضرب الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابو نعيم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ سَمِعت صَوت حَصَيَات وقعن من السَّمَاء يَوْم بدر كأنهن وقعن فِي طست فَلَمَّا اصطف النَّاس أخذهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرمى بِهن فِي وُجُوه الْمُشْركين فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَمَا رميت إِذْ رميت} الْآيَة
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة بن صَغِير ان المستفتح يَوْم بدر أَبُو جهل قَالَ لما التقى الْجَمْعَانِ قَالَ اللَّهُمَّ اقطعنا للرحم وأتانا بِمَا لَا نَعْرِف فاحنه الْغَدَاة فَقتل وَفِيه انْزِلْ الله {إِن تستفتحوا فقد جَاءَكُم الْفَتْح}
وَأخرج وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ اقبلت عير أهل مَكَّة تُرِيدُ الشَّام فَبلغ اهل الْمَدِينَة ذَلِك فَخَرجُوا وَمَعَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدُونَ العير فَبلغ ذَلِك اهل مَكَّة فَأَسْرعُوا السّير إِلَيْهَا لكيلا يغلب عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(1/335)
وَأَصْحَابه فسبقت العير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ الله وعدهم إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَكَانُوا أَن يلْقوا العير أحب إِلَيْهِم وأيسر شَوْكَة وأحضر مغنما فَلَمَّا سبقت العير وفاتت سَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمُسْلِمين يُرِيد الْقَوْم فكره الْقَوْم مَسِيرهمْ لشوكة الْقَوْم فَنزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون وَبينهمْ وَبَين المَاء رَملَة دحضة فَأصَاب الْمُسلمين ضعف شَدِيد وَألقى الشَّيْطَان فِي قُلُوبهم الغيظ يوسوسهم تَزْعُمُونَ انكم أَوْلِيَاء الله وَفِيكُمْ رَسُوله وَقد غَلَبَكُمْ الْمُشْركُونَ على المَاء وَأَنْتُم كَذَا فَأمْطر الله عَلَيْهِم مَطَرا شَدِيدا فَشرب الْمُسلمُونَ وَتطَهرُوا فَأذْهب الله عَنْهُم رجز الشَّيْطَان وَصَارَ الرمل كَذَا ذكر كلمة أخبر أَنه أَصَابَهُ الْمَطَر وَمَشى النَّاس عَلَيْهِ وَالدَّوَاب فَسَار إِلَى الْقَوْم وأمد الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ بِأَلف من الْمَلَائِكَة وَكَانَ جبرئيل فِي خَمْسمِائَة من الْمَلَائِكَة مجنبة وَمِيكَائِيل فِي خَمْسمِائَة مجنبة وَجَاء إِبْلِيس فِي جند من الشَّيَاطِين مَعَه رَأَيْته فِي صُورَة رجال بني مُدْلِج والشيطان فِي صُورَة سراقَة بن مَالك بن جعْشم فَقَالَ الشَّيْطَان للْمُشْرِكين لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَإِنِّي جَار لكم فَلَمَّا اخْتَلَط الْقَوْم قَالَ أَبُو جهل اللَّهُمَّ أولانا بِالْحَقِّ فانصره وَرفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده فَقَالَ يَا رب إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة فَلَنْ تعبد فِي الأَرْض أبدا فَقَالَ لَهُ جبرئيل خُذ قَبْضَة من التُّرَاب فَأخذ قَبْضَة من التُّرَاب فَرمى بهَا وُجُوههم فَمَا من الْمُشْركين أحد إِلَّا أصَاب عَيْنَيْهِ وَمنْخرَيْهِ وفمه تُرَاب من تِلْكَ القبضة فَوَلوا مُدبرين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة قَالَا انْزِلْ الله عَلَيْهِم فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مَطَرا وَاحِدًا فَكَانَ على الْمُشْركين بلَاء شَدِيدا مَنعهم ان يَسِيرُوا وَكَانَ على الْمُسلمين دِيمَة خَفِيفَة لبدلهم الْمسير والمنزل وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه مصَارِعهمْ إِن شَاءَ الله بِالْغَدَاةِ
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة قَالَ كَانُوا يَوْمئِذٍ يميدون من النعاس ونزلوا على كثيب أهيل فمطرت السَّمَاء فَصَارَ مثل الصَّفَا يسعون عَلَيْهِ سعيا وَانْزِلْ الله {إِذْ يغشيكم النعاس} الْآيَة
(1/336)
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ الْتَقَيْنَا يَوْم بدر فاقتتلنا فَسمِعت صَوتا وَقع من السَّمَاء إِلَى الأَرْض مثل وَقع الْحَصَى فِي الطست وَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْضَة فَرمى بهَا فَانْهَزَمْنَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ سمعنَا يَوْم بدر صَوتا من السَّمَاء وَقع إِلَى الأَرْض كَأَنَّهُ صَوت حَصَاة فِي طست فَرمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْحَصَاة فَمَا بَقِي منا أحد
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الذيلي قَالَ انهزمنا يَوْم بدر وَنحن نسْمع كوقع الْحَصَى فِي الطست فِي افئدتنا وَمن خلفنا وَكَانَ ذَلِك من أَشد الرعب علينا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا رميت إِذْ رميت} قَالَ مَا وَقع مِنْهَا شَيْء إِلَّا فِي عين رجل
واخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ اخذتهم يَوْم بدر ريح عقيم
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه حَدثنِي خبيب بن عبد الرَّحْمَن قَالَ ضرب خبيب جدي يَوْم بدر فَمَال شقَّه فتفل عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأمه ورده فانطبق
وَأخرج ابْن عدي وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن جده قَتَادَة بن النُّعْمَان أَنه اصيبت عينه يَوْم بدر فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أَن يقطعوها فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا فَدَعَا بِهِ فغمز حدقته براحته فَكَانَ لَا يدْرِي أَي عَيْنَيْهِ أُصِيبَت واخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن قَتَادَة مثله وَزَاد بعد براحته وَقَالَ اللَّهُمَّ اكسه جمالا
وَأخرج ابْن سعد عَن زيد بن أسلم ان عين قَتَادَة بن النُّعْمَان أُصِيبَت فسالت على خَدّه فَردهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ فَكَانَت أصح عَيْنَيْهِ وأحسنهما
(1/337)
واخرج أَبُو نعيم من طَرِيق عبد الله بن أبي صعصعة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن أَخِيه قَتَادَة بن النُّعْمَان قَالَ أُصِيبَت عَيْنَايَ يَوْم بدر فسقطتا على وجنتي فَأتيت بهما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعادهما مكانهما وبزق فيهمَا فعادتا تبرقان
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن معَاذ بن رِفَاعَة بن رَافع بن مَالك عَن أَبِيه قَالَ رميت بِسَهْم يَوْم بدر ففقئت عَيْني فبصق فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا لي فَمَا آذَانِي مِنْهَا شَيْء
وَأخرج الْوَاقِدِيّ حَدثنِي عمر بن عُثْمَان الحَجبي عَن أَبِيه عَن عمته قَالَت كَانَ عكاشة بن مُحصن قَالَ إنقطع سَيفي يَوْم بدر فَأَعْطَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عودا فَإِذا هُوَ سيف أَبيض طَوِيل وقاتلت بِهِ حَتَّى هزم الله الْمُشْركين فَلم يزل عِنْده حَتَّى هلك أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ حَدثنِي أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ عَن دَاوُد بن الْحصين عَن رجال من بني عبد الْأَشْهَل عدَّة قَالُوا انْكَسَرَ سيف سَلمَة بن أسلم بن حريش يَوْم بدر فَبَقيَ أعزل لَا سلَاح مَعَه فَأعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضِيبًا كَانَ فِي يَده من عراجين ابْن طَابَ فَقَالَ أضْرب بِهِ فَإِذا هُوَ سيف جيد فَلم يزل عِنْده حَتَّى قتل يَوْم جسر أبي عبيد أخرجه الْبَيْهَقِيّ
وَقَالَ ابْن سعد انا عَليّ بن مُحَمَّد عَن ابي معشر عَن زيد بن اسْلَمْ وَيزِيد بن رُومَان وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة وَغَيرهم إِن عكاشة بن مُحصن انْقَطع سَيْفه يَوْم بدر فَأعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جذلا من شَجَرَة فَعَاد فِي يَده سَيْفا صَارِمًا صافي الحديدة شَدِيد الْمَتْن
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف على قتل بدر فِي الركي فَجعل يناديهم يَا فلَان ابْن فلَان هَل يسركم انكم أطعتم الله وَرَسُوله فَإنَّا قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا قَالَ عمر يَا رَسُول الله مَا تكلم من اجساد لَا ارواح فِيهَا
(1/338)
قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم قَالَ قَتَادَة أحياهم الله حَتَّى أسمعهم قَوْله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر اللَّهُمَّ اكْفِنِي نَوْفَل بن خويلد ثمَّ قَالَ من لَهُ علم بنوفل فَقَالَ عَليّ أَنا قتلته يَا رَسُول الله فَكبر وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي اجاب دَعْوَتِي فِيهِ
واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت مَا كَانَ بعد نزُول قَوْله تَعَالَى {وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا} إِلَّا قَلِيل حَتَّى اصاب الله قُريْشًا بالوقعة يَوْم بدر
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة وَجمع من قُرَيْش فِي مجَالِسهمْ فَقَالُوا ايكم يقوم إِلَى جزور بني فلَان فَيَأْتِي بسلاها فيضعه بَين كَتفيهِ إِذا سجد فانبعث أَشْقَى الْقَوْم فجَاء بِهِ فَوَضعه بَين كَتفيهِ وَثَبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدا وَضَحِكُوا حَتَّى مَال بَعضهم على بعض من الضحك فَانْطَلق منطلق إِلَى فَاطِمَة وَهِي جوَيْرِية فَأَقْبَلت تسْعَى حَتَّى ألقته عَنهُ وَأَقْبَلت عَلَيْهِم تسبهم فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش ثَلَاثًا ثمَّ سمى اللَّهُمَّ عَلَيْك بِعَمْرو بن هِشَام يَعْنِي أَبَا جهل وَعتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة وَأُميَّة بن خلف وَعقبَة ابْن أبي معيط وَعمارَة بن الْوَلِيد قَالَ ابْن مَسْعُود فَلَقَد رَأَيْتهمْ صرعى يَوْم بدر
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْقَتْلَى قيل لَهُ عَلَيْك بالعير لَيْسَ دونهَا شَيْء فناداه الْعَبَّاس وَهُوَ أَسِير فِي وثَاقه إِنَّه لَا يصلح لَك قَالَ لم قَالَ لِأَن الله وَعدك إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقد أنْجز لَك مَا وَعدك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ أَن رجلا قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي مَرَرْت ببدر فَرَأَيْت رجلا يخرج من الأَرْض فيضربه رجل بمقمعة مَعَه حَتَّى يغيب فِي
(1/339)
الأَرْض ثمَّ يخرج فيفعل بِهِ مثل ذَلِك مرَارًا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك أَبُو جهل يعذب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر قَالَ بَينا أَنا أَسِير بجنبات بدر اذ خرج رجل من حُفْرَة فِي عُنُقه سلسلة فناداني يَا عبد الله اسْقِنِي فَلَا أَدْرِي اعرف اسْمِي أَو دَعَاني بِدِعَايَةِ الْعَرَب وَخرج رجل من تِلْكَ الحفرة فِي يَده سَوط فناداني يَا عبد الله لَا تسقه فَإِنَّهُ كَافِر ثمَّ ضربه بِالسَّوْطِ حَتَّى عَاد إِلَى حفرته فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ لي أَو قد رَأَيْته قلت نعم قَالَ ذَاك عَدو الله أَبُو جهل وَذَاكَ عَذَابه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب وَمن طَرِيق عُرْوَة قَالَا أذلّ الله بوقعة بدر رِقَاب الْمُشْركين وَالْمُنَافِقِينَ فَلم يبْق فِي الْمَدِينَة مُنَافِق وَلَا يَهُودِيّ إِلَّا وَهُوَ خاضع عُنُقه لِوَقْعَة بدر وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْفرْقَان يَوْم فرق الله بَين الشّرك وَالْإِيمَان وَقَالَت الْيَهُود تَيَقنا أَنه النَّبِي الَّذِي نجد نَعته فِي التَّوْرَاة وَالله لَا يرفع راية بعد الْيَوْم إِلَّا ظَهرت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ قَالَ سَالَتْ أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ عَن قَول الله عز وَجل {الم غلبت الرّوم} الْآيَة قَالَ كَانَت فَارس غلبت الرّوم ثمَّ غلبت الرّوم فَارس بعد ذَلِك الْتَقَيْنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومشركو الْعَرَب يَوْم بدر والتقت الرّوم وَفَارِس فنصرنا على الْمُشْركين وَنصر أهل الْكتاب على الْمَجُوس ففرحنا بنصر الله إيانا على الْمُشْركين وفرحنا بنصر الله أهل الْكتاب على الْمَجُوس فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله}
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي قبَّة يَوْم بدر فَقَالَ قومُوا إِلَى جنَّة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أعدت لِلْمُتقين فَقَالَ عُمَيْر بن الْحمام بخ بخ
(1/340)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تبخبخ قَالَ رَجَاء أَن أكون من أَهلهَا قَالَ فَإنَّك من اهلها فانتثل تمرات من قرنه فَجعل يلوكهن ثمَّ قَالَ وَالله لِأَن بقيت حَتَّى ألوكهن إِنَّهَا لحياة طَوِيلَة فنبذهن وَقَاتل حَتَّى قتل
وَأخرج وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الأساري يَوْم بدر إِن شِئْتُم قَتَلْتُمُوهُمْ وَإِن شِئْتُم فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِالْفِدَاءِ وَاسْتشْهدَ مِنْكُم بِعدَّتِهِمْ وَكَانَ آخر السّبْعين ثَابت بن قيس قتل يَوْم الْيَمَامَة
وَأخرج أَبُو نعيم بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس أَن عقبَة بن أبي معيط دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى طَعَامه فَقَالَ مَا أَنا بآكل حَتَّى تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَشهد بذلك فَلَقِيَهُ خَلِيل لَهُ فلامه على ذَلِك فَقَالَ مَا يُبرئ صُدُور قُرَيْش مني قَالَ إِن تَأتيه فِي مَجْلِسه فَتَبَزَّقَ فِي وَجهه فَفعل فَلم يزدْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن مسح وَجهه وَقَالَ إِن وَجَدْتُك خَارِجا من جبال مَكَّة أضْرب عُنُقك صبرا فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر وَخرج أَصْحَابه أَبى أَن يخرج وَقَالَ قد وَعَدَني هَذَا الرجل إِن وجدني خَارِجا من جبال مَكَّة ان يضْرب عنقِي صبرا فَقَالُوا لَك جمل أَحْمَر لَا يدْرك فَلَو كَانَت الْهَزِيمَة طرت فَخرج مَعَهم فَلَمَّا عزم الْمُشْركُونَ وَحل بِهِ جمله فِي جدد من الأَرْض فَأخذ أَسِيرًا فَضرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُنُقه صبرا وَقَالَ الْعَبَّاس حِين أَخذ مِنْهُ الْفِدَاء لقد تَرَكتنِي فَقير قُرَيْش مَا بقيت قَالَ كَيفَ تكون فَقير قُرَيْش وَقد اسْتوْدعت بَنَادِق الذَّهَب أم الْفضل وَقلت لَهَا إِن قتلت فقد تركتك غنية مَا بقيت فَقَالَ أشهد ان الَّذِي تَقوله قد كَانَ وَمَا اطلع عَلَيْهِ إِلَّا الله
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ وَجَمَاعَة ان الْعَبَّاس قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عِنْدِي مَا أفدي بِهِ قَالَ فَأَيْنَ المَال الَّذِي دَفَنته أَنْت وَأم الْفضل فَقلت لَهَا إِن أصبت فِي سَفَرِي هَذَا فَهَذَا المَال لبني الْفضل وَعبد الله وَقثم فَقَالَ وَالله إِنِّي لأعْلم انك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله ان هَذَا لشَيْء مَا علمه أحد غَيْرِي وَغير أم الْفضل
(1/341)
وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيق ابْن اسحاق عَن يحيى بن عباد عَن أَبِيه عَن عَائِشَة بِهِ وَصَححهُ
وَأخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق عَن بعض أَصْحَابه عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس
واخرجه احْمَد من طَرِيق ابْن اسحاق عَمَّن سمع عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
واخرجه ابْن سعد من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
واخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل قَالَ لما أسر نَوْفَل بن الْحَارِث ببدر قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْدِ نَفسك يَا نَوْفَل قَالَ مَا لي شَيْء افدي بِهِ نَفسِي قَالَ افْدِ نَفسك من مَالك الَّذِي بجدة قَالَ اشْهَدْ انك رَسُول الله ففدى نَفسه بهَا
وَأخرج ابْن اسحاق وَابْن سعد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وابو نعيم من طَرِيقه حَدثنِي الْحُسَيْن بن عبد الله بن عَبَّاس عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي ابو رَافع قَالَ كُنَّا آل الْعَبَّاس قد دَخَلنَا الْإِسْلَام وَكُنَّا نستخفي بإسلامنا وَكنت غُلَاما للْعَبَّاس فَلَمَّا سَارَتْ قُرَيْش إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر جعلنَا نتوقع الْأَخْبَار فَقدم علينا الحسيمان الْخُزَاعِيّ بالْخبر فَوَجَدنَا فِي أَنْفُسنَا قُوَّة وسرنا مَا جَاءَنَا من الْخَبَر من ظُهُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَاللَّه إِنِّي لجالس فِي صفة زَمْزَم وَعِنْدِي أم الْفضل إِذْ أقبل الْخَبيث أَبُو لَهب بشر يجر رجلَيْهِ قد كبته الله وأخزاه لما جَاءَهُ من الْخَبَر حَتَّى جلس على طُنب الْحُجْرَة وَقَالَ لَهُ النَّاس هَذَا ابو سُفْيَان بن حَرْب قد قدم وَاجْتمعَ عَلَيْهِ النَّاس فَقَالَ أَبُو لَهب هَلُمَّ إِلَيّ فعندك الْخَبَر فجَاء حَتَّى جلس فَقَالَ وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن لَقينَا الْقَوْم فمنحناهم اكتافنا يضعون السِّلَاح منا حَيْثُ شاؤوا وَوَاللَّه مَعَ ذَلِك مَا
(1/342)
لمت النَّاس لَقينَا رجَالًا بيضًا على خيل بلق لَا وَالله مَا تبقي شَيْئا قَالَ فَرفعت طُنب الْحُجْرَة فَقلت تِلْكَ وَالله الْمَلَائِكَة وَقَامَ ابو لَهب يجر رجلَيْهِ ذليلا ورماه الله بالعدسة فوَاللَّه مَا مكث إِلَّا سبعا حَتَّى مَاتَ فَلَقَد تَركه ابناه فِي بَيته ثَلَاثًا مَا يدفنانه حَتَّى أنتن وَكَانَت قُرَيْش تتقي العدسة كَمَا تتقي الطَّاعُون حَتَّى قَالَ لَهما رجل من قُرَيْش ويحكما أَلا تستحيان إِن أَبَاكُمَا قد انتن فِي بَيته لَا تدفنانه فَقَالَا إِنَّمَا نخشى عدوى هَذِه القرحة فَقَالَ انْطَلقَا فَأَنا أعينكما عَلَيْهِ فوَاللَّه مَا غسلوه إِلَّا قذفا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ من بعيد مَا يدنون مِنْهُ ثمَّ احتملوه إِلَى أَعلَى مَكَّة فَأَسْنَدُوهُ إِلَى جِدَار ثمَّ رضموا عَلَيْهِ الْحِجَارَة
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عُرْوَة قَالَ اعْتِقْ أَبُو لَهب ثويبة فأرضعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهب أريه بعض أَهله فِي النّوم بشر خيبة فَقَالَ مَاذَا لقِيت قَالَ لم الق بعدكم رخاء غير أَنِّي سقيت فِي هَذِه بعتاقتي ثويبة وَأَشَارَ إِلَى النقرة الَّتِي بَين الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا من الْأَصَابِع
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ قَالُوا كَانَ قباث بن أَشْيَم الْكِنَانِي يَقُول شهِدت مَعَ الْمُشْركين بَدْرًا وَإِنِّي لأنظر إِلَى قلَّة أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَيْني وَكَثْرَة من مَعنا من الْخَيل وَالرِّجَال فانهزمت فِيمَن هزم فَلَقَد رَأَيْتنِي انْظُر إِلَى الْمُشْركين فِي كل وَجه وَإِنِّي لأقول فِي نَفسِي مَا رَأَيْت مثل هَذَا الْأَمر فر مِنْهُ إِلَّا النِّسَاء فَلَمَّا كَانَ بعد الخَنْدَق وَقع فِي قلبِي الاسلام فَقدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَسلمت فَقَالَ لي يَا قباث أَنْت الْقَائِل يَوْم بدر مَا رَأَيْت مثل هَذَا الْأَمر فر مِنْهُ إِلَّا النِّسَاء فَقلت أشهد أَنَّك رَسُول الله وَأَن هَذَا الْأَمر مَا خرج مني إِلَى اُحْدُ قطّ وَمَا تزمزمت بِهِ إِلَّا شَيْئا حدثت بِهِ نَفسِي فلولا أَنَّك نَبِي مَا اطلعك الله عَلَيْهِ فَعرض عَليّ الْإِسْلَام فَأسْلمت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبان بن سلمَان عَن ابيه سلمَان قَالَ كَانَ إِسْلَام قباث بن أَشْيَم اللَّيْثِيّ ان رجَالًا من الْعَرَب اتوه فَقَالُوا إِن مُحَمَّدًا خرج يَدْعُو الى غير ديننَا فَقَامَ قباث حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ اجْلِسْ يَا قباث فأوجم
(1/343)
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت الْقَائِل لَو خرجت نسَاء قُرَيْش بأكمتها ردَّتْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه فَقَالَ قباث وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا تحرّك بِهِ لساني وَلَا تزمزمت بِهِ شفتاي وَمَا سَمعه مني أحد وَمَا هُوَ إِلَّا شَيْء هجس فِي نَفسِي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد ان مُحَمَّدًا رَسُول الله وان مَا جِئْت بِهِ الْحق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن مُوسَى بن عقبَة وَعَن عُرْوَة بن الزبير قَالَا لما رَجَعَ وَفد الْمُشْركين إِلَى مَكَّة أقبل عُمَيْر بن وهب الجُمَحِي حَتَّى جلس إِلَى صَفْوَان بن أُميَّة فِي الْحجر فَقَالَ صَفْوَان قبح الْعَيْش بعد قَتْلَى بدر قَالَ أجل وَالله مَا فِي الْعَيْش خير بعدهمْ وَلَوْلَا دين عَليّ لَا أجد لَهُ قَضَاء وعيال لَا أدع لَهُم شَيْئا لرحلت إِلَى مُحَمَّد فَقتلته إِن مَلَأت عَيْني مِنْهُ إِن لي عِنْده عِلّة أعتل بهَا اقول قدمت على ابْني هَذَا الْأَسير ففرح صَفْوَان بقوله وَقَالَ عَليّ دينك وَعِيَالك أُسْوَة عيالي فِي النَّفَقَة لَا يسعني شَيْء ويعجز عَنْهُم فَحَمله صَفْوَان وجهزه وَأمر بِسيف عُمَيْر فصقل وسم وَقَالَ عُمَيْر لِصَفْوَان اكتمني أَيَّامًا فَأقبل عُمَيْر حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَنزل بِبَاب الْمَسْجِد وعقل رَاحِلَته وَأخذ السَّيْف فَعمد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل هُوَ وَعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر تَأَخّر ثمَّ قَالَ مَا أقدمك يَا عُمَيْر قَالَ قدمت على أسيري عنْدكُمْ قَالَ اصدقني مَا اقدمك قَالَ مَا قدمت إِلَّا فِي أسيري قَالَ فَمَاذَا شرطت لِصَفْوَان بن أُميَّة فِي الْحجر فَفَزعَ عُمَيْر وَقَالَ مَاذَا شرطت لَهُ قَالَ تحملت لَهُ بقتلي على أَن يعول بنيك وَيَقْضِي دينك وَالله حَائِل بَيْنك وَبَين ذَلِك قَالَ عُمَيْر أشهد انك رَسُول الله إِن هَذَا الحَدِيث كَانَ بيني وَبَين صَفْوَان فِي الْحجر لم يطلع عَلَيْهِ أحد غَيْرِي وَغَيره فأخبرك الله بِهِ فآمنت بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة فَدَعَا إِلَى الاسلام فَأسلم على يَده بشر كثير ثمَّ أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير فَذكره نَحوه وَأخرجه ابو نعيم عَن الزُّهْرِيّ نَحوه وَأخرجه ابْن سعد وَأَبُو نعيم عَن عِكْرِمَة فَهَذِهِ طرق مُرْسلَة وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي عمرَان الْجونِي عَن أنس بن مَالك مَوْصُولا بِسَنَد صَحِيح
(1/344)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جُبَير بن مطعم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو كَانَ الْمطعم حَيا ثمَّ كلمني فِي هَؤُلَاءِ لأطلقتهم لَهُ يَعْنِي أُسَارَى بدر قَالَ سُفْيَان وَكَانَت لَهُ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَد وَكَانَ أجزى النَّاس بِالْيَدِ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن جُبَير بن مطعم قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ُأكَلِّمهُ فِي أُسَارَى بدر فوافقته يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَسَمعته يَقُول {إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع مَا لَهُ من دَافع} فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقبلت يَوْم بدر من قتال الْمُشْركين وَأَنا جَائِع فاستقبلتني امْرَأَة يَهُودِيَّة على رَأسهَا جَفْنَة فِيهَا جدي مشوي فَقَالَت الْحَمد لله يَا مُحَمَّد الَّذِي سلمك كنت نذرت لله نذرا إِن قدمت الْمَدِينَة سالما لأذبحن هَذَا الجدي ولأشوينه ولأحملنه إِلَيْك لتأكل مِنْهُ فاستنطق الله الجدي فَقَالَ يَا مُحَمَّد لَا تأكلني فَإِنِّي مَسْمُوم
فَائِدَة
اشْتَمَل هَذَا الْبَاب على أَكثر من سبعين معْجزَة كَمَا يدْرك بِالتَّأَمُّلِ
الخصائص الكبرى
فَائِدَة فِي حِكْمَة قتال الْمَلَائِكَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سُئِلَ السُّبْكِيّ عَن الْحِكْمَة فِي قتال الْمَلَائِكَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَن جبرئيل قَادر على أَن يدْفع الْكفَّار بريشة من جنَاحه
فَأجَاب بِأَن ذَلِك لإِرَادَة أَن يكون الْفِعْل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَتَكون الْمَلَائِكَة مدَدا على عَادَة مدد الجيوش رِعَايَة لصورة الْأَسْبَاب وسنتها الَّتِي أجراها الله فِي عباده وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ فَاعل الْجَمِيع
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أنزلنَا على قومه من بعده من جند من السَّمَاء وَمَا كُنَّا منزلين}
(1/345)
فَإِن قلت فَلم أنزل الْجنُود من السَّمَاء يَوْم بدر وَالْخَنْدَق فَقَالَ {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنودا لم تَرَوْهَا} وَقَالَ {بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} {بِثَلَاثَة آلَاف من الْمَلَائِكَة منزلين} {بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين}
قلت إِنَّمَا كَانَ يَكْفِي ملك وَاحِد فقد أهلكت مَدَائِن قوم لوط بريشة من جنَاح جبرئيل وبلاد ثَمُود وَقوم صَالح بصيحة وَلَكِن الله فضل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكُل شَيْء على كبار الْأَنْبِيَاء أولي الْعَزْم من الرُّسُل فضلا عَن حبيب النجار وَأَوْلَاده من أَسبَاب الْكَرَامَة والإعزاز مَا لم يؤته أحدا فَمن ذَلِك انه انْزِلْ لَهُ جُنُودا من السَّمَاء وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بقوله وَمَا انزلنا وَمَا كُنَّا منزلين إِلَى ان إِنْزَال الْجنُود من عظائم الْأُمُور الَّتِي لَا يؤهل لَهَا إِلَّا مثلك وَمَا كُنَّا نفعله بغيرك انْتهى
بَاب مَا وَقع فِي غَزْوَة غطفان من المعجزات
قَالَ الْوَاقِدِيّ حَدثنِي مُحَمَّد بن زِيَاد حَدثنَا زيد بن أبي عتاب (ح)
وحَدثني الضَّحَّاك بن عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي بكر وَغَيرهم قَالُوا بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن جمعا من غطفان من بني ثَعْلَبَة بن محَارب بِذِي أَمر قد تجمعُوا يُرِيدُونَ أَن يُصِيبُوا من أَطْرَاف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهم رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ دعثور ابْن الْحَارِث فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرْبَعمِائَة وَخمسين رجلا وَمَعَهُمْ أَفْرَاس فهزمت مِنْهُ الْأَعْرَاب فَوق ذرْوَة من الْجبَال وَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَا أَمر وعسكر بِهِ وأصابهم مطر كثير فَذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحَاجَتِهِ فَأَصَابَهُ ذَلِك الْمَطَر فَبل ثَوْبه وَقد جعل وَادي أَمر بَينه وَبَين أَصْحَابه ثمَّ نزع ثِيَابه فنشرها لتجف وَأَلْقَاهَا على شَجَرَة ثمَّ اضْطجع تحتهَا والأعراب ينظرُونَ فَقَالَت لدعثور وَكَانَ سَيِّدهَا وأشجعها قد
(1/346)
أمكنك مُحَمَّد وَقد انْفَرد من أَصْحَابه حَيْثُ ان غوث بِأَصْحَابِهِ لم يغث حَتَّى تقتله فَاخْتَارَ سَيْفا من سيوفهم صَارِمًا ثمَّ اقبل حَتَّى قَامَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالسَّيْفِ مَشْهُورا فَقَالَ يَا مُحَمَّد من يمنعك مني الْيَوْم قَالَ الله وَدفع جبرئيل فِي صَدره فَوَقع السَّيْف من يَده فَأَخذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَ على رَأسه وَقَالَ من يمنعك مني قَالَ لَا اُحْدُ وَأَنا أشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله لَا أَكثر عَلَيْك جمعا أبدا فَأعْطَاهُ سَيْفه ثمَّ أدبر ثمَّ أقبل فَقَالَ وَالله لأَنْت خير مني فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أَحَق بذلك مِنْك فَأتى قومه فَقَالُوا أَيْن مَا كنت تَقوله وَالسيف فِي يدك قَالَ قد كَانَ وَالله ذَلِك رَأْيِي وَلَكِنِّي نظرت إِلَى رجل أَبيض طَوِيل فَدفع فِي صَدْرِي فَوَقَعت لظهري وَعرفت أَنه ملك وَشهِدت أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَجعل يَدْعُو قومه إِلَى الاسلام وَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم فَكف أَيْديهم عَنْكُم} الْآيَة اخرجه الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ قد رُوِيَ فِي عزوة ذَات الرّقاع قصَّة أُخْرَى مثل هَذِه فَإِن كَانَ الْوَاقِدِيّ قد حفظ مَا ذكر فِي هَذِه الْغَزْوَة فَإِنَّهُمَا قصتان
بَاب مَا وَقع فِي عزوة بني النَّضِير من المعجزات وَهِي الْجلاء الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْكُم فِي التَّوْرَاة وَغير ذَلِك
قَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان أَنبأَنَا أَبُو صَالح حَدثنِي اللَّيْث حَدثنِي عقيل عَن ابْن شهَاب قَالَ كَانَت وقْعَة بني النَّضِير وهم طَائِفَة من الْيَهُود على رَأس سِتَّة أشهر من وقْعَة بدر فَحَاصَرَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزلُوا على الْجلاء وَإِن لَهُم مَا أقلت الْإِبِل من الْأَمْوَال والأمتعة إِلَّا الْحلقَة وَهِي السِّلَاح وأجلاهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الشَّام فَكَانُوا ينزعون مَا أعجبهم من سقف فيحملونه على الْإِبِل وَأنزل الله فيهم {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} إِلَى قَوْله {وليخزي الْفَاسِقين}
(1/347)
والجلاء انه كَانَ كتب عَلَيْهِم فِي التَّوْرَاة وَكَانُوا من سبط لم يصبهم الْجلاء قبل مَا سلط عَلَيْهِم بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخرجه الْبَيْهَقِيّ ثمَّ أخرجه مَوْصُولا من طَرِيق آخر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَقَالَ ذكر عَائِشَة فِيهِ غير مَحْفُوظ
قلت أخرج هَذِه الطَّرِيق الموصولة عَن عَائِشَة الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَت نخل بني النَّضِير لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة أعطَاهُ الله إِيَّاهَا وَخَصه بهَا فَقَالَ {مَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب} يَقُول بِغَيْر قتال فَأعْطى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثَرهَا الْمُهَاجِرين وَقسمهَا بَينهم وَقسم مِنْهَا لِرجلَيْنِ من الْأَنْصَار كَانَا ذَوي حَاجَة لم يقسم لأحد من الْأَنْصَار غَيرهمَا وَبَقِي مِنْهَا صدقته الَّتِي فِي أَيدي بني فَاطِمَة
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن أَمْوَال بني النَّضِير كَانَت مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله مِمَّا لم يوجف الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ بخيل وَلَا ركاب فَكَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة فَكَانَ ينْفق مِنْهَا على أَهله نَفَقَة سنة وَمَا بَقِي جعله فِي الكراع وَالسِّلَاح عدَّة فِي سَبِيل الله عز وَجل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ وَمن طَرِيق عُرْوَة بن الزبير قَالَا خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني النَّضِير يَسْتَعِينهُمْ فِي عقل الكلابيين فَقَالُوا اجْلِسْ يَا ابا الْقَاسِم حَتَّى تطعم وَترجع بحاجتك فَجَلَسَ وَمن مَعَه من أَصْحَابه فِي ظلّ جِدَار ينتظرون ان يصلحوا أَمرهم فَلَمَّا خلوا والشيطان مَعَهم ائْتَمرُوا بقتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لن تَجِدُوهُ أقرب مِنْهُ الْآن فَقَالَ رجل مِنْهُم إِن شِئْتُم ظَهرت فَوق الْبَيْت الَّذِي هُوَ تَحْتَهُ فدليت عَلَيْهِ حجرا فَقتلته وَأوحى الله إِلَيْهِ فَأخْبرهُ بِمَا ائْتَمرُوا بِهِ من شَأْنه فَقَامَ وَرجع أَصْحَابه وَنزل الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم} الْآيَة فَلَمَّا اظهره الله على
(1/348)
خيانتهم أَمرهم ان يخرجُوا من دِيَارهمْ إِلَى حَيْثُ شاؤوا فَلَمَّا سمع المُنَافِقُونَ مَا يُرَاد بأخوانهم وأوليائهم من اهل الْكتاب أرْسلُوا إِلَيْهِم فَقَالُوا لَهُم انا مَعكُمْ محيانا ومماتنا إِن قوتلتم فلكم علينا النَّصْر وَإِن أخرجتم لن نتخلف عَنْكُم فَلَمَّا وثقوا بِأَمَان الْمُنَافِقين عظمت غرتهم ومناهم الشَّيْطَان الظُّهُور فَنَادوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه إِنَّا وَالله لَا نخرج وَلَئِن قَاتَلْتنَا لنقاتلنك فَحَاصَرَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهدم دُورهمْ وَقطع نَخْلهمْ وحرقها وكف الله أَيْديهم وأيدي الْمُنَافِقين فَلم ينصروهم وَألقى الله فِي قُلُوب الْفَرِيقَيْنِ الرعب فَلَمَّا يئسوا من الْمُنَافِقين سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كَانَ عرض عَلَيْهِم قبل ذَلِك فقاضاهم على ان يجليهم وَلَهُم مَا أقلت الْإِبِل إِلَّا السِّلَاح
وَأخرج ابو نعيم نَحوه من طَرِيق مقَاتل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَمن طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
وَأخرج ابْن جرير نَحوه عَن عِكْرِمَة وَيزِيد بن أبي زِيَاد وَغَيرهمَا وَفِي رِوَايَة يزِيد فجاؤوا إِلَى رحى عَظِيمَة ليطرحوها عَلَيْهِ فَأمْسك الله عَنْهَا أَيْديهم حَتَّى جَاءَهُ جبرئيل فأقامه من ثمَّ وَنزلت الْآيَة
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ حَدثنِي ابراهيم بن جَعْفَر عَن أَبِيه قَالَ لما خرجت بَنو النَّضِير من الْمَدِينَة أقبل عَمْرو بن سعدى فَطَافَ بمنازلهم فَرَأى خرابها فَأتى بني قُرَيْظَة فَقَالَ رَأَيْت الْيَوْم عبرا رَأَيْت اخواننا جالية بعد الْعِزّ وَالْجَلد والشرف وَالْعقل قد تركُوا اموالهم وَخَرجُوا خُرُوج ذل والتوراة مَا سلط هَذَا على قوط قطّ لله بهم حَاجَة فأطيعوني وتعالوا نتبع مُحَمَّدًا فوَاللَّه انكم لتعلمون انه نَبِي وَقد بشرنا بِهِ وبأمره ابْن الهيبان ابو عَمْرو وَابْن جواس وهما اعْلَم يهود جَاءَا من بَيت الْمُقَدّس يتوكفان قدومه ثمَّ امرانا باتباعه وأمرانا ان نقرئه مِنْهُمَا السَّلَام ثمَّ مَاتَا ودفناهما بحرتنا هَذِه فَقَالَ الزبير بن باطا قد قَرَأت صفته فِي كتاب باطا التَّوْرَاة الَّتِي انزلت على مُوسَى لَيْسَ فِي المثاني الَّذِي احدثنا فَقَالَ لَهُ كَعْب بن أَسد فَمَا يمنعك من اتِّبَاعه قَالَ أَنْت
(1/349)
قَالَ كَعْب وَلم وَمَا حلت بَيْنك وَبَينه قطّ قَالَ الزبير أَنْت صَاحب عَقدنَا وعهدنا فان اتبعته اتبعناه وان أَبيت أَبينَا فَأقبل عَمْرو بن سعدى على كَعْب فَتَقَاوَلَا فِي ذَلِك إِلَى ان قَالَ كَعْب مَا عِنْدِي فِي أمره إِلَّا مَا قلت مَا تطيب نَفسِي أَن أصير تَابعا اخرجه الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر قَالَ لما رابط النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني النَّضِير وَطَالَ الْمكْث عَلَيْهِم أَتَاهُ جبرئيل وَهُوَ يغسل رَأسه فَقَالَ عَفا الله عَنْك يَا مُحَمَّد مَا أسْرع مَا مللتم وَالله مَا نَزَعْنَا من لِأُمَّتِنَا شَيْئا مُنْذُ نزلت عَلَيْهِم قُم فَشد عَلَيْك سِلَاحك وَالله لأدقنهم كَمَا تدق الْبَيْضَة على الصَّفَا فنهضنا إِلَيْهَا ففتحناها
بَاب مَا وَقع فِي قتل كَعْب بن الاشرف من المعجزات
اخْرُج ابْن اسحاق وَابْن رَاهَوَيْه وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ مَشى مَعَهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَقِيع الْغَرْقَد ثمَّ وجههم وَقَالَ انْطَلقُوا على اسْم الله أعنهم يَعْنِي الَّذين أرسلهم على قتل كَعْب بن الْأَشْرَف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي عبد الله بن المعقب ان الْحَارِث بن أَوْس فِي قتل كَعْب بن الْأَشْرَف أَصَابَهُ بعض أسيافهم فجرح فِي رَأسه وَرجله فاحتملوه فجاؤوا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتفل على جرحه فَلم يؤذه قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَكَذَا أخرجه الْوَاقِدِيّ بأسانيده
(1/350)
بَاب مَا وَقع فِي غَزْوَة أحد من الْآيَات والمعجزات
اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أريت فِي الْمَنَام أَنِّي أُهَاجِر من مَكَّة إِلَى أَرض بهَا نخل فَذهب وهلي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَة أَو هجر فَإِذا هِيَ الْمَدِينَة يثرب وَرَأَيْت فِي رُؤْيَايَ هَذِه إِنِّي قد هززت سَيْفا فَانْقَطع صَدره فَإِذا هُوَ مَا أُصِيب من الْمُؤمنِينَ يَوْم أحد ثمَّ هززته أُخْرَى فَعَاد أحسن مَا كَانَ فَإِذا هُوَ مَا جَاءَ الله بِهِ من الْفَتْح واجتماع الْمُؤمنِينَ وَرَأَيْت فِيهَا أَيْضا بقرًا وَالله خير فَإِذا هم النَّفر من الْمُؤمنِينَ يَوْم أحد وَإِذا الْخَيْر مَا جَاءَ الله بِهِ من الْخَيْر وثواب الصدْق الَّذِي آتَانَا بعد يَوْم بدر
وَأخرج احْمَد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما جَاءَ الْمُشْركُونَ يَوْم أحد كَانَ رَأْي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان يُقيم بِالْمَدِينَةِ يقاتلهم فِيهَا فَقَالَ لَهُ نَاس لم يَكُونُوا شهدُوا بَدْرًا تخرج بِنَا يَا رَسُول الله نقاتلهم بِأحد ورجوا ان يُصِيبُوا من الْفَضِيلَة مَا أَصَابَهُ أهل بدر فَمَا زَالُوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لبس أداته ثمَّ ندموا وَقَالُوا يَا رَسُول الله أقِم فَالرَّأْي رَأْيك فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لنَبِيّ ان يضع أداته بعد أَن لبسهَا حَتَّى يحكم الله بَينه وَبَين عدوه وَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ قبل ان يلبس الأداة إِنِّي رَأَيْت أَنِّي فِي درع حَصِينَة فَأَوَّلتهَا الْمَدِينَة وَإِنِّي مردف كَبْشًا فَأَوَّلْته كَبْش الكتيبة وَرَأَيْت ان سَيفي ذَا الفقار فل فَأَوَّلْته فَلَا فِيكُم وَرَأَيْت بقرًا تذبح فبقر وَالله خير
وَأخرج احْمَد وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن انس ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي مردف كَبْشًا وَكَأن ظبة سَيفي انْكَسَرت فأولت أَنِّي أقتل
(1/351)
كَبْشًا لقوم وأولت كسر ظبة سَيفي قتل رجل من عِتْرَتِي فَقتل حَمْزَة وَقتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلْحَة وَكَانَ صَاحب اللِّوَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب قَالَ يَقُول رجال كَأَن الَّذِي رأى بِسَيْفِهِ الَّذِي أصَاب وَجهه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ وَكَانَ أبي بن خلف قَالَ حِين افتدى وَالله إِن عِنْدِي لفرسا أعلفها كل يَوْم فرقا من ذرة ولأقتلن عَلَيْهَا مُحَمَّدًا فبلغت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بل أَنا اقتله إِن شَاءَ الله فَأقبل أبي مقنعا فِي الْحَدِيد على فرسه تِلْكَ يَقُول لَا نجوت إِن نجا مُحَمَّد فَحمل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد قَتله
قَالَ مُوسَى بن عقبَة قَالَ سعيد بن الْمسيب فَاعْترضَ لَهُ رجال من الْمُؤمنِينَ فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخلوا طَرِيقه وَأبْصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترقوة أبي بن خلف من فُرْجَة بَين سابغة الْبَيْضَة والدرع فطعنه بحربته فَوَقع أبي عَن فرسه وَلم يخرج من طعنته دم
قَالَ سعيد فَكسر ضلع من أضلاعه فَفِي ذَلِك نزل {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} فَأَتَاهُ أَصْحَابه وَهُوَ يخور خوار الثور فَقَالُوا مَا جزعك إِنَّمَا هُوَ خدش فَذكر لَهُم قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أقتل أَبَيَا ثمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْل ذِي المجار لماتوا أَجْمَعُونَ فَمَاتَ أبي قبل ان يقدم مَكَّة
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب
قلت اخرجه من هَذَا الطَّرِيق ابْن سعد وَأَبُو نعيم ثمَّ اخْرُج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عُرْوَة بن الزبير مثله وَلم يذكر فَكسر ضلعا من أضلاعه وَلَا نزُول الْآيَة
(1/352)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن اسحاق قَالَ ذكر الزُّهْرِيّ أَن أبي بن خلف أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول يَا مُحَمَّد لَا نجوت إِن نجوت فَقَالَ الْقَوْم يَا رَسُول الله يعْطف عَلَيْهِ رجل منا فَقَالَ دَعوه فَلَمَّا دنا تنَاول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحربة من الْحَارِث بن الصمَّة قَالَ بعض الْقَوْم كَمَا ذكر لي فانتفض بهَا انتفاضة تطائرنا عَنهُ تطائر الشّعْر عَن ظهر الْبَعِير إِذا انتفض ثمَّ استقبله فطعنه فِي عُنُقه طعنة تدأدأ مِنْهَا عَن فرسه مرَارًا
وَأخرجه ابو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي صَالح بن ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِهِ
واخرجه أَيْضا من طَرِيقه عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك بِهِ وَمن طَرِيقه عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه بِهِ
وَأخرجه أَيْضا من طَرِيق معمر عَن مقسم بِهِ وَفِيه فَقَالَ وَالله لَو لم يُصِبْنِي إِلَّا بريقه لَقَتَلَنِي أَلَيْسَ قد قَالَ أَنا أَقتلهُ
قَالَ الْوَاقِدِيّ وَكَانَ ابْن عمر يَقُول مَاتَ أبي بن خلف بِبَطن رابغ فَإِنِّي لأسير بِبَطن رابغ بعد هوي من اللَّيْل إِذا نَار تأجج لي فهبتها وَإِذا رجل يخرج مِنْهَا فِي سلسلة يجتذبها يَصِيح الْعَطش وَإِذا رجل يَقُول لَا تسقه فَإِن هَذَا قَتِيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا أبي بن خلف
وَقَالَ ابْن اسحاق حَدثنِي ابْن شهَاب وَعَاصِم ابْن عمر بن قَتَادَة وَمُحَمّد بن يحيى بن حبَان وَغَيرهم من عُلَمَائِنَا أَن رجلا من الْمُشْركين خرج يَوْم أحد فَدَعَا إِلَى البرَاز وَهُوَ على جمل فَقَامَ إِلَيْهِ الزبير فَوَثَبَ إِلَيْهِ وَهُوَ على بعيره فَاسْتَوَى مَعَه على رَحْله ثمَّ عانقه فاقتتلا فَوق الْبَعِير جَمِيعًا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يَلِي حضيض الارض مقتول فَوَقع الْمُشرك وَوَقع الزبير عَلَيْهِ فذبحه بِسَيْفِهِ أخرجه الْبَيْهَقِيّ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن الْبَراء قَالَ جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرُّمَاة يَوْم أحد وَكَانُوا خمسين رجلا عبد الله بن جُبَير ووضعهم موضعا وَقَالَ إِن رَأَيْتُمُونَا تخطفنا الطير فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أرسل إِلَيْكُم فهزموهم قَالَ فَأَنا وَالله رَأَيْت
(1/353)
النِّسَاء يشددن على الْجَبَل وَقد بَدَت أسوقهن وخلا خيلهن رافعات ثيابهن فَقَالَ أَصْحَاب عبد الله بن جُبَير الْغَنِيمَة أَي قوم الْغَنِيمَة ظهر أصحابكم فَمَا تنتظرون وَقَالَ عبد الله بن جُبَير فنسيتم مَا قَالَ لكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا إِنَّا وَالله لنأتين النَّاس فلنصيبن من الْغَنِيمَة فَلَمَّا أتوهم صرفت وُجُوههم فَأَقْبَلُوا منهزمين فَذَلِك الَّذِي يَدعُوهُم الرَّسُول فِي أخراهم فَلم يبْق مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير اثْنَي عشر رجلا فَأَصَابُوا منا سبعين وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أصَاب من الْمُشْركين يَوْم بدر أَرْبَعِينَ وَمِائَة سبعين أَسِيرًا وَسبعين قَتِيلا
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ مَا نصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي موطن كَمَا نصر يَوْم أحد فانكروا ذَلِك فَقَالَ ابْن عَبَّاس بيني وَبَين من أنكر ذَلِك كتاب الله إِن الله يَقُول فِي يَوْم أحد {وَلَقَد صدقكُم الله وعده إِذْ تحسونهم بِإِذْنِهِ}
قَالَ ابْن عَبَّاس وَالْحسن الْقَتْل حَتَّى إِذا فشلتم الْآيَة وَإِنَّمَا عَنى بِهَذَا الرُّمَاة وَذَلِكَ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقامهم فِي مَوضِع ثمَّ قَالَ احموا ظُهُورنَا فَإِن رَأَيْتُمُونَا نقْتل فَلَا تنصرونا وَإِن رَأَيْتُمُونَا قد غنمنا فَلَا تشركونا فَلَمَّا غنم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأباحوا عَسْكَر الْمُشْركين اكب الرُّمَاة جَمِيعًا فِي الْعَسْكَر ينتهبون وَقد الْتَقت صُفُوف أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم هَكَذَا وَشَبك اصابع يَدَيْهِ واتشبوا فَلَمَّا اخلت الرُّمَاة تِلْكَ الْخلَّة الَّتِي كَانُوا فِيهَا دخلت الْخَيل من ذَلِك الْموضع على أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضرب بَعضهم بَعْضًا والتبسوا وَقتل من الْمُسلمين نَاس كثير وَقد كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أول النَّهَار حَتَّى قتل من أَصْحَاب لِوَاء الْمُشْركين سَبْعَة أَو تِسْعَة وَصَاح الشَّيْطَان قتل مُحَمَّد فَلم يشك أَنه حق حَتَّى طلع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين السعدين نعرفه بتكفيه إِذا مَشى ففرحنا حَتَّى كَأَنَّهُ لم يصبنا مَا أَصَابَنَا فرقى حولنا وَهُوَ يَقُول اشْتَدَّ غضب الله على قوم دموا وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول مرّة اخرى اللَّهُمَّ لَيْسَ لَهُم أَن يعلونا
(1/354)
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ رَأَيْت يَوْم أحد عَن يَمِين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن يسَاره رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض يقاتلان عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد الْقِتَال مَا رأيتهما قبل ذَلِك الْيَوْم وَلَا بعده يَعْنِي جبرئيل وَمِيكَائِيل
ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ لم تقَاتل الْمَلَائِكَة إِلَّا يَوْم بدر وَقَالَ مُرَاده انهم لم يقاتلوا يَوْم أحد عَن الْقَوْم حِين عصوا الرَّسُول وَلم يصبروا على مَا أَمرهم بِهِ
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه فِي قَوْله تَعَالَى {بلَى إِن تصبروا وتتقوا} الْآيَة قَالَ لم يصبروا وانكشفوا فَلم يمدوا أخرجه الْبَيْهَقِيّ
واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة قَالَ كَانَ الله وعدهم على الصَّبْر وَالتَّقوى ان يمدهُمْ {بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين} وَكَانَ قد فعل فَلَمَّا عصوا أَمر الرَّسُول وَتركُوا مَصَافهمْ وَأَرَادُوا الدُّنْيَا رفع عَنْهُم مدد الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه قَالُوا لما انهزم الْمُشْركُونَ انْطلق الرُّمَاة ينتهبون فكر عَلَيْهِم الْمُشْركُونَ فَقَتَلُوهُمْ وانتقضت صُفُوف الْمُسلمين واستدارت رحاهم وحالت الرّيح فَصَارَت دبورا وَكَانَت قبل ذَلِك صبا ونادى إِبْلِيس أَن مُحَمَّدًا قتل وَاخْتَلَطَ الْمُسلمُونَ فصاروا يقتتلون على غير شعار وَيضْرب بَعضهم بَعْضًا مَا يَشْعُرُونَ بِهِ من العجلة والدهش وَقتل مُصعب بن عُمَيْر فَأخذ اللِّوَاء ملك فِي صُورَة مُصعب وَحَضَرت الْمَلَائِكَة يَوْمئِذٍ وَلم تقَاتل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مندة وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مَحْمُود بن لبيد قَالَ قَالَ الْحَارِث بن الصمَّة سَأَلَني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَهُوَ فِي الشّعب عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقلت رَأَيْته إِلَى جنب الْجَبَل فَقَالَ إِن الْمَلَائِكَة تقَاتل مَعَه قَالَ الْحَارِث فَرَجَعت إِلَى عبد الرَّحْمَن فأجد بَين يَدَيْهِ سَبْعَة صرعى فَقلت ظَفرت يَمِينك أكل هَؤُلَاءِ قتلت قَالَ أما هَذَا وَهَذَا فَأَنا قتلتهما وَأما هَؤُلَاءِ فَقَتلهُمْ من لم أره فَقلت صدق الله وَرَسُوله
(1/355)
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل الْعَبدَرِي قَالَ حمل مُصعب بن عُمَيْر اللِّوَاء يَوْم أحد فَقطعت يَده الْيُمْنَى فَأخذ اللِّوَاء بِيَدِهِ الْيُسْر وَهُوَ يَقُول {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل} الْآيَة ثمَّ قطعت يَده الْيُسْرَى فَجَثَا على اللِّوَاء وضمه بعضديه إِلَى صَدره وَهُوَ يَقُول {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} الْآيَة ثمَّ قتل فَسقط اللِّوَاء قَالَ مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل وَمَا نزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} يَوْمئِذٍ حَتَّى نزلت بعد ذَلِك
وَقَالَ ابْن سعد أَنا الْوَاقِدِيّ حَدثنِي الزبير بن سعيد النَّوْفَلِي عَن عبد الله بن الْفضل بن الْعَبَّاس بن ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب قَالَ أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد مُصعب بن عُمَيْر اللِّوَاء فَقتل مُصعب فَأَخذه ملك فِي صُورَة مُصعب فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول تقدم يَا مُصعب فَالْتَفت إِلَيْهِ الْملك فَقَالَ لست بمصعب فَعرف انه ملك أيد بِهِ
وَقَالَ ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف حَدثنَا زيد بن حبَان عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة حَدثنِي مُحَمَّد بن ثَابت ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم أحد اقدم مُصعب فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن يَا رَسُول الله ألم يقتل مُصعب قَالَ بلَى وَلَكِن ملك قَامَ مَكَانَهُ وَتسَمى باسمه
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ لقد رَأَيْتُمُونِي أرمي بِالسَّهْمِ يَوْم اُحْدُ فَيردهُ عَليّ رجل أَبيض حسن الْوَجْه لَا أعرفهُ حَتَّى كَانَ بعد فَظَنَنْت انه ملك
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عون عَن عُمَيْر بن إِسْحَاق قَالَ لما كَانَ يَوْم أحد انكشفوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسعد يَرْمِي بَين يَدَيْهِ وفتى ينبل لَهُ كلما ذهبت نبلة أَتَاهُ بهَا قَالَ ارْمِ أَبَا اسحاق فَلَمَّا فرغوا نظرُوا من الشَّاب فَلم يروه وَلم يعرف
(1/356)
وَقَالَ ابْن اسحاق ذكر الزُّهْرِيّ قَالَ علت عالية قُرَيْش الْجَبَل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ إِنَّه لَا يَنْبَغِي ان يعلونا فَقَاتلهُمْ عمر بن الْخطاب ورهط من الْمُهَاجِرين حَتَّى أهبطوهم عَن الْجَبَل أخرج هالبيهقي وَأخرج عَن عُرْوَة نَحوه
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله ان طَلْحَة أُصِيبَت انامله فَقَالَ حس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو ذكرت اسْم الله لَرَفَعَتْك الْمَلَائِكَة وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْك حَتَّى تلج بك فِي جو السَّمَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن طَلْحَة قَالَ لما كَانَ يَوْم أحد أصابني السهْم فَقلت حس فَقَالَ لَو قلت بِسم الله لطارت لَك الْمَلَائِكَة وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْك
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد عَن طَلْحَة انه لما اصيبت يَده مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ حس فَقَالَ لَو قلت بِسم الله لرأيت بناءك الَّذِي بنى الله لَك فِي الْجنَّة وَأَنت فِي الدُّنْيَا
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أنس ان عَمه أنس بن النَّضر قَالَ يَوْم أحد وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأجد ريح الْجنَّة دون أحد وانها لريح الْجنَّة
وَقَالَ ابْن اسحاق حَدثنِي عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ان حَنْظَلَة لتغسله الْمَلَائِكَة فسألوا أَهله مَا شَأْنه فَسُئِلت زَوجته قَالَت خرج وَهُوَ جنب حِين سمع الهائعة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لذَلِك عسلته الْمَلَائِكَة
اخرجه الْبَيْهَقِيّ وَأخرجه السراج فِي مُسْنده وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عَن جده بِهِ
واخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن مَحْمُود بن لبيد بِهِ
(1/357)
وَأخرجه ابْن سعد من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه بِلَفْظ إِنِّي رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسل حَنْظَلَة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض بِمَاء المزن فِي صحاف الْفضة قَالَ أَبُو أسيد السَّاعِدِيّ فذهبنا فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ فَإِذا رَأسه تقطر مَاء وَفِيه أَن امْرَأَته قَالَت رَأَيْت كَأَن السَّمَاء فرجت لَهُ فَدخل فِيهَا ثمَّ أطبقت فَقلت هَذِه الشَّهَادَة
وَأخرج أَبُو نعيم عَن سعد بن أبي وَقاص ان سعد بن معَاذ لما مَاتَ بعد الخَنْدَق خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسرعا فَإِنَّهُ لينقطع شسع الرجل فَمَا يرجع وَيسْقط رِدَاؤُهُ فَمَا يلوي عَلَيْهِ وَمَا يعج اُحْدُ على أحد فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِن كدت لتقطعنا قَالَ خشيت ان تسبقنا الْمَلَائِكَة إِلَى غسله كَمَا سبقتنا إِلَى غسل حنظله وَأخرج ابْن سعد نَحوه عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن مَحْمُود بن لبيد
وَأخرج ابو يعلى وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم عَن أنس بن مَالك قَالَ افتخر الْحَيَّانِ من الانصار الْأَوْس والخزرج فَقَالَ الخزرجيون منا اربعة جمعُوا الْقُرْآن على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَاذ وَأبي وَزيد وَأَبُو زيد وَقَالَ الْأَوْس منا من اهتز لَهُ الْعَرْش سعد بن معَاذ وَمنا من أجيزت شَهَادَته بِشَهَادَة رجلَيْنِ خُزَيْمَة بن ثَابت وَمنا من حمته الدبر عَاصِم بن ثَابت وَمنا غسيل الْمَلَائِكَة حَنْظَلَة بن أبي عَامر
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قتل حَمْزَة جنبا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غسلته الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن سعد عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسل حَمْزَة
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن جَابر قَالَ لما قتل ابي يَوْم اُحْدُ بَكت عَمَّتي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تبكيه اَوْ لم تبكيه فَمَا زَالَت الْمَلَائِكَة تظله بأجنحتها حَتَّى رفعتموه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد اطلب سعد بن الرّبيع وَقَالَ إِن رَأَيْته فاقرأه مني السَّلَام وَقل لَهُ كَيفَ تجدك فَأَصَبْته وَهُوَ فِي آخر رَمق وَبِه سَبْعُونَ ضَرْبَة مَا بَين طعنة بِرُمْح وضربة بِسيف
(1/358)
ورمية بِسَهْم فَقَالَ قل لَهُ يَا رَسُول الله إِنِّي أجد ريح الْجنَّة وَقل لقومي الْأَنْصَار لَا عذر لكم عِنْد الله أَن خلص إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيكُمْ شفر يطرف وفاضت نَفسه
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَذكر الْوَاقِدِيّ فِي قصَّة خَيْثَمَة أبي سعد بن خَيْثَمَة انه قَالَ يَوْم أحد لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد أخطأتني وقْعَة بدر وَكنت وَالله حَرِيصًا عَلَيْهَا حَتَّى ساهمت ابْني فِي الْخُرُوج فَخرج سَهْمه فرزق الشَّهَادَة وَقد رَأَيْت ابْني البارحة فِي النّوم فِي أحسن صُورَة يسرح فِي ثمار الْجنَّة وأنهارها وَيَقُول إلحق بِنَا ترافقنا فِي الْجنَّة فقد وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حَقًا وَقد وَالله يَا رَسُول الله أَصبَحت مشتاقا إِلَى مرافقته فِي الْجنَّة فَادع الله ان يَرْزُقنِي الشَّهَادَة ومرافقة سعد فِي الْجنَّة فَدَعَا لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقتل بِأحد شَهِيدا
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب ان رجلا سمع عبد الله ابْن جحش يَقُول قبل اُحْدُ بِيَوْم اللَّهُمَّ إِنِّي أقسم عَلَيْك أَن ألْقى الْعَدو غَدا فيقتلوني ثمَّ يبقروا بَطْني ويجدعوا أنفي وأذني ثمَّ تَسْأَلنِي بِمَ ذَلِك فاقول فِيك فَلَمَّا الْتَقَوْا فعل بِهِ ذَلِك فَقَالَ الرجل الَّذِي سَمعه إِنِّي لأرجو أَن يبر الله آخر قسمه كَمَا أبر أَوله
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق انا معمر عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجحشي ثَنَا أشياخنا أَن عبد الله بن جحش جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَقد ذهب سَيْفه فَأعْطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عسيبا من نخل فَرجع فِي يَد عبد الله سَيْفا اخرجه الْبَيْهَقِيّ
وَقَالَ ابْن اسحاق عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة قَالَ أُصِيبَت يَوْم اُحْدُ عين قَتَادَة ابْن النُّعْمَان حَتَّى وَقعت على وجنتيه فَردهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ واحدهما أخرجه ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وابو نعيم وَقد تقدم مَوْصُولا وَإِن ذَلِك كَانَ يَوْم بدر
(1/359)
وَأخرجه ابو يعلى وَأَبُو نعيم من طَرِيق عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن أَبِيه عَن جده قَتَادَة أَنه أُصِيبَت عينه يَوْم أحد فسالت حدقته على وجنته فارادوا ان يقطعوها فسالوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا فَدَعَا بِهِ فغمز عينه براحته فَكَانَ لَا يدْرِي أَي عَيْنَيْهِ أُصِيبَت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان وَكَانَ أَخَاهُ لأمه ان عينه ذهبت يَوْم أحد فجَاء بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَردهَا فاستقامت قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَذكر الْوَاقِدِيّ مثله وَزَاد وَكَانَت أقوى عَيْنَيْهِ وأصحهما بعد أَن كبر
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن مَحْمُود بن لبيد عَن قَتَادَة ابْن النُّعْمَان أَنه أُصِيبَت عينه يَوْم أحد فَوَقَعت على وجنته فَردهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ فَكَانَت أصح عَيْنَيْهِ وَأَحَدهمَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن قَتَادَة قَالَ كنت يَوْم أحد اتقِي السِّهَام بوجهي دون وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ آخرهَا سَهْما ندرت مِنْهُ حدقتي فأخذتها بيَدي وسعيت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَآهَا فِي كفي دَمَعَتْ عَيناهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ ق قَتَادَة كَمَا وقِي نبيك بِوَجْهِهِ فاجعلها احسن عَيْنَيْهِ وَأَحَدهمَا نظرا
وَأخرج أَبُو يعلى من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن عُبَيْدَة عَن جده قَالَ أُصِيبَت عين أبي ذَر يَوْم اُحْدُ فبزق فِيهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَت أصح عَيْنَيْهِ
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع بن جُبَير قَالَ سَمِعت رجلا من الْمُهَاجِرين يَقُول شهِدت أحدا فَنَظَرت إِلَى النبل تَأتي من كل نَاحيَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسطهَا كل ذَلِك يصرف عَنهُ وَلَقَد رَأَيْت عبد الله بن شهَاب يَقُول يَوْم اُحْدُ دلوني على مُحَمَّد فَلَا نجوت إِن نجا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جنبه مَا مَعَه أحد ثمَّ جاوزه فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِك صَفْوَان فَقَالَ وَالله مَا رَأَيْته أَحْلف بِاللَّه انه منا مَمْنُوع خرجنَا أَرْبَعَة فتعاهدنا وتعاقدنا على قَتله فَلم نخلص إِلَى ذَلِك
(1/360)
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق انا معمر عَن الزُّهْرِيّ وَعَن عُثْمَان الْجَزرِي عَن مقسم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا على عتبَة بن أبي وَقاص يَوْم أحد حِين كسر رباعيته وشج وَجهه فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا يحل عَلَيْهِ الْحول حَتَّى يَمُوت كَافِرًا فَمَا حَال عَلَيْهِ الْحول حَتَّى مَاتَ كَافِرًا أخرجه الْبَيْهَقِيّ
وَأخرج ابو نعيم عَن نَافِع بن عَاصِم قَالَ الَّذِي دمى وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن قمئة رجل من هُذَيْل فَسلط الله عَلَيْهِ تَيْسًا فَنَطَحَهُ حَتَّى قَتله
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ قَالَ بَلغنِي ان الَّذين كسروا ربَاعِية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُولد لَهُم صبي فَنَبَتَتْ لَهُ ربَاعِية
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن السَّائِب انه بلغه ان مَالِكًا ابا أبي سعيد الْخُدْرِيّ لما جرح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد مص جرحه حَتَّى أنقاه ولاح أَبيض فَقيل لَهُ مجه فَقَالَ وَالله لَا أمجه أبدا ثمَّ أدبر يُقَاتل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَرَادَ ان ينظر إِلَى رجل من اهل الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى هَذَا فاستشهد
يأتي الصفحة 5 ان شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق