المصاحف 9.مصاحف

  مصاحف روابط 9 مصاحف
// // //

الخميس، 16 أغسطس 2018

6. السيرة النبوية للحافظ السيوطي



6
الخصائص الكبرى
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
ذكر المعجزات الَّتِي وَقعت عِنْد انفاد كتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُلُوك
واخرج الشَّيْخَانِ عَن الْحسن قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى وَإِلَى قَيْصر وَإِلَى النَّجَاشِيّ وَإِلَى كل جَبَّار يَدعُوهُم إِلَى الله وَلَيْسَ بالنجاشي الَّذِي صلى عَلَيْهِ
وَقَالَ إِبْنِ أبي شَيْبه فِي المُصَنّف حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن يَعْقُوب عَن جَعْفَر بن عَمْرو وَقَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة نفر إِلَى أَرْبَعَة وُجُوه رجلا إِلَى كسْرَى ورجلا إِلَى قَيْصر ورجلا إِلَى الْمُقَوْقس وَبعث عَمْرو بن أُمِّيّه إِلَى النَّجَاشِيّ فَأصْبح كل رجل مِنْهُم يتَكَلَّم بِلِسَان الْقَوْم الَّذين بعث إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن سعد عَن بُرَيْدَة وَالزهْرِيّ وَزيد بن رُومَان وَالشعْبِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عدَّة إِلَى عدَّة وَأمرهمْ بنصح عباد الله فَأصْبح الرُّسُل كل رجل مِنْهُم يتَكَلَّم بِلِسَان الْقَوْم الَّذين أرسل إِلَيْهِم فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (هَذَا أعظم مَا كَانَ من حق الله عَلَيْهِم فِي أَمر عباده)
(2/3)
بَاب مَا وَقع عِنْد كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر من الْآيَات
أخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس أَن أَبَا سُفْيَان أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش وَكَانُوا تجارًا بِالشَّام فِي الْمدَّة الَّتِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماد فِيهَا أَبَا سُفْيَان وكفار قُرَيْش فأتوهم وهم بإيلياء فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسه وَحَوله عُظَمَاء الرّوم ثمَّ دعاهم ودعا بترجمانه فَقَالَ أَيّكُم أقرب نسبا بِهَذَا الرجل الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي فَقَالَ أَبُو سُفْيَان فَقلت أَنا أقربهم بِهِ نسبا فَقَالَ أدنوه مني وقربوا أَصْحَابه فأجعلوهم عِنْد ظَهره ثمَّ قَالَ لِترْجُمَانِهِ قل لَهُم إِنِّي سَائل هَذَا عَن هَذَا الرجل فَإِن كَذبَنِي فَكَذبُوهُ فو الله لَوْلَا الْحيَاء من أَن يأثروا عَليّ كذبا لكذبت عَنهُ ثمَّ كَانَ أول مَا سَأَلَني عَنهُ أَن قَالَ كَيفَ نسبه فِيكُم قلت هُوَ فِينَا ذُو نسب قَالَ فَهَل قَالَ هَذَا القَوْل مِنْكُم أحد قطّ قبله قلت لَا قَالَ فَهَل كَانَ من آبَائِهِ من ملك قلت لَا قَالَ فأشراف النَّاس يتبعونه أم ضُعَفَاؤُهُمْ قلت بل ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ أيزيدون أم ينقصُونَ قلت بل يزِيدُونَ قَالَ فَهَل يرْتَد أحد مِنْهُم سخطه لدينِهِ بعد أَن يدْخل فِيهِ قلت لَا قَالَ فَهَل كُنْتُم تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَن يَقُول مَا قَالَ قلت لَا قَالَ فَهَل يغدر قلت لَا وَنحن مِنْهُ فِي مُدَّة لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعل فِيهَا قَالَ وَلم يمكني كلمة أَدخل فِيهَا شَيْئا غير هَذِه الْكَلِمَة قَالَ فَهَل قاتلتموه قلت نعم قَالَ فَكيف كَانَ قتالكم إِيَّاه قلت الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه سِجَال ينَال منا مِنْهُ قَالَ بِمَاذَا يَأْمُركُمْ قلت يَقُول أعبدوا الله وَحده وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا واتركوا مَا يَقُول آباؤكم ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة والصدق والعفاف والصلة فَقَالَ للترجمان قل لَهُ سَأَلتك عَن نسبه فَذكرت أَنه فِيكُم ذُو نسب وَكَذَلِكَ الرُّسُل تبْعَث فِي نسب قَومهَا وَسَأَلْتُك هَل قَالَ أحد مِنْكُم هَذَا القَوْل فَذكرت أَن لَا فَقلت لَو كَانَ أحد قَالَ هَذَا القَوْل قبله لَقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله وَسَأَلْتُك هَل من آبَائِهِ من ملك فَذكرت أَن لَا قلت فَلَو كَانَ من آبَائِهِ من ملك قلت رجل يطْلب ملك أَبِيه وَسَأَلْتُك هَل كُنْتُم تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل
(2/4)
أَن يَقُول مَا قَالَ فَذكرت أَن لَا فقد أعرف أَنه لم يكن ليذر الْكَذِب على النَّاس ويكذب على الله وَسَأَلْتُك أَشْرَاف النَّاس اتَّبعُوهُ أم ضُعَفَاؤُهُمْ فَذكرت أَن ضُعَفَاؤُهُمْ اتَّبعُوهُ وهم آتباع الرُّسُل وَسَأَلْتُك أيزيدون أم ينقصُونَ فَذكرت أَنهم يزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمر الْأَيْمَان حِين يتم وَسَأَلْتُك أيرتد أحد سخطه لدينِهِ بعد أَن يدْخل فِيهِ فَذكرت أَن لَا وَكَذَلِكَ الْأَيْمَان حِين تخالط بشاشته الْقُلُوب وَسَأَلْتُك هَل يغدر فَذكرت أَن لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُل لَا تغدر وَسَأَلْتُك بِمَا يَأْمُركُمْ فَذكرت أَنه يَأْمُركُمْ أَن تعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وينهاكم عَن عبَادَة الْأَوْثَان ويأمركم بِالصَّلَاةِ والصدق والعفاف فَإِن كَانَ مَا تَقول حَقًا فسيملك مَوضِع قدمي هَاتين وَقد كنت أعلم أَنه خَارج وَلم أكن أَظن أَنه مِنْكُم فَلَو أَنِّي أعلم أَنِّي اخلص إِلَيْهِ لتجشمت لقاءه وَلَو كنت عِنْده لغسلت عَن قَدَمَيْهِ ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي بعث بِهِ دحْيَة إِلَى عَظِيم بصرى فَدفعهُ إِلَى هِرقل فقرأه فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ فَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين وَيَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا أشهدوا بِأَنا مُسلمُونَ
قَالَ أَبُو سُفْيَان فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفرغ من قِرَاءَة الْكتاب كثر عِنْده الصخب وَارْتَفَعت الْأَصْوَات واخرجنا فَقلت لِأَصْحَابِي حِين أخرجنَا لقد أمرأ ابْن أبي كَبْشَة أَنه يخافه ملك بني الْأَصْفَر فَمَا زلت موقنا أَنه سَيظْهر حَتَّى أَدخل الله عَليّ الْإِسْلَام وَكَانَ ابْن الناطور صَاحب إيلياء وهرقل أسقفا على نَصَارَى الشَّام يحدث
(2/5)
أَن هِرقل حِين قدم إيلياء أصبح خَبِيث النَّفس فَقَالَ بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قَالَ ابْن الناطور وَكَانَ هِرقل حزاء ينظر فِي النُّجُوم فَقَالَ لَهُم حِين سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْت اللَّيْلَة حِين نظرت فِي النُّجُوم ملك الْخِتَان قد ظهر فَمن يختتن من هَذِه الْأمة قَالُوا لَيْسَ يختتن إِلَّا الْيَهُود فَلَا يهمنك شَأْنهمْ واكتب إِلَى مَدَائِن ملكك فليقتلوا من فيهم من الْيَهُود فَبَيْنَمَا هم على أَمرهم اتي هِرقل بِرَجُل أرسل بِهِ ملك غَسَّان يخبر عَن خبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا استخبره هِرقل قَالَ اذْهَبُوا فانظروا أمختتن هُوَ أم لَا فنظروا إِلَيْهِ فحدثوه انه مختتن وَسَأَلَهُ عَن الْعَرَب فَقَالَ هم يختتنون فَقَالَ هِرقل هَذَا ملك هَذِه الْأمة قد ظهر ثمَّ كتب إِلَى صَاحب لَهُ برومية وَكَانَ نَظِيره فِي الْعلم وَسَار هِرقل إِلَى حمص فَلم يرم حمص حَتَّى أَتَاهُ كتاب من صَاحبه يُوَافق رَأْي هِرقل على خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه نَبِي فَأذن هِرقل لعظماء الرّوم فِي دسكرة لَهُ بحمص ثمَّ أَمر بأبوابها فغلقت ثمَّ اطلع فَقَالَ يَا معشر الرّوم هَل لكم فِي الْفَلاح والرشد وَأَن يثبت ملككم فتبايعوا هَذَا النَّبِي فحاصوا حَيْصَة حمر الْوَحْش إِلَى الْأَبْوَاب فوجدوها قد غلقت فَلَمَّا رأى هِرقل نفرتهم وأيس من الْإِيمَان قَالَ ردوهم عَليّ وَقَالَ إِنِّي قلت مَقَالَتي آنِفا أختبر بهَا شدتكم على دينكُمْ فقد رَأَيْت فسجدوا لَهُ وَرَضوا عَنهُ فَكَانَ ذَلِك آخر شَأْن هِرقل
واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة قَالَ خرج أَبُو سُفْيَان تَاجِرًا إِلَى الشَّام فَأرْسل إِلَيْهِ قَيْصر فَقَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن هَذَا الرجل الَّذِي خرج فِيكُم أكل مرّة يظْهر عَلَيْكُم قَالَ مَا ظهر علينا قطّ إِلَّا وَأَنا غَائِب قَالَ قَيْصر أتراه كَاذِبًا أَو صَادِقا قَالَ بل هُوَ كَاذِب قَالَ قَيْصر لَا تقل ذَلِك فَإِن الْكَذِب لَا يظْهر بِهِ أحد فَإِن كَانَ فِيكُم نَبِي فَلَا تقتلوه فَإِن أفعل النَّاس لذَلِك الْيَهُود
وَأخرج لأبو نعيم عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ قَالَ أَبُو سُفْيَان إِن أول يَوْم رعبت فِيهِ من مُحَمَّد ليَوْم قَالَ قَيْصر فِي ملكه وسلطانه وحضرته مَا قَالَ وحضرته
(2/6)
يتحادر جَبينه عرقا من كرب الصَّحِيفَة الَّتِي كتب إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا زلت مَرْعُوبًا من مُحَمَّد حَتَّى أسلمت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنِي أَسْقُف من النَّصَارَى وَقد أدْرك ذَلِك الزَّمَان قَالَ لما قدم دحْيَة بن خَليفَة على هِرقل بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَأسلم تسلم وَأسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ فَإِن أَبيت فَإِن إِثْم الأكارين عَلَيْك فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ كِتَابه وقرأه أَخذه فَجعله بَين فَخذه وخاصرته ثمَّ كتب إِلَى رجل من أهل رُومِية كَانَ يقْرَأ من العبرانية مَا لَا يقْرَأ غَيره بِمَا جَاءَ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتب إِلَيْهِ أَنه النَّبِي الَّذِي ينْتَظر لَا شكّ فِيهِ فَاتبعهُ فَأمر بعظماء الرّوم فَجمعُوا لَهُ فِي دسكرة ملكه ثمَّ أَمر بهَا فأغلقت عَلَيْهِم واطلع عَلَيْهِم من علية لَهُ وَهُوَ مِنْهُم خَائِف فَقَالَ لَهُم يَا معشر الرّوم إِنَّه جَاءَنِي كتاب أَحْمد وَأَنه وَالله النَّبِي الَّذِي كُنَّا ننتظره ونجد ذكره فِي كتَابنَا نعرفه بعلاماته وزمانه فاسلموا واتبعوه تسلم لكم آخرتكم ودنياكم فنخروا نخرة رجل وَاحِد وابتدروا أَبْوَاب الدسكرة فوجدوها مغلقة دونهم فخافهم فَقَالَ ردوهم عَليّ فردوهم عَلَيْهِ فَقَالَ يَا معشر الرّوم إِنِّي إِنَّمَا قلت لكم هَذِه الْمقَالة أغمزكم بهَا لأنظر كَيفَ صلابتكم فِي دينكُمْ فَلَقَد رَأَيْت مِنْكُم مَا سرني فوقعوا لَهُ سجدا ثمَّ فتحت لَهُم أَبْوَاب الدسكرة فَخَرجُوا
وَأخرج الْبَزَّار أَبُو نعيم عَن دحْيَة الْكَلْبِيّ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر صَاحب الرّوم بِكِتَاب فاستأذنت فَقلت أستذنوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإتي قَيْصر فَقيل إِن على الْبَاب رجلا يزْعم أَنه رَسُول رَسُول الله
ففزعوا لذَلِك وَقَالَ أدخلوه فادخلت عَلَيْهِ وَعِنْده بطارقته فأعطيته الْكتاب فقرىء عَلَيْهِ فَإِذا فِيهِ (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى قَيْصر صَاحب الرّوم فنخر إِبْنِ أَخ لَهُ أَحْمَر أَزْرَق سبط الشّعْر فَقَالَ لَا تقْرَأ الْكتاب الْيَوْم لِأَنَّهُ بَدَأَ بِنَفسِهِ
(2/7)
وَكتب صَاحب الرّوم قَالَ فَقَرَأَ الْكتاب حَتَّى فرغ مِنْهُ ثمَّ أَمرهم قَيْصر فَخَرجُوا من عِنْده ثمَّ بعث إِلَى فَدخلت إِلَيْهِ فَأَخْبَرته فَبعث إِلَى الأسقف فَدخل عَلَيْهِ وَكَانَ صَاحب أَمرهم يصدرون عَن قَوْله ورأيه فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب قَالَ الأسقف هُوَ وَالله الَّذِي بشرنا بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم ومُوسَى الَّذِي كُنَّا ننتظره قَالَ قَيْصر فَمَا تَأْمُرنِي قَالَ الأسقف أما أَنا فمصدقه ومتبعه فَقَالَ قَيْصر إِنِّي أعرف أَنه كَذَلِك وَلَكِن لَا أَسْتَطِيع أَن أفعل إِن فعلت ذهب ملكي وقتلتني الرّوم ثمَّ أرسل قَيْصر ان اطْلُبُوا رجلا من الْعَرَب وَكَانَ أَبُو سُفْيَان قدمهَا تَاجِرًا فَأتي بِهِ وَأدْخل عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَخْبرنِي عَن هَذَا الرجل الَّذِي خرج بأرضكم مَا هُوَ قَالَ هُوَ شَاب قَالَ كَيفَ حَسبه قَالَ هُوَ ذُو حسب فِينَا لَا يفضل عَلَيْهِ أحد قَالَ هَذِه آيَة النُّبُوَّة قَالَ من اتِّبَاعه قَالَ الشَّبَاب والسفلة قَالَ هَذِه آيَة النُّبُوَّة قَالَ أَرَأَيْت من يخرج مِنْكُم إِلَيْهِ هَل يرجع إِلَيْكُم قَالَ لَا قَالَ هَذِه آيه النُّبُوَّة قَالَ أَرَأَيْت من يخرج إِلَيْكُم من أَصْحَابه يرجع إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالَ هَذِه آيَة النُّبُوَّة قَالَ هَل ينكب أَحْيَانًا إِذا قَاتل هُوَ وَأَصْحَابه قَالَ نعم قَالَ هَذِه آيَة النُّبُوَّة ثمَّ دَعَاني فَقَالَ ابلغ صَاحبك إِنِّي اعْلَم أَنه نَبِي وَلَكِن لَا أترك ملكي ثمَّ أَخذ الْكتاب فَوَضعه على رَأسه ثمَّ قبله وطواه فِي الديباج وَالْحَرِير وَجعله فِي سفط وَأما الأسقف فَإِن النَّصَارَى كَانُوا يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ كل يَوْم الْأَحَد فَيخرج إِلَيْهِم وَيذكرهُمْ ويقص عَلَيْهِم ثمَّ يدْخل فيقعد إِلَى يَوْم الْأَحَد فَكنت أَدخل عَلَيْهِ فيسألني فَلَمَّا أَن جَاءَ الْأَحَد انتظروه ليخرج إِلَيْهِم فَلم يخرج واعتل عَلَيْهِم بِالْمرضِ فَفعل ذَلِك مرَارًا حَتَّى كَانَ آخر ذَلِك أَن حَضَرُوا ثمَّ بعثوا إِلَيْهِ لتخْرجن أَو لندخلن عَلَيْك فَإنَّا قد أنكرناك مُنْذُ قدم هَذَا الْعَرَبِيّ قَالَ دحْيَة فَبعث إِلَيّ الأسقف أَن أذهب إِلَى صَاحبك فاقرأ عَلَيْهِ السَّلَام واخبره إِنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنه رَسُول الله ثمَّ خرج إِلَيْهِم فَقَتَلُوهُ
واخرج أَبُو نعيم عَن أبي سُفْيَان قَالَ جمع هِرقل بطارقته وأشرافهم فَجَلَسَ على مجْلِس مُرْتَفع لَا ينالونه ثمَّ أَمر الْكَنِيسَة فغلقت ثمَّ خطبهم فَقَالَ إِن هَذَا النَّبِي
(2/8)
الَّذِي بشركم بِهِ عِيسَى فَاتَّبعُوهُ وآمنوا بِهِ فنخروا نخرة وَاحِدَة ثمَّ استجالوا فِي الْكَنِيسَة فوجدوها مغلقة وَلم تنله أَيْديهم فَلَمَّا رأى ذَلِك مِنْهُم قَالَ إجلسوا إِنَّمَا أردْت أَن ابلوكم وخشيت أَن يخدعكم عَن دينكُمْ فقد سرني مَا رَأَيْت مِنْكُم فَقَالَ قاضيه أشهد أَنه رَسُول الله فَأَخَذُوهُ فَمَا زَالُوا يضربونه ويعضونه حَتَّى قَتَلُوهُ
واخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى صَاحب الرّوم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى هِرقل صَاحب الرّوم فَلَمَّا أَتَاهُ الْكتاب قَرَأَهُ فَقَامَ أَخ لَهُ فَقَالَ لَا تقْرَأ هَذَا الْكتاب بَدَأَ بِنَفسِهِ قبلك وَلم يسمك ملكا وجعلك صَاحب الرّوم فَقَالَ أَن يكن بَدَأَ بِنَفسِهِ فَهُوَ الَّذِي كتب إِلَيّ وان كَانَ سماني صَاحب الرّوم فَأَنا صَاحب الرّوم لَيْسَ لَهُم صَاحب غَيْرِي فَجعل يقْرَأ الْكتاب وَهُوَ يعرف جَبينه من كرب الْكتاب وَهُوَ فِي شدَّة القر فَقَالَ من يعرف هَذَا الرجل فارسل إِلَيّ أبي سُفْيَان فَقَالَ تعرف هَذَا الرجل قَالَ نعم قَالَ مَا نسبه فِيكُم قَالَ من أوسطنا نسبا قَالَ فَأَيْنَ دَاره من قريتكم قَالَ فِي وسط قريتنا قَالَ هَذِه من آيَاته وَذكر الْبَاقِي نَحْو مَا تقدم وَفِيه قتل الأسقف
واخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن الْمسيب قَالَ لما قَرَأَ قَيْصر كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذَا كتاب لم أسمعهُ بعد سُلَيْمَان بن دَاوُد فَدَعَا أَبَا سُفْيَان والمغيرة بن شُعْبَة فَسَأَلَهُمَا عَن بعض شَأْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ ليملكن مَا تَحت قدمي
واخرج أَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن ابْن عمر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من يذهب بكتابي إِلَى طاغية الرّوم وَله الْجنَّة) فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار يدعى عبيد الله بن عبد الْخَالِق فَقَالَ أَنا فَانْطَلق بِكِتَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بلغ الطاغي فَقَالَ أَنا رَسُول رَسُول رب الْعَالمين فَإِذن لَهُ فَدخل عَلَيْهِ فَعرف طاغية الرّوم أَنه قد جَاءَ بِالْحَقِّ من عِنْد نَبِي مُرْسل فَعرض عَلَيْهِ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجمع الرّوم عِنْده ثمَّ عرض عَلَيْهِم فكرهوا مَا جَاءَ بِهِ وآمن بِهِ رجل مِنْهُم فَقتل عِنْد إيمَانه ثمَّ أَن الرجل رَجَعَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْهُ وَمَا كَانَ من قتل الرجل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك (يَبْعَثهُ الله أمة وَحده لذَلِك الْمَقْتُول)
(2/9)
واخرج ابْن عَسَاكِر عَن دحْيَة الْكَلْبِيّ قَالَ وجهني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ملك الرّوم بكتابه وَهُوَ بِدِمَشْق فناولته كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ففك خَاتمه وَوَضعه تَحت شَيْء كَانَ عَلَيْهِ قَاعِدا ثمَّ نَادَى فَاجْتمع البطارقة وَقَومه فَقَامَ على وسائد ثنيت لَهُ وَكَذَلِكَ تقوم فَارس الرّوم لم يكن لَهما مَنَابِر ثمَّ خطب أَصْحَابه فَقَالَ هَذَا كتاب النَّبِي الَّذِي بشرنا بِهِ الْمَسِيح من ولد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم فنخروا نخرة فَأَوْمأ بِيَدِهِ أَن اسكنوا ثمَّ قَالَ إِنَّمَا جربتكم كَيفَ نصرتكم النَّصْرَانِيَّة قَالَ فَبعث إِلَيّ من الْغَد سرا فَأَدْخلنِي بَيْتا عَظِيما فِيهِ ثَلَاث مائَة وَثَلَاث عشرَة صُورَة فَإِذا هِيَ صور الْأَنْبِيَاء الْمُرْسلين قَالَ أنظر أَيْن صَاحبك من هَؤُلَاءِ فَرَأَيْت صُورَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ ينْطق قلت هَذَا قَالَ صدقت فَقَالَ صُورَة من هَذَا عَن يَمِينه قلت رجل من قومه يُقَال لَهُ أَبُو بكر قَالَ فَمن ذَا عَن يسَاره قلت رجل من قومه يُقَال لَهُ عمر قَالَ أما أَنا نجد فِي الْكتاب أَن بصاحبيه هذَيْن يتمم الله هَذَا الدّين فَلَمَّا قدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرته فَقَالَ (صدق بِأبي بكر وَعمر يتمم الله هَذَا الدّين بعدِي وَيفتح)
واخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ عَن هِشَام بن الْعَاصِ قَالَ بعثت أَنا وَرجل من قُرَيْش زمن أبي بكر إِلَى هِرقل صَاحب الرّوم نَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فخرجنا حَتَّى قدمنَا الغوطة يَعْنِي دمشق فنزلنا على جبلة بن الْأَيْهَم الغساني فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَإِذا هُوَ على سَرِير لَهُ فَأرْسل إِلَيْنَا برَسُول نكلمه فَقُلْنَا وَالله لَا نُكَلِّم رَسُولا إِنَّمَا بعثنَا إِلَى الْملك فَإِن أذن لنا كلمناه وَإِلَّا لم نُكَلِّم الرَّسُول فَرجع إِلَيْهِ الرَّسُول فَأخْبرهُ فَأذن لنا فَكَلمهُ هِشَام وَدعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام وَإِذا عَلَيْهِ ثِيَاب سَواد فَقَالَ لَهُ هِشَام مَا هَذِه الَّتِي عَلَيْك قَالَ لبستها وَحلفت أَن لَا أَنْزعهَا حَتَّى أخرجكم من الشَّام قُلْنَا ومجلسك هَذَا فو الله لنأخذنه مِنْك ولنأخذن ذَلِك الْملك الْأَعْظَم إِن شَاءَ الله أخبرنَا بذلك نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَسْتُم بهم بل هم قوم يَصُومُونَ بِالنَّهَارِ ويفطرون بِاللَّيْلِ فَكيف صومكم فَأَخْبَرنَاهُ فملىء وَجهه سوادا فَقَالَ قومُوا وَبعث مَعنا رَسُولا إِلَى الْملك فَدَخَلْنَا على أرواحلنا متقلدين سُيُوفنَا حَتَّى انتهينا إِلَى غرفَة لَهُ فأنخنا فِي أَصْلهَا وَهُوَ ينظر إِلَيْنَا فَقُلْنَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
(2/10)
فَلَقَد تنقضت الغرفة حَتَّى صَارَت كَأَنَّهَا عذق تصفقه الرِّيَاح ثمَّ دَخَلنَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا كَانَ عَلَيْكُم لَو حييتموني بتحيتكم فِيمَا بَيْنكُم قُلْنَا السَّلَام عَلَيْك قَالَ فَكيف تحيون ملككم قُلْنَا بهَا قَالَ فَكيف يرد عَلَيْكُم قُلْنَا بهَا قَالَ فَمَا أعظم كلامكم قُلْنَا لَا اله الا الله وَالله اكبر فَلَمَّا تكلمنا بهَا تنقضت الغرفة حَتَّى رفع رَأسه إِلَيْهَا قَالَ فَهَذِهِ الْكَلِمَة الَّتِي قُلْتُمُوهَا حَيْثُ تنقضت الغرفة كلما قُلْتُمُوهَا فِي بُيُوتكُمْ تنقضت بُيُوتكُمْ عَلَيْكُم قُلْنَا لَا مَا رأيناها فعلت هَذَا قطّ إِلَّا عنْدك قَالَ وددت أَنكُمْ كلما قُلْتُمْ تنقض كل شَيْء عَلَيْكُم وَإِنِّي خرجت من نصف ملكي قُلْنَا لم قَالَ لانه كَانَ أيسر لشأنها وأجدر أَن لَا تكون من أَمر النُّبُوَّة وَأَن تكون من حيل النَّاس ثمَّ سَأَلنَا عَمَّا اراد فَأَخْبَرنَاهُ
ذكر حلية الانبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
ثمَّ قَالَ كَيفَ صَلَاتكُمْ وصومكم فاخبرناه فَقَالَ قومُوا فقمنا فَأمر لنا بمنزل حسن وَنزل كثير فَأَقَمْنَا ثَلَاثًا فَأرْسل إِلَيْنَا لَيْلًا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فاستعاد قَوْلنَا فأعدناه ثمَّ دَعَا بِشَيْء كَهَيئَةِ الربعة الْعَظِيمَة مذهبَة فِيهَا بيُوت صغَار عَلَيْهَا أَبْوَاب فَفتح بَيْتا وقفلا فاستخرج حريرة سَوْدَاء فنشرها فاذا فِيهَا صُورَة حَمْرَاء وَإِذا فِيهَا رجل ضخم الْعَينَيْنِ عَظِيم الاذنين لم ار مثل طول عُنُقه وَإِذا لَيست لَهُ لحية وَإِذا لَهُ ضفيرتان أحسن مَا خلق الله قَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِذا هُوَ أَكثر النَّاس شعرًا ثمَّ فتح لنا بَابا آخر واستخرج مِنْهُ حريرة سَوْدَاء واذا فِيهَا صُورَة بَيْضَاء وَإِذا لَهُ شعر كشعر القطط أَحْمَر الْعَينَيْنِ ضخم الهامة حسن اللِّحْيَة قَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة سَوْدَاء وَإِذا فِيهَا رجل شَدِيد الْبيَاض حسن الْعَينَيْنِ صلت الجبين طَوِيل الخد ابيض اللِّحْيَة
(2/11)
كَأَنَّهُ يبتسم فَقَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ جريرة سَوْدَاء فاذا فِيهَا صور بَيْضَاء وَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اتعرفون من هَذَا قُلْنَا نعم مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ قَائِما ثمَّ جلس وَقَالَ وَالله إِنَّه لَهو قُلْنَا نعم إِنَّه لَهو فَأمْسك سَاعَة ثمَّ قَالَ أما أَنه كَانَ آخر الْبيُوت وَلَكِنِّي عجلته لكم لأنظر مَا عنْدكُمْ ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة سَوْدَاء فاذا فِيهَا صُورَة أدماء سَحْمَاء وَإِذا رجل جعد قطط غاثر الْعَينَيْنِ حَدِيد النّظر عَابس الْوَجْه متراكب الْأَسْنَان مقلص الشّفة كَأَنَّهُ غَضْبَان فَقَالَ اتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِلَى جنبه صُورَة تشبهه إِلَّا أَنه مدهان الرَّأْس عريض الجبين فِي عَيْنَيْهِ قبل قَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا هَارُون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة بَيْضَاء فَإِذا فِيهَا صُورَة رجل آدم سبط ربعَة كَأَنَّهُ غَضْبَان فَقَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا لوط عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة بَيْضَاء فَإِذا فِيهَا صُورَة رجل أَبيض مشرب بحمرة أقنى خَفِيف العارضين حسن الْوَجْه قَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا إِسْحَاق ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة بَيْضَاء فَإِذا فِيهَا صُورَة تشبه إِسْحَاق عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَّا انه على شفته خَال فَقَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا يَعْقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة سَوْدَاء فَإِذا فِيهَا صُورَة رجل أَبيض حسن الْوَجْه اقنى الانف حسن الْقَامَة يَعْلُو وَجهه نور يعرف فِي وَجهه الْخُشُوع يضْرب إِلَى الْحمرَة فَقَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا إِسْمَاعِيل جد نَبِيكُم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة بَيْضَاء فَإِذا فِيهَا صُورَة بَيْضَاء كَأَنَّهَا صُورَة آدم كَأَن وَجهه الشَّمْس فَقَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة بَيْضَاء فَإِذا فِيهَا صُورَة
(2/12)
رجل أَحْمَر حمش السَّاقَيْن أخفش الْعَينَيْنِ ضخم الْبَطن ربعَة مُتَقَلِّدًا سَيْفا فَقَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج حريرة بَيْضَاء فِيهَا صُورَة رجل ضخم الإليتين طَوِيل الرجلَيْن رَاكب فرسا فَقَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ فتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة سَوْدَاء فَإِذا فِيهَا صُورَة بَيْضَاء واذا رجل شَاب شَدِيد سَواد اللِّحْيَة كثير الشّعْر حسن الْوَجْه فَقَالَ هَل تعرفُون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قُلْنَا من ايْنَ لَك هَذِه الصُّور لأَنا نعلم أَنَّهَا على مَا صورت عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاء لأَنا رَأينَا صُورَة نَبينَا مثله فَقَالَ إِن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سَأَلَ ربه أَن يرِيه الْأَنْبِيَاء من وَلَده فَأنْزل عَلَيْهِ صورهم وَكَانَ فِي خزانَة آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عِنْد مغرب الشَّمْس فاستخرجها ذُو القرنين من مغرب الشَّمْس فَدَفعهَا إِلَى دانيال ثمَّ قَالَ اما وَالله وددت أَن نَفسِي طابت بِالْخرُوجِ من ملكي وَأَنِّي كنت عبدا لأشدكم ملكة حَتَّى أَمُوت ثمَّ أجازنا فَأحْسن جائزتنا وسرحنا فَمَا أَتَيْنَا أَبَا بكر الصّديق أخبرناه بِمَا رَأَيْنَاهُ وَمَا قَالَ لنا فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ مِسْكين لَو اراد الله بِهِ خيرا لفعل ثمَّ قَالَ أخبرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم وَالْيَهُود يَجدونَ نعت مُحَمَّد عِنْدهم
واخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة أَيْضا ثمَّ قَالَ فِي هَذِه الْقِصَّة من إنتقاض الغرفة حِين أهلوا بِلَا إِلَه إِلَّا الله مَا يدل على أَنه يُوجد من المعجزات بعد موت الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا يُوجد أَمْثَالهَا قبل بعثتهم أعلاما وإنذارا بِقرب مبعثهم
واخرج أَبُو يعلى وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن ابي رَاشد قَالَ لقِيت التنوخي رَسُول هِرقل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَلا تُخبرنِي عَن رِسَالَة هِرقل قَالَ بلَى قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك
(2/13)
فَبعث دحْيَة إِلَى هِرقل فَلَمَّا جَاءَهُ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا قسيسي الرّوم وبطارقتهم ثمَّ اغلق عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم الدَّار فَقَالَ إِن هَذَا الرجل قد أرسل إِلَيّ يدعوني وَوَاللَّه لقد قَرَأْتُمْ فِيمَا تقرؤن من الْكتب أَنه ليأخذن مَا تَحت قدمي فَهَلُمَّ إِلَى أَن نتبعه فنخروا نخرة رجل وَاحِد فَلَمَّا ظن أَنهم إِن خَرجُوا من عِنْده أفسدوا عَلَيْهِ الرّوم قَالَ إِنَّمَا قلت لأعْلم صلابتكم على أَمركُم ثمَّ أَنه دَعَاني فَقَالَ اذْهَبْ بكتابي إِلَى هَذَا الرجل فَمَا ضيعت من حَدِيثه فاحفظ لي ثَلَاث خِصَال أنظر هَل يذكر صَحِيفَته الَّتِي كتب إِلَيّ بِشَيْء وَانْظُر إِذا قَرَأَ كتابي هَل يذكر اللَّيْل وَانْظُر فِي ظَهره هَل بِهِ شَيْء يريبك فَانْطَلَقت بكتابه حَتَّى جِئْت تَبُوك فناولته كتابي فَقَالَ يَا أَخا تنوخ إِنِّي كتبت بكتابي إِلَى كسْرَى فمزقه وَالله ممزقة وأملكه وَكتب إِلَى النَّجَاشِيّ بِصَحِيفَة فخرقها وَالله مخرقة ومخرق ملكه وَكتب إِلَى صَاحبك بِصَحِيفَة فَأَمْسكهَا وَلنْ يزَال النَّاس يَجدونَ مِنْهُ بَأْسا مَا دَامَ فِي الْعَيْش قلت هَذِه إِحْدَى الثَّلَاث الَّتِي أَوْصَانِي بهَا ثمَّ أَنه ناول الصَّحِيفَة رجلا عَن يسَاره فقرأها فَإِذا فِيهَا دعوتني إِلَى جنَّة عرضهَا السَّمَاء وَالْأَرْض فَأَيْنَ النَّار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سُبْحَانَ الله أَيْن اللَّيْل إِذا جَاءَ النَّهَار ثمَّ قَالَ تَعَالَى يَا أَخا تنوخ فَحل حبوته عَن ظَهره ثمَّ قَالَ هَا هُنَا أمض لما أمرت بِهِ فَجلت فِي ظَهره فَإِذا بِخَاتم فِي مَوضِع غضروف الْكَتف مثل المحجمة الضخمة)
بَاب مَا وَقع عِنْد كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى
اخْرُج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بكتابه إِلَى كسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ كسْرَى مزقه فَدَعَا عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَن يمزقوا كل ممزق) وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِبْنِ شهَاب حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بكتابه إِلَى كسْرَى فمزقه كسْرَى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مزق كسْرَى ملكه)
(2/14)
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن دحْيَة أَن كسْرَى لما كتب اليه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب كسْرَى إِلَى صَاحبه بِصَنْعَاء يتوعد وَيَقُول أَلا تكفيني رجلا خرج بأرضك يدعوني الى دينه لتكفينه أَو لَأَفْعَلَنَّ بك فَبعث صَاحب صنعاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب صَاحبهمْ تَركهم خمس عشرَة لَيْلَة ثمَّ قَالَ لَهُم (أذهبوا إِلَى صَاحبكُم فَقولُوا إِن رَبِّي قد قتل رَبك اللَّيْلَة) فَانْطَلقُوا فأخبروه قَالَ دحْيَة ثمَّ جَاءَ الْخَبَر بِأَن كسْرَى قتل تِلْكَ اللَّيْلَة
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم والخرائطي عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه بلغه أَن كسْرَى بَيْنَمَا هُوَ فِي دسكرة مَمْلَكَته قيض لَهُ عَارض فَعرض عَلَيْهِ الْحق فَلم يفجأ كسْرَى إِلَّا رجل يمشي وَفِي يَده عَصا فَقَالَ يَا كسْرَى هَل لَك فِي الْإِسْلَام قبل أَن أكسر هَذَا الْعَصَا قَالَ كسْرَى نعم فَلَا تكسرها لَا تكسرها فولى الرجل فَلَمَّا ذهب أرسل ترى إِلَى حجابه فَقَالَ من أذن لهَذَا الرجل عَليّ قَالُوا مَا دخل عَلَيْك أحد قَالَ كَذبْتُمْ فَغَضب عَلَيْهِم فتلتهلم ثمَّ تَركهم فَلَمَّا كَانَ رَأس الْحول أَتَاهُ ذَلِك الرجل وَمَعَهُ الْعَصَا فَقَالَ يَا كسْرَى هَل لَك فِي الْإِسْلَام قبل أَن أكسر هَذِه الْعَصَا قَالَ نعم لَا تكسرها لَا تكسرها فَلَمَّا انْصَرف عَنهُ دَعَا كسْرَى حجابه فَقَالَ من أذن لهَذَا فانكروا أَن يكون دخل عَلَيْهِ أحد فَلَقوا من كسْرَى مثل مَا لقوا فِي الْمرة الاولى حَتَّى إِذا كَانَ الْحول الْمُسْتَقْبل أَتَاهُ ذَلِك الرجل وَمَعَهُ الْعَصَا فَقَالَ هَل لَك يَا كسْرَى فِي الْإِسْلَام قبل أَن أكسر هَذِه الْعَصَا فَقَالَ لَا تكسرها لَا تكسرها فَكَسرهَا فَأهْلك الله كسْرَى عِنْد ذَلِك // مُرْسل صَحِيح // الْإِسْنَاد رَوَاهُ عَن أبي سَلمَة الزُّهْرِيّ وَعمر ابْن عبد الْقوي وَعَن الزُّهْرِيّ عقيل وَعبد الله بن أبي بكر وَصَالح بن كسيان وَغَيرهم واخرجه الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم مَوْصُولا عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة
وَأخرج أَبُو نعيم نَحوه عَن عِكْرِمَة وَزَاد فَلذَلِك كتب ابْن كسْرَى إِلَى باذان ينهاه أَن يُحَرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَافَ مَا رأى
(2/15)
واخرج أَبُو نعيم وَابْن النجار عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن الصَّحَابَة قَالُوا يَا رَسُول الله مَا حجَّة الله على كسْرَى فِيك قَالَ بعث الله إِلَيْهِ ملكا فَأخْرج يَده من سور جِدَار بَيته الَّذِي هُوَ فِيهِ تلألأ نورا فَلَمَّا رَآهَا فزع فَقَالَ لم ترع يَا كسْرَى إِن الله قد بعث رَسُولا وَانْزِلْ عَلَيْهِ كتابا فَاتبعهُ تسلم دنياك وآخرتك قَالَ سَأَنْظُرُ
واخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن عَوْف عَن عُمَيْر بن إِسْحَاق قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر فَأَما قَيْصر فَوَضعه وَأما كسْرَى فمزقه فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (أما هَؤُلَاءِ فيمزقون وَأما هَؤُلَاءِ فَتكون لَهُم بَقِيَّة)
واخرج أَبُو نعيم عَن أبي امامة الْبَاهِلِيّ قَالَ مثل بَين يَدي كسْرَى رجل فِي بردين أخضرين مَعَه قضيب أَخْضَر قد حَنى ظَهره وَهُوَ يَقُول يَا كسْرَى أسلم وَإِلَّا كسرت ملكك كَمَا أكسر هَذِه الْعَصَا فَقَالَ كسْرَى لَا تفعل ثمَّ تولى عَنهُ
واخرج ابو نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ أَن شَيخا حَدثهُ بِالْمَدَائِنِ قَالَ رأى كسْرَى فِي النّوم أَن سلما وضع فِي الأَرْض إِلَى السَّمَاء وَحشر النَّاس حوله إِذْ أقبل رجل عَلَيْهِ عِمَامَة وَإِزَار ورداء فَصَعدَ السّلم حَتَّى إِذا كَانَ بمَكَان مِنْهُ نُودي أَيْن فَارس ورجالها ونساؤها ولامتها وكنوزها فاقبلوا فَجعلُوا فِي جوالق ثمَّ دفع الجوالق إِلَى ذَلِك الرجل فَأصْبح كسْرَى مَحْزُونا بِتِلْكَ الرُّؤْيَا فَذكر ذَلِك لاساورته فَجعلُوا يهونون عَلَيْهِ الْأَمر فَلم يزل مهموما حَتَّى قدم عَلَيْهِ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
واخرج أَبُو نعيم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ إِن كسْرَى رأى فِي النّوم أَن سلما فَذكر نَحوه وَزَاد فَكتب كسْرَى إِلَى باذان عَامل الْيمن أَن ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرجل فمره فَليرْجع إِلَى دين قومه وَإِلَّا فليواعدك يَوْمًا تلقتون فِيهِ فَبعث باذان إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَيْنِ فامرهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالْمقَام فأقاما أَيَّامًا ثمَّ أرسل إِلَيْهِمَا ذَات غَدَاة فَقَالَ (انْطَلقَا إِلَى باذان فاعلماه إِن رَبِّي قد قتل كسْرَى فِي هَذِه اللَّيْلَة) فَانْطَلقَا فَأَخْبَرَاهُ فَأَتَاهُ الْخَبَر كَذَلِك
(2/16)
واخرج ابْن سعد من طَرِيق الْوَاقِدِيّ عَن ابْن عَبَّاس والمسور بن رِفَاعَة والْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا لما كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى كتب كسْرَى إِلَى باذان عَامله فِي الْيمن أَن ابْعَثْ من عنْدك رجلَيْنِ جلدين إِلَى هَذَا الرجل الَّذِي بالحجاز فليأتياني بِهِ فَبعث باذان رجلَيْنِ وَكتب مَعَهُمَا كتابا فَلَمَّا دفعا الْكتاب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبَسم ودعاهما إِلَى الْإِسْلَام وفرائصهما ترْعد وَقَالَ (ارْجِعَا عني يومكما وائتياني الْغَد فأخبركما بِمَا أُرِيد فجاءاه الْغَد فَقَالَ ابلغا صاحبكما أَن رَبِّي قد قتل ربه كسْرَى فِي هَذِه اللَّيْلَة لسبع سَاعَات مَضَت مِنْهَا وَإِن الله سلط عَلَيْهِ ابْنه شيرويه فَقتله) فَرَجَعَا إِلَى باذان بذلك فَأسلم هُوَ وَالْأَبْنَاء الَّذين بِالْيمن
واخرج أَبُو نعيم وَابْن سعد فِي شرف الْمُصْطَفى من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ لما قدم كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى كتب إِلَى باذان عَامله بِالْيمن أَن ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرجل الَّذِي بالحجاز رجلَيْنِ جلدين من عنْدك فليأتياني بِهِ فَبعث باذان قهرمانه ورجلا آخر وَكتب مَعَهُمَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرهُ أَن يتَوَجَّه مَعَهُمَا إِلَى كسْرَى وَقَالَ لقهرمانه انْظُر إِلَى الرجل وَمَا هُوَ وَكَلمه وائتني بِخَبَرِهِ فَقدما على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ ارْجِعَا حَتَّى تأتياني غَدا فَلَمَّا غدوا عَلَيْهِ أخبرهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن الله قد قتل كسْرَى وسلط عَلَيْهِ ابْنه شيروية فِي لَيْلَة كَذَا من شهر كَذَا بعد مَا مضى من اللَّيْل قَالَا هَل تَدْرِي مَا تَقول نخبر الْملك بذلك قَالَ نعم أخبراه ذَلِك عني وقولا لَهُ إِن ديني وسلطاني سيبلغ مَا بلغ ملك كسْرَى وَيَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهى الْخُف والحافر وقولا لَهُ إِنَّك إِن أسلمت أَعطيتك مَا تَحت يدك فَقدما على باذان فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ وَالله مَا هَذَا بِكَلَام ملك ولننظرن مَا قَالَ فَلم ينشب أَن قدم عَلَيْهِ كتاب شيرويه أما بعد فَإِنِّي قتلت كسْرَى غَضبا لفارس وَلما كَانَ يَسْتَحِيل من قتل أَشْرَافهَا فَخذ لي الطَّاعَة مِمَّن قبلك وَلَا تهيجن الرجل الَّذِي كتب لَك كسْرَى بِسَبَبِهِ بِشَيْء فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ إِن هَذَا الرجل لنَبِيّ مُرْسل فَأسلم وَأسْلمت الْأَبْنَاء من آل فَارس وَقَالَ باذان
(2/17)
لقهرمانه كَيفَ هُوَ قَالَ مَا كلمت رجلا قطّ أهيب عِنْدِي مِنْهُ قَالَ هَل مَعَه شَرط قَالَ لَا وَأخرج أَبُو نعيم من حَدِيث جَابر بن عبد الله نَحوه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي بكرَة قَالَ لما كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى كتب كسْرَى إِلَى عَامله بِالْيمن باذان أَن بَلغنِي أَنه خرج من قبلك رجل يزْعم أَنه نَبِي فَقل لَهُ فليكفف عَن ذَلِك أَو لَأَبْعَثَن إِلَيْهِ من يقْتله وَقَومه فَوجه باذان إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ هَذَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو كَانَ هَذَا الشَّيْء فعلته من قبلي لكففت عَنهُ وَلَكِن الله بَعَثَنِي فَأَقَامَ الرَّسُول عِنْده فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن رَبِّي قد أهلك كسْرَى فَلَا كسْرَى بعد الْيَوْم وَقد قتل قَيْصر فَلَا قَيْصر بعد الْيَوْم فَكتب قَوْله فِي السَّاعَة الَّتِي حَدثهُ وَالْيَوْم والشهر الَّذِي حَدثهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَى باذان فَإِذا كسْرَى قد مَاتَ وَإِذا قَيْصر قد مَاتَ
واخرج الديلمي عَن عمر بن الْخطاب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرسولي كسْرَى عَظِيم فَارس لما بعثهما إِلَيْهِ (إِن رَبِّي قد قتل رَبكُمَا اللَّيْلَة قَتله إبنه سلطه الله عَلَيْهِ فقولا لصاحبكما إِن تسلم أعطك مَا تَحت يدك وَإِن لَا تفعل يعن الله عَلَيْك)
بَاب مَا وَقع عِنْد كِتَابَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْحَارِث الغساني
اخْرُج ابْن سعد من طَرِيق الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه قَالُوا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شُجَاع بن وهب الْأَسدي إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر الغساني وَكتب مَعَه كتابا قَالَ شُجَاع فانتهيت إِلَيْهِ وَهُوَ بغوطة دمشق فَأتيت حَاجِبه فَقلت إِنِّي رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا تصل إِلَيْهِ حَتَّى يخرج يَوْم كَذَا وَكَذَا وَجعل حَاجِبه وَكَانَ رجلا روميا اسْمه مري يسألني عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكنت أحدثه عَن صفته وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ فيرق حَتَّى يغلبه الْبكاء وَيَقُول إِنِّي قَرَأت الْإِنْجِيل فأجد صفة هَذَا النَّبِي بِعَيْنِه فَأَنا أُؤْمِن بِهِ وأصدق وأخاف من الْحَارِث أَن يقتلني وَخرج الْحَارِث فَجَلَسَ وَوضع التَّاج على رَأسه فَدفعت إِلَيْهِ الْكتاب فقرأه ثمَّ رمى بِهِ وَقَالَ من ينتزع مني ملكي أَنا سَائِر إِلَيْهِ وَلَو كَانَ بِالْيمن جِئْته عَليّ بِالنَّاسِ فَلم يزل يعرض حَتَّى قَامَ وَأمر بِالْخَيْلِ
(2/18)
تنعل ثمَّ قَالَ أخبر صَاحبك مَا ترى وَكتب إِلَى قَيْصر يُخبرهُ فَكتب إِلَيْهِ قَيْصر أَن لَا تسر إِلَيْهِ واله عَنهُ فَلَمَّا جَاءَهُ كتاب قَيْصر دَعَاني فَقَالَ مَتى تخرج قلت غَدا فَأمر لي بِمِائَة مِثْقَال ذهب وَقَالَ اقْرَأ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني السَّلَام فَقدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ (باد ملكه فَمَاتَ الْحَارِث عَام الْفَتْح)
بَاب مَا وَقع عِنْد كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس
اخْرُج الْبَيْهَقِيّ عَن الحاطب بن أبي بلتعة قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس ملك الاسكندرية قَالَ فَجِئْته بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنزلني فِي منزله وأقمت عِنْده ثمَّ بعث إِلَيّ وَقد جمع بطارقته وَقَالَ إِنِّي سأكلمك بِكَلَام وَأحب أَن تفهمه مني قَالَ قلت هَلُمَّ قَالَ اخبرني عَن صَاحبك أَلَيْسَ هُوَ نَبيا قلت بلَى هُوَ رَسُول الله قَالَ فَمَا لَهُ حَيْثُ كَانَ هَكَذَا لم يدع على قومه حَيْثُ أَخْرجُوهُ من بَلَده إِلَى غَيرهَا قَالَ فَقلت عِيسَى ابْن مَرْيَم أَلَيْسَ نشْهد أَنه رَسُول الله فَمَاله حَيْثُ أَخذه قومه فأرادوا أَن يصلبوه أَن لَا يكون دَعَا عَلَيْهِم بِأَن يُهْلِكهُمْ الله عز وَجل حَتَّى رَفعه الله إِلَيْهِ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا قَالَ أَنْت الْحَكِيم الَّذِي جَاءَ من عِنْد الْحَكِيم
واخرج الْوَاقِدِيّ أَبُو نعيم عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَنه لما خرج مَعَ بني مَالك إِلَى الْمُقَوْقس قَالَ لَهُم كَيفَ خلصتم إِلَيّ من طائفكم وَمُحَمّد وَأَصْحَابه بيني وَبَيْنكُم قَالُوا ألصقنا بالبحر وَقد خفناه على ذَلِك قَالَ فَكيف صَنَعْتُم فِيمَا دعَاكُمْ إِلَيْهِ قَالُوا مَا تبعه منا رجل وَاحِد قَالَ وَلم ذَلِك قَالُوا جَاءَنَا بدين مُجَدد لَا تدين بِهِ الأباء وَلَا يدين بِهِ الْملك وَنحن على مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا قَالَ فَكيف صنع قومه قَالَ تبعه أحداثهم وَقد لاقاه من خَالفه من قومه وَغَيرهم من الْعَرَب فِي مَوَاطِن مرّة تكون عَلَيْهِم الدبرة وَمرَّة تكون لَهُم قَالَ أَلا تخبروني إِلَى مَاذَا يَدْعُو قَالَ يَدْعُو إِلَى أَن نعْبد الله وَحده لَا شريك لَهُ ونخلع مَا كَانَ يعبد الْآبَاء وَيَدْعُو إِلَى الصَّلَاة وَالزَّكَاة قَالَ ألهما وَقت يعرف وَعدد يَنْتَهِي إِلَيْهِ قَالَ يصلونَ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة خمس صلوَات كلهَا بمواقيت وَعدد ويؤدون من كل مَا بلغ عشْرين مِثْقَالا وكل
(2/19)
إبل خمْسا شاه ثمَّ أَخْبرُوهُ بِصَدقَة الْأَمْوَال كلهَا قَالَ أَفَرَأَيْتُم إِذا أَخذهَا أَيْن يَضَعهَا قَالَ يردهَا على فقرائهم وَيَأْمُر بصلَة الرَّحِم ووفاء الْعَهْد وَتَحْرِيم الزِّنَا والربا وَالْخمر وَلَا يَأْكُل مَا ذبح لغير الله قَالَ هُوَ نَبِي مُرْسل للنَّاس كَافَّة وَلَو أصَاب القبط وَالروم تبعوه وَقد أَمرهم بذلك عِيسَى بن مَرْيَم وَهَذَا الَّذِي تصفون مِنْهُ بعثت بِهِ الْأَنْبِيَاء من قبل وستكون لَهُ الْعَاقِبَة حَتَّى لَا ينازعه أحد وَيظْهر دينه إِلَى مُنْتَهى الْخُف والحافر ومنقطع البحور قُلْنَا لَو دخل النَّاس كلهم مَعَه مَا دَخَلنَا فانفض رَأسه وَقَالَ أَنْتُم فِي اللّعب ثمَّ قَالَ كَيفَ نسبه فِي قومه قُلْنَا هُوَ أوسطهم نسبا قَالَ كَذَلِك الْأَنْبِيَاء تبْعَث فِي نسب قَومهَا قَالَ فَكيف صدق حَدِيثه قُلْنَا مَا يُسمى إِلَّا الْأمين من صدقه قَالَ انْظُرُوا إِلَى أُمُوركُم أترونه يصدق فِيمَا بَيْنكُم وَبَينه ويكذب على الله قَالَ فَمن اتبعهُ قُلْنَا الْأَحْدَاث قَالَ هم اتِّبَاع الْأَنْبِيَاء قبله قَالَ فَمَا فعل يهود يثرب فهم أهل التَّوْرَاة قُلْنَا خالفوه فأوقع بهم فَقَتلهُمْ وسباهم وَتَفَرَّقُوا فِي كل وَجه قَالَ هم قوم حسد حسدوه أما أَنهم يعْرفُونَ من أمره مثل مَا نَعْرِف
قَالَ الْمُغيرَة فقمنا من عِنْده وَقد سمعنَا كلَاما ذللنا لمُحَمد وخضعنا وَقُلْنَا مُلُوك الْعَجم يصدقونه ويخافونه فِي بعد أرحامهم مِنْهُ وَنحن أقرباؤه وجيرانه لم ندخل مَعَه وَقد جَاءَنَا دَاعيا إِلَى مَنَازلنَا قَالَ الْمُغيرَة فاقمت بالإسكندرية لَا أدع كَنِيسَة إِلَّا دَخَلتهَا وَسَأَلت أساقفها من قبطها ورومها عَمَّا يَجدونَ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أَسْقُف من القبط لم أر أحدا أَشد اجْتِهَادًا مِنْهُ فَقلت أَخْبرنِي هَل بَقِي أحد من الْأَنْبِيَاء قَالَ نعم وَهُوَ آخر الْأَنْبِيَاء لَيْسَ بَينه وَبَين عِيسَى نَبِي قد أَمر عِيسَى باتباعه وَهُوَ النَّبِي الْأُمِّي الْعَرَبِيّ أُسَمِّهِ أَحْمد لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير فِي عَيْنَيْهِ حمرَة وَلَيْسَ بالأبيض وَلَا بالآدم يعفي شعره ويلبس مَا غلظ من الثِّيَاب ويجتزي بِمَا لَقِي من الطَّعَام سَيْفه على عَاتِقه وَلَا يُبَالِي من لَاقَى يُبَاشر الْقِتَال بِنَفسِهِ وَمَعَهُ أَصْحَابه يفدونه بِأَنْفسِهِم هم أَشد لَهُ حبا من آبَائِهِم وَأَوْلَادهمْ من حرم يَأْتِي وَإِلَى حرم يُهَاجر إِلَى أَرض سباخ ونخل يدين بدين إِبْرَاهِيم قلت زِدْنِي فِي صفته قَالَ يأتزر على وَسطه وَيغسل أَطْرَافه ويخص مَا لم يخص بِهِ الْأَنْبِيَاء قبله
(2/20)
كَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه وَيبْعَث إِلَى النَّاس كَافَّة وَجعلت لَهُ الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا أَيْنَمَا أَدْرَكته الصَّلَاة تيَمّم وَصلى وَكَانَ من قبله مشددا عَلَيْهِ لَا يصلونَ إِلَّا فِي الْكَنَائِس وَالْبيع قَالَ الْمُغيرَة فوعيت ذَلِك كُله من قَوْله وَقَول غَيره وَرجعت فَأسْلمت
واخرج ابْن سعد من طَرِيق الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه قَالُوا لما كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس عَظِيم القبط كتب إِلَيْهِ الْمُقَوْقس قد علمت أَن نَبيا قد بَقِي وَكنت أَظن أَنه يخرج بِالشَّام وَقد اكرمت رَسُولك وَبعثت إِلَيْك بهدية
بَاب مَا وَقع عِنْد كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حمير
اخْرُج ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْحَارِث ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير وَبعث بِالْكتاب مَعَ عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي وَقَالَ إِذا جِئْت أَرضهم فَلَا تدخلن لَيْلًا حَتَّى تصبح ثمَّ تطهر فَأحْسن طهورك وصل رَكْعَتَيْنِ واسأل الله النجاح وَالْقَبُول واستعذ بِاللَّه وَخذ كتابي بيمينك وادفعه فِي أَيْمَانهم فَإِنَّهُم قابلون واقرأ عَلَيْهِم {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين} فَإِذا فرغت مِنْهَا فَقل آمَنت بمحمدوأنا أول الْمُؤمنِينَ فَلَنْ تَأْتِيك حجَّة إِلَّا دحضت وَلَا كتاب زخرف إِلَّا ذهب نوره وهم قارئون عَلَيْك فَإِذا رطنوا عَلَيْك فَقل ترجموا قل حسبي الله آمَنت بِمَا انْزِلْ الله من كتاب وامرت لأعدل بَيْنكُم إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِلَيْهِ الْمصير} فَإِذا أَسْلمُوا فسلهم قضبهم الثَّلَاثَة الَّتِي إِذا حَضَرُوا بهَا سجدوا وَهِي من الأثل قضيب ملمع ببياض وصفرة وقضيب ذُو عجر كَأَنَّهُ خيزران وَالْأسود البهيم كَأَنَّهُ من ساسم ثمَّ اخرجها
(2/21)
فحرقها بسوقهم قَالَ عَيَّاش فَخرجت أفعل مَا أَمرنِي رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انْتَهَيْت إِلَيْهِم فَقلت أَنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفعلت مَا أَمرنِي فقبلوا وَكَانَ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَاب مَا وَقع عِنْد كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الجلندي
اخْرُج وثيمة فِي الرِّدَّة عَن ابْن إِسْحَاق أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى الجلندي ملك عمان يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَقَالَ لقد دلَّنِي على هَذَا النَّبِي الْأُمِّي أَنه لَا يَأْمر بِخَير إِلَّا كَانَ أول آخذ بِهِ وَلَا يُنْهِي عَن شَيْء إِلَّا مان أول تَارِك لَهُ وَأَنه يغلب فَلَا يبطر ويغلب فَلَا يهجر وَأَنه يَفِي بالعهد وينجز الْوَعْد وَأشْهد أَنه نَبِي
بَاب مَا وَقع عِنْد كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني حارثه
اخْرُج أَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ رَأَيْت عَن شُيُوخه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى بني حَارِثَة بن عَمْرو بن قرط يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام فَأخذُوا صَحِيفَته فغسلوها ورقعوا بهَا دلوهم فَقَالَ رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا لَهُم ذهب الله بعقولهم قَالَ فهم أهل رعدة وعجلة وَكَلَام مختلط وَأهل سفه) قَالَ الْوَاقِدِيّ قد رَأَيْت بَعضهم عيا لَا يحسن تَبْيِين الْكَلَام
بَاب صَاعِقَة من السَّمَاء أحرقت رَأْسا من رُؤُوس الْمُشْركين
اخْرُج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من أَصْحَابه إِلَى رَأس من رُؤُوس الْمُشْركين يَدعُوهُ إِلَى الله فَقَالَ الْمُشرك هَذَا الْإِلَه الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ من ذهب هُوَ أم من فضَّة أم من نُحَاس فَرجع فَأرْسل الله صَاعِقَة من السَّمَاء فَأَحْرَقتهُ وَرَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الطَّرِيق لَا يدْرِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله قد أهلك صَاحبك وَنزل وَيُرْسل الصَّوَاعِق الْآيَة
(2/22)
الخصائص الكبرى
ذكر المعجزات الَّتِي وَقعت عِنْد وفادة الْوُفُود عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَاب مَا وَقع فِي وَفد ثَقِيف من الْآيَات
اخْرُج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ وَمن طَرِيق عُرْوَة قَالَ قدم عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم ثمَّ اسْتَأْذن ليرْجع إِلَى قومه فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنِّي أَخَاف أَن يَقْتُلُوك) وَلَفظ عُرْوَة أَنهم قاتلوك قَالَ لَو وَجَدُونِي نَائِما مَا أيقظوني فَرجع إِلَيْهِم فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام فعصوه واسمعوه من الْأَذَى فَلَمَّا أَسحر وطلع الْفجْر قَامَ على غرفَة لَهُ فَأذن بِالصَّلَاةِ وَتشهد فَرَمَاهُ رجل من ثَقِيف بِسَهْم فَقتله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بلغه قَتله (مثل عُرْوَة مثل صَاحب يس دَعَا قومه إِلَى الله فَقَتَلُوهُ) ثمَّ أقبل بعد قَتله من وَفد ثَقِيف بضعَة عشر رجلا فيهم كنَانَة بن عبد ياليل وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ فأسلموا وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيق عُرْوَة
واخرج ابْن سعد نَحوه من طَرِيق الوقدي عَن عبد الله بن يحيى عَن غير وَاحِد من اهل الْعلم وَفِيه (انهم إِذن قاتلوك) وَفِيه أَنه لما رمي قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله لقد اخبرني بِهَذَا انكم تقتلوني
واخرج أَبُو نعيم عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ لما رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الطَّائِف قَالَ عُرْوَة ابْن مَسْعُود لغيلان بن مسلمة أَلا ترى إِلَى مَا قد قرب الله من أَمر هَذَا الرجل وَأَن النَّاس قد تابعوه كلهم فراغب وخائف وَنحن عِنْد النَّاس أدهى الْعَرَب ومثلنا لَا يجهل مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّد وَأَنه نَبِي وَإِنِّي ذَاكر لَك أمرا لم أذكرهُ لأحد قطّ إِنِّي
(2/23)
قدمت نَجْرَان فِي تِجَارَة قبل أَن يظْهر مُحَمَّد بِمَكَّة وَكَانَ أسقفها لي صديقا فَقَالَ يَا أَبَا يَعْفُور أظلكم نَبِي يخرج فِي حرمكم وَهُوَ آخر الْأَنْبِيَاء وليقتلن قومه قتل عَاد فَإِذا ظهر ودعا إِلَى الله فَاتبعهُ فَلم أذكر من ذَلِك حرفا وَاحِدًا لآحد من ثَقِيف وَلَا غَيرهم حَتَّى السَّاعَة وَإِنِّي متبعه فَقدم عُرْوَة الْمَدِينَة فَأسلم
واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن وهب قَالَ سَأَلت جَابِرا عَن شَأْن ثَقِيف إِذا بَايَعت قَالَ أشترطت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا صَدَقَة عَلَيْهَا وَلَا جِهَاد وَأَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك يَقُول (سيتصدقون ويجاهدون إِذا أَسْلمُوا)
واخرج مُسلم عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِن الشَّيْطَان قد حَال بيني وَبَين صَلَاتي وقراءتي فَقَالَ (ذَاك الشَّيْطَان يُقَال لَهُ خنزب فَإِذا أحسسته فتعوذ بِاللَّه مِنْهُ وأتفل عَن يسارك ثَلَاثًا قَالَ فَفعلت فاذهبه الله عني
واخرج أَبُو نعيم عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ قَالَ لما بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الطَّائِف عرض لي شسء فِي صَلَاتي حَتَّى كنت لَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ (ذَاك الشَّيْطَان أدن مني فدنوت فَقَالَ أفغرفاك فَضرب صَدْرِي بِيَدِهِ وتفل فِي فِي وَقَالَ اخْرُج عَدو الله فَفعل ذَلِك ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ إلحق بعملك فَمَا عرض لي بعد ذَلِك)
واخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ قَالَ شَكَوْت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سوء حفظي لِلْقُرْآنِ فَقَالَ (ذَاك شَيْطَان يُقَال لَهُ خنزب أدن مني يَا عُثْمَان ثمَّ وضع يَده على صَدْرِي فَوجدت بردهَا بَين كَتِفي وَقَالَ اخْرُج يَا شَيْطَان من صدر عُثْمَان فَمَا سَمِعت بعد ذَلِك شَيْئا إِلَّا وحفظته)
واخرج الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَنهُ قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِن الْقُرْآن يتفلت مني فَوضع يَده على صَدْرِي وَقَالَ (يَا شَيْطَان اخْرُج من صدر عُثْمَان فَمَا نسيت شَيْئا بعد أُرِيد حفظه)
(2/24)
واخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِي وجع قد كَاد يهلكني فَقَالَ (امسح بيمينك سبع مَرَّات وَقل بِسم الله أعوذ بعزة الله وَقدرته من شَرّ مَا أجد سبع مَرَّات فَفعلت ذَلِك فَاذْهَبْ الله مَا كَانَ بِي فَلم أزل آمُر بِهِ أَهلِي بِهِ وَغَيرهم)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد بني حنيفَة من الْآيَات
اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قدم مُسَيْلمَة الْكذَّاب الْمَدِينَة فِي بشر كثير من قومه فَجعل يَقُول إِن جعل لي مُحَمَّد الْأَمر من بعده اتبعته فَأقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ ثَابت بن قيس بن شماس وَفِي يَد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِطْعَة جريد حَتَّى وقف على مُسَيْلمَة فَقَالَ (لَئِن سَأَلتنِي هَذِه الْقطعَة مَا أعطيتكها وَلنْ تعدو أَمر الله فِيك وَلَئِن أَدْبَرت ليَعْقِرنك الله وَإِنِّي أَرَاك الَّذِي أريت فِيهِ مَا رَأَيْت وَهَذَا ثَابت بن قيس يجيبك عني) ثمَّ انْصَرف قَالَ ابْن عَبَّاس فَسَأَلت عَن قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّك الَّذِي أريت فِيهِ مَا رَأَيْت) فَأَخْبرنِي أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (بَيْنَمَا أَنا نَائِم أريت أَن فِي يَدي سِوَارَيْنِ من ذهب فَأَهَمَّنِي شَأْنهمَا فَأُوحي إِلَيّ فِي الْمَنَام أَن أَنْفُخَهُمَا فَنَفَخْتهمَا فطَارَا فَأَوَّلْتهمَا كَذَّابين يخرجَانِ من بعدِي فَهَذَا أَحدهمَا الْعَنسِي صَاحب صنعاء وَالْآخر مُسَيْلمَة صَاحب الْيَمَامَة)
واخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله (بَيْنَمَا أَنا نَائِم إِذْ أتيت بخزائن الأَرْض فَوضع فِي يَدي سواران من ذهب فَكَبرَا عَليّ وَأَهَمَّانِي فَأُوحي إِلَيّ ان انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتهمَا فَأَوَّلْتهمَا الْكَذَّابين الَّذين أَنا بَينهمَا صَاحب صنعاء وَصَاحب الْيَمَامَة)
واخرج ابْن عدي من طَرِيق مُحَمَّد بن جَابر سَمِعت أبي يذكر عَن جدي سِنَان ابْن طلق اليمامي أَنه أول وَفد وفدوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بني حنيفَة فَوَجَدته يغسل رَأسه فَقَالَ (اقعد يَا أَخا الْيَمَامَة فاغسل رَأسك فغسلت رَأْسِي بفضلة غسل
(2/25)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أسلمت ثمَّ كتب لي كتابا فَقلت يَا رَسُول الله أَعْطِنِي قِطْعَة من قَمِيصك أستأنس بهَا فَأَعْطَانِي قَالَ مُحَمَّد بن جَابر فَحَدثني أَنَّهَا كَانَت عِنْده يغسلهَا للْمَرِيض يستشفي بهَا
بَاب مَا وَقع فِي وَفد عبد الْقَيْس من الْآيَات
اخْرُج أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ عَن مزيدة العصري قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث أَصْحَابه إِذْ قَالَ لَهُم سيطلع عَلَيْكُم من هَا هُنَا ركب هم خير أهل الْمشرق فَقَامَ عمر فَتوجه نحوهم فلقي ثَلَاثَة عشر رَاكِبًا فَقَالَ من الْقَوْم قَالُوا من بني عبد الْقَيْس
واخرج ابْن سعد عَن عُرْوَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نظر إِلَى الْأُفق صَبِيحَة لَيْلَة قدم وَفد عبد الْقَيْس فَقَالَ (ليَأْتِيَن ركب من الْمشرق لم يكرهوا على الْإِسْلَام قد أنضوا الركاب وأفنوا الزَّاد بِصَاحِبِهِمْ عَلامَة اللَّهُمَّ اغْفِر لعبد الْقَيْس أَتَوْنِي لَا يَسْأَلُونِي مَالا هم خير أهل الْمشرق فجاؤوا عشْرين رجلا وَرَأسه عبد الله بن عَوْف الآشج وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَسلم عَلَيْهِم وسألهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَيّكُم عبد الله بن عَوْف الْأَشَج فَقَالَ أَنا يَا رَسُول الله وَكَانَ رجلا دميما فَنظر إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ انه لَا يَسْتَقِي فِي مسوك الرِّجَال إِنَّمَا يحْتَاج من الرجل إِلَى أصغريه لِسَانه وَقَلبه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيك خصلتان يحبهما الله قَالَ عبد الله وَمَا هما قَالَ الْحلم والأناة قَالَ أَشَيْء حدث أم جبلت عَلَيْهِ قَالَ بل جبلت عَلَيْهِ)
واخرج الْحَاكِم عَن أنس أَن وَفد عبد الْقَيْس من أهل هجر قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَيْنَمَا هم قعُود عِنْده إِذا أقبل عَلَيْهِم فَقَالَ (لكم تَمْرَة تدعونها كَذَا وَتَمْرَة تدعونها كَذَا حَتَّى عد ألوان تمرهم أجمع فَقَالَ لَهُ رجل من الْقَوْم بِأبي أَنْت وَأمي
(2/26)
يَا رَسُول الله لَو كنت ولدت فِي جَوف هجر مَا كنت بِأَعْلَم مِنْك السَّاعَة أشهد أَنَّك رَسُول الله فَقَالَ إِن أَرْضكُم رفعت لي مُنْذُ قعدتم إِلَيّ فَنَظَرت من أدناها إِلَى أقصاها فَخير تمراتكم البرني يذهب الدَّاء وَلَا دَاء فِيهِ)
واخرج أَحْمد الطَّبَرَانِيّ عَن الْوَازِع قَالَ قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والآشج فِي ركب ومعنا رجل مصاب فَقلت يَا رَسُول الله إِن معي خالا مصابا فَادع الله لَهُ قَالَ (ائْتِنِي بِهِ فَأَتَيْته بِهِ فَأخذ طَائِفَة من رِدَائه فَرَفعهَا حَتَّى رَأَيْت بَيَاض إبطَيْهِ ثمَّ ضرب ظَهره وَقَالَ اخْرُج عَدو الله فَأقبل ينظر نظر الصَّحِيح لَيْسَ بنظره الأول ثمَّ أقعده بَين يَدَيْهِ فَدَعَا لَهُ وَمسح وَجهه فَلم يكن فِي الْوَفْد أحد بعد دَعْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفضل عَلَيْهِ)
واخرج احْمَد عَن شهَاب بن عباد انه سمع بعض وَفد عبد الْقَيْس يَقُول قَالَ الْأَشَج يَا رَسُول الله إِن أَرْضنَا ثَقيلَة وخمة وَإِنَّا إِذا لم نشرب هَذِه الْأَشْرِبَة هيجت ألواننا وعظمت بطوننا فَرخص لنا فِي مثل هَذِه وأومى بكفيه فَقَالَ (يَا أشج إِنِّي إِن رخصت لَك فِي مثل هَذِه وَقَالَ بكفيه هَكَذَا شربته فِي مثل هَذِه وَفرج يَدَيْهِ وبسطهما يَعْنِي أعظم مِنْهَا حَتَّى إِذا ثمل أحدكُم من شرابه قَامَ إِلَى ابْن عَمه فهزر سَاقه بِالسَّيْفِ وَكَانَ فِي الْقَوْم رجل يُقَال لَهُ الْحَارِث قد هزرت سَاقه فِي شراب لَهُم فِي بَيت من الشّعْر تمثل بِهِ فِي امْرَأَة مِنْهُم فَقَالَ الْحَارِث لما سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعلت أسدل ثوبي فأغطي الضَّرْبَة بساقي وَقد أبداها الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد بني عَامر من الْآيَات
اخْرُج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد بني عَامر يفهم عَامر بن الطُّفَيْل وأربد بن قيس وخَالِد بن جَعْفَر وَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفر
(2/27)
رُؤَسَاء الْقَوْم وشياطينهم فَقدم عَامر بن الطُّفَيْل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُرِيد أَن يغدر بِهِ فَقَالَ لأربد إِذا قدمنَا على الرجل فَإِنِّي شاغل عَنْك وَجهه فَإِذا فعلت ذَلِك فادفع لَهُ بِالسَّيْفِ فَلَمَّا قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَامر يَا مُحَمَّد خالني قَالَ (حَتَّى تؤمن بِاللَّه وَحده) فَلَمَّا أَبى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أما وَالله لأَمْلَأَنهَا عَلَيْك خيلا حمرا ورجالا فَلَمَّا ولي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ ألعن عَامر ابْن طفيل) فَلَمَّا خَرجُوا قَالَ عَامر لأربد وَيحك يَا أَرْبَد أَيْن مَا كنت أَمرتك بِهِ قَالَ وَالله مَا هَمَمْت بِالَّذِي أَمرتنِي بِهِ إِلَّا دخلت بيني وَبَين الرجل أفأضربك بِالسَّيْفِ ثمَّ خَرجُوا رَاجِعين إِلَى بِلَادهمْ حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق بعث الله على عَامر بطاعون فِي عُنُقه فَقتله الله فِي بَيت امْرَأَة من بني سلول ثمَّ قدم أَصْحَابه أَرض بني عَامر فَقَالَ الْقَوْم مَا وَرَاءَك يَا أَرْبَد قَالَ دَعَانَا إِلَى عبَادَة شَيْء لَوَدِدْت أَنه عِنْدِي فأرميه بنبلي هَذِه حَتَّى أَقتلهُ فَخرج بعد مقَالَته بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ مَعَه جمل يَبِيعهُ فَأرْسل الله عَلَيْهِ وعَلى جمله صَاعِقَة فأحرقتهما وَأخرج أَبُو نعيم عَن عُرْوَة بن الزبير مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة قَالَ مكث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو على عَامر بن الطُّفَيْل ثَلَاثِينَ صباحا (اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامر بن طفيل بِمَا شِئْت وَابعث عَلَيْهِ دَاء يقْتله فَبعث الله عَلَيْهِ طاعونا فَقتله
واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُؤَمل بن جميل قَالَ أَتَى عَامر بن الطُّفَيْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ (يَا عَامر أسلم قَالَ أسلم على أَن لي الْوَبر وَلَك الْمدر قَالَ لَا فولى وَهُوَ يَقُول وَالله يَا مُحَمَّد لأَمْلَأَنهَا عَلَيْك خيلا جَرَادًا ورجالا مردا ولأربطن بِكُل نَخْلَة فرسا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامِرًا واهد قومه فَخرج حَتَّى إِذا كَانَ بِظهْر الْمَدِينَة فِي بَيت سَلُولِيَّة فَأَخَذته غُدَّة فِي حلقه فَوَثَبَ على فرسه وَأخذ رمحه وَأَقْبل يجول وَهُوَ يَقُول غُدَّة كَغُدَّة الْبكر وَمَوْت فِي بَيت سَلُولِيَّة فَلم يزل تِلْكَ حَاله حَتَّى سقط عَن فرسه مَيتا) وَأخرج الْحَاكِم من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع نَحوه
(2/28)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس أَن أَرْبَد بن قيس وعامر بن الطُّفَيْل قدما على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَامر أَتجْعَلُ لي الْأَمر أَن أسلمت من بعْدك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ ذَلِك لَك وَلَا لقَوْمك قَالَ وَالله لأَمْلَأَنهَا عَلَيْك خيلا ورجالا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمنعك الله فَلَمَّا خرجا قَالَ عَامر يَا أَرْبَد إِنِّي اشغل عَنْك مُحَمَّدًا بِالْحَدِيثِ فأضربه بِالسَّيْفِ قَالَ افْعَل فَرَجَعَا فَقَالَ عَامر يَا مُحَمَّد قُم معي أُكَلِّمك فَقَامَ مَعَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسل أَرْبَد السَّيْف فَلَمَّا وضع يَده على سَيْفه يَبِسَتْ على قَائِم السَّيْف وَأَبْطَأ أَرْبَد على عَامر بِالضَّرْبِ فانصرفا فَلَمَّا كَانَا بِالرَّقْمِ أرسل الله على أَرْبَد صَاعِقَة فَقتلته وَأرْسل على عَامر قرحَة فَأَخَذته فَمَاتَ وَانْزِلْ الله تَعَالَى {الله يعلم مَا تحمل كل أُنْثَى} إِلَى قَوْله شَدِيد الْمحَال قَالَ المعقبات من أَمر الله يحفظون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَاب مَا وَقع فِي إِسْلَام عَمْرو بن الْعَاصِ وقدومه
أخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ كنت لِلْإِسْلَامِ مجانبا معاندا حضرت بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين فنجوت ثمَّ حصرت أحد فدخوت ثمَّ حضرت الخَنْدَق فنجوت فَقلت فِي نَفسِي كم أوضع وَالله لَيظْهرَن مُحَمَّد على قُرَيْش فَلَمَّا حضرت الْحُدَيْبِيَة وَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصُّلْح وَرجعت قُرَيْش إِلَى مَكَّة جعلت أَقُول يدْخل مُحَمَّد قَابلا مَكَّة بِأَصْحَابِهِ مَا مَكَّة بمنزل وَلَا الطَّائِف وَمَا شَيْء خير من الْخُرُوج وَأَنا بعد ناء عَن الْإِسْلَام أرى لَو أسلمت قُرَيْش كلهَا لم أسلم فَقدمت مَكَّة فَجمعت رجَالًا من قومِي وَكَانُوا يرَوْنَ رَأْيِي ويسمعون مني ويقدموني فِيمَا نابهم فَقلت لَهُم كَيفَ أَنا فِيكُم قَالُوا ذُو رَأينَا قلت تعلمُونَ إِنِّي وَالله لأرى أَمر مُحَمَّد أمرا يَعْلُو الْأُمُور علوا مُنْكرا وَإِنِّي قد رَأَيْت رَأيا قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ نلحق بالنجاشي فنكون مَعَه فَإِن ظهر مُحَمَّد كُنَّا عِنْد النجاشى
(2/29)
ونكون تَحت يَد النَّجَاشِيّ أحب إِلَيْنَا من أَن نَكُون تَحت يَد مُحَمَّد وَأَن تظهر قُرَيْش فَنحْن من قد عرفُوا فَقَالُوا هَذَا الرَّأْي قَالَ فاجمعوا مَا تهدون لَهُ وَكَانَ أحب مَا يهدى إِلَيْهِ من أَرْضنَا الْأدم فجمعنا أدما كثيرا ثمَّ خرجنَا حَتَّى قدمنَا على النَّجَاشِيّ فوَاللَّه إِنَّا لعنده إِذْ جَاءَ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بَعثه إِلَيْهِ بِكِتَاب كتبه يُزَوجهُ أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَدخل عَلَيْهِ ثمَّ خرج من عِنْده فَقلت لِأَصْحَابِي هَذَا عَمْرو بن أُميَّة وَلَو قد دخلت على النَّجَاشِيّ قد سَأَلته إِيَّاه فأعطانيه فَضربت عُنُقه فَإِذا فعلت ذَلِك سررت قُريْشًا وَكنت قد أَجْزَأت عَنْهَا حِين قتلت رَسُول الله مُحَمَّد فَدخلت على النَّجَاشِيّ فسجدت لَهُ كَمَا كنت أصنع فَقَالَ مرْحَبًا بصديقي أهديت لي من بلادك شَيْئا قلت نعم أَيهَا الْملك أهديت لَك أدما كثيرا ثمَّ قربته إِلَيْهِ فأعجبه فَفرق مِنْهُ أَشْيَاء بَين بطارقته وَأمر بسائره فَأدْخل فِي مَوضِع فَلَمَّا رَأَيْت طيب نَفسه قلت أَيهَا الْملك إِنِّي قد رَأَيْت رجلا قد خرج من عنْدك وَهُوَ رَسُول عَدو لنا قد وترنا وَقتل أشرافنا وخيارنا فأعطنيه فاقتله فَغَضب فَرفع يَده فَضرب بهَا أنفي ضَرْبَة ظَنَنْت أَنه كَسره فابتدرني منخراي فَجعلت أتلقى الدَّم بثيابي فَأَصَابَنِي من الذل مَا لَو انشقت لي الأَرْض دخلت فِيهَا فرقا مِنْهُ ثمَّ قلت أَيهَا الْملك لَو ظَنَنْت أَنَّك تكره مَا قلت مَا سألتكه فَقَالَ يَا عَمْرو تَسْأَلنِي أَن أُعْطِيك رَسُول من يَأْتِيهِ الناموس الْأَكْبَر الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وَعِيسَى لتقتله قَالَ عَمْرو فَغير الله قلبِي عَمَّا كنت عَلَيْهِ وَقلت فِي نَفسِي عرف هَذَا الْحق الْعَرَب والعجم وتخالفه أَنْت قلت أَتَشهد أَيهَا الْملك بِهَذَا قَالَ نعم أشهد بِهِ عِنْد الله يَا عَمْرو فأطعني وَاتبعهُ فوَاللَّه انه لعلى الْحق وليظهرن على من خَالفه كَمَا ظهر مُوسَى على فِرْعَوْن وَجُنُوده قلت أفتبايعني لَهُ على الْإِسْلَام قَالَ نعم فَبسط يَده فبايعني على الْإِسْلَام واخرجه ابْن إِسْحَاق وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن عَمْرو بن الْعَاصِ
واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ لما قدم عَمْرو بن الْعَاصِ من أَرض الْحَبَشَة جلس فِي بَيته فَلم يخرج إِلَيْهِم فَقَالُوا مَا شَأْنه مَا يخرج فَقَالَ عَمْرو إِن أَصْحَمَة يزْعم أَن صَاحبكُم نَبِي
(2/30)
واخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يقدم عَلَيْكُم اللَّيْلَة رجل حَكِيم مهَاجر) فَقدم عَمْرو بن الْعَاصِ فَأسلم
بَاب مَا وَقع فِي وَفد دوس من الْآيَات
قَالَ ابْن سعد ثَنَا الْوَاقِدِيّ حَدثنِي الْوَلِيد بن مُسلم عَن مِنْبَر بن عبيد الله الدوسي قَالَ أسلم زوج أم شريك الدوسية وَهُوَ أَبُو العكر فَهَاجَرَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أبي هُرَيْرَة وَمَعَ دوس حِين هَاجرُوا قَالَت أم شريك فجائني أهل أبي العكر فَقَالُوا لَعَلَّك على دينه قلت أَي وَالله إِنِّي لعلى دينه قَالُوا لَا جرم لنعذبنك عذَابا شَدِيدا فارتحلوا بِي على جمل ثفال شَرّ رِكَابهمْ وأغلظها يطعموني الْخبز بالعسل وَلَا يسقوني قَطْرَة من مَاء حَتَّى إِذا انتصف النَّهَار وسخنت الشَّمْس وَنحن قائظون نزلُوا فَضربُوا أخبيتهم وتركوني فِي الشَّمْس حَتَّى ذهب عَقْلِي وسمعي وبصري فَفَعَلُوا ذَلِك بِي ثَلَاثَة أَيَّام فَقَالُوا لي فِي الْيَوْم الثَّالِث اتركي مَا أَنْت عَلَيْهِ قَالَت فَمَا دَريت مَا يَقُولُونَ إِلَّا الْكَلِمَة بعد الْكَلِمَة فأشير بإصبعي إِلَى السَّمَاء بِالتَّوْحِيدِ قَالَت فوَاللَّه إِنِّي لعلى ذَلِك وَقد بَلغنِي الْجهد إِذْ وجدت برد دلو على صَدْرِي فَأَخَذته فَشَرِبت مِنْهُ نفسا وَاحِدًا ثمَّ انتزع مني فَذَهَبت أنظر فَإِذا هُوَ مُعَلّق بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَلم أقدر عَلَيْهِ ثمَّ دُلي إِلَيّ ثَانِيَة فَشَرِبت مِنْهُ نفسا ثمَّ رفع فَذَهَبت أنظر فَإِذا هُوَ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ دُلي إِلَيّ الثَّالِثَة فشريت مِنْهُ حَتَّى رويت وَأَهْرَقت على رَأْسِي ووجهي وثيابي قَالَت فَخَرجُوا فنظروا فَقَالُوا من أَيْن لَك هَذَا قلت من عِنْد الله رزقا رزقنيه الله فَانْطَلقُوا سرَاعًا إِلَى قربهم وأداواهم فوجدوها موكاة لم تحل فَقَالُوا نشْهد أَن رَبك هُوَ رَبنَا وَأَن الَّذِي رزقك مَا رزقك فِي هَذَا الْموضع بعد أَن فعلنَا بك مَا فعلنَا هُوَ الَّذِي شرع الْإِسْلَام فأسلموا وَهَاجرُوا جَمِيعًا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكانو يعْرفُونَ فضلي عَلَيْهِم
(2/31)
وَمَا صنع الله بِي وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت عَائِشَة مَا فِي امْرَأَة حِين تهب نَفسهَا لرجل خير فَأنْزل الله {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة قَالَت عَائِشَة إِن الله ليسرع لَك فِي هَوَاك
وَقَالَ ابْن سعد أَنبأَنَا عَارِم بن الْفضل حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن يحيى بن سعيد قَالَ هَاجَرت أم شريك الدوسية فِي آخر اللَّيْل إِذا على صدرها دلو مَوْضُوع وصفن فَشَرِبت ثمَّ بعثتهم للدلجة فَقَالَ الْيَهُودِيّ إِنِّي لأسْمع صَوت فصحبت يَهُودِيّا فِي الطَّرِيق فأمست صَائِمَة فَقَالَ الْيَهُودِيّ لامْرَأَته لِأَن سقيتها لَأَفْعَلَنَّ فباتت كَذَلِك حَتَّى إِذا كَانَ امْرَأَة لقد شربت فَقَالَت لَا وَالله إِن سقتني قَالَ كَانَت لَهَا عكة تعير من أَتَاهَا فاستامها رجل فَقَالَت مَا فِيهَا رب فنفختها وعلقتها فِي الشَّمْس فَإِذا مَمْلُوءَة سمنا قَالَ فَكَانَ يُقَال وَمن آيَات الله عكة أم شريك والصفن مثل الجراب والمزود وَلِهَذَا الحَدِيث طرق مَوْصُولَة ستأتي فِي بَاب تَكْثِير الطَّعَام وَمَا يَلِيهِ
بَاب مَا وَقع فِي وَفد سليم
أخرج ابْن سعد أَنا هِشَام بن مُحَمَّد أَخْبرنِي رجل من بني سليم قَالَ وَفد رجل منا يُقَال لَهُ قدر بن عمار على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فَأسلم وعاهده على أَن يَأْتِيهِ بِأَلف من قومه على الْخَيل ثمَّ أَتَى قومه فَخرج مَعَه تِسْعمائَة وَخلف فِي الْحَيّ مائَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَيْن تَكْمِلَة الْألف) قَالُوا قد خلف مائَة بالحي مَخَافَة حَرْب كَانَت بَيْننَا وَبَين كنَانَة قَالَ (ابْعَثُوا إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ لَا يأتيكم فِي عامكم هَذَا شَيْء تكرهونه فبعثوا إِلَيْهَا بالهدأة فَلَمَّا سمعُوا وئيد الْخَيل قَالُوا يَا رَسُول الله أَتَيْنَا قَالَ لَا بل لكم لَا عَلَيْكُم هَذِه سليم بن مَنْصُور قد جَاءَت)
(2/32)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم زِيَاد الْهِلَالِي
قَالَ ابْن سعد أَنا هِشَام بن مُحَمَّد أَنا جَعْفَر بن كلاب الْجَعْفَرِي عَن أَشْيَاخ لبني عَامر قَالُوا وَفد زِيَاد بن عبد الله بن مَالك على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا لَهُ وَوضع يَده على رَأسه ثمَّ حدرها على طرف أَنفه فَكَانَت بَنو هِلَال تَقول مَا زلنا نتعرف الْبركَة فِي وَجه زِيَاد وَقَالَ الشَّاعِر لعَلي بن زِيَاد
(يَا ابْن الَّذِي مسح الرَّسُول بِرَأْسِهِ ... ودعا لَهُ بِالْخَيرِ عِنْد الْمَسْجِد)
(أَعنِي زيادا لَا أُرِيد سواءه ... من غائر أَو مُتَّهم أَو منجد)
(مَا زَالَ ذَاك النُّور فِي عرنينه ... حَتَّى تبوأ بَيته فِي ملحد)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم أبي سُبْرَة
قَالَ ابْن سعد أَنا هِشَام بن مُحَمَّد حَدثنِي الْوَلِيد بن عبد الله الْجعْفِيّ عَن أَبِيه عَن أَشْيَاخهم قَالُوا وَفد أَبُو سُبْرَة يزِيد بن مَالك على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ إبناه سُبْرَة وعزيز فَقَالَ أَبُو سُبْرَة يَا رَسُول الله إِن بِظهْر كفي سلْعَة قد منعتني من خطام رَاحِلَتي فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدح فَجعل يضْرب بِهِ على السّلْعَة ويمسحها فَذَهَبت
بَاب مَا وَقع فِي قدوم جرير من الْآيَات
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جرير البَجلِيّ قَالَ قدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلبِست حلتي وَدخلت وَهُوَ يخْطب فَرَمَانِي النَّاس بالحدق فَقلت لجليسي هَل ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَمْرِي شَيْئا قَالَ نعم ذكرك بِأَحْسَن الذّكر بَيْنَمَا هُوَ يخْطب إِذْ عرض لَهُ فِي خطبَته فَقَالَ (إِنَّه سيدخل عَلَيْكُم من هَذَا الْبَاب أَو من هَذَا الْفَج من خير ذِي يمن وَإِن على وَجهه لمسحة ملك)
(2/33)
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن جرير قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَلا تريحني من ذِي الخلصة) فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي لَا أثبت على الْخَيل فَضرب فِي صَدْرِي وَقَالَ (اللَّهُمَّ ثبته واجعله هاديا مهديا فسرت إِلَيْهَا فِي مائَة وَخمسين فَارِسًا من أحمس فأتيناها فحرقناها)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن جرير قَالَ كنت لَا أثبت على الْخَيل فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضرب بِيَدِهِ على صَدْرِي حَتَّى رَأَيْت أثر يَده على صَدْرِي وَقَالَ (اللَّهُمَّ ثبته واجعله هاديا فَمَا سَقَطت عَن فرسي بعد)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد طَيء من الْآيَات
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ قدم وَفد طَيء مِنْهُم زيد الْخَيل فأسلموا وَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زيد الْخَيْر ثمَّ خرج رَاجعا إِلَى قومه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لن ينجو زيد من حمى الْمَدِينَة فَلَمَّا انْتهى من بلد نجد إِلَى مَاء من مياهه أَصَابَته الْحمى فَمَاتَ بهَا وَأخرجه ابْن سعد عَن أبي عُمَيْر الطَّائِي نَحوه وَابْن دُرَيْد فِي الْأَخْبَار الْمَشْهُورَة عَن أبي مخنف نَحوه
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عدي بن حَاتِم قَالَ بَيْنَمَا أَنا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أَتَاهُ رجل فَشَكا الله الْفَاقَة وَأَتَاهُ آخر فَشَكا إِلَيْهِ قطع السَّبِيل فَقَالَ (يَا عدي بن حَاتِم إِن طَالَتْ بك حَيَاة لترين الظعينة ترتحل من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ لَا تخَاف أحدا إِلَّا الله قلت فِيمَا بيني وَبَين نَفسِي فَأَيْنَ دعار طَيء الَّذين سعروا الْبِلَاد وَلَئِن طَالَتْ بك حَيَاة لتفتحن كنوز كسْرَى قلت كسْرَى بن هُرْمُز قَالَ كسْرَى بن هُرْمُز وَلَئِن طَالَتْ بك حَيَاة لترين الرجل يخرج ملْء كفيه من ذهب أَو فضَّة يطْلب من يقبله مِنْهُ فَلَا يجد قَالَ عدي قد رَأَيْت الظعينة ترتحل من الْكُوفَة حَتَّى تَطوف
(2/34)
بِالْبَيْتِ لَا تخَاف إِلَّا الله وَكنت فِيمَن أفْتَتح كنوز كسْرَى وَلَئِن طَالَتْ بكم حَيَاة سَتَرَوْنَ الثَّالِثَة
قَالَ الْبَيْهَقِيّ قد وَقعت الثَّالِثَة فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس ثمَّ أخرج عَن عمر بن أسيد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب قَالَ إِنَّمَا ولي عمر بن عبد الْعَزِيز سنتَيْن وَنصفا وَالله مَا مَاتَ عمر بن عبد الْعَزِيز حَتَّى جعل الرجل يأتينا بِالْمَالِ الْعَظِيم فَيَقُول اجعلوا هَذَا حَيْثُ ترَوْنَ فِي الْفُقَرَاء فَمَا يبرح حَتَّى يرجع بِمَالِه يتَذَكَّر من يَضَعهُ فيهم فَلَا يجده فَيرجع بِمَالِه قد أغْنى عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس
بَاب مَا وَقع فِي قدوم طَارق بن عبد الله
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن طَارق بن عبد الله قَالَ قدمنَا الْمَدِينَة فَلَمَّا دنونا من حيطانها نزلنَا نلبس ثيابًا إِذا رجل فِي طمرين لَهُ فَسلم وَقَالَ أَيْن تُرِيدُونَ قُلْنَا نُرِيد هَذِه الْمَدِينَة قَالَ مَا حَاجَتكُمْ فِيهَا قُلْنَا نمتار من تمرها ومعنا ظَعِينَة لنا ومعنا جمل أَحْمَر مَخْطُوم فَقَالَ أتبيعون جملكم هَذَا قُلْنَا نعم بِكَذَا وَكَذَا صَاعا من تمر قَالَ فَمَا استوضعنا مِمَّا قُلْنَا شَيْئا فَأخذ بِخِطَام الْجمل فَانْطَلق فَلَمَّا توارى عَنَّا قُلْنَا مَا صنعنَا بعنا جملنا بِمن لَا نَعْرِف وَلَا أَخذ ناله ثمنا فَقَالَت الْمَرْأَة الَّتِي مَعنا فَلَا تَلَاوَمُوا وَالله لقد رَأَيْت وَجه الرجل لَا يغدر بكم مَا رَأَيْت شَبِيها أشبه بالقمر لَيْلَة الْبَدْر من وَجهه أَنا ضامنة لثمن جملكم إِذْ أقبل رجل فَقَالَ أَنا رَسُول رَسُول الله هَذَا تمركم فَكُلُوا واشبعوا واكتالوا واستوفوا
بَاب مَا وَقع فِي وَفد حَضرمَوْت من الْآيَات
أخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن وَائِل بن حجر قَالَ بلغنَا ظُهُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقدمت عَلَيْهِ فَأَخْبرنِي أَصْحَابه أَنه بشرهم بمقدمي قبل أَن أقدم بِثَلَاث
(2/35)
وَأخرج ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ وَعِكْرِمَة وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَغَيرهم قالو قدم وَفد حَضرمَوْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسلموا وَقَالَ مخرس يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يذهب عني هَذِه الرته من لساني فَدَعَا لَهُ
وَقَالَ ابْن سعد أَنا هِشَام بن مُحَمَّد حَدثنَا مولى لبني هَاشم عَن أبي عُبَيْدَة من ولد عمار بن يَاسر قَالَ وَفد مخرس بن معد يكرب فِيمَن مَعَه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ خَرجُوا من عِنْده فأصابت مخرسا اللقوة فَرجع مِنْهُم نفر فَقَالُوا يَا رَسُول الله سيد الْعَرَب ضَربته اللقوة فأدللنا على دوائه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خُذُوا مخيطا فأحموه فِي النَّار ثمَّ اقلبوا شفر عينه فَفِيهَا شفاؤه وإليها مصيره فَالله أعلم مَا قُلْتُمْ حِين خَرجْتُمْ من عِنْدِي فصنعوه بِهِ فبرأ)
وَقَالَ ابْن سعد أَنا هِشَام بن مُحَمَّد حَدثنِي عَمْرو بن مهَاجر الْكِنْدِيّ قَالَ قدم من حَضرمَوْت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُلَيْب بن أَسد فَقَالَ حِين أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(من وفر برهوت تهوى بِي عذافرة ... إِلَيْك يَا خير من يحفى وينتعل)
(شَهْرَيْن أعملها نصا على وَجل ... أَرْجُو بِذَاكَ ثَوَاب الله يَا رجل)
(أَنْت النَّبِي الَّذِي كُنَّا نخبره ... وبشرتنا بك التَّوْرَاة وَالرسل)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم الْأَشْعَرِيين من الْآيَات
أخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يقدم عَلَيْكُم قوم هم أرق مِنْكُم قلوبا فَقدم الْأَشْعَرِيين فيهم أَبُو مُوسَى)
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق أَنا معمر قَالَ بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ جَالِسا فِي أَصْحَابه يَوْمًا فَقَالَ (اللَّهُمَّ أَنْج أَصْحَاب السَّفِينَة ثمَّ مكث سَاعَة فَقَالَ قد استمرت فَلَمَّا دنوا من الْمَدِينَة قَالَ قد جاؤا يقودهم رجل صَالح قَالَ وَالَّذين كَانُوا فِي السَّفِينَة
(2/36)
الأشعريون وَالَّذِي قادهم عَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَيْن جئْتُمْ قَالُوا من زبيد قَالَ بَارك الله فِي زبيد قَالُوا وَفِي رمع قَالَ فيبارك الله فِي زبيد قَالُوا وَفِي رمع قَالَ فِي الثَّالِثَة وَفِي رمع) أخرجه الْبَيْهَقِيّ
وَأخرج ابْن سعد عَن عِيَاض الْأَشْعَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هم قوم هَذَا يَعْنِي أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم عبد الرَّحْمَن بن أبي عقيل من الْآيَات
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عقيل قَالَ انْطَلَقت فِي وَفد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأتيناه فانخننا بِالْبَابِ وَمَا فِي النَّاس أبْغض إِلَيْنَا من رجل نلج عَلَيْهِ فَلَمَّا خرجنَا مَا فِي النَّاس أحب إِلَيْنَا من رجل دَخَلنَا عَلَيْهِ فَقَالَ قَائِل منا يَا رَسُول الله أَلا سَأَلت رَبك ملكا كملك سُلَيْمَان فَضَحِك ثمَّ قَالَ (فَلَعَلَّ صَاحبكُم عِنْد الله أفضل من ملك سُلَيْمَان إِن الله لم يبْعَث نَبيا إِلَّا أعطَاهُ دَعْوَة فَمنهمْ من اتخذ بهَا دنيا فأعطيها وَمِنْهُم من دَعَا بهَا على قومه إِذْ عصوه فاهلكوا بهَا وَإِن الله أَعْطَانِي دَعْوَة فأختبأتها عِنْد رَبِّي شَفَاعَة لآمتي يَوْم الْقِيَامَة)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم مَاعِز بن مَالك
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْجَعْد بن عبد الرَّحْمَن بن مَاعِز أَن ماعزا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكتب لَهُ كتابا إِن ماعزا أسلم آخر قومه وَأَنه لَا يجني عَلَيْهِ إِلَّا يَده فَبَايعهُ على ذَا
(2/37)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد مزينة من الْآيَات
أخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن النُّعْمَان بن مقرن قَالَ قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أربعمائه رجل من مزينة وجهينة فَأمرنَا بأَمْره ثمَّ قَالَ (يَا عمر زودهم فَقَالَ مَا عِنْدِي إِلَّا فضلَة من تمر فَقَالَ زودهم فَفتح لنا عَلَيْهِ فِيهَا قدر من تمر مثل الْجمل البارك فتزود مِنْهَا أَرْبَعمِائَة رَاكب قَالَ فَكنت فِي آخر من خرج فَالْتَفت إِلَيْهِمَا فَمَا فقدت مِنْهَا مَوضِع تَمْرَة وكأنا لم نرزأة تَمْرَة)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن دُكَيْن بن سعيد قَالَ أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرْبَعمِائَة رَاكب نَسْأَلهُ الطَّعَام فَقَالَ (يَا عمر إذهب فاطعمهم وأعطهم) فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا عِنْدِي إِلَّا آصَع تمر مَا يقتات عيالي فَقَالَ أَبُو بكر أسمع وأطع فَقَالَ عمر سمعا وَطَاعَة فَانْطَلق عمر حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ فَقَالَ للْقَوْم ادخُلُوا فَخُذُوا فَأخذ كل رجل مِنْهُم مَا أحب ثمَّ الْتفت إِلَيْهِ وَإِنِّي لمن آخر الْقَوْم فكأنا لم نرزأة تَمْرَة
بَاب مَا وَقع فِي وَفد بني سحيم من الْآيَات
أخرج الرشاطي عب أبي عُبَيْدَة أَن الأقعس بن سَلمَة قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَفد بني سحيم فَأسلم فردهم إِلَى قَومهمْ وَأمرهمْ أَن يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام وَأَعْطَاهُمْ أداوة من مَاء قد تفل فِيهَا أَو مج وَقَالَ (الكني إِلَى بني سحيم فلينضموا بِهَذِهِ الأداوة مَسْجِدهمْ وليرفعوا رؤوسهم إِذا رَفعهَا الله) قَالَ فَنًّا تبع مُسَيْلمَة مِنْهُم رجل وَلَا خرج مِنْهُم خارجي قطّ
(2/38)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد شَيبَان من الْآيَات
أخرج ابْن سعد عَن قيلة بنت مخرمَة قَالَ قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ وَفد من شَيبَان وَهُوَ قَاعد القرفصاء فَلَمَّا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متخشعا فِي الجلسة أرعدت من الْفرق فَقَالَ جليسه يَا رَسُول الله أرعدت المسكينة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم ينظر إِلَيّ وَأَنا عِنْد ظَهره (يَا مسكينة عَلَيْك السكينَة) فَلَمَّا قَالَهَا أذهب الله مَا كَانَ دخل قلبِي من الرعب
بَاب مَا وَقع فِي وَفد عذرة
أخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَأَبُو سعد فِي شرف الْمُصْطَفى عَن مُدْلِج بن الْمِقْدَاد بن زمل بن عَمْرو العذري قَالَ عَن أَبِيه قَالَ وَفد زمل بن عَمْرو العذري على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بِمَا سمع من صَنَمهمْ فَقَالَ) ذَاك مُؤمن من الْجِنّ فَأسلم)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد مُتَّصِل عَن زمل بن عَمْرو العذري كَانَ لبني عذرة صنم يُقَال لَهُ حمام فَلَمَّا ظهر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعنَا صَوتا يَقُول يَا بني هذر بن حرَام ظهر الْحق وأودي حمام وَدفع الشّرك الْإِسْلَام قَالَ ففزعنا لذَلِك وهالنا فَمَكثْنَا أَيَّامًا ثمَّ سمعنَا صَوتا وَهُوَ يَقُول يَا طَارق يَا طَارق بعث النَّبِي الصَّادِق بِوَحْي نَاطِق صدع صادع بِأَرْض تهَامَة لناصريه السَّلامَة والخاذلية الندامة وَهَذَا الْوَدَاع مني إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ وَقع الصَّنَم لوجهه قَالَ زمل فرحلت حَتَّى أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ نفر من قومِي فَأسْلمت وأخبرناه بِمَا سمعنَا فَقَالَ (ذَاك من كَلَام الْجِنّ)
(2/39)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد نَجْرَان من الْآيَات
أخرج ابْن إِسْحَاق وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن كرز بن عَلْقَمَة قَالَ قدم وَفد نَصَارَى نَجْرَان على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتُّونَ رَاكِبًا فيهم أَبُو حَارِثَة بن عَلْقَمَة حَبْرهمْ وإمامهم وَكَانَت مُلُوك الرّوم قد شرفوه ومولوه وأخدموه وَبَنُو لَهُ الْكَنَائِس وبسطوا لَهُ الكرامات لما يبلغهم عَنهُ عَن عمله واجتهاده فِي دينهم فَلَمَّا وجهوه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جلس أَبُو حَارِثَة على بغلة لَهُ وَأَخُوهُ كرز بن عَلْقَمَة يسايره إِذْ عثرت بغلة أبي حَارِثَة فَقَالَ كرز تعس الْأَبْعَد يُرِيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ أَبُو حَادِثَة بل تعست أَنْت قَالَ وَلم يَا أخي قَالَ وَالله إِنَّه للنَّبِي الَّذِي كُنَّا ننتظره قَالَ لَهُ كرز فَمَا يمنعك وَأَنت تعلم هَذَا قَالَ مَا صنع بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْم شرفونا ومولونا وأكرمونا وَقد أَبَوا إِلَّا خِلَافه وَلَو فعلت نزعوا منا كل مَا ترى فاضمر عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كرز حَتَّى أسلم بعد ذَلِك
وَأخرجه ابْن سعد من وَجه آخر مُرْسلا وَفِيه بل تعست أَنْت أتشتم رجلا من الْمُرْسلين إِنَّه للَّذي بشر بِهِ عِيسَى وَأَنه لفي التَّوْرَاة قَالَ فَمَا يمنعك من دينه قَالَ شرفنا هَؤُلَاءِ الْقَوْم إِلَى آخِره فَحلف أَخُوهُ أَن لَا يثني لَهُ ضفرا حَتَّى يقدم الْمَدِينَة فَيُؤمن بِهِ
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من طَرِيق سعيد بن عَمْرو عَن أَبِيه عَن جده فِي أثْنَاء حَدِيث طَوِيل وَأخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن أَبِيه عَن جده بِنَحْوِهِ
وَأخرج البُخَارِيّ عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان أَن السَّيِّد وَالْعَاقِب أَتَيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأرادا أَن يلاعنهما فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه لَا تلاعنه فوَاللَّه لَئِن كَانَ نَبيا فلاعنته لَا نفلح نَحن وَلَا عقبنا من بعْدهَا قَالُوا لَهُ نعطيك مَا سألتنا
(2/40)
وَأخرج مُسلم عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى نَجْرَان فَقَالُوا أَرَأَيْت مَا تقرأون {يَا أُخْت هَارُون} وَقد كَانَ بَين مُوسَى وَعِيسَى مَا قد علمْتُم فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ (أَلا أَخْبَرتهم أَنهم كَانُوا يسمعُونَ بأسماء أَنْبِيَائهمْ وَالصَّالِحِينَ قبلهم)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس أَن وَفد نَجْرَان قدمُوا فَنزلت آيَة المباهلة فَقَالُوا أخرنا ثَلَاثَة أَيَّام فَذَهَبُوا إِلَى بني قُرَيْظَة وَالنضير فاستشاروهم فأشاروا عَلَيْهِم أَن يصالحوه وَلَا يلاعنوه وَهُوَ النَّبِي الَّذِي نجده فِي التَّوْرَاة والانجيل فَصَالَحُوهُ على الفي حلَّة
وَأخرج أَبُو نعيم عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن كَانَ الْعَذَاب لقد نزل على أهل نَجْرَان وَلَو فعلوا لأستوصلوا عَن جَدِيد الأَرْض)
وَأخرج ابو نعيم عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لقد أَتَانِي البشير بهلكة أهل نَجْرَان حَتَّى الطير على الشّجر والعصافير على الشّجر لَو تَمُّوا على الْمُلَاعنَة)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ أَبُو جهل لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا عِنْد الْكَعْبَة يُصَلِّي لأتيته حَتَّى أَطَأ على عُنُقه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو فعل ذَلِك لَأَخَذته الْمَلَائِكَة عيَانًا وَلَو أَن الْيَهُود تمنوا الْمَوْت لماتوا وَلَو خرج الَّذين يباهلون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجعوا لَا يَجدونَ مَالا وَلَا أَهلا)
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق بِسَنَد فِيهِ مَجَاهِيل من طَرِيق قيس بن الرّبيع عَن الشمردل بن قباث الكعبي أَنه كَانَ فِي وَفد نَجْرَان فَقَالَ يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي إِنِّي كنت أتطبب فَمَا يحل لي قَالَ (فصد الْعرق ومجسة الطعنة إِن
(2/41)
اضطررت وَلَا تجْعَل فِي دوائك شبرما وَعَلَيْك بالسناء وَلَا تدوا أحدا حَتَّى تعرف داءه) فَقبل رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ أَنْت أعلم بالطب مني
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ ركض عمر فرسا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانكشف فَخذه من تَحت العبأ فابصر رجل من أهل نَجْرَان شامة فِي فَخذه فَقَالَ هَذَا الَّذِي تَجدهُ فِي كتَابنَا يخرجنا من دِيَارنَا
بَاب مَا وَقع فِي وَفد جرش من الْآيَات
أخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ قدم صرد بن عبد الله الْأَسدي فَأسلم فِي وَفد من الْأسد فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على من أسلم من قومه وَأمره أَن يُجَاهد بِمن أسلم من كَانَ يَلِيهِ من أهل الشّرك فَخرج حَتَّى نزل بجرش فحاصرها قَرِيبا من شهر ثمَّ رَجَعَ عَنْهُم قَافِلًا حَتَّى إِذا كَانَ فِي جبل لَهُم يُقَال لَهُ كشر ظن أهل جرش أَنه إِنَّمَا ولى عَنْهُم مُنْهَزِمًا فَخَرجُوا فِي طلبه حَتَّى إِذا أدركوه عطف عَلَيْهِم فَقَاتلهُمْ قتالا شَدِيدا وَقد كَانَ أهل جرش بعثوا مِنْهُم رجلَيْنِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ يرتادان وَينْظرَانِ فَبَيْنَمَا هما عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة بعد الْفطر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِأَيّ بِلَاد شكر) فَقَالَ الجرشيان ببلادنا جبل يُقَال لَهُ كشر فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ بكشر وَلكنه شكر قَالَا فَمَا لَهُ قَالَ إِن بدن الله لتنحر عِنْده الْآن فَجَلَسَ الرّجلَانِ إِلَى أبي بكر وَإِلَى عُثْمَان فَقَالَا لَهما ويحكما إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لينعي إلَيْكُمَا قومكما فقوما فاسألاه أَن يَدْعُو الله فَليرْفَعْ عَن قومكما فقاما إِلَيْهِ فَسَأَلَاهُ ذَلِك فَقَالَ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنْهُم فَخَرَجَا من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاجِعين إِلَى قومهما فوجدا قومهما أصيبوا يَوْم أَصَابَهُم صرد بن عبد الله فِي الْيَوْم الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ فِي السَّاعَة الَّتِي ذكر فِيهَا مَا ذكر فَخرج وَفد جرش حَتَّى قدمُوا فأسلموا)
(2/42)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم مُعَاوِيَة بن حيدة
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُعَاوِيَة بن حيدة قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا دفعت إِلَيْهِ قَالَ (أما أَنِّي سَأَلت الله أَن يُعِيننِي عَلَيْكُم بِالسنةِ تحفيكم وبالرعب أَن يَجعله فِي قُلُوبكُمْ فَقَالَ بيدَيْهِ جَمِيعًا أما أَنِّي قد حَلَفت هَكَذَا وَهَكَذَا أَن لَا أُؤْمِن بك وَلَا أتبعك فَمَا زَالَت السّنة تحفيني وَمَا زَالَ الرعب يَجْعَل فِي قلبِي حَتَّى قُمْت بَين يَديك
بَاب إِسْلَام فَرْوَة بن عَمْرو
أخرج ابْن سعد عَن زامل بن عَمْرو الجذامي قَالَ كَانَ فَرْوَة بن عَمْرو الجذامي عَاملا للروم على عمان من أَرض البلقاء فَأسلم وَكتب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِهِ فَبلغ ملك الرّوم إِسْلَام فَرْوَة فَدَعَاهُ فَقَالَ ارْجع عَن دينك نملكك قَالَ لَا أُفَارِق دين مُحَمَّد وَإنَّك تعلم أَن عِيسَى قد بشر بِهِ وَلَكِنَّك تضن بملكك فحبسه ثمَّ أخرجه فَقتله وصلبه
بَاب مَا وَقع فِي وَفد فَزَارَة
أخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي وجزة يزِيد بن عبيد السَّعْدِيّ قَالَ لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَبُوك وَكَانَ سنة تسع قدم عَلَيْهِ وَفد بني فَزَارَة بضعَة عشر رجلا فَقَالَ أحدهم يَا رَسُول الله أَسِنَت بِلَادنَا وَهَلَكت مواشينا وأجدب جناننا وغرث عيالنا فَادع الله لنا فَصَعدَ الْمِنْبَر ودعا فَقَالَ (اللَّهُمَّ اسْقِ بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الْمَيِّت اللَّهُمَّ اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا
(2/43)
طبقًا وَاسِعًا عَاجلا غير آجل نَافِعًا غير ضار اللَّهُمَّ اسقنا سقيا رَحْمَة لَا سقيا عَذَاب وَلَا هدم وَلَا غرق وَلَا محق اللَّهُمَّ اسقنا الْغَيْث وَانْصُرْنَا على الْأَعْدَاء فَقَامَ أَبُو لبَابَة ابْن عبد الْمُنْذر فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن التَّمْر فِي المرابد فَقَالَ اللَّهُمَّ اسقنا حَتَّى يقوم أَبُو لبَابَة عُريَانا يسد ثَعْلَب مربده بِإِزَارِهِ فمطرت فَمَا رَأَوْا السَّمَاء سِتا وَقَامَ أَبُو لبَابَة عُريَانا يسد ثَعْلَب مربده بِإِزَارِهِ ثمَّ قيل هَلَكت الْأَمْوَال وانقطعت السبل فَصَعدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر فَقَالَ (اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا اللَّهُمَّ على الأكمام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشّجر فانجابت السَّمَاء عَن الْمَدِينَة إنجياب الثَّوْب)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم كَعْب بن مرّة
أخرج أَبُو نعيم عَن كَعْب بن مرّة قَالَ دَعَا رَسُول الله على مُضر فَأَتَيْته فَقلت إِن الله قد نصرك وأعطاك واستجاب لَك وَإِن قَوْمك قد هَلَكُوا فأدع الله لَهُم فَقَالَ (اللَّهُمَّ اسقنا غيثا مريعا طبقًا غدقا عَاجلا غير رائث نَافِعًا غير ضار قَالَ فَمَا أَتَى علينا جُمُعَة حَتَّى مُطِرْنَا)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس أَن نَاسا من مُضر أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ أَن يَدْعُو الله أَن يسقيهم فَقَالَ (اللَّهُمَّ اسقنا غيثا مغيثا هَنِيئًا مريئا مريعا غدقا طبقًا نَافِعًا غير ضار عَاجلا غير رائث فأطبقت عَلَيْهِم حَتَّى مُطِرُوا سبعا)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد بني مرّة بن قيس
أخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم المري عَن أَشْيَاخهم قَالُوا قدم وَفد بني مرّة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرجعه من تَبُوك
(2/44)
سنة تسع فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَيفَ الْبِلَاد قالو وَالله إِنَّا لمسنتون وَمَا فِي المَال مخ فَادع الله لنا فَقَالَ اللَّهُمَّ اِسْقِهِمْ الْغَيْث فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ فوجدوها قد مطرَت فِي الْيَوْم الَّذِي دَعَا لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقدم عَلَيْهِ قادم وَهُوَ متجهز لحجة الْوَدَاع فَقَالَ يَا رَسُول الله رَجعْنَا إِلَى بِلَادنَا فَوَجَدْنَاهَا مصبوبة مَطَرا لذَلِك الْيَوْم الَّذِي دَعَوْت لنا فِيهِ ثمَّ قلدتنا أقلاد الزَّرْع فِي كل خمس عشرَة مطرة جودا وَقد رَأَيْت الْإِبِل تَأْكُل وَهِي برك وَإِن غنمنا مَا تواري من أَبْيَاتنَا فترجع فتقيل فِي أهلنا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحَمد لله الَّذِي هُوَ صنع ذَلِك)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد الداريين
أخرج ابْن سعد من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة قَالَ قدم وَفد الداريين على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منصرفة من تَبُوك وهم عشرَة فيهم تَمِيم فأسلموا فَقَالَ تَمِيم يَا رَسُول الله لنا جيرة من الرّوم لَهُم قَرْيَتَانِ يُقَال لإحداهما حبرى وَالْأُخْرَى بَيت عينون فان فتح الله عَلَيْك الشَّام فهبهما لي قَالَ (فهما لَك وَكتب لَهُ بذلك كتابا فَلَمَّا قَامَ أَبُو بكر أعطَاهُ ذَلِك)
وَأخرج مُسلم عَن فَاطِمَة بنت قيس قَالَت قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمِيم الدَّارِيّ فَأخْبرهُ أَنه ركب الْبَحْر فتاهت بِهِ سفينته فسقطوا إِلَى جَزِيرَة فَخَرجُوا إِلَيْهَا يَلْتَمِسُونَ المَاء فلقى إنْسَانا يجر شعره فَقَالَ من أَنْت قَالَ أَنا الْجَسَّاسَة قَالُوا فأخبرينا قَالَت لَا أخْبركُم وَلَكِن عَلَيْكُم بِهَذِهِ الجزيرة فدخلناها فَإِذا رجل مُقَيّد فَقَالَ من أَنْتُم قُلْنَا نَاس من الْعَرَب قَالَ مَا فعل هَذَا النَّبِي الَّذِي خرج فِيكُم قُلْنَا قد آمن بِهِ النَّاس وَصَدقُوهُ واتبعوه قَالَ ذَاك خير لَهُم قَالَ أَفلا تخبروني عَن عين زعر مَا فعلت فَأَخْبَرنَاهُ عَنْهَا فَوَثَبَ وثبة كَاد أَن يخرج من وَرَاء الْجِدَار ثمَّ قَالَ مَا فعل نخل بيسان هَل أطْعم بعد فَأَخْبَرنَاهُ أَنه قد أطْعم فَوَثَبَ مثلهَا ثمَّ
(2/45)
قَالَ أما لَو أذن لي فِي الْخُرُوج لوطئت الْبِلَاد كلهَا غير طيبَة قَالَت فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحدث النَّاس فَقَالَ (هَذِه طيبَة وَذَاكَ الدَّجَّال)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم الْحَارِث بن عبد كلال
قَالَ الْهَمدَانِي فِي الْأَنْسَاب وَفد الْحَارِث بن عبد كلال الْحِمْيَرِي أحد أقيال الْيمن إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قبل أَن يدْخل عَلَيْهِ (يدْخل عَلَيْكُم من هَذَا الْفَج رجل كريم الجدين صبيح الْخَدين فَدخل الْحَارِث فَأسلم فأعتنقه وافرشه رِدَاءَهُ)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد بني الْبكاء
أخرج ابْن سعد وَابْن شاهين وثابت فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْجَعْد بن عبد الله بن مَاعِز البكائي عَن أَبِيه قَالَ وَفد من بني الْبكاء على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة تسع ثَلَاثَة نفر مُعَاوِيَة بن ثَوْر وَابْنه بشر والنجيع بن عبد الله وَمَعَهُمْ عبد عَمْرو قَالَ مُعَاوِيَة يَا رَسُول الله إِنِّي أتبرك بمسك فامسح وَجه بني بشر فَمسح وَجهه وَأَعْطَاهُ أَعْنُزًا عفرا وبرك عَلَيْهِنَّ قَالَ الْجَعْد فَالسنة رُبمَا أَصَابَت بني الْبكاء وَلَا تصيبهم وَقَالَ مُحَمَّد بن بشر بن مُعَاوِيَة فِي ذَلِك
(وَأبي الَّذِي مسح الرَّسُول بِرَأْسِهِ ... ودعا لَهُ بِالْخَيرِ والبركات)
(أعطَاهُ أَحْمد إِذا أَتَاهُ أَعْنُزًا ... عفرا نواجل لسن باللجبات)
(يملأن وَفد الْحَيّ كل عَشِيَّة ... وَيعود ذَاك الْمَلأ بالغداوات)
(بوركن من منح وبورك مانحا ... وَعَلِيهِ مني مَا حييت صَلَاتي) اللجبات: اللقلية اللَّبن
(2/46)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَالْبَغوِيّ وَابْن مندة فِي الصَّحَابَة من طَرِيق صاعد بن الْعَلَاء بن بشر عَن أَبِيه عَن جده بشر بن مُعَاوِيَة أَنه قدم مَعَ أَبِيه مُعَاوِيَة بن ثَوْر على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح رَأسه ودعا لَهُ فَكَانَت فِي وَجهه مسحة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كالغرة وَكَانَ لَا يمسح شَيْئا إِلَّا برأَ
بَاب مَا وَقع فِي وَفد تجيب
قَالَ ابْن سعد أَنا الْوَاقِدِيّ حَدثنَا عبد الله بن عَمْرو بن زُهَيْر عَن أبي الْحُوَيْرِث قَالَ قدم وَفد تجيب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة تسع وَفِيهِمْ غُلَام فَقَالَ يَا رَسُول الله اقْضِ حَاجَتي قَالَ وَمَا حَاجَتك قَالَ تسْأَل الله أَن يغْفر لي ويرحمني وَيجْعَل غناي فِي قلبِي فَقَالَ اللَّهُمَّ أَغفر لَهُ وارحمه وَاجعَل غناهُ فِي قلبه فَرَجَعُوا ثمَّ وافوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَوْسِم بمنى سنة عشر فَسَأَلَهُمْ عَن الْغُلَام فَقَالُوا مَا رَأينَا مثله أقنع مِنْهُ بِمَا رزقه الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنِّي لأرجو أَن يَمُوت جَمِيعًا)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد سلامان
أخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه أَن وَفد سلامان قدمُوا فِي شَوَّال سنة عشر فَقَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَيفَ الْبِلَاد عنْدكُمْ) قَالُوا مُجْدِبَة فَادع الله أَن يسقينا فِي أوطاننا فَقَالَ (اللَّهُمَّ اِسْقِهِمْ الْغَيْث فِي بِلَادهمْ) فَقَالُوا يَا نَبِي الله ارْفَعْ يَديك فَأَنَّهُ أَكثر وَأطيب فَتَبَسَّمَ وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى بدا بَيَاض إبطَيْهِ ثمَّ رجعُوا إِلَى بِلَادهمْ فوجدوها قد مطرَت فِي الْيَوْم الَّذِي دَعَا فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تِلْكَ السَّاعَة
(2/47)
بَاب مَا وَقع فِي وَفد محَارب
قَالَ ابْن سعد أَنا الْوَاقِدِيّ حَدثنِي مُحَمَّد بن صَالح عَن أبي وجزة السَّعْدِيّ قَالَ قدم وَفد محَارب سنة عشر فِي حجَّة الْوَدَاع وهم عشرَة نفر فيهم بَنو أبي الْحَارِث وَابْنه خُزَيْمَة فَمسح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجه خُزَيْمَة فَصَارَت لَهُ غرَّة بَيْضَاء
بَاب مَا وَقع فِي وَفد الْجِنّ
قَالَ أَبُو نعيم إِسْلَام الْجِنّ ووفادتهم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كوفادة الْإِنْس فوجا بعد فَوْج وقبيلة بعد قَبيلَة بِمَكَّة وَبعد الْهِجْرَة
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق عَمْرو بن غيلَان الثَّقَفِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ إِن أهل الصّفة أَخذ كل رجل مِنْهُم رجل يعشيه وَتركت فأخذني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حجرَة أم سَلمَة ثمَّ انْطلق بِي حَتَّى أَتَيْنَا بَقِيع الْغَرْقَد فَخط بعصاه خطة ثمَّ قَالَ اجْلِسْ فِيهَا وَلَا تَبْرَح حَتَّى آتِيك ثمَّ انْطلق يمشي وَأَنا أنظر إِلَيْهِ خلال النّخل حَتَّى إِذا كَانَ من حَيْثُ أرَاهُ ثارت مثل الْعَجَاجَة السَّوْدَاء ففرقت فَقلت إلحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنِّي أَظن هَذِه هوَازن مكروا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقتلوه فأسعى إِلَى الْبيُوت فاستغيث بِالنَّاسِ فَذكرت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْصَانِي أَن لَا أَبْرَح مَكَاني الَّذِي أَنا فِيهِ فَسمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقرعهم بعصاه وَيَقُول اجلسوا فجلسوا حَتَّى كَاد ينشق عَمُود الصُّبْح ثمَّ ثَارُوا وذهبوا فَأَتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أُولَئِكَ وَفد الْجِنّ سَأَلُونِي الْمَتَاع والزاد فَمَتَّعْتهمْ بِكُل عظم حَائِل أَو رَوْثَة أَو بعر فَلَا يَجدونَ عظما إِلَّا وجدو عَلَيْهِ لَحْمه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ يَوْم أكل وَلَا رَوْثَة إِلَّا وجدوا فِيهَا حبها الَّذِي كَانَ فِيهَا يَوْم أكلت
(2/48)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن الزبير بن الْعَوام قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فَلَمَّا انْصَرف قَالَ أَيّكُم يَتبعني إِلَى وَفد الْجِنّ اللَّيْلَة فَخرجت مَعَه حَتَّى خفيت عَنَّا جبال الْمَدِينَة كلهَا وأفضينا إِلَى أَرض برَاز فَإِذا رجال طوال كَأَنَّهُمْ الرماح مستذفري ثِيَابهمْ من بَين أَرجُلهم فَلَمَّا رَأَيْتهمْ غشيتني رعدة شَدِيدَة حَتَّى مَا تمسكني رجلاي من الْفرق فَلَمَّا دنونا مِنْهُم خطّ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطا فَقَالَ لي أقعد فِي وَسطه فَلَمَّا جَلَست ذهب عني كل شَيْء كنت أَجِدهُ من رِيبَة وَمضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيني وَبينهمْ فتلأ قُرْآنًا وبقوا حَتَّى طلع الْفجْر ثمَّ أقبل فَقَالَ لي الْحق فمشيت مَعَه فمضينا غيربعيد فَقَالَ لي الْتفت وَانْظُر هَل ترى حَيْثُ كَانَ أُولَئِكَ من أحد فَقلت أرى سوادا كثيرا فخفض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه إِلَى الأَرْض فنظم عظما بروثة ثمَّ رمى بهَا إِلَيْهِم وَقَالَ إِنَّهُم سَأَلُونِي الزَّاد فَجعلت لَهُم كل عظم وروثة
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبغني أحجارا استنفض بهَا وَلَا تأتني بِعظم وَلَا بروثة فَقلت يَا رَسُول الله مَا بَال الْعظم والروثة قَالَ (إِنَّه قد جَاءَنِي وَفد جن نَصِيبين من الشَّام وَنعم الْوَفْد فسألوني الزَّاد فدعوت لَهُم أَن لَا يمروا بِعظم وَلَا رَوْثَة إِلَّا وجدوا عَلَيْهِ طَعَاما)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن بِالْمَدِينَةِ نَفرا من الْجِنّ قد أَسْلمُوا فَمن رأى من هَذِه العوامر شَيْئا فليؤذنه ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن بدا لَهُ بعد ثَلَاث فليقتله فَإِنَّهُ الشَّيْطَان)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَتْهُ وُفُود الْجِنّ من الجزيرة فأقاموا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بدا لَهُم ثمَّ أَرَادوا الرُّجُوع إِلَى بِلَادهمْ فَسَأَلُوهُ أَن يزودهم فَقَالَ (مَا عِنْدِي مَا أزودكم وَلَكِن اذْهَبُوا فَكل عظم مررتم بِهِ فَهُوَ لكم لَحْمًا غريضا وكل رَوْث مررتم بِهِ فَهُوَ لكم تمر فَلذَلِك نهى أَن يستنجى بالروث والرمة)
(2/49)
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ خرج رجل من خَيْبَر فَتَبِعَهُ رجلَانِ وَآخر يتلوهما يَقُول أرجعا حَتَّى أدركهما فردهما ثمَّ لحق الرجل فَقَالَ لَهُ إِن هذَيْن شيطانان وَإِنِّي لم أزل بهما حَتَّى رددتهما عَنْك فَإِذا أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاقرأ السَّلَام وَأخْبرهُ إِنَّا فِي جمع صَدَقَاتنَا وَلَو كَانَت تصلح لَهُ لبعثنا بهَا إِلَيْهِ فَلم قدم الرجل الْمَدِينَة أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك عَن الْخلْوَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَأَبُو نعيم عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده قَالَ بِلَال بن الْحَارِث نزلنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره العرج فَلَمَّا قاربته سَمِعت لَغطا وخصومة رجال لم أر أحد من ألسنتهم قطّ فوقفت حَتَّى جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يضْحك فَقَالَ (اخْتصم عِنْدِي الْجِنّ الْمُسلمُونَ وَالْجِنّ الْمُشْركُونَ فسألوني أَن أسكنهم فأسكنت الْمُسلمين الجلس وأسكنت الْمُشْركين الْغَوْر) وَقَالَ كثير الجلس الْقرى وَالْجِبَال والغور مَا بَين الْجبَال والبحار قَالَ كثير وَمَا رَأَيْت أحدا أُصِيب بالجلس إِلَّا سلم وَلَا أُصِيب بالغور إِلَّا لم يكد يسلم
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن جَابر بن عبد الله قَالَ رَأَيْت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَشْيَاء لَو لم يَأْتِ بِالْقُرْآنِ لآمنت بِهِ تصحرنا فِي جبانة تَنْقَطِع الطّرق دونهَا فاخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوضُوء وَرَأى نخلتين متفرقتين فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا جَابر (اذْهَبْ إِلَيْهِمَا فَقل لَهما اجْتمعَا فاجتمعتا حَتَّى كَأَنَّهُمَا أصل وَاحِد فَتَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبادرته بِالْمَاءِ وَقلت لَعَلَّ الله أَن يطلعني على مَا خرج من جَوْفه فآكله فَرَأَيْت الأَرْض بَيْضَاء فَقلت يَا رَسُول الله أما كنت تَوَضَّأت قَالَ بلَى وَلَكنَّا معشر النَّبِيين أمرت الأَرْض أَن تواري مَا يخرج منا من الْغَائِط وَالْبَوْل ثمَّ افْتَرَقت النخلتان فَبَيْنَمَا نسير إِذا أَقبلت حَيَّة سَوْدَاء ثعبان ذكر فَوضعت رَأسهَا فِي أذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمه على أذنها فناجاها ثمَّ لكَأَنَّمَا الأَرْض قد
(2/50)
ابتلعتها فَقلت يَا رَسُول الله لقد أشفقنا عَلَيْك قَالَ هَذَا وَفد الْجِنّ نسوا سُورَة فارسلوه إِلَيّ ففتحت عَلَيْهِم الْقُرْآن ثمَّ انتهينا إِلَى قَرْيَة فَخرج إِلَيْنَا فِئَام من النَّاس مَعَ جَارِيَة كَأَنَّهَا فلقَة الْقَمَر حِين تمحى عَنهُ السَّحَاب حسناء مَجْنُونَة فَقَالَ أَهلهَا احتسب فِيهَا يَا رَسُول الله فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لجنيها وَيحك أَنا مُحَمَّد رَسُول الله خل عَنْهَا واستحيت وَرجعت صَحِيحَة
ياب مَا وَقع فِي قدوم خريم بن فاتك
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ خريم بن فاتك لعمر بن الْخطاب أَلا أخْبرك ببدء إسلامي بَينا فِي طلب نعم لي إِذْ جن اللَّيْل فناديت بِأَعْلَى صوتي أعوذ بعزيز هَذَا الْوَادي من سُفَهَاء قومه وَإِذا هَاتِف يَهْتِف بِي
(عذيا فَتى بِاللَّه ذِي الْجلَال ... وَالْمجد والنعماء والإفضال)
(واقتر آيَات من الْأَنْفَال ... ووحد الله وَلَا تبال) فرعت من ذَلِك روعا شَدِيدا فَلَمَّا رجعت لنَفْسي قلت
(يَا أَيهَا الْهَاتِف مَا تَقول ... أرشد عنْدك أم تضليل)
(بَين لنا هديت مَا السَّبِيل ... ) فَقَالَ
(هَذَا رَسُول الله ذُو الْخيرَات ... بِيَثْرِب يَدْعُو إِلَى النجَاة)
(جَاءَ بياسين وحاميمات ... وسور بعد مفصلات)
(مُحرمَات ومحللات ... يَأْمُرنَا بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة)
(ويزع النَّاس عَن الهنات ... يُنْهِي عَن الْمُنكر لَا الطَّاعَات) فركبت رَاحِلَتي فَدخلت الْمَدِينَة فاطلعت فِي الْمَسْجِد فَخرج إِلَيّ أَبُو بكر فَقَالَ ادخل رَحِمك الله فقد بلغنَا إسلامك فَدخلت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر يَقُول (مَا من عبد مُسلم تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ صلى صَلَاة يَعْقِلهَا ويحفظها إِلَّا دخل الْجنَّة)
(2/51)
فَقَالَ عمر لتَأْتِيني على هَذَا بِبَيِّنَة فَشهد لَهُ عُثْمَان
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من وَجه آخر عَن قيس بن الرّبيع الْأَسدي قَالَ قَالَ خريم فَذكر نَحوه وَزَاد بعد الشّعْر فَقلت يَعْنِي للهاتف من أَنْت رَحِمك الله قَالَ أَنا عَمْرو بن اثال وَأَنا عَامله على جن نجد الْمُسلمين وكفيت إبلك حَتَّى تقدم على أهلك فَخرجت حَتَّى أتيت الْمَدِينَة فتلقاني رجل فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لقد بَلغنِي إسلامك قلت من أَنْت قَالَ أَنا أَبُو ذَر فَدخلت الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر فَشَهِدت شَهَادَة الْحق وَقلت يَا رَسُول الله جزى الله صَاحِبي خيرا فَقَالَ أما علمت أَنه قد أدّى أبلك إِلَى أهلك
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر أَيْضا من وَجه آخر عَن خريم وَفِيه فَقلت من أَنْت قَالَ أَنا مَالك بن مَالك الجني بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جن أهل نجد قلت أما لَو كَانَ من يُؤَدِّي إبلي هَذِه إِلَى أَهلِي لأتيته حَتَّى أسلم قَالَ أَنا اؤديها فركبت بَعِيرًا مِنْهَا فَقدمت فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر فَلَمَّا رَآنِي قَالَ مَا فعل الرجل الَّذِي ضمن لَك أَن يُؤَدِّي إبلك أما أَنه قد أَدَّاهَا سَالِمَة
بَاب مَا وَقع فِي إِسْلَام خنافر بن التؤم الْحِمْيَرِي
أخرج ابْن دُرَيْد فِي الْأَخْبَار المنثورة قَالَ أَخْبرنِي عمي عَن أَبِيه عَن ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه قَالَ كَانَ خنافر بن التؤم كَاهِنًا فَلَمَّا وفدت وُفُود الْيمن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظهر الْإِسْلَام أفار على إبل لمراد وَخرج بِمَالِه وَأَهله فلحق بالشحر وَكَانَ لَهُ رئي فِي الْجَاهِلِيَّة فَفَقدهُ فِي الْإِسْلَام قَالَ فَبَيْنَمَا أَنا ذَات لَيْلَة بذلك الْوَادي إِذْ هوى عَليّ هوي الْعقَاب فَقَالَ خنافر فَقلت شصار فَقَالَ اسْمَع أقل قلت أسمع قَالَ عه تغنم لكل ذِي أمد نِهَايَة وكل ذِي ابْتِدَاء إِلَى غَايَة فَقلت أجل قَالَ كل دولة إِلَى أجل ثمَّ يتاح لَهَا حول وَقد انتسخت النَّحْل
(2/52)
وَرجعت إِلَى حقائقها الْملَل إِنِّي أتيت بِالشَّام نَفرا من آل العدام حكاما على الْحُكَّام يزبرون ذَا رونق من الْكَلَام لَيْسَ بالشعر الْمُؤلف وَلَا السجع الْمُكَلف فأصغيت فزجرت فعاودت فطلعت فَقلت بِمَا تهينمون وَإِلَى مَا تغترون فَقَالُوا خطاب كبار جَاءَ من عِنْد الْملك الْجَبَّار فاسمع يَا شصار لأصدق الْأَخْبَار واسلك أوضح الْآثَار تنج من أوار النَّار فَقلت وَمَا هَذَا الْكَلَام قَالُوا فرقان بَين الْكفْر والأيمان أَتَى بِهِ رَسُول من مُضر ثمَّ من أهل الدَّار انْبَعَثَ فَظهر فجَاء بقول قد بهر وأوضح نهجا قد دبر فَفِيهِ مواعظ لمن اعْتبر قلت وَمن هَذَا الْمَبْعُوث بِالْآيِ الْكبر قَالَ أَحْمد خير الْبشر فَإِن آمَنت أَعْطَيْت الْبشر وَإِن خَالَفت أصليت سقر فآمنت وَأَقْبَلت إِلَيْك أبادر فجانب كل نجس كَافِر وشائع كل مُؤمن طَاهِر وَإِلَّا فَهُوَ الْفِرَاق فاحتملت بأهلي فَرددت الْإِبِل إِلَى أَهلهَا ثمَّ أَقبلت إِلَى معَاذ بن جبل بِصَنْعَاء فَبَايَعته على الْإِسْلَام وَفِي ذَلِك أَقُول
(ألم تَرَ أَن الله عَاد بفضله ... وأنقذ من لفح الْجَحِيم خنافرا)
(دَعَاني شصار للَّتِي لَو رفضتها ... لأصليت جمرا من لظى الهول جامرا)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم جَهْجَاه
أخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عَطاء بن يسَار عَن جَهْجَاه الْغِفَارِيّ أَنه قدم فِي نفر من قومه يُرِيدُونَ الْإِسْلَام فَحَضَرُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمغرب
(2/53)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم رَاشد بن عبد ربه
أخرج أَبُو نعيم من طَرِيق حَكِيم بن عَطاء السّلمِيّ من ولد رشاد بن عبد ربه عَن أَبِيه عَن جده عَن رَاشد بن عبد ربه قَالَ كَانَ الصَّنَم الَّذِي يُقَال لَهُ سواع بالمعلاة من رهاط فارسلتني بَنو ظفر بهدية إِلَيْهِ فألفيت مَعَ الْفجْر ألى صنم قبل صنم سواع وَإِذا صارخ يصْرخ من جَوْفه الْعجب كل الْعجب من خُرُوج نَبِي من بني عبد الْمطلب يحرم الزِّنَا والربا وَالذّبْح للأصنام وحرست السَّمَاء ورمينا بِالشُّهُبِ ثمَّ هتف هَاتِف من جَوف صنم آخر ترك الضمار وَكَانَ يعبد خرج أَحْمد نَبِي يُصَلِّي الصَّلَاة وَيَأْمُر بِالزَّكَاةِ وَالصِّيَام وَالْبر والصلات للأرحام ثمَّ هتف من جَوف صنم آخر هَاتِف
(إِن الَّذِي ورث النُّبُوَّة وَالْهدى ... بعد ابْن مَرْيَم مِنْهُ قُرَيْش مهتدي)
(نَبِي يخبر بِمَا سبق وَمَا يكون فِي غَد ... ) قَالَ رَاشد فألفيت سواعا من الْفجْر فَإِذا ثعلبان يلحسان مَا حوله ويأكلان مَا يهدى لَهُ ثمَّ يعرجان عَلَيْهِ ببولهما فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول رَاشد
(ارب يَبُول الثعلبان بِرَأْسِهِ ... لقد ذل من بَالَتْ عَلَيْهِ الثعالب) وَذَلِكَ عِنْد مخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة فَخرج رَاشد حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَأسلم وَبَايَعَهُ ثمَّ طلب من قطيعة برهاط فأقطعه إِيَّاهَا وَأَعْطَاهُ أدواة مَمْلُوءَة من مَاء وتفل فِيهَا وَقَالَ لَهُ (فرغها فِي أَعلَى القطيعة وَلَا تمنع النَّاس فضولها) فَفعل فجَاء المَاء معينا مجمة ألى الْيَوْم فغرس عَلَيْهَا النّخل وَيُقَال أَن رهاط كلهَا تشرب مِنْهُ وَسَماهُ النَّاس مَاء الرَّسُول وَأهل رهاط يغتسلون مِنْهُ ويستشفون بِهِ
(2/54)
بَاب مَا وَقع فِي إِسْلَام الْحجَّاج بن علاط
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الهواتف وَابْن عَسَاكِر عَن وَاثِلَة بن الاسقع قَالَ كَانَ سَبَب إِسْلَام الْحجَّاج بن علاط أَنه خرج فِي ركب من قومه إِلَى مَكَّة فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل استوحش فَقَامَ يحرس أَصْحَابه بِهِ وَيَقُول
(أعيذ نَفسِي وأعيذ صبحي ... من كل جني بِهَذَا النقب)
(حَتَّى أَعُود سالما وركبي ... ) فَسمع قَائِلا يَقُول {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الْآيَة فَلَمَّا قدم مَكَّة أخبر بذلك قُريْشًا فَقَالُوا لَهُ إِن هَذَا فِيمَا يزْعم مُحَمَّد أَنه أنزل عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ هُوَ بِالْمَدِينَةِ فَأسلم
بَاب مَا وَقع فِي إِسْلَام رَافع بن عُمَيْر
أخرج الخرائطي فِي الهواتف عَن سعيد بن جُبَير أَن رجلا من بني تَمِيم يُقَال لَهُ رَافع بن عُمَيْر ذكر عَن بَدْء إِسْلَامه قَالَ إِنِّي لأسير برمل عالج ذَات لَيْلَة إِذْ غلبني النّوم فَنزلت وَقلت أعوذ بعظيم هَذَا الْوَادي من الْجِنّ فَذكر قصَّة إِلَى أَن قَالَ وَإِذا بشيخ من الْجِنّ تبدى لي فَقَالَ يَا هَذَا إِذا نزلت وَاديا من الأودية فَخفت هوله فَقل أعوذ بِاللَّه رب مُحَمَّد من هول هَذَا الْوَادي وَلَا تعذ بِأحد من الْجِنّ فقد بَطل أمرهَا فَقلت لَهُ وَمن مُحَمَّد هَذَا قَالَ هَذَا نَبِي عَرَبِيّ لَا شَرْقي وَلَا غربي بعث يَوْم الِاثْنَيْنِ قلت فَأَيْنَ مَسْكَنه قَالَ يثرب ذَات النّخل فركبت رَاحِلَتي وجديت السّير حَتَّى قدمت الْمَدِينَة فرآني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَدثني بحديثي قبل أَن أذكر لَهُ مِنْهُ شَيْئا وَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَام فَأسْلمت
(2/55)
بَاب مَا وَقع فِي إِسْلَام الحكم بن كيسَان مولى بني مَخْزُوم
أخرج ابْن سعد عَن الْمِقْدَاد بن عَمْرو قَالَ أسرت الحكم بن كيسَان فقدمنا بِهِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأطَال فَقَالَ عمر علام تكلم هَذَا يَا رَسُول الله وَالله لَا يسلم هَذَا آخر الْأَبَد دَعْنِي اضْرِب عُنُقه فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقبل على عمر حَتَّى أسلم الحكم قَالَ عمر فَمَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْته قد أسلم أَخَذَنِي مَا تقدم وَمَا تَأَخّر قلت كَيفَ أرد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرا هُوَ أعلم بِهِ مني ... بَاب مَا وَقع فِي قدوم أبي صفرَة
أخرج ابْن مندة وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُحَمَّد بن غَالب بن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد ابْن الْمُهلب بن أبي صفرَة قَالَ ذكر أبي عَن آبَائِهِ أَن أَبَا صفرَة قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن يبايعه وَعَلِيهِ حلَّة صفراء يسحبها خَلفه وَله طول ومنظر وجمال وفصاحة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أَنْت) قَالَ أَنا قَاطع بن سَارِق بن ظَالِم بن عَمْرو بن شهَاب بِمَ مرّة بن الهلقام بن الجلندي بن المستكبر بن الجلندي الَّذِي كَانَ يَأْخُذ كل سفينة غصبا أَنا ملك ابْن ملك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنْت أَبُو صفرَة دع عَنْك سَارِقا ظَالِما) فَقَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وانك عَبده وَرَسُوله) حَقًا حَقًا إِن ليل ثَمَانِيَة عشر ذكرا وَقد رزقت باخرة بِنْتا فسميتها صفرَة
بَاب مَا وَقع فِي قدوم عِكْرِمَة بن أبي جهل
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن أَبَا جهل أَتَانِي فبايعني) فَلَمَّا أسلم خَالِد قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد صدق الله
(2/56)
رُؤْيَاك يَا رَسُول الله هَذَا كَانَ إِسْلَام خَالِد فَقَالَ (لَيَكُونن غَيره) حَتَّى أسلم عِكْرِمَة بن أبي جهل فَكَانَ ذَلِك تَصْدِيق رُؤْيَاهُ
وَأخرج الْحَاكِم عَن أم سَلمَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رَأَيْت لأبي جهل عذقا فِي الْجنَّة فَلم أسلم عِكْرِمَة قلت هُوَ هَذَا)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ قتل عِكْرِمَة بن أبي جهل صَخْر الْأنْصَارِيّ فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَحِك فَقَالَ الْأَنْصَار يَا رَسُول الله تضحك أَن قتل رجل من قَوْمك رجلا من قَومنَا قَالَ (مَا ذَاك أضحكني وَلكنه قَتله وَهُوَ مَعَه فِي دَرَجَته)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم النخع
أخرج ابْن شاهين من طَرِيق ابي الْحسن الْمَدَائِنِي عَن شُيُوخه قَالُوا قدم وَفد النخع فِي الْمحرم سنة عشر عَلَيْهِم زُرَارَة بن عَمْرو فَقَالَ زُرَارَة يَا رَسُول الله رَأَيْت فِي طريقي رُؤْيا هالتني رَأَيْت أَتَانَا خلفتها فِي أَهلِي ولدت جديا أسفع أحوى وَرَأَيْت نَارا خرجت من الأَرْض حَالَتْ بيني وَبَين ابْن لي وَرَأَيْت النُّعْمَان بن الْمُنْذر عَلَيْهِ قرطان ودملجان ومسكتان وَرَأَيْت عجوزا شَمْطَاء خرجت من الأَرْض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَل خلفت أمة مَسَرَّة حملا) قَالَ نعم قد ولدت غُلَاما وَهُوَ ابْنك قَالَ فَمَا باله أسفع أحوى قَالَ (ادن مني) فَدَنَا قَالَ (أبك برص تكتمه) قَالَ نعم وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا علمه أحد من الْخلق قبلك قَالَ (فَهُوَ ذَاك) قَالَ (وَأما النَّار فَإِنَّهَا تكون فتْنَة بعدِي) قَالَ وَمَا الْفِتْنَة قَالَ (يقتل النَّاس إمَامهمْ ويشتجرون حَتَّى يصير دم الْمُؤمن أحلى من شرب المَاء فَإِن مت أدْركْت ابْنك وَإِن أَنْت بقيت أَدْرَكتك) قَالَ فَادع الله لَا تدركني فَدَعَا لَهُ قَالَ فَكَانَ ابْنه عَمْرو بن زُرَارَة أول خلق خلع عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ (وَأما النعممان وَمَا عَلَيْهِ فَذَاك
(2/57)
ملك الْعَرَب يصير إِلَى أفضل بهجة وزينة والعجوز الشمطاء بَقِيَّة الدُّنْيَا ذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَات بِلَا إِسْنَاد
بَاب مَا وَقع فِي قدوم خفاف بن نَضْلَة
أخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو سعد فِي شرف الْمُصْطَفى قَالَ المرزباني فِي مُعْجم الشُّعَرَاء وَفد خفاف بن نَضْلَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنشده
(إِنِّي أَتَانِي فِي الْمَنَام مخبر ... من خير وجرة فِي الْأُمُور مواتي)
(يَدْعُو إِلَيْك لياليا ولياليا ... ثمَّ اخزأل وَقَالَ لست بآتي)
(فركبت نَاجِية أضرّ بِنَفسِهَا ... جمز تخب بِهِ على الأكمات)
(حَتَّى وَردت إِلَى الْمَدِينَة جاهدا ... كَيْمَا أَرَاك فتفرج الكربات)
بَاب مَا وَقع فِي قدوم بني تَمِيم
أخرج ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ وَسَعِيد بن عَمْرو قَالَا قدم وَفد بني تَمِيم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقدموا عُطَارِد بن حَاجِب فَخَطب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِثَابِت ابْن قيس (قُم فاجب خطيبهم وَمَا كَانَ درى من ذَلِك بِشَيْء وَمَا هيأ قبل ذَلِك مَا يَقُول) فَقَامَ فَخَطب ثمَّ قَامَ شَاعِرهمْ الزبْرِقَان فَأَنْشد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أجبهم يَا حسان وَقَالَ إِن الله ليؤيد حسانا بِروح الْقُدس مَا نافح عَن نبيه فَقَامَ حسان فَأَنْشد وخلا الْوَفْد ببعضهم إِلَى بعض فَقَالَ قَائِلهمْ تعلمن وَالله إِن هَذَا الرجل مؤيد مَصْنُوع لَهُ وَالله لخطيبه أَخطب من خَطِيبنَا ولشاعره أشعر من شَاعِرنَا وَلَهُم أحلم منا
(2/58)
بَاب الْآيَة فِي قدوم الْأَعرَابِي)
أخرج الْبَزَّار وَأَبُو نعيم عَن بُرَيْدَة قَالَ جَاءَ إعرابي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله قد أسلمت فأريني شَيْئا أزدد بِهِ يَقِينا قَالَ (مَا الَّذِي تُرِيدُ) قَالَ أدع تِلْكَ الشَّجَرَة فلتأتك قَالَ (إذهب فأدعها) فَأَتَاهَا الْأَعرَابِي فَقَالَ أجيبي رَسُول الله فمالت على جَانب من جوانبها فَقطعت عروقها ثمَّ مَالَتْ على الْجَانِب الآخر فَقطعت عروقها حَتَّى أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله فَقَالَ الْأَعرَابِي حسبي حسبي فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أرجعي فَرَجَعت فَجَلَست على عروقها فَقَالَ الْأَعرَابِي ائْذَنْ لي يَا رَسُول الله أَن أقبل رَأسك ورجليك فَفعل ثمَّ قَالَ ائْذَنْ لي يَا رَسُول أَن أَسجد لَك فَقَالَ لَا يسْجد أحد لأحد)
وَأخرج أَبُو نعيم من وَجه آخر عَن بُرَيْدَة أَن إعرابيا جَاءَ فَقَالَ يَا نَبِي الله أَتَيْتُك مُسلما أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَإنَّك عَبده وَرَسُوله وَأُرِيد أَن تَدْعُو تِلْكَ الشَّجَرَة الخضراء فتأتيك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تعالي فاتكأت الشَّجَرَة على أُصُولهَا يمنا وَشمَالًا ثمَّ أكبت حَتَّى قطعت عروقها واستوت ثمَّ أَقبلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تجر عروقها فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِمَا تشهدين يَا شَجَرَة قَالَت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وانك رَسُول الله قَالَ صدقت قَالَ الْأَعرَابِي فَمُرْهَا فَلْتَرْجِعْ إِلَى مَكَانهَا فَقَالَ ارجعي إِلَى مَكَانك وكوني كَمَا كنت فَرَجَعت إِلَى حفرتها فدلت عروقها فِي الحفرة فَوَقع كل عرق فِي مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ ثمَّ التأمت عَلَيْهَا الأَرْض فَقَالَ الْأَعرَابِي اذْهَبْ إِلَى أَهلِي وقومي فاخبرهم الْخَبَر وآتيك بطَائفَة مِنْهُم مُؤمنين)
بَاب الْآيَة فِي قدوم الْأَعرَابِي من بَين عَامر بن صعصعة
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَالْبَيْهَقِيّ وابو يعلى وَابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي من بني عَامر بن
(2/59)
صعصعة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بِمَ أعرف انك رَسُول الله قَالَ (أَرَأَيْت لَو دَعَوْت هَذَا العذق ينزل من النَّخْلَة أَتَشهد اني رَسُول الله قَالَ نعم فَدَعَا العذق فَجعل العذق من هَذِه النَّخْلَة حَتَّى سقط فِي الأَرْض فَجعل ينقز) وَفِي لفظ لأبي نعيم فَأقبل اليه وَهُوَ يسْجد وَيرْفَع رَأسه حَتَّى انْتهى إِلَيْهِ فَقَامَ بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أرجع إِلَى مَكَانك فَرجع إِلَى مَكَانَهُ فَقَالَ أشهد أَنَّك رَسُول الله وآمن)
بَاب الْآيَة فِي قدوم الْأَعرَابِي الآخر
أخرج الدَّارمِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عمر قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَأقبل اعرابي فَلَمَّا دنا قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن تُرِيدُ قَالَ إِلَى أَهلِي قَالَ هَل لَك فِي خير قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله قَالَ من شَاهد على مَا تَقول قَالَ هَذِه الشَّجَرَة فَدَعَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي بشاطىء الْوَادي فَأَقْبَلت تخد الأَرْض خدا حَتَّى جَاءَت بَين يَدَيْهِ فاستشهدها ثَلَاثًا فَشَهِدت أَنه كَمَا قَالَ ثمَّ رجعت إِلَى منبتها وَرجع الْأَعرَابِي إِلَى قومه فَقَالَ إِن يتبعوني آتِك بهم وَإِلَّا رجعت إِلَيْك فَكنت مَعَك
بَاب مَا وَقع فِي حجَّة الْوَدَاع من الْآيَات والمعجزات
أخرج أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد حسنه ابْن حجر فِي المطالب الْعَالِيَة عَن أُسَامَة ابْن زيد قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْحجَّة الَّتِي حَجهَا حَتَّى إِذا كُنَّا بِبَطن الروحاء نظر إِلَى امْرَأَة تؤمة فحبس رَاحِلَته فَلَمَّا دنت مِنْهُ قَالَت يَا رَسُول الله هَذَا
(2/60)
ابْني مَا أَفَاق من يَوْم وَلدته إِلَى يومي هَذَا فَأَخذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا وَوَضعه فِيمَا بَين صَدره وواسطة الرحل ثمَّ تفل فِي فِيهِ وَقَالَ أخرج يَا عَدو الله فَإِنِّي رَسُول الله ثمَّ ناولها إِيَّاه وَقَالَ خذيه فَلَا بَأْس عَلَيْهِ
قَالَ أُسَامَة فَلَمَّا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّته انْصَرف حَتَّى إِذا نزل بِبَطن الروحاء أَتَتْهُ تِلْكَ الْمَرْأَة بِشَاة قد شوتها ثمَّ قَالَ ناوليني ذِرَاعا فناولته ثمَّ قَالَ ناوليني ذِرَاعا فناولته ثمَّ قَالَ ناوليني ذِرَاعا فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّمَا هما ذراعان وَقد ناولتك فَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو سكت مَا زلت تناوليني ذِرَاعا مَا قلت لَك ناوليني ذِرَاعا ثمَّ قَالَ أنظر هَل ترى من نخل أَو حِجَارَة فَقلت قد رَأَيْت نخلات متقاربات ورضما من حِجَارَة قَالَ انْطلق إِلَى النخلات فَقل لَهُنَّ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأمركن أَن تدانين لمخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقل للحجارة مثل ذَلِك فأتيتهن فَقلت لَهُنَّ ذَلِك فو الَّذِي بَعثه بِالْحَقِّ لقد جعلت أنظر إِلَى النخلات يخددن الأَرْض خدا حَتَّى اجْتَمعْنَ وَانْظُر إِلَى الْحِجَارَة يتناقزن حَتَّى صرن رضما خلف النخلات فَلَمَّا قضى حَاجته وَانْصَرف قَالَ عد إِلَى النخلات وَالْحِجَارَة فَقل لَهُنَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأمركن أَن ترجعن إِلَى مواضعكن
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن رَاهْوَيْةِ وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر قَالَ خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر وَكَانَ إِذا أَرَادَ البرَاز تبَاعد حَتَّى لَا يرَاهُ أحد فنزلنا منزلا بفلاة من الأَرْض لَيْسَ فِيهَا علم وَلَا شجر فَقَالَ لي يَا جَابر خُذ الأداوة وَانْطَلق فملأت الأدواة مَاء وانطلقنا فمشينا حَتَّى لَا نكاد نرى فَإِذا شجرتان بَينهمَا أَذْرع فَقَالَ لي يَا جَابر أَنطلق فَقل لهَذِهِ الشَّجَرَة يَقُول لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلحقي بصاحبتك حَتَّى أَجْلِس خلفكما فَفعلت فلحقت بصاحبتها فَجَلَسَ خلفهمَا حَتَّى قضى حَاجته ثمَّ رَجعْنَا وركبنا فسرنا فَإِذا نَحن بِامْرَأَة قد عرضت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعهَا صبي تحمله فَقَالَت يَا رَسُول الله ان إبني يَأْخُذهُ الشَّيْطَان كل يَوْم ثَلَاث
(2/61)
مَرَّات لَا يَدعه فَوقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتناوله فَجعله بَينه وَبَين مُقَدّمَة الرحل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اخس عَدو الله أَنا رَسُول الله ثَلَاثًا ثمَّ ناولها إِيَّاه فَلَمَّا رَجعْنَا عرضت لنا الْمَرْأَة مَعهَا كبشان تقودهما وَالصَّبِيّ تحمله فَقَالَت يَا رَسُول الله إقبل مني هديتي فو الَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لم يعاود إِلَيْهِ بعد) فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذُوا أَحدهمَا مِنْهَا وردوا الآخر ثمَّ سرنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْننَا فَجَاءَهُ جمل نَاد فَلَمَّا كَانَ بَين السماطين خر سَاجِدا فَقَالَ من صَاحب الْجمل فَقَالَ فتية من الْأَنْصَار هُوَ لنا قَالَ فَمَا شَأْنه قَالُوا سنونا عَلَيْهِ عشْرين سنة فَلَمَّا كَبرت سنة أردنَا نَحره لنقسمه بَين غلمتنا فَقَالَ تبيعونيه قَالُوا هُوَ لَك قَالَ فاحسنو إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيهِ أَجله
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَره إِلَى مَكَّة وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ فِي غَزْوَة حنين قَالَ فَذهب إِلَى الْغَائِط فَلم يجد شَيْئا يتَوَارَى بِهِ فَبَصر بشجرتين فَذكر قصَّة الشجرتين وقصة الْجمل نَحْو حَدِيث جَابر
وَأخرج أَحْمد وَابْن سعد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن يعلى بن مرّة قَالَ سَافَرت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة فَرَأَيْت مِنْهُ شَيْئا عجيبا نزلنَا منزلا فَقَالَ انْطلق إِلَى هَاتين الشجرتين فَقل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَكمَا أَن تجتمعا فَانْطَلَقت فَقلت لَهما ذَلِك فانتزعت كل وَاحِدَة من أَصْلهَا فنزت كل وَاحِدَة إِلَى صاحبتها فالتقتا جَمِيعًا فَقضى حَاجته من ورائهما ثمَّ قَالَ انْطلق فَقل لَهما فَلْتَرْجِعْ كل وَاحِدَة إِلَى مكانتها فأتيتهما فَقلت لَهما ذَلِك فنزعت كل وَاحِدَة حَتَّى عَادَتْ إِلَى مَكَانهَا
وأتته امْرَأَة فَقَالَت ان ابْني هَذَا بِهِ لمَم مُنْذُ سبع سِنِين يَأْخُذهُ فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ فَقَالَ أدنيه فتفل فِي فِيهِ وَقَالَ أخرج عَدو الله أَنا رَسُول الله ثمَّ قَالَ لَهَا إِذا رَجعْنَا فاعلمينا مَا صنع فَلَمَّا رَجَعَ استقبلته فَقَالَت وَالَّذِي أكرمك مَا رَأينَا بِهِ شَيْئا مُنْذُ فارقتنا
(2/62)
ثمَّ أَتَاهُ بعير فَقَامَ بَين يَدَيْهِ فَرَأى عَيْنَيْهِ تدمعان فَبعث إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ مَا لبعيركم هَذَا يشكوكم فَقَالُوا كُنَّا نعمل عَلَيْهِ فَلَمَّا كبر ذهب عمله تواعدنا لننحره غَدا قَالَ فَلَا تنحروه واجعلوه فِي الْإِبِل وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من وَجه آخر وَفِيه فَقَالَ هَذَا يَقُول نتجت عِنْدهم فاستعملوني حَتَّى إِذا كَبرت أَرَادوا أَن ينحروني
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من وَجه آخر عَن يعلى قَالَ ثَلَاثَة أَشْيَاء رَأَيْتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا نَحن نسير مَعَه إِذْ مَرَرْنَا بِبَعِير يسني عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِير جرجر وَوضع جرانه فَدَعَا بِصَاحِبِهِ وَقَالَ إِنَّه قد شكى كَثْرَة الْعَمَل وَقلة الْعلف فَأحْسن إِلَيْهِ ثمَّ سرنا حَتَّى نزلنَا منزلا فَنَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَت شَجَرَة تشق الأَرْض حَتَّى غَشيته ثمَّ رجعت إِلَى مَكَانهَا فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ هِيَ شَجَرَة اسْتَأْذَنت رَبهَا فِي أَن تسلم عَليّ فَأذن لَهَا ثمَّ ذكر قصَّة الصَّبِي
وَأخرج أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ قَالَ خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأَيْنَا مِنْهُ عجبا مَرَرْنَا بِأَرْض فِيهَا إشاء متفرق فَقَالَ يَا غيلَان أيت هَاتين الاشاءتين فَمر إِحْدَاهمَا تنضم إِلَى صاحبتها فَانْطَلَقت فَقُمْت بَينهمَا فَقلت إِن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر إِحْدَاكُمَا تنضم إِلَى صاحبتها فمالت إِحْدَاهمَا ثمَّ انقلعت تخد فِي الأَرْض حَتَّى انضمت إِلَى صاحبتها فَنزل فَتَوَضَّأ خلفهمَا ثمَّ ركب وعادت تخد فِي الأَرْض إِلَى موضعهَا ثمَّ نزلنَا منزلا فَأَقْبَلت امْرَأَة بِابْن لَهَا فَقَالَت يَا نَبِي الله مَا كَانَ فِي الْحَيّ غُلَام أحب إِلَيّ من إبني هَذَا فأصابته الموته فَأَنا أَتَمَنَّى مَوته فَادع الله لَهُ فأدناه نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ بِسم الله أَنا رَسُول الله أخرج عَدو الله ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ اذهبي بابنك لن تري بَأْسا إِن شَاءَ الله
(2/63)
ثمَّ مضينا فنزلنا منزلا فجَاء رجل فَقَالَ يَا نَبِي الله إِنَّه كَانَ لي حَائِط فِيهِ عيشي وعيش عيالي ولي فِيهِ ناضحان فاغتلما ومنعاني أَنفسهمَا وحائطي وَلَا يقدر أحد على الدنو مِنْهُمَا فَنَهَضَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى الْحَائِط فَقَالَ لصَاحبه افْتَحْ قَالَ أَمرهمَا أعظم من ذَلِك قَالَ افْتَحْ فَلَمَّا حرك الْبَاب بالمفتاح أَقبلَا لَهما جلبة كحفبف الرّيح فَلَمَّا افرج الْبَاب فَنَظَرا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بركا ثمَّ سجدا فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برؤوسهما ثمَّ دفعهما إِلَى صَاحبهمَا وَقَالَ استعملهما واحسن علفهما فَقَالَ الْقَوْم يَا نَبِي الله تسْجد لَك الْبَهَائِم فَنحْن أَحَق قَالَ إِن السُّجُود لَيْسَ إِلَّا للحي الَّذِي لَا يَمُوت ثمَّ رَجعْنَا فَجَاءَت أم الْغُلَام فَقَالَت وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا زَالَ من غلْمَان الْحَيّ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق سُلَيْمَان بن عَمْرو الْأَحْوَص عَن أمه أم جُنْدُب قَالَت رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد جَمْرَة الْعقبَة فَرمى وَرمى النَّاس ثمَّ انْصَرف فَجَاءَت امْرَأَة وَمَعَهَا ابْن لَهَا بِهِ مس قَالَت يَا رَسُول الله إِن ابْني هَذَا بِهِ بلَاء لَا يتَكَلَّم فَأمرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَت بتور من حِجَارَة فِيهِ مَاء فَأَخذه بِيَدِهِ فمج فِيهِ ودعاميه وَأعَاد فِيهِ ثمَّ أمرهَا فَقَالَ اسقيه واغسليه فِيهِ قَالَت فتبعتها فَقلت هبي لي من هَذَا المَاء قَالَت خذي مِنْهُ فَأخذت مِنْهُ حفْنَة فسقيته ابْني عبد الله فَعَاشَ فَكَانَ من بره مَا شَاءَ الله أَن يكون قَالَت وَلَقِيت الْمَرْأَة فَزَعَمت إِن ابْنهَا برأَ وَأَنه غُلَام لَا غُلَام خير مِنْهُ وَلَفظ أبي نعيم برأَ وعقل عقلا لَيْسَ كعقول النَّاس
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن معيقيب الْيَمَانِيّ قَالَ حججْت حجَّة الْوَدَاع فَدخلت دَارا بِمَكَّة فَرَأَيْت فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأَيْت مِنْهُ عجبا جَاءَهُ رجل من أهل الْيَمَامَة بِغُلَام يَوْم ولد فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا غُلَام من أَنا قَالَ أَنْت رَسُول الله قَالَ صدقت بَارك الله فِيك ثمَّ أَن الْغُلَام لم يتَكَلَّم بعد ذَلِك حَتَّى شب فَكُنَّا نُسَمِّيه مبارك الْيَمَامَة
(2/64)
وَأخرج ابْن النجار من طَرِيق أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبيد الله الْجَوْهَرِي ابْن الْحسن عَن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار قَالَ حَدثنِي جَعْفَر بن مُحَمَّد الْكُوفِي عَن رجل من أَصْحَابنَا عَن أبي عبد الله الصَّادِق قَالَ لما انْتهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الرُّكْن الغربي فجازه قَالَ لَهُ الرُّكْن يَا رَسُول الله أَلَسْت قعيدا من قَوَاعِد بَيت رَبك فَمَا بِي لَا أستلم فَدَنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (اسكن عَلَيْك السَّلَام غير مهجور)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي حجَّة الْوَدَاع (أَيهَا النَّاس اصنعوا مَا أَقُول لكم فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا ألقاكم بعد عَامي هَذَا فِي هَذَا الْموقف اسمعوا أَيهَا النَّاس قولي فَإِنِّي قد تركت فِيكُم مَا أَن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ لن تضلوا كتاب الله وسنتي)
وَأخرج مُسلم عَن جَابر قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْمِي الْجَمْرَة على رَاحِلَته يَوْم النَّحْر وَيَقُول (لِتَأْخُذُوا عني مَنَاسِككُم فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد حجتي هَذِه)
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف يَوْم النَّحْر فِي الْحجَّة الَّتِي حج فَقَالَ للنَّاس (أَي يَوْم هَذَا الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ ثمَّ قَالَ هَل بلغت قَالُوا نعم قَالَ اللَّهُمَّ أشهد ثمَّ ودع النَّاس فَقَالُوا هَذِه حجَّة الْوَدَاع)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ كنت جَالِسا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِد الْخيف فَأتى رجل من الْأَنْصَار وَرجل من ثَقِيف فَقَالَا جئْنَاك يَا رَسُول الله قَالَ إِن شئتما أخبركما بِمَا تسألاني عَنهُ فعلت وَإِن شئتما أَن أسكت وتسألاني قَالَا أخبرنَا يَا رَسُول الله نزداد إِيمَانًا فَقَالَ للثقفي (جِئْت تسْأَل عَن صَلَاتك بِاللَّيْلِ وَعَن ركوعك وسجودك وصيامك وَعَن غسلك من الْجَنَابَة وَقَالَ للْأَنْصَارِيِّ جِئْت تسْأَل عَن خُرُوجك من بَيْتك تؤم الْبَيْت الْعَتِيق وَمَالك فِيهِ وَعَن وقوفك بِعَرَفَات وحلقك رَأسك وطوافك بِالْبَيْتِ ورميك الْجمار) قَالَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ للَّذي جِئْنَا نَسْأَلك عَنهُ وَورد نَحوه من حَدِيث ابْن عمر وَسَيَأْتِي
(2/65)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن قرط قَالَ قدم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم القربدنات خمس أَو سِتّ فطفقن يزدلفن إِلَيْهِ بأيتهن يبْدَأ
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عِصَام بن حميد السكونِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل معَاذ ابْن جبل إِلَى الْيمن فَخرج مَعَه يوصيه فَلَمَّا فرغ قَالَ يَا معَاذ إِنَّك عَسى أَن لَا تَلقانِي بعد عَامي ولعلك أَن تمر بمسجدي وقبري فَبكى معَاذ وَأخرجه أَحْمد من وَجه آخر عَن عَاصِم عَن معَاذ مَوْصُولا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن ابْن كَعْب بن مَالك قَالَ لما حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث معَاذًا إِلَى الْيمن فَقدم على أبي بكر من الْيمن وَقد توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْخَطِيب بِسَنَد فِيهِ مَجْهُولُونَ عَن عائسة قَالَت حج بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع فَمر بِي على عقبَة الْحجُون وَهُوَ باك حَزِين مُغْتَم ثمَّ وَعَاد وَهُوَ فَرح مبتسم فَسَأَلته فَقَالَ ذهبت إِلَى قبر أُمِّي فَسَأَلت الله أَن يحيها فآمنت بِي وردهَا الله
(2/66)
ذكر بَقِيَّة المعجزات الَّتِي لم تدخل فِي الْأَبْوَاب السَّابِقَة
بَاب نبع المَاء من بَين أَصَابِعه الشَّرِيفَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتكثيره ببركته وَذَلِكَ مَرَّات
أخرج البُخَارِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ لقد رَأَيْتنِي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد حضرت صَلَاة الْعَصْر وَلَيْسَ مَعنا مَاء غير فضلَة فَجعل فِي إِنَاء فَأتي بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأدْخل يَده فِيهِ وَفرج أَصَابِعه وَقَالَ حَيّ هلا على الْوضُوء وَالْبركَة من الله فَلَقَد رَأَيْت المَاء يتفجر من بَين أَصَابِعه فَتَوَضَّأ النَّاس وَشَرِبُوا وَكُنَّا ألفا وَأَرْبَعمِائَة
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحانت صَلَاة الْعَصْر وَالْتمس النَّاس الْوضُوء فَلم يجدوه فَأتى بِوضُوء فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده فِي ذَلِك الْإِنَاء وَأمر النَّاس أَن يتوضأوا مِنْهُ فَرَأَيْت المَاء يَنْبع من تَحت أَصَابِعه فَتَوَضَّأ النَّاس حَتَّى تَوَضَّأ من عِنْد آخِرهم
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق ثَابت عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بِمَاء فَأتي بقدح رحراح فِيهِ شَيْء من مَاء فَوضع أَصَابِعه فِيهِ فَجعلت أنظر إِلَى المَاء يَنْبع من بَين
(2/67)
أَصَابِعه فَجعل الْقَوْم يَتَوَضَّئُونَ فحزرت من تَوَضَّأ مِنْهُ مَا بَين السّبْعين إِلَى الثَّمَانِينَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق آخر عَن ثَابت عَن أنس قَالَ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قبَاء فَأتي من بعض بُيُوتهم بقدح صَغِير فَأدْخل يَده فَلم يَسعهُ الْقدح فَأدْخل أَصَابِعه الْأَرْبَع وَلم يسْتَطع أَن يدْخل إبهامه ثمَّ قَالَ للْقَوْم هلموا إِلَى الشَّرَاب قَالَ أنس بصر عَيْني يَنْبع المَاء من بَين أَصَابِعه فَلم يزل الْقَوْم يردون الْقدح حَتَّى رووا مِنْهُ جَمِيعًا
وَأخرج البُخَارِيّ من طَرِيق حميد عَن أنس قَالَ حضرت الصَّلَاة فَقَامَ من كَانَ قريب الدَّار إِلَى أَهله يتَوَضَّأ وَبَقِي قوم فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمخضب من حِجَارَة فِيهِ مَاء فصغر المخضب أَن يبسط فِيهِ كَفه فَتَوَضَّأ الْقَوْم كلهم قُلْنَا كم هم قَالَ ثَمَانِينَ وَزِيَادَة وَأخرج البُخَارِيّ من طَرِيق الْحسن عَن أنس نَحوه
قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذِه الرِّوَايَة عَن أنس تشبه أَن يكون كلهَا خَبرا عَن وَاقعَة وَاحِدَة وَذَلِكَ حِين خرج إِلَى قبَاء وَرِوَايَة قَتَادَة عَن أنس تشبه أَن تكون خَبرا عَن وَاقعَة أُخْرَى
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه كَانُوا بالزوراء فَدَعَا بقدح فِيهِ مَاء فَوضع كَفه فِيهِ فَجعل المَاء يَنْبع من بَين أَصَابِعه وأطراف أَصَابِعه فَتَوَضَّأ أَصْحَابه جَمِيعًا قلت لأنس كم كَانُوا قَالَ زهاء ثَلَاثمِائَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يحيى بن سعيد عَن أنس انه سُئِلَ عَن بِئْر بقباء فَقَالَ لقد كَانَت هَذِه وَإِن الرجل لينضح على حِمَاره فتنزح فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر بذنوب فسقي فَأَما أَن يكون تَوَضَّأ مِنْهُ أَو تفل فِيهِ ثمَّ أَمر بِهِ فأعيد فِي الْبِئْر فَمَا نزحت مِنْهُ
(2/68)
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق سعيد بن رقيس عَن أنس قَالَ جِئْنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قبَاء فَانْتهى إِلَى بِئْر غرس وَأَنه ليستقي مِنْهَا على حمَار ثمَّ تقوم عَامَّة النَّهَار مَا نجد فِيهَا مَاء فَمَضْمض فِي الدَّلْو ورده فِيهَا فَجَاشَتْ بِالرَّوَاءِ
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن زياده بن الْحَارِث الصدائي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي سفر فَنزل حِين طلع الْفجْر فَتبرز ثمَّ انْصَرف إِلَيّ فَقَالَ هَل من مَاء يَا أَخا صداء فَقلت لَا إِلَّا شَيْء قَلِيل لَا يَكْفِيك فَقَالَ اجْعَلْهُ فِي إِنَاء ثمَّ ائْتِنِي بِهِ فَفعلت فَوضع كَفه فِي المَاء فَرَأَيْت بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِعه عينا تَفُور فَقَالَ نَاد فِي أَصْحَابِي من كَانَ لَهُ حَاجَة فِي المَاء فناديت فيهم فَأخذ من أَرَادَ مِنْهُم فَقُلْنَا يَا رَسُول الله إِن لنا بِئْرا إِذا كَانَ الشتَاء وسعنا مَائِهَا واجتمعنا عَلَيْهَا وَإِذا كَانَ الصَّيف قل مَاؤُهَا فتفرقتا على مياه حولنا وَقد أسلمنَا وكل من حولنا لنا عَدو فَادع الله لنا فِي بئرنا أَن يسعنا مَاؤُهَا فنجتمع عَلَيْهَا وَلَا نتفرق فَدَعَا بِسبع حَصَيَات فعركهن فِي يَده ودعا فِيهِنَّ ثمَّ قَالَ (اذهبو بِهَذِهِ الحصيات فَإِذا أتيتم الْبِئْر فالقوا وَاحِدَة وَاحِدَة واذْكُرُوا اسْم الله) قَالَ الصدائي فَفَعَلْنَا مَا قَالَ لنا فَمَا استطعنا أَن نَنْظُر إِلَى قعرها يَعْنِي الْبِئْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن س عد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن طلق بن عَليّ قَالَ خرجنَا وَفْدًا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرنَاهُ أَن بأرضنا بيعَة لنا واستوهبناه من فضل طهوره فَدَعَا بِمَاء فَمَضْمض ثمَّ صب لنا فِي أداوة وَقَالَ اذْهَبُوا بِهَذَا المَاء فَإِذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مَكَانهَا من هَذَا المَاء وَاتَّخذُوا مَكَانهَا مَسْجِدا فَقُلْنَا يَا نَبِي الله إِن الْحر شَدِيد والبلد بعيد وَالْمَاء ينشف قَالَ فامدوه من المَاء فَأَنَّهُ لَا يزِيدهُ إِلَّا طيبا فتشاححنا على حمل الأداوة أَيّنَا يحملهَا فجعلناها نوبا بَيْننَا لكل رجل يَوْم فَلَمَّا قدمنَا بلدنا فعلنَا الَّذِي أمرنَا وراهبنا رجل من طَيء فنادينا الصَّلَاة فَقَالَ الراهب دَعْوَة حق ثمَّ هرب فَلم ير بعد
(2/69)
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم وَلَيْسَ فِي الْعَسْكَر مَاء فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله لَيْسَ فِي الْعَسْكَر مَاء فَقَالَ (هَل عنْدكُمْ شَيْء) قَالَ نعم فَأتي بِإِنَاء فِيهِ شَيْء من مَاء فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصَابِعه فِي فَم الْإِنَاء وَفتح أَصَابِعه قَالَ فَرَأَيْت الْعُيُون تنبع من بَين أَصَابِعه فَأمر بِلَالًا يُنَادي فِي النَّاس الْوضُوء الْمُبَارك
وَأخرج الدَّارمِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَالًا فَطلب المَاء فَقَالَ لَا وَالله مَا وجدت المَاء قَالَ فَهَل من فَأَتَاهُ بشن فَبسط كفيه فِيهِ فانثعب تَحت يَده عين فَكَانَ ابْن مَسْعُود يشرب وَغَيره يتَوَضَّأ
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ إِنَّكُم تَعدونَ الْآيَات عذَابا وَكُنَّا نعدها بركَة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كُنَّا نَأْكُل مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّعَام وَنحن نسْمع تَسْبِيح الطَّعَام وَأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِنَاء فَجعل المَاء يَنْبع من بَين أَصَابِعه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ على الطّهُور الْمُبَارك وَالْبركَة من الله حَتَّى توضنا كلنا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي ليلى الْأنْصَارِيّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فأصابنا عَطش فشكونا إِلَيْهِ فَأمر بحفرة فحفرت فَوضع عَلَيْهَا نطعا وَوضع يَده على النطع وَقَالَ (هَل من مَاء) فَأتي بِمَاء فَقَالَ لصَاحب الأداوة صب المَاء على كفي وَاذْكُر اسْم الله فَفعل قَالَ أَبُو ليلى فَلَقَد رَأَيْت المَاء يَنْبع من بَين أَصَابِع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى رُوِيَ الْقَوْم وَسقوا رِكَابهمْ
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْقَاسِم بن عبد الله بن أبي رَافع عَن أَبِيه عَن جده أَنه خرج مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فعرسوا فَقَالَ يَا قوم كل رجل يلْتَمس فِي أداوته فَلم يَجدوا غير وَاحِد فَصَبَّهُ فِي إِنَاء ثمَّ قَالَ توضؤا فَنَظَرت إِلَى المَاء وَهُوَ يفور من بَين أَصَابِعه حَتَّى تَوَضَّأ الركب أَجْمَعُونَ ثمَّ جمع كَفه فَمَا خلتها إِلَّا النُّطْفَة الَّتِي صبَّتْ أول مرّة
(2/70)
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة غَزَاهَا وأصابت النَّاس مخصمة ثمَّ دَعَا بركوة فَوضعت بَين يَدَيْهِ ثمَّ دَعَا بِمَاء فَصَبَّهُ فِيهَا ثمَّ مج فِيهَا وَتكلم بِمَا شَاءَ الله أَن يتَكَلَّم ثمَّ أَدخل خِنْصره فِيهَا فأقسم بِاللَّه لقد رَأَيْت أَصَابِع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تتفجر بينابيع المَاء ثمَّ أَمر النَّاس فَشَرِبُوا وَسقوا وملأوا قربهم وأداويهم فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه ثمَّ قَالَ (أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله لَا يلقى الله بهما أحد يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا دخل الْجنَّة)
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الصَّحَابَة من طَرِيق خديج بن سِدْرَة بن عَليّ السّلمِيّ من أهل قبَاء عَن أَبِيه عَن جده قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزلنَا القاحة وَهِي الَّتِي تسمى الْيَوْم السقيا لم يكن بهَا مَاء فَبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مياه بني غفار على ميل من القاحة وَنزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صدر الْوَادي واضطجع بعض أَصْحَابه بِبَطن الْوَادي فبحث بِيَدِهِ فِي الْبَطْحَاء فنديت فَجَلَسَ ففحص فانبعث عَلَيْهِ المَاء فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسقى واستقى جَمِيع من مَعَه حَتَّى اكتفوا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَذِه سقيا سقاكموها الله فسميت السقيا)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كُنَّا بِبَعْض الطَّرِيق سمع موت الْحسن وَالْحُسَيْن وهما يَبْكِيَانِ فَقَالَ لفاطمة مَا شَأْن ابْني قَالَت الْعَطش فَنَادَى فِي النَّاس هَل أحد مِنْكُم مَعَه مَاء فَلم يجد أحد مِنْهُم قَطْرَة فَقَالَ ناوليني أَحدهمَا فناولته إِيَّاه من تَحت الخدر فَأَخذه وضمه إِلَى صَدره وَهُوَ يضغو مَا يسكت فأدلع لِسَانه فَجعل يمصه حَتَّى هدأ وَسكن فَلم أسمع لَهُ بكاء وَالْآخر يبكي كَمَا هُوَ مَا سكت فَقَالَ ناوليني الآخر فناولته إِيَّاه فَفعل بِهِ كَذَلِك فسكتا فَمَا أسمع لَهما صَوتا
(2/71)
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ كُنَّا فِي سفر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشكى إِلَيْهِ النَّاس الْعَطش فَدَعَا عليا ورجلا آخر فَقَالَ اذْهَبَا فأبغياني المَاء فَانْطَلقَا فلقيا امْرَأَة بَين مزادتين أَو سطيحتين من مَاء على بعير لَهَا فَقَالَا لَهَا أَيْن المَاء قَالَت عهدي بِالْمَاءِ أمس هَذِه السَّاعَة فَانْطَلقَا بهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا بِإِنَاء فأفرغ فِيهِ من أَفْوَاه المزادتين فَمَضْمض فِي المَاء وَأَعَادَهُ فِي أَفْوَاه المزادتين واوكأ أفواههما وَأطلق العزالي وَنُودِيَ فِي النَّاس أَن اسقوا واستقوا فسقي من شَاءَ واستقى من شَاءَ وَهِي قَائِمَة تنظر مَا يفعل بِمَائِهَا وَايْم الله لقد أقلع عَنْهَا وَأَنه ليُخَيل إِلَيْنَا أَنه أَشد مَلأ مِنْهَا حِين ابْتَدَأَ فِيهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْمَعُوا لَهَا فَجمعُوا لَهَا من بَين عَجْوَة ودقيقة وسويقة حَتَّى جمعُوا لَهَا طَعَاما كثيرا فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعلمين وَالله مَا رزأنا من مائك شَيْئا وَلَكِن الله عز وَجل هُوَ سقانا قَالَ فَأَتَت أَهلهَا وَقد احْتبست عَنْهُم فَقَالُوا مَا حَبسك يَا فُلَانَة قَالَت الْعجب لَقِيَنِي رجلَانِ وذهبا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَال لَهُ الصابي فَفعل بمائي كَذَا وَكَذَا الَّذِي قد كَانَ فو الله إِنَّه لسحر من بَين هَذِه وَهَذِه وَقَالَت باصبعيها الْوُسْطَى والسبابة فرفعتهما إِلَى السَّمَاء تَعْنِي السَّمَاء وَالْأَرْض أَو أَنه لرَسُول الله حَقًا قَالَ فَكَانَ الْمُسلمُونَ بعد يغيرون على مَا حولنا من الْمُشْركين وَلَا يصيبون الصرم الَّذِي هِيَ فِيهِ فَقَالَت يَوْمًا لقومها مَا أرى أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم يدعونكم عمدا فَهَل لكم فِي الْإِسْلَام فأطاعوها فَدَخَلُوا فِي الأسلام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ سرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر هُوَ وَأَصْحَابه قَالَ فَأَصَابَهُمْ عَطش شَدِيد فَأقبل رجلَانِ من أَصْحَابه قَالَ أَحْسبهُ عليا وَالزُّبَيْر أَو غَيرهمَا قَالَ إنَّكُمَا ستجدان امْرَأَة بمَكَان كَذَا وَكَذَا امْرَأَة مَعهَا بعير عَلَيْهِ مزادتان فأيتاني بهَا قَالَ فَأتيَا الْمَرْأَة فوجداها قد ركبت بَين مزادتين على
(2/72)
الْبَعِير فَقَالَا لَهَا أجيبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت وَمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَهَذا الصابي قَالَا هُوَ الَّذِي تعنين وَهُوَ رَسُول الله حَقًا فجاءا بهَا فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل فِي إِنَاء من مزادتيها ثمَّ قَالَ فِيهِ مَا شَاءَ الله أَن يَقُول ثمَّ أعَاد المَاء فِي المزادتين ثمَّ أَمر بعزلاء المزادتين ففتحت ثمَّ أَمر النَّاس فملأوا آنيتهم وأسقيتهم فَلم يدعوا يَوْمئِذٍ آنِية وَلَا سقاء إِلَّا ملأوه
قَالَ عمرَان فَكَانَ يخيل إِلَيّ أَنَّهَا لم تَزْدَدْ إِلَّا امتلاء قَالَ فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بثوبها فَبسط ثمَّ أَمر أَصْحَابه فَجَاءُوا من أَزْوَادهم حَتَّى ملأوا لَهَا ثوبها ثمَّ قَالَ لَهَا اذهبي فَإنَّا لم نَأْخُذ من مائك شَيْئا وَلَكِن الله سقانا فَجَاءَت أَهلهَا فَأَخْبَرتهمْ فَقَالَت جِئتُكُمْ من أَسحر النَّاس أَو أَنه لرَسُول الله حَقًا فجَاء أهل ذَلِك الحومي حَتَّى أَسْلمُوا كلهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من وَجه آخر عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فِي سبعين رَاكِبًا فَسَار بِأَصْحَابِهِ وَأَنَّهُمْ عرسو قبل الصُّبْح فَنَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه حَتَّى طلعت الشَّمْس فَاسْتَيْقَظَ أَبُو بكر فَرَأى الشَّمْس قد طلعت فسبح وَكبر وَكَأَنَّهُ كره أَن يوقظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى اسْتَيْقَظَ عمر فَاسْتَيْقَظَ رجل جهير الصَّوْت فسبح وَكبر وَرفع صَوته جدا حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رجل من أَصْحَابه يَا رَسُول الله فاتتنا الصَّلَاة فَقَالَ لم تفتكم ثمَّ أَمرهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَكبُوا وَسَارُوا هنيهة ثمَّ نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونزلوا مَعَه وَكَأَنَّهُ كره أَن يُصَلِّي فِي الْمَكَان الَّذِي نَام فِيهِ عَن الصَّلَاة ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ايتوني بِمَاء فَأتوهُ بجريعة من مَاء فِي مطهرة فصبها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إِنَاء ثمَّ وضع يَده فِي المَاء ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه توضأوا فَتَوَضَّأ قريب من سبعين رجلا ثمَّ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُنَادي بِالصَّلَاةِ فَنُوديَ بهَا ثمَّ قَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَمر بِالصَّلَاةِ فأقيمت ثمَّ قَامَ فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انْصَرف إِذْ رجل من أَصْحَابه قَائِم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لَهُ مَا مَنعك أَن تصلي قَالَ يَا رَسُول الله أصابتني جَنَابَة قَالَ فَتَيَمم بالصعيد فَإِذا فرغت فصل
(2/73)
فَإِذا أدْركْت مَاء فاغتسل وَأصْبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه لَا يَدْرُونَ أَيْن المَاء مِنْهُم فَبعث عليا مَعَه نفر من أَصْحَابه يطْلبُونَ لَهُ المَاء فَانْطَلق فِي نفر من أَصْحَابه فَسَار يَوْمه وَلَيْلَته ثمَّ لَقِي امْرَأَة على رَاحِلَة بَين مزادتين فَقَالَ لَهَا عَليّ من أَيْن أَقبلت فَقَالَت أَقبلت إِنِّي استقيت لأيتام فَلَمَّا قَالَت لَهُ وأخبرته أَن بَينه وَبَين المَاء مسيرَة لَيْلَة وَزِيَادَة على ذَلِك قَالَ عَليّ وَالله لَئِن انطلقنا لَا نبلغ حَتَّى تهْلك دوابنا وَيهْلك من هلك منا ثمَّ قَالَ بل ننطلق بِهَذِهِ المزادتين إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ينظر فِي ذَلِك فَلَمَّا جَاءَ عَليّ وَأَصْحَابه وَجَاءُوا بِالْمَرْأَةِ على بَعِيرهَا بَين مزادتيها فَقَالَ عَليّ يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي إِنَّا وجدنَا هَذِه بمَكَان كَذَا وَكَذَا فسألتها عَن المَاء فَزَعَمت أَن بَينهَا وَبَين المَاء مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة وَذكر نَحْو مَا تقدم
وَأخرج مُسلم عَن أبي قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي سفر فَأسْرى ثمَّ نَام فَمَا اسْتَيْقَظَ إِلَّا وَالشَّمْس فِي ظَهره فَدَعَا بالميضأة كَانَت معي فِيهَا شَيْء من مَاء فَتَوَضَّأ مِنْهَا ثمَّ قَالَ احفظ علينا ميضأتك سَيكون لَهَا نبأ فَسَار حَتَّى امْتَدَّ النَّهَار فَقَالَ النَّاس هلكنا وعطشنا فَقَالَ لَا هلك عَلَيْكُم ثمَّ قَالَ انْطَلقُوا إِلَى غمري يَعْنِي الْقدح الصَّغِير فَدَعَا المبيضأة فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصب وَأَبُو قَتَادَة يسقيهم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحْسنُوا الْمَلأ كلكُمْ سيروى حَتَّى مَا بَقِي أحد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي قَتَادَة قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَيش فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق تخلف لبَعض حَاجته وَتَخَلَّفت مَعَه بميضأة وَهِي الاداوة فَقضى حَاجته وسكبت عَلَيْهِ من الميضأة فَتَوَضَّأ وَقَالَ لي احفظها لَعَلَّه أَن يكون لبقيتها شَأْن وَسَار الْجَيْش فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يطيعوا أَبَا بكر وَعمر يرفقوا بِأَنْفسِهِم وَأَن يعصوهما يشقوا على أنفسهم قَالَ وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر أشارا عَلَيْهِم أَن لَا ينزلُوا حَتَّى يبلغ المَاء وَقَالَ بَقِيَّة النَّاس بل ننزل حَتَّى يَأْتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنزلوا فجئناهم فِي نحر الظهيرة وَقد هَلَكُوا من الْعَطش فدعاني بالميضأة فَأَتَيْته بهَا
(2/74)
فاستبطها ثمَّ جعل يصبهُ لَهُم فَشَرِبُوا حَتَّى رووا وتوضأوا وملأوا كل إِنَاء مَعَهم حَتَّى جعل يَقُول هَل من مَال قَالَ فخيل إِلَيّ أَنَّهَا كَمَا أَخذهَا وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَسبعين رجلا
وَأخرج ابْن عدي وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهز جَيْشًا إِلَى الْمُشْركين فيهم أَبُو بكر فَقَالَ لَهُم أجدوا السّير فان بَيْنكُم وَبَين الْمُشْركين مَاء إِن سبق الْمُشْركُونَ إِلَى ذَلِك المَاء شقّ على النَّاس وعطشتم عطشا شَدِيدا أَنْتُم ودوابكم وتخلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَمَانِيَة انأ تاسعهم وَقَالَ لأَصْحَابه هَل لكم أَن نعرس قَلِيلا ثمَّ نلحق بِالنَّاسِ قَالُوا نعم فعرسوا فَمَا أيقظهم إِلَّا حر الشَّمْس فَقَالَ لَهُم تقدمُوا واقضوا حَاجَتكُمْ فَفَعَلُوا ثمَّ رجعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ هَل مَعَ أحد مِنْكُم مَاء قَالَ رجل مِنْهُم معي ميضأة فِيهَا شَيْء من مَاء قَالَ جِيءَ بهَا فجَاء بهَا فَأَخذهَا فمسحها بكفه ودعا بِالْبركَةِ فِيهَا فَقَالَ لأَصْحَابه تَعَالَوْا فتوضأوا فَجَاءُوا فَجعل يصب عَلَيْهِم حَتَّى توضأوا وَصلى بهم وَقَالَ لصَاحب الميضأة ازدهر بميضأتك فسيكون لَهَا نبأ وَركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل النَّاس وَقَالَ لاصحابه مَا ترَوْنَ النَّاس فعلوا قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ فيهم أَبُو بكر وَعمر وسيرشد النَّاس وَقد سبق الْمُشْركُونَ إِلَى ذَلِك المَاء فشق على النَّاس وعطشوا عطشا شَدِيدا وركابهم ودوابهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصَاحب الميضأة جئني بميضأتك فجَاء بهَا وفيهَا شَيْء من مَاء فَقَالَ لَهُم تَعَالَوْا فَاشْرَبُوا فَجعل يصب لَهُم حَتَّى شرب النَّاس كلهم وَسقوا دوابهم وركابهم وملأوا كل أداوة وقربة ومزادة ثمَّ نَهَضَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه إِلَى الْمُشْركين فَبعث الله تَعَالَى ريحًا فَضرب وُجُوه الْمُشْركين وَأنزل الله نَصره وَأمكن من أدبارهم فَقتلُوا مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وأسروا أُسَارَى كَثِيرَة وَاسْتَاقُوا غَنَائِم كَثِيرَة وَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس وافدين صالحين وَأخرج الْبَغَوِيّ وَابْن أبي شيبَة والباوردي وَالطَّبَرَانِيّ عَن حبَان بن بح قَالَ أسلم قومِي فَأخْبرت أَن رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهز إِلَيْهِم جَيْشًا فَأَتَيْته فَقلت لَهُ إِن قومِي
(2/75)
على الْإِسْلَام فَقَالَ كَذَلِك قلت نعم قَالَ فاتبعته لَيْلَتي إِلَى الصَّباح فَأَذنت بِالصَّلَاةِ لما أَصبَحت لما أَصبَحت وَأَعْطَانِي إِنَاء فَتَوَضَّأت فِيهِ فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصَابِعه فِي الْإِنَاء فأنفجر عيُونا قَالَ (من أَرَادَ مِنْكُم أَن يتَوَضَّأ فَليَتَوَضَّأ) واخرج ابْن السكن عَن همام بن نقيد السَّعْدِيّ قَالَ قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله حفر لنا بِئْر فَخرجت مالحة فَدفع الي أداوة فِيهَا مَاء فَقَالَ صبه فِيهَا فصببته فعذبت فَهِيَ أعذب مَاء بِالْيمن
بَاب معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَكْثِير الطَّعَام غير مَا تقدم
أخرج مُسلم عَن أنس قَالَ جِئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَوَجَدته جَالِسا مَعَ أَصْحَابه يُحَدِّثهُمْ وَقد عصب بَطْنه بعصابه فَقلت لبَعض أَصْحَابه لم عصب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَطْنه قالو من الْجُوع فَذَهَبت إِلَى أبي طَلْحَة فَأَخْبَرته فَدخل على أُمِّي فَقَالَ هَل من شَيْء قَالَت نعم عِنْدِي كسر من خبز وتمرات فَإِن جَاءَنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده أشبعناه وَإِن جَاءَنَا مَعَه حد قل عَنْهُم فَقَالَ لي أَبُو طَلْحَة اذْهَبْ يَا أنس فَقُمْ قَرِيبا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا قَامَ فَدَعْهُ حَتَّى يتفرق أَصْحَابه ثمَّ اتبعهُ حَتَّى إِذا قَامَ على ستر بَابه فَقل أبي يَدْعُوك فَفعلت ذَلِك فَلَمَّا قلت أَن أبي يَدْعُوك قَالَ لأَصْحَابه يَا هَؤُلَاءِ تَعَالَوْا ثمَّ أَخذ بيَدي فشدها ثمَّ أقبل بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذا دنونا من بيتنا أرسل يَدي فَدخلت وَأَنا حَزِين لِكَثْرَة من جَاءَ بِهِ فَقلت يَا أبتاه قد قلت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي قلت لي فَدَعَا أَصْحَابه وَقد جَاءَك بهم فَخرج أَبُو طَلْحَة وَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّمَا أرْسلت أنسا ليدعوك وَحدك وَلم يكن عِنْدِي مَا يشْبع من أرى فَقَالَ ادخل فَإِن الله سيبارك فِيمَا عنْدك فَدخل فَقَالَ اجْمَعُوا مَا عنْدكُمْ ثمَّ قربوه فَقَرَّبْنَا مَا كَانَ عندنَا من خبز وتمر فجعلناه على حصيرنا فَدَعَا فِيهِ بِالْبركَةِ فَقَالَ يدْخل عَليّ ثَمَانِيَة فأدخلت عَلَيْهِ ثمانيه فَجعل كَفه فَوق الطَّعَام فَقَالَ كلوا وَسموا الله فَأَكَلُوا من بَين أَصَابِعه حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ
(2/76)
أَمرنِي أَن أَدخل عَلَيْهِ ثَمَانِيَة فَمَا زَالَ ذَلِك أمره حَتَّى دخل عَلَيْهِ ثَمَانُون رجلا كلهم يَأْكُل حَتَّى يشْبع ثمَّ دَعَاني ودعا أُمِّي وَأَبا طلحه فَقَالَ كلوا فأكلنا حَتَّى شبعنا ثمَّ رفع يَده فَقَالَ يَا أم سليم أَيْن هَذَا من طَعَامك حِين قدمتيه قَالَت بِأبي أَنْت وَأمي لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتهمْ يَأْكُلُون لَقلت مَا نقص من طعامنا شَيْء
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أنس قَالَ قَالَ أَبُو طَلْحَة لأم سليم لقد سَمِعت صَوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَعِيفا أعرف فِيهِ الْجُوع فَهَل عنْدك من شَيْء قَالَت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثمَّ ذهبت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أرسلك أَبُو طَلْحَة قلت نعم فَقَالَ لمن مَعَه قومُوا فَجئْت أَبَا طَلْحَة فَأَخْبَرته فَقَالَ أَبُو طَلْحَة يَا أم سليم قد جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس وَلَيْسَ عندنَا مَا نطعمهم قَالَت الله وَرَسُوله أعلم فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَلُمِّي مَا عنْدك يَا أم سليم فَأَتَت بذلك الْخبز فَأمر بِهِ ففت وعصرت عَلَيْهِ عكة لَهَا فأدمته ثمَّ قَالَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَاءَ الله أَن يَقُول ثمَّ قَالَ ائْذَنْ لعشرة فَأذن لَهُم فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ خَرجُوا ثمَّ قَالَ ائْذَنْ لعشرة فَأذن لَهُم فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ قَالَ ائْذَنْ لعشرة حَتَّى أكل الْقَوْم كلهم وشبعوا وَالْقَوْم سَبْعُونَ رجلا أَو ثَمَانُون
وَأخرجه مُسلم من عدَّة طرق وَفِي بَعْضهَا ثمَّ أكل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل الْبَيْت وأفضلوا مَا بلغ جيرانهم وَفِي بَعْضهَا (فَقَالَ بِسم الله اللَّهُمَّ عظم فِيهِ الْبركَة)
وَأخرج أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ لما تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب بنت جحش قَالَت لي أُمِّي يَا أنس إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصبح عروسا وَلَا أرى أصبح لَهُ غداء فَهَلُمَّ تِلْكَ العكة وَتَمْرًا قد رمد فَجعلت لَهُ حَيْسًا فَقَالَت اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَامْرَأَته فَأَتَيْته بِهِ فِي تور من حِجَارَة فَقَالَ ضَعْهُ فِي نَاحيَة الْبَيْت واذهب فَادع لي أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعليا وَنَفَرًا من أَصْحَابه ثمَّ أدع لي أهل الْمَسْجِد وَمن رَأَيْته فِي الطَّرِيق فَجعلت أتعجب من قلَّة الطَّعَام وَمن كَثْرَة من يَأْمُرنِي أَن أَدْعُو من النَّاس فدعوتهم حَتَّى امْتَلَأَ الْبَيْت والحجرة ثمَّ قَالَ يَا أنس هَلُمَّ ذَاك
(2/77)
فَجئْت بالتور فَغمسَ فِيهِ ثَلَاثَة أَصَابِع فَجعل يَرْبُو ويرتفع فَجعلُوا يتغدون وَيخرجُونَ حَتَّى إِذا فرغوا أَجْمَعُونَ بَقِي فِي التور نَحْو مَا جِئْت بِهِ قَالَ ضَعْهُ قُدَّام زَيْنَب قَالَ ثَابت فَقلت لأنس كم ترى كَانَ الَّذين أكلُوا قَالَ اثْنَيْنِ وَسبعين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي قسيمة عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ بَعَثَنِي أَصْحَاب الصّفة وهم عشرُون رجلا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَشكونَ الْجُوع فَالْتَفت فِي بَيته فَقَالَ هَل من شَيْء قَالُوا نعم هَهُنَا كسرة أَو كسر وَشَيْء من لبن فَأتى بِهِ ففت فتا دَقِيقًا ثمَّ صب عَلَيْهِ اللَّبن ثمَّ جبله بِيَدِهِ حَتَّى جعله كالثريد ثمَّ قَالَ يَا وَاثِلَة ادْع لي عشرَة من أَصْحَابك وَخلف عشرَة فَفعلت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلوا بِسم الله من حواليها وَاعْفُوا رَأسهَا فان الْبركَة تأتيها من فَوْقهَا وَأَنَّهَا تمد فرأيتهم يَأْكُلُون ويتخللون أَصَابِعه حَتَّى تملأوا شبعا ثمَّ ذَهَبُوا وَجَاء الْآخرُونَ فَقَالَ لَهُم مثل مَا قَالَ للأولين فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى تملأوا شبعا حَتَّى انْتَهوا وان فِيهَا فضلَة وَقمت مُتَعَجِّبا لما رَأَيْت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق سُلَيْمَان بن حبَان عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ كنت من اصحاب الصّفة فَشَكا أَصْحَابِي الْجُوع فَقَالُوا يَا وَاثِلَة اذْهَبْ إِلَى رَسُول الله فاستطعم لنا فَأَتَيْته فَقلت إِن أَصْحَابِي يَشكونَ الْجُوع فَقَالَ يَا عَائِشَة هَل عنْدك من شَيْء قَالَت مَا عِنْدِي إِلَّا فتات خبز قَالَ هاتيه ودعا بصحفة فأفرغ الْخبز فِي الصحفة ثمَّ جعل يصلح الثَّرِيد بيدَيْهِ وَهُوَ يَرْبُو حَتَّى امْتَلَأت الصحفة وَقَالَ اذْهَبْ فجيء بِعشْرَة من أَصْحَابك فَقَالَ خُذُوا بِسم الله من حواليها وَلَا تَأْخُذُوا من أَعْلَاهَا فَإِن الْبركَة تنحدر من أَعْلَاهَا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ قَامُوا وَبَقِي فِي الصحفة مثل مَا كَانَ فِيهَا ثمَّ جعل يصلحها بِيَدِهِ وَهِي تربو حَتَّى امْتَلَأت وَقَالَ جِيءَ بِعشْرَة من أَصْحَابك فَفَعَلُوا مثل ذَلِك فَقَالَ هَل بَقِي أحد قلت نعم عشرَة قَالَ جِيءَ بهم فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ قَامُوا وَبَقِي فِي الصحفة مثل مَا كَانَ قَالَ اذْهَبْ بهَا إِلَى عَائِشَة
(2/78)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق يزِيد بن أبي مَالك عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ أَقَمْنَا ثَلَاثَة أَيَّام لم نطعم فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ هَل من شَيْء قَالَت الْجَارِيَة نعم رغيف وكتلة من سمن فَدَعَا بهَا ثمَّ فت الْخبز بِيَدِهِ وَقَالَ اذْهَبْ ادْع عشرَة فدعوتهم فأكلنا حَتَّى صدرنا فَكَأَنَّمَا خططنا فِيهَا بأصابعنا ثمَّ قَالَ ادْع لي عشرَة وَذكر أَنه دَعَا بعد ذَلِك من بَين عشرَة عشرَة وَقَالَ وأفضلوا فضلا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن صَفِيَّة أم الْمُؤمنِينَ قَالَت جَاءَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَقَالَ أعندك شَيْء فَإِنِّي جَائِع قلت لَا إِلَّا مَدين من طحين قَالَ فاسخنيه فَجَعَلته فِي الْقدر وأنضجته فَقلت قد نضج ثمَّ دَعَا بنحي لَيْسَ فِيهِ إِلَّا قَلِيل فعصر حافتيه فِي الْقدر فَوضع يَده فَقَالَ بِسم الله أَدعِي أخواتك فَإِنِّي أعلم إنَّهُنَّ يجدن مثل مَا أجد فدعونهن فأكلنا حَتَّى شبعنا ثمَّ جَاءَ أَبُو بكر فَدخل ثمَّ جَاءَ عمر فَدخل ثمَّ جَاءَ رجل فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفضل عَنْهُم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ ضاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْرَابِيًا فَطلب لَهُ شَيْئا فَلم يجد إِلَّا كسرة يَبِسَتْ فِي جُحر فَأَخذهَا ففتها أَجزَاء وَوضع يَده عَلَيْهَا ودعا وَقَالَ كل فَأكل الْأَعرَابِي حَتَّى شبع وفضلت فضلَة فَجعل الْأَعرَابِي ينظر إِلَيْهِ وَيَقُول إِنَّك لرجل صَالح
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وصححوه وَأَبُو نعيم عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بقصعة فِيهَا طَعَام فتعاقبوها إِلَى الظّهْر مُنْذُ غدْوَة يقوم قوم وَيقْعد آخَرُونَ فَقَالَ رجل لسمرة هَل كَانَت تمد قَالَ مَا كَانَت تمد إِلَّا من هَهُنَا وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاء
(2/79)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي أَيُّوب قَالَ صنعت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما وَلأبي بكر قدر مَا يكفيهما فأتيتهما بِهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْهَبْ فَادع لي ثَلَاثِينَ من أَشْرَاف الْأَنْصَار فشق ذَلِك عَليّ وَقلت فِي نَفسِي مَا عِنْدِي شَيْء أزيده فَكَأَنِّي تغافلت فَقَالَ اذْهَبْ فَادع لي ثَلَاثِينَ من أَشْرَاف الْأَنْصَار فدعوتهم فَجَاءُوا فَقَالَ اطعموا فَأَكَلُوا حَتَّى صدرُوا ثمَّ شهدُوا أَنه رَسُول الله وَبَايَعُوهُ قبل أَن يخرجُوا ثمَّ قَالَ ادْع لي سِتِّينَ إِلَى أَن أكل من طَعَامه ذَلِك مائَة وَثَمَانُونَ رجلا من الْأَنْصَار
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثِينَ وَمِائَة فَقَالَ هَل مَعَ أحد مِنْكُم طَعَام فَإِذا مَعَ رجل صَاع من طَعَام أَو نَحوه فعجن ثمَّ جَاءَ رجل بِغنم يَسُوقهَا فَاشْترى مِنْهُ شاه فَأمر بهَا فصنعت وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسواد الْبَطن أَن يشوى قَالَ وَايْم الله مَا من الثَّلَاثِينَ وَمِائَة إِلَّا وَقد جز لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَواد بَطنهَا إِن كَانَ شَاهدا أعطَاهُ وَإِن كَانَ غَائِبا خبأ لَهُ قَالَ وَجعل مِنْهَا قصعتين فأكلنا مِنْهَا أَجْمَعُونَ وشبعنا وَفضل فِي القصعتين فحملتا على الْبَعِير
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِن كنت لأعتمد بكبدي على الأَرْض من الْجُوع وَإِن كنت لأشد الْحجر على بَطْني من الْجُوع وَلَقَد قعدت يَوْمًا على الطَّرِيق فَمر بِي أَبُو بكر فَسَأَلته عَن آيَة من كتاب الله مَا سَأَلته إِلَّا ليستتبعني فَمر وَلم يفعل ثمَّ مر بِي عمر فَسَأَلته عَن آيَة من كتاب الله مَا سَأَلته إِلَّا ليستتبعني فَمر وَلم يفعل ثمَّ مر بِي أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَبَسَّمَ حِين رَآنِي وَعرف مَا فِي نَفسِي وَمَا فِي وَجْهي ثمَّ قَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة قلت لبيْك يَا رَسُول الله قَالَ إلحق وَمضى فَأَتْبَعته فَدخل واستأذنت فَأذن لي فَدخلت فَوجدت لَبَنًا فِي قدح فَقَالَ من أَيْن هَذَا اللَّبن قَالُوا أهداه لَك فلَان أَو فُلَانَة قَالَ أَبَا هر قلت لبيْك يَا رَسُول الله قَالَ إلحق بِأَهْل الصّفة فادعهم لي قَالَ وَأهل الصّفة
(2/80)
أضياف الْإِسْلَام لَا يأوون إِلَى أهل وَلَا مَال إِذْ أَتَتْهُ صَدَقَة بعث بهَا إِلَيْهِم وَلم يتَنَاوَل مِنْهَا شَيْئا فَإِذا أَتَتْهُ هَدِيَّة أرسل إِلَيْهِم وَأصَاب مِنْهَا وأشركهم فِيهَا فساءني ذَلِك قلت وَمَا هَذَا اللَّبن فِي أهل الصّفة وَكنت أَرْجُو أَن أُصِيب من هَذَا اللَّبن شربة أتقوى بهَا وَإِنِّي لرَسُول فَإِذا جَاءُوا أَمرنِي أَن أعطيهم وَمَا عَسى أَن يبلغنِي من هَذَا اللَّبن وَلم يكن من طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله بُد فأتيتهم فدعوتهم فَأَقْبَلُوا وَأخذُوا مجَالِسهمْ من الْبَيْت فَقَالَ أَبَا هر قلت لبيْك يَا رَسُول الله قَالَ خُذ فأعطهم فَأخذت الْقدح فَجعلت أعْطِيه الرجل فيشرب حَتَّى يرْوى ثمَّ يرد عَليّ الْقدح أعْطِيه الآخر فيشرب حَتَّى يرْوى ثمَّ يرد عَليّ الْقدح حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد رُوِيَ الْقَوْم كلهم فَأخذ الْقدح فَوَضعه على يَده وَنظر إِلَيّ وَتَبَسم وَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة قلت لبيْك يَا رَسُول الله قَالَ بقيت أَنا وَأَنت قلت صدقت يَا رَسُول الله قَالَ اقعد فَاشْرَبْ فَشَرِبت فَقَالَ اشرب فَشَرِبت فَمَا زَالَ يَقُول اشرب فَاشْرَبْ حَتَّى قلت لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أجد مسلكا لَهُ فأعطيته الْقدح فَحَمدَ الله وسمى وَشرب الفضلة
وَأخرج ابْن سعد عَن عَليّ قَالَ بتنا لَيْلَة بِغَيْر عشَاء فَأَصْبَحت فَالْتمست فَأَصَبْت مَا اشْتريت طَعَاما وَلَحْمًا بدرهم ثمَّ أتيت بِهِ فَاطِمَة فخبزت وطبخت فَلَمَّا فرغت قَالَت لَو أتيت أبي فدعوته فَجئْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول أعوذ بِاللَّه من الْجُوع ضجيعا فَقلت يَا رَسُول الله عندنَا طَعَام فَهَلُمَّ فجَاء وَالْقدر تَفُور فَقَالَ أغرفي لعَائِشَة فغرفت فِي صَحْفَة ثمَّ قَالَ أغرفي لحفصة فغرفت فِي صَحْفَة حَتَّى غرفت لجَمِيع نِسَائِهِ التسع ثمَّ قَالَ أغرفي لأَبِيك وزوجك فغرفت فَقَالَ أغرفي فكلي فغرفت ثمَّ رفعت الْقدر وَأَنَّهَا لتفيض فأكلنا مِنْهَا مَا شَاءَ الله
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة فَقَالَ ادْع لي أهل الصّفة فدعوتهم فَوضع لنا صَحْفَة فِيهَا صَنِيع من شعير أَظُنهُ قدر مد وَوضع يَده عَلَيْهَا وَقَالَ خُذُوا بِسم الله فأكلنا مِنْهَا مَا شِئْنَا وَكُنَّا مَا بَين السّبْعين إِلَى الثَّمَانِينَ ثمَّ رفعنَا أَيْدِينَا وَهِي مثلهَا حِين وضعت إِلَّا أَن فِيهَا أثر الْأَصَابِع
(2/81)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن جَابر بن عبد الله قَالَ صنعت أُمِّي طَعَاما وَقَالَت اذْهَبْ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَادعه فَجئْت فساررته فَقَالَ لأَصْحَابه قومُوا فَقَامَ مَعَه خَمْسُونَ رجلا فَقَالَ ادخُلُوا عشرَة عشرَة فأكلو حَتَّى شَبِعُوا وَفضل نَحْو مَا كَانَ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن صُهَيْب قَالَ صنعت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما فَأَتَيْته وَهُوَ فِي نفر من أَصْحَابه فَقُمْت حياله فَلَمَّا نظر إِلَيّ أَوْمَأت إِلَيْهِ فَقَالَ وَهَؤُلَاء قلت لَا فَسكت وَقمت مَكَاني فَلَمَّا نظر إِلَيّ أَوْمَأت إِلَيْهِ فَقَالَ وَهَؤُلَاء مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَقلت نعم وَإِنَّمَا كَانَ شَيْء يسير صَنعته لَك فَأَكَلُوا وَفضل مِنْهُم
وَأخرج أَحْمد وَابْن سعد وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبن لعبد الله بن طهفة عَن أَبِيه قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اجْتمع الضيفان قَالَ لينقلب كل رجل بضيفه حَتَّى إِذا كَانَ لَيْلَة اجْتمع فِي الْمَسْجِد ضيفان كثير فَقَالَ لينقلب كل رجل مَعَ جليسه فَكنت أَنا مِمَّن انْقَلب مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا عَائِشَة هَل من شَيْء قَالَت نعم حويسة كنت أعددتها لإفطارك فَأتي بهَا فِي قعيبة فَأكل مِنْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا ثمَّ قدمهَا إِلَيْنَا ثمَّ قَالَ بِسم الله كلوا فأكلنا مِنْهَا حَتَّى وَالله مَا نَنْظُر إِلَيْهَا ثمَّ قَالَ هَل من شراب فَقَالَت لبينة أعددتها لإفطارك فَجَاءَت بهَا فَشرب مِنْهَا شَيْئا ثمَّ قَالَ بِسم الله اشربوا فشربنا حَتَّى وَالله مَا نَنْظُر إِلَيْهَا
وَأخرج أَبُو نعيم من وَجه آخر عَن أبي سَلمَة عَن يعِيش بن طخفة قَالَ كَانَ أبي من أهل الصّفة فَأمر بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل الرجل يذهب بِرَجُل وَالرجل برجلَيْن وَانْطَلَقت أَنا فِيمَن انْطلق مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا عَائِشَة أطعمينا فَجَاءَت بجشيشة فأكلنا ثمَّ جَاءَت بحيسه مثل القطاة فأكلنا ثمَّ قَالَ يَا عَائِشَة اسقينا فَجَاءَت بقدح صَغِير من لبن فشربنا
وَأخرج أَبُو يعلى عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقَامَ أَيَّامًا لم يطعم طَعَاما حَتَّى شقّ ذَلِك عَلَيْهِ فَأتى فَاطِمَة فَقَالَ يَا بنية هَل عنْدك شَيْء قَالَت لَا فَلَمَّا خرج من
(2/82)
عِنْدهَا بعثت إِلَيْهَا جَارة بهَا بِرَغِيفَيْنِ وَقطعَة لحم فَوَضَعته فِي جفْنه وغطت عَلَيْهَا وَأرْسلت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع إِلَيْهَا فَقَالَ قد أَتَى الله تَعَالَى بِشَيْء فَخَبَّأْته لَك قَالَ هَلُمِّي فَأَتَتْهُ فكشف عَن الْجَفْنَة فَإِذا هِيَ مَمْلُوءَة خبْزًا وَلَحْمًا فَلَمَّا نظرت إِلَيْهَا بهتت وَعرفت إِنَّهَا بركَة من الله تَعَالَى فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَيْن لَك هَذَا يَا بنية قَالَت يَا أَبَت هُوَ من عِنْد الله ان الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعلك يَا بنية شَبيهَة بِسَيِّدَة نسَاء بني إِسْرَائِيل فَإِنَّهَا كَانَت إِذا رزقها الله تَعَالَى شَيْئا فَسُئِلت عَنهُ {قَالَت هُوَ من عِنْد الله إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب} فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَليّ ثمَّ أكل هُوَ وَعلي وَفَاطِمَة وَحسن وحسين وَجَمِيع أَزوَاج نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل بَيته جَمِيعًا حَتَّى شَبِعُوا وَبقيت الْجَفْنَة كَمَا هِيَ وَبعثت ببقيته إِلَى الْجِيرَان وَجعل الله تَعَالَى فِيهَا بركَة وَخيرا كثيرا
وَأخرج ابْن سعد عَن أم عَامر أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن قَالَت رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِدنَا الْمغرب فَجئْت منزلي فَجِئْته بعرق وأرغفة فَقلت بِأبي أَنْت وَأمي تعش فَقَالَ لأَصْحَابه كلوا يسم الله فَأكل هُوَ وَأَصْحَابه الَّذين جَاءُوا مَعَه وَمن كَانَ حَاضرا من أهل الدَّار فو نَفسِي بِيَدِهِ لرأيت بعض الْعرق لم يتعرق وَعَامة الْخبز وَأَن الْقَوْم أَرْبَعُونَ رجلا ثمَّ شرب من مَاء عِنْدِي فِي شجب ثمَّ انْصَرف فَأخذت ذَلِك الشجب فدهنته وطويته فَكُنَّا نسقي مِنْهُ الْمَرِيض وَنَشْرَب مِنْهَا فِي الْحِين رَجَاء الْبركَة الشجب قربَة تخرز من أَسْفَلهَا وتقطع رَأسهَا تشبه الدَّلْو الْعَظِيم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن مَسْعُود بن خَالِد قَالَ بعثت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شاه ثمَّ ذهبت فِي حَاجَة فَرد إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شطرها فَرَجَعت فَإِذا لحم فَقلت يَا أم خناس مَا هَذَا اللَّحْم قَالَت رده إِلَيْنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الشاه الَّتِي بعثت بهَا إِلَيْهِ قلت مَالك لَا تطعمينه عِيَالك قَالَت هَذَا سورهم وَكلهمْ قد اطعمت وكانو يذبحون الشاتين وَالثَّلَاث وَلَا تجزي عَنْهُم
(2/83)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ دَعَاني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة فَقَالَ انْطلق إِلَى الْمنزل فَقل هلموا الطَّعَام الَّذِي عنْدكُمْ فاعطوني صحيفَة فِيهَا عصيدة بِتَمْر فَأَتَيْته بهَا فَقَالَ لي ادْع أهل الْمَسْجِد فَقلت فِي نَفسِي الويل لي مِمَّا أرى من قلَّة الطَّعَام وَالْوَيْل لي من الْمعْصِيَة فدعوتهم فَاجْتمعُوا فَوضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصَابِعه فِيهَا وغمز نَوَاحِيهَا وَقَالَ كلوا بِسم الله فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وأكلت حَتَّى شبعت ورفعتها فَإِذا هِيَ كهيئتها حِين وضعت إِلَّا أَن فِيهَا آثَار أَصَابِع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ خرجت يَوْمًا من بَيْتِي إِلَى الْمَسْجِد لم يخرجني إِلَّا الْجُوع فَوجدت نَفرا قَالُوا مَا أخرجنَا إِلَّا الْجُوع فَدَخَلْنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرنَاهُ فَدَعَا بطبق فِيهِ تمر فَأعْطى كل رجل منا مِنْهَا تمرتين فَقَالَ كلوا هَاتين التمرتين وَاشْرَبُوا عَلَيْهَا من المَاء فَإِنَّهُمَا ستجزيانكم يومكم هَذَا
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أَن بكر جَاءَ بِثَلَاثَة يَعْنِي أضيافا وَذهب تعشى عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لبث فجَاء بَعْدَمَا مَا مضى من اللَّيْل مَا شَاءَ الله تَعَالَى فَقَالَت لَهُ امْرَأَته مَا حَسبك عَن أضيافك قَالَ أوما عشيتهم قَالَت أَبَوا حَتَّى تَجِيء قَالَ وَالله لَا أطْعمهُ أبدا قَالَ وَايْم الله مَا كُنَّا نَأْخُذ من لقْمَة إِلَّا رَبًّا من أَسْفَلهَا أَكثر مِنْهَا فشبعنا وَصَارَت أَكثر مِمَّا كَانَت فَنظر إِلَيْهَا أَبُو بكر فَإِذا هِيَ كَمَا هِيَ أَو أَكثر فَقَالَ لامْرَأَته يَا أُخْت بني فراس مَا هَذَا قَالَت لَا وقرة عينى لهي الْآن أَكثر مِمَّا كَانَت قبل ذَلِك بِثَلَاث مَرَّات فَأكل مِنْهَا أَبُو بكر وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك من الشَّيْطَان يَعْنِي يَمِينه ثمَّ حملهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَصْبَحت عِنْده وَكَانَ بَيْننَا وَبَين قوم عهد فَمضى الْأَجَل فَعرفنَا إثنا عشر رجلا مَعَ كل رجل مِنْهُم نَاس الله أعلم كم مَعَ كل رجل غير أَنه بعث بَعثهمْ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتمرات فَقلت أدع لي فِيهِنَّ بِالْبركَةِ فقبضهن ثمَّ دَعَا فِيهِنَّ بِالْبركَةِ ثمَّ قَالَ خذهن فاجعلهن فِي مزودك فَإِذا أردْت أَن تَأْخُذ مِنْهُنَّ فَادْخُلْ
(2/84)
يدك فَخذ وَلَا تنثرهن نثرا قَالَ فَحملت من ذَلِك التَّمْر كَذَا وَكَذَا وسْقا فِي سَبِيل الله وَلَفظ ابْن سعد رواحل فِي سَبِيل الله وَكنت آكل مِنْهُ وَأطْعم وَكَانَ فِي حقوي حَتَّى كَانَ يَوْم قتل عُثْمَان فَوَقع فَذهب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة فَأَصَابَهُمْ عوز من الطَّعَام فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة عنْدك شَيْء قلت شَيْء من تمر فِي مزودي قَالَ جىء بِهِ فَجئْت بالمزود فَقَالَ هَات نطعا فَجئْت بالنطع فبسطته فَأدْخل يَده فَقبض على التَّمْر فَإِذا هُوَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ تَمْرَة ثمَّ قَالَ بِسم الله فَجعل يضع كل تَمْرَة ويسمي حَتَّى أَتَى على التَّمْر فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَجَمعه فَقَالَ ادْع فلَانا وَأَصْحَابه فَأَكَلُوا وشبعوا وَخَرجُوا ثمَّ قَالَ ادْع فلَانا وَأَصْحَابه فَأَكَلُوا وشبعو وَخَرجُوا ثمَّ قَالَ أدع فلَانا وَأَصْحَابه فَأَكَلُوا وشبعوا وَخَرجُوا ثمَّ قَالَ ادْع فلَانا وَأَصْحَابه فَأَكَلُوا وشبعوا وَخَرجُوا وَفضل تمر فَقَالَ لي اقعد فَقَعَدت فَأكل وأكلت وَفضل تمر فَأَخذه وَأدْخلهُ فِي المزود وَقَالَ لي إِذا رَأَيْت شَيْئا فَادْخُلْ يدك فَخذ وَلَا تكفأ فَمَا كنت أُرِيد تَمرا إِلَّا أدخلت يَدي فَأخذت مِنْهُ خمسين وسْقا فِي سَبِيل الله وَكَانَ مُعَلّقا خلف رحلي فَوَقع فِي زمن عُثْمَان فَذهب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي مَنْصُور عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أصبت بِثَلَاث مصائب فِي الْإِسْلَام لم أصب بمثلهن موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقتل عُثْمَان والمزود قَالُوا وَمَا المزود قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة أَمَعَك شَيْء قلت تمر فِي مزود فَقَالَ جىء بِهِ فأخرجت مِنْهُ تَمرا فَأَتَيْته بِهِ فمسه فَدَعَا فِيهِ ثمَّ قَالَ أدع عشرَة فدعوت عشرَة فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ كَذَلِك حَتَّى أكل الْجَيْش كُله وَبَقِي من تمر المزود قَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة إِذا أردْت أَن تَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فَادْخُلْ يدك فِيهِ وَلَا تكفه فَأكلت مِنْهُ حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلَمَّا قتل عُثْمَان انتهب مَا فِي بَيْتِي فانتهب المزود أَلا أخْبركُم كم أكلت مِنْهُ أكلت مِنْهُ أَكثر من مِائَتي وسق
(2/85)
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة قَالَت مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا بَقِي فِي بَيْتِي إِلَّا شطر من شعير فِي رف لي فَأكلت مِنْهُ حَتَّى طَال عَليّ فكلته ففني
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ وَالْبَزَّار عَن جَابر أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فَمَا زَالَ الرجل يَأْكُل مِنْهُ وَامْرَأَته وَمن ضيفاه حَتَّى كاله فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَو لم تكله لأكلت مِنْهُ ولقام بكم
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب إِنَّه اسْتَعَانَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّزْوِيج فَدفع إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ صَاعا من شعير قَالَ فطعمنا مِنْهُ نصف سنه ثمَّ كلناه فوجدناه كَمَا أدخلْنَاهُ فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (لَو لم تكله لأكلت مِنْهُ مَا عِشْت)
وَأخرج الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ فِي الكنى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن خَالِد بن عبد الْعُزَّى بن سَلامَة أَنه أجزره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاة وَكَانَ عِيَال خَالِد كثيرا يذبح فَلَا تيد عِيَاله عظما عظما وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل مِنْهَا ثمَّ قَالَ أَرِنِي دلوك يَا أَبَا خناس فَصنعَ فِيهَا فضلَة الشَّاة ثمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ بَارك لأبي خناس فَانْقَلَبَ بِهِ فنثره لَهُم وَقَالَ تواسوا فِيهِ فَأكل مِنْهُ عِيَاله وأفضلوا)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن نَضْلَة بن عَمْرو الْغِفَارِيّ أَنه حلب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَاء فَشرب ثمَّ شرب فضلَة إنائه فَامْتَلَأَ فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي كنت لأشرب السَّبْعَة فَمَا أمتلىء
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ بَيْنَمَا نَحن عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ غُلَام فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله غُلَام يَتِيم وَأُخْت لَهُ يتيمة وَأم لَهُ أرملة أطعمنَا أطعمك الله تَعَالَى مِمَّا عِنْده فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْطلق إِلَى أهلنا فأتنا بِمَا وجدت عِنْدهم فَأتى بِوَاحِدَة وَعشْرين تَمْرَة فوضعها فِي كف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَشَارَ
(2/86)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكفه إِلَى فِيهِ وَنحن نرى أَنه يَدْعُو بِالْبركَةِ ثمَّ قَالَ يَا غُلَام سبعا لَك وَسبعا لأمك وَسبعا لأختك فتعشى بتمرة وتغدى بِأُخْرَى
وَأخرج البُخَارِيّ من طَرِيق الشّعبِيّ عَن جَابر أَن أَبَاهُ اسْتشْهد يَوْم أحد وَترك سِتّ بَنَات وَترك عَلَيْهِ دينا كثيرا فَلَمَّا حضر جذاذ النّخل قلت يَا رَسُول الله قد علمت أَن وَالِدي اسْتشْهد وَترك عَلَيْهِ دينا كثيرا فَأَنا أحب أَن يراك الْغُرَمَاء قَالَ اذْهَبْ فبيدر كل تمر على نَاحيَة فَفعلت ثمَّ دَعوته فأطاف حول أعظمها بيدرا ثَلَاث مَرَّات ثمَّ جلس عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ ادْع أَصْحَابك فَمَا زَالَ يَكِيل لَهُم حَتَّى أدّى الله تَعَالَى أَمَانَة وَالِدي وَأَنا رَاض أَن أدّى الله أَمَانَة وَالِدي وَلَا أرجع إِلَى اخوتي بتمرة فَسلم وَالله البيادر كلهَا حَتَّى أنظر إِلَى البيدر الَّذِي عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ لم ينقص مِنْهُ تَمْرَة وَاحِدَة
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق وهب بن كيسَان عَن جَابر أَن أَبَاهُ توفّي وَترك عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ وسْقا لرجل من الْيَهُود فاستنظره جَابر فَأبى فَكلم جَابر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشعفع إِلَيْهِ فَكلم الْيَهُودِيّ ليَأْخُذ تمر نخله بِالَّذِي لَهُ فَأبى فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمشى فِيهَا ثمَّ قَالَ يَا جَابر جد لَهُ فأوفه الَّذِي لَهُ فجد بَعْدَمَا رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأوفاه ثَلَاثِينَ وسْقا وفضلت لَهُ سَبْعَة عشر وسْقا فَأخْبر جابرعمر فَقَالَ لقد علمت حِين مَشى فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليباركن الله فِيهَا
قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا لَا يُخَالف الأول فَإِن ذَلِك فِي سَائِر الْغُرَمَاء الَّذين حَضَرُوا أَولا وَحضر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أوفاهم وَهَذَا فِي الْيَهُودِيّ الَّذِي أَتَاهُ بعدهمْ وطالب بِدِينِهِ فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بجد مَا بَقِي على النخلات وإيفائه
وَأخرج الْحَاكِم من طَرِيق نُبيح الْعَنزي عَن جَابر قَالَ لما قتل أبي ترك دينا فَذكر الحَدِيث وَفِيه وَقلت لامرأتي إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجيئنا الْيَوْم نصف النَّهَار فَدخل وفرشت لَهُ فَنَامَ فذبحت عنَاقًا فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ وَضَعتهَا بَين يَدَيْهِ فَقَالَ ادْع لي أَبَا بكر ثمَّ حوارييه الَّذين مَعَه فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفضل مِنْهَا لحم كثير
(2/87)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَابْن عَسَاكِر عَن أبي رَجَاء قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى دخل حَائِطا لبَعض الْأَنْصَار فَإِذا هُوَ يسنو فِيهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تجْعَل لي إِن أرويت حائطك قَالَ إِنِّي أجهد أَن أرويه فَمَا أُطِيق ذَلِك قَالَ تجْعَل لي مائَة تَمْرَة إِن أَنا أرويته قَالَ نعم فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغرب فَمَا لبث أَن أرواه حَتَّى قَالَ الرجل غرق حائطي فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة تَمْرَة فَأكل هُوَ وَأَصْحَابه حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ رد عَلَيْهِ مائَة تَمْرَة كَمَا أَخذهَا مِنْهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَت امْرَأَة من دوس يُقَال لَهَا أم شريك أسلمت فَأَقْبَلت تطلب من يصحبها إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَقِيت رجلا من الْيَهُود فَقَالَ تعالي فَأَنا أصحبك قَالَت فانتظرني حَتَّى املأ سقاي مَاء قَالَ معي مَاء فَانْطَلَقت مَعَه فَسَارُوا حَتَّى أَمْسوا فَنزل الْيَهُودِيّ وَوضع سفرته فتعشى وَقَالَ يَا أم شريك تعالي إِلَى الْعشَاء قَالَت اسْقِنِي فَإِنِّي عطشى وَلَا أَسْتَطِيع أَن آكل حَتَّى أشْرب قَالَ لَا أسقيك قَطْرَة حَتَّى تهودي قَالَت وَالله لَا أتهود أبدا فَأَقْبَلت إِلَى بَعِيرهَا فعقلته وَوضعت رَأسهَا على ركبته قَالَت فَمَا أيقظني إِلَّا برد دلو قد وَقع على جبيني فَرفعت رَأْسِي فَنَظَرت إِلَى مَاء أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل فَشَرِبت حَتَّى رويت ثمَّ نضحت على سقاي حَتَّى ابتل ثمَّ ملأته ثمَّ رفع بَين يَدي وَأَنا أنظر حَتَّى توارى مني فِي السَّمَاء فَلَمَّا أَصبَحت جَاءَ الْيَهُودِيّ فَقَالَ يَا أم شريك قلت وَالله قد سقاني الله قَالَ من أَيْن أنزل عَلَيْك من السَّمَاء قلت وَالله لقد أنزل الله على من السَّمَاء ثمَّ رفع بَين يَدي حَتَّى توارى عني فِي السَّمَاء ثمَّ أَقبلت حَتَّى دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوهبت لَهُ بضعهَا فَزَوجهَا زيدا وَأمر لَهَا بِثَلَاثِينَ صَاعا وَقَالَ كلوا وَلَا تكيلوا وَكَانَ مَعَه مَعهَا سمن هَدِيَّة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت لجارية لَهَا بلغي هَذِه العكة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلَقت بهَا فَأَخَذُوهَا ففرغوها وَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علقوها وَلَا توكوها فعلقوها فِي مَكَانهَا فَدخلت أم شريك فَنَظَرت إِلَيْهَا مَمْلُوءَة سمنا فَقَالَت يَا فُلَانَة أَلَيْسَ أَمرتك أَن
(2/88)
تنطلقي بِهَذِهِ العكة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت قد وَالله انْطَلَقت بهَا كَمَا قلت ثمَّ قلت ثمَّ أَقبلت بهَا أصوبها مَا يقطر مِنْهَا شَيْء وَلكنه قَالَ علقوها وَلَا توكوها فعلقتها فِي مَكَانهَا فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى فنيت ثمَّ كالوا الشّعير فوجدوه ثَلَاثِينَ صَاعا لم ينقص مِنْهُ شَيْء
بَاب قصَّة العكة والنحي والسقاء والرحى والذراع
أخرج مُسلم عَن جَابر أَن أم مَالك كَانَت تهدي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عكة لَهَا سمنا فيأتيها بنوها فَيسْأَلُونَ الْأدم وَلَيْسَ عِنْدهم شَيْء فتعمد ألى العكة فتجد فِيهَا سمنا فَمَا زَالَ يُقيم لَهَا أَدَم بَيتهَا حَتَّى عصرته فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أعصرتيها قَالَت نعم قَالَ لَو تركتيها مَا زَالَ قَائِما
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر عَن أم شريك أَنَّهَا كَانَت عِنْدهَا عكة تهدي فِيهَا سمنا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطلب مِنْهَا صبيانها ذَات يَوْم سمنا فَلم يكن فَقَامَتْ إِلَى العكة لتنظر فَإِذا هِيَ تسيل قَالَت فَصَبَبْت لَهُم فَأَكَلُوا مِنْهَا حينا ثمَّ ذهبت تنظر مَا بَقِي فصبته كُله ففني ثمَّ أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهَا أصببته أما أَنَّك لَو لم تصببه لقام لَك زَمَانا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن يحيى بن جعدة عَن رجل حَدثهُ عَن أم مَالك الْأَنْصَارِيَّة أَنَّهَا جَاءَت بعكة سمن إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بِلَالًا فعصرها ثمَّ أَعْطَاهَا فَرَجَعت فَإِذا هِيَ مَمْلُوءَة سمنا فَأخْبرت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (هَذِه بركَة عجل الله لَك ثَوَابهَا)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أم أَوْس البهزية قَالَت سليت سمنا لي فَجَعَلته فِي عكة وأهديته ألى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبله وَترك فِي العكة قَلِيلا وَنفخ فِيهِ ودعا
(2/89)
بِالْبركَةِ ثمَّ قَالَ ردوا عَلَيْهَا عكتها فردوها عَلَيْهَا وَهِي مَمْلُوءَة سمنا فظنت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقبلهَا فَجَاءَت لَهَا صُرَاخ فَقَالَت يَا رَسُول الله إِنَّمَا سليته لَك لتأكله فَعلم أَنه قد أستجيب لَهُ فَقَالَ أذهبوا فَقولُوا لَهَا فلتأكل سمنها ولتدع بِالْبركَةِ فَأكلت بَقِيَّة عمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وولايته أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان حَتَّى كَانَ من أَمر عَليّ وَمُعَاوِيَة مَا كَانَ
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن أنس أَن أمه أم سليم جمعت من شَاتِهَا سمنا فِي عكة وَأرْسلت بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأفرغها وردهَا فعلقت العكة على وتد فَجَاءَت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر سمنا فَجَاءَت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ إِن كَانَ الله أطعمك كَمَا أطعمت نبيه كلي وأطعمي فَجئْت فقسمت فِي قَعْب لنا كَذَا وَكَذَا وَتركت فِيهَا مَا ائتد منا بِهِ شهرا أَو شَهْرَيْن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق كثير بن زيد عَن مُحَمَّد بن عَمْرو ابْن حَمْزَة الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ كَانَ طَعَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدُور على أَصْحَابه على هَذَا لَيْلَة وعَلى هَذَا لَيْلَة فدار عَليّ فَعمِلت طَعَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ذهبت بِهِ فَتحَرك النحي فأهريق مَا فِيهِ فَقلت على يَدي أهريق طَعَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدنه فَقلت لَا أَسْتَطِيع يَا رَسُول الله فَرَجَعت فَإِذا النحي يَقُول قب قب فَقلت فضلَة فضلت فِيهِ فاجتذبه فَإِذا هُوَ قد ملىء إِلَى يَدَيْهِ فأوكيته ثمَّ جِئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ (أما أَنَّك لَو تركته لملىء إِلَى فِيهِ)
وَقَالَ ابْن سعد أَنا سعيد بن سُلَيْمَان حَدثنَا خَالِد بن عبد الله عَن حُصَيْن عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَيْنِ فِي بعض أمره فَقَالَا يَا
(2/90)
رَسُول الله مَا مَعنا مَا نتزوده فَقَالَ ابتغيا لي سقاء فجاءاه بسقاء قَالَ فَأمرنَا فملأناه ثمَّ أوكأه وَقَالَ اذْهَبَا حَتَّى إِذا تبلغا مَكَان كَذَا وَكَذَا فَإِن الله سيرزقكما فَانْطَلقَا حَتَّى أَتَيَا ذَلِك الْمَكَان الَّذِي أَمرهمَا بِهِ فانحل سقاؤهما فَإِذا اللَّبن وزبد غنم فأكلا وشربا حَتَّى شبعا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَتَى رجل أَهله فَرَأى مَا بهم من الْحَاجة فَخرج إِلَى الْبَريَّة فَقَالَ اللَّهُمَّ أرزقنا مَا نعتجن ونختبز فَإِذا الْجَفْنَة ملأى خبْزًا والرحى تطحن والتنور ملأى جنوب شواء فجَاء زَوجهَا فَقَالَ عنْدكُمْ شَيْء قَالَت نعم رزق الله فَرفع الرَّحَى فكنس مَا حولهَا فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (لَو تركتهَا لدارت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رجلا من الْأَنْصَار كَانَ ذَا حَاجَة فَخرج يَوْمًا وَلَيْسَ عِنْد أَهله شَيْء فَقَالَت امْرَأَته لَو أَنِّي حركت رحاي وَجعلت فِي تنوري سعفات فَسمع جيراني صَوت الرَّحَى وَرَأَوا الدُّخان فظنوا أَن عندنَا طَعَاما مَا بِنَا خصَاصَة فَقَامَتْ إِلَى تنورها فأوقدته وَقد تحرّك الرَّحَى فَأقبل زوحها وَسمع الرَّحَى فَقَالَ مَا تطحنين فَأَخْبَرته فَدخل وَإِن رحاها لتدور وتصب دَقِيقًا فَلم يبْقى فِي الْبَيْت وعَاء إِلَّا ملىء ثمَّ خرجت ألى تنورها فَوَجَدته مملوءا خبْزًا فَأقبل زَوجهَا فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَمَا فعلت الرَّحَى قَالَ رفعتها ونفضتها قَالَ (لَو تَرَكْتُمُوهَا مَا زَالَت كَمَا هِيَ لكم حَيَاتكُم) إِسْنَاده صَحِيح
وَأخرج أَحْمد الدَّارمِيّ وَابْن سعد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق شهر بن حَوْشَب عَن أبي عبيد أَنه طبخ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدرا فَقَالَ لَهُ ناولني ذِرَاعا فَنَاوَلَهُ الذِّرَاع ثمَّ قَالَ ناولني الذِّرَاع فَنَاوَلَهُ ذِرَاعا ثمَّ قَالَ ناولني ذِرَاعا فَقلت يَا نَبِي الله وَكم للشاة من ذِرَاع فَقَالَ (وَالَّذِي نغسي بِيَدِهِ لَو سكت لأعطيت أذرعا مَا دَعَوْت بِهِ)
(2/91)
وَأخرج أَحْمد وَابْن سعد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طرق أَرْبَعَة عَن أبي رَافع قَالَ ذبحت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاة فَقَالَ يَا أَبَا رَافع ناولني الذِّرَاع فناولته ثمَّ قَالَ ناولني الذِّرَاع فناولته ثمَّ قَالَ ناولني الذِّرَاع فَقلت يَا رَسُول الله وَهل للشاة إِلَّا ذراعان فَقَالَ (لَو سكت لناولتني مَا دَعَوْت بِهِ)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة أَن شَاة طبخت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ناولني الذِّرَاع فناولته ثمَّ قَالَ ناولني الذِّرَاع فناولته ثمَّ قَالَ ناولني الذِّرَاع فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّمَا للشاة ذراعان فَقَالَ أما أَنَّك لَو التمستها لوجدتها)
وَأخرج من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذبح ذَات يَوْم شَاة فَقَالَ يَا غُلَام ائْتِنِي بالكتف فَأَتَاهُ بهَا ثمَّ قَالَ لَهُ أَيْضا فَأَتَاهُ بهَا ثمَّ قَالَ أَيْضا فَأَتَاهُ بهَا ثمَّ قَالَ أَيْضا فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّمَا ذبحت شَاة وَقد أَتَيْتُك بِثَلَاثَة أكتاف فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو سكت لجئت بهَا مَا دَعَوْت بهَا)
وَأخرج من وَجه ثَالِث عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بِذِرَاع شَاة فَأكلهَا ثمَّ دَعَا بِذِرَاع أُخْرَى فَأكلهَا ثمَّ بِذِرَاع أُخْرَى فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّمَا للشاة ذراعان قَالَ (وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَو سكتم لوجدتموها)
قَالَ أَبُو نعيم وَجه الدّلَالَة من هَذِه الْأَخْبَار إِعْلَامه فضيلته بِأَن الله يُعْطِيهِ إِذا سَأَلَ مَا لم تجر الْعَادة بِهِ تَفْصِيلًا لَهُ وتخصيصا
بَاب الطَّعَام الَّذِي أَتَاهُ من السَّمَاء وَمن الْجنَّة
أخرج أَحْمد والدارمي وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَلمَة بن نفَيْل السكونِي قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ قَائِل يَا رَسُول الله هَل أتيت بِطَعَام من السَّمَاء وَفِي لفظ من الْجنَّة قَالَ نعم قَالَ وبماذا قَالَ فِي مسخنة قَالَ فَهَل كَانَ فِيهَا فضل عَنْك قَالَ نعم قَالَ فعل بِهِ قَالَ رفع إِلَى السَّمَاء وَهُوَ يوحي إِلَيّ إِنِّي مكفوت غير لابث فِيكُم ولستم بلابثين
(2/92)
بعدِي إِلَّا قَلِيلا حَتَّى تَقولُوا شَيْئا وتأتوني أفنادا يتبع بَعْضكُم بَعْضًا وَبَين يَدي السَّاعَة موتان شَدِيد وَبعده سنوات الزلازل
قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك الْخَبَر من غرائب الصِّحَاح
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْحَارِث بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنِي رجل يكنى أَبَا سعيد قَالَ قدمت الْمَدِينَة فَسمِعت رجلا يَقُول لصَاحبه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قرى اللَّيْلَة فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله بَلغنِي أَنَّك قريت اللَّيْلَة قَالَ أجل قلت وَمَا ذَاك قَالَ طَعَام فِيهِ مسخنة قلت فَمَا فعل فَضله قَالَ رفع
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق حَفْص بن عمر الدِّمَشْقِي عَن عقيل بن خَالِد عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله عَتبه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ آتى جِبْرِيل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن رَبك يُقْرِئك السَّلَام وأرسلني اليك بِهَذَا القطف لتأكله فَأَخذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ حَفْص بن عمر الدِّمَشْقِي عرف بِصَاحِب حَدِيث القطف قَالَ البُخَارِيّ لَا يُتَابع عَلَيْهِ مَاتَ سنة سبعين وَمِائَة
وَأخرج أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي كتاب الْأَطْعِمَة بِسَنَد فِيهِ كَذَّاب عَن حوطة بن مرّة قَالَ قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل أتيت من طَعَام الْجنَّة بِشَيْء قَالَ نعم أَتَانِي جِبْرِيل بخبيصة من خبيص الْجنَّة فَأَكَلتهَا قَالَ ابْن حجر فِي الاصابة هَذَا حَدِيث مَوْضُوع
(2/93)
ذكر معجزاته فِي ضروب الْحَيَوَانَات
بَاب قصَّة الْجمل والناقة
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله أَن ناضحا لبَعض بني سَلمَة اغتلم فصَال عَلَيْهِم وَامْتنع حَتَّى عطشت نَخْلَة فَشَكا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بلغ بَاب النّخل فَقيل يَا رَسُول الله لَا تدخل فَإنَّا نَخَاف عَلَيْك مِنْهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ادخُلُوا فَلَا بَأْس عَلَيْكُم فَلَمَّا رَآهُ الْجمل أقبل يمشي وَاضِعا رَأسه حَتَّى قَامَ بَين يَدَيْهِ فَسجدَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ائْتُوا جملكم فاخطموه
واخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ بَيْنَمَا نَحن قعُود بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ إِن نَاضِح آل فلَان قد أبق عَلَيْهِم فَنَهَضَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونهضنا مَعَه فَقُلْنَا يَا رَسُول الله لَا تقربه فَإنَّا نخافه عَلَيْك فَدَنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْبَعِير فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِير سجد ثمَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضع يَده على رَأس الْبَعِير فَقَالَ هاتوا السفار فجيء بالسفار فَوَضعه فِي رَأسه وَقَالَ ادعوا لي صَاحب الْبَعِير فدعي لَهُ فَقَالَ احسن علفه وَلَا تشق عَلَيْهِ فِي الْعَمَل
واخرج الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وأبونعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ قوم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِن بَعِيرًا لنا قطن فِي حَائِط فجَاء إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
(2/94)
(تَعَالَى فجَاء مطأطئا رَأسه فخطمه وَأَعْطَاهُ صَاحبه فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله كَأَنَّهُ علم أَنَّك نَبِي) فَقَالَ (مَا بَين لابتيها أحد إِلَّا يعلم أَنِّي نَبِي إِلَّا كفرة الْجِنّ والانس)
واخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة قَالَ سَمِعت شَيخا من قيس يحدث عَن أَبِيه قَالَ جَاءَنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْدنَا بكرَة صعبة لَا نقدر عَلَيْهَا فَدَنَا مِنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح ضرْعهَا فحفل فاحتلب وَشرب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَائِطا لرجل من الْأَنْصَار فَإِذا فِيهِ جمل فَلَمَّا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حن إِلَيْهِ وذرفت عَيناهُ فَقَالَ من رب هَذَا الْجمل فجَاء فَتى من الْأَنْصَار فَقَالَ هُوَ لي فَقَالَ أَلا تتقي الله فِي هَذِه الْبَهِيمَة الَّتِي ملكك الله إِيَّاهَا فانه شكا إِلَيّ أَنَّك تجيعه وتدئبه
واخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة والدارمي وَأَبُو نعيم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ دفعنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حَائِط بني النجار فَإِذا فِيهِ جمل لَا يدْخل الْحَائِط أحد إِلَّا شدّ عَلَيْهِ فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَاهُ فجَاء وَاضِعا مشفرة فِي الأَرْض حَتَّى برك بَين يَدَيْهِ فَقَالَ هاتوا خطاما فخطمه وَدفعه إِلَى صَاحبه ثمَّ الْتفت فَقَالَ (مَا بَين السَّمَاء إِلَى الأَرْض إِلَّا يعلم إِنِّي رَسُول الله إِلَّا عاصي الْجِنّ وَالْإِنْس
وَأخرج ابْن سعد عَن الْحسن قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجده إِذْ أقبل جمل نَاد حَتَّى وضع رَأسه فِي حجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجرجر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا الْجمل يزْعم أَنه لرجل وَأَنه يُرِيد أَن ينحره فِي طَعَام عَن أَبِيه الْآن فجَاء يستغيث ثمَّ أَتَى صَاحبه فَسَأَلَهُ فَأخْبرهُ أَنه أَرَادَ ذَلِك فَطلب إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا ينحره فَفعل
(2/95)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو نعيم عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي نفر فجَاء بعير فَسجدَ لَهُ وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل حَائِطا فجَاء بعير فَسجدَ لَهُ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ثَعْلَبَة بن أبي مَالك قَالَ اشْترى إِنْسَان من بني سَلمَة جملا ينضح عَلَيْهِ فَأدْخلهُ فِي مربد فَجرد كَمَا يحمل عَلَيْهِ فَلم يقدر أحد أَن يدْخل عَلَيْهِ إِلَّا تخبطه فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ قَالَ افتحوا عَنهُ فَقَالُوا إِنَّا نخشى عَلَيْك مِنْهُ قَالَ افتحة اعنه ففتحوا فَلَمَّا رَآهُ الْجمل خر سَاجِدا فسبح الْقَوْم فَقَالُوا يَا رَسُول الله كُنَّا نَحن أَحَق بِالسُّجُود من هَذِه الْبَهِيمَة قَالَ (لَو يَنْبَغِي لشَيْء من الْخلق أَن يسْجد لشَيْء دون الله لانبغى للْمَرْأَة أَن تسْجد لزَوجهَا)
أخرج الطَّبَرَانِيّ ابو نعيم عَن يعلى بن مرّة قَالَ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فجَاء بعير يرغو حَتَّى سجد لَهُ فَقَالَ الْمُسلمُونَ نَحن أَحَق أَن نسجد للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (لَو كنت آمُر أحدا أَن يسْجد لغير الله لأمرت الْمَرْأَة أَن تسْجد لزَوجهَا تَدْرُونَ مَا يَقُول هَذَا يزْعم أَنه خدم موَالِيه أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى إِذا كبر نَقَصُوا من علفه وَزَادُوا فِي عمله حَتَّى إِذا كَانَ لَهُم عرس أخذُوا الشفار لينحروه فَأرْسل إِلَى مة \ واليه فَقص عَلَيْهِم فَقَالُوا صدق وَالله يَا رَسُول الله قَالَ إِنِّي أحب أَن تَدعُوهُ لي)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن بُرَيْدَة أَن رجلا من الْأَنْصَار أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن لنا جملا صئولا فِي الدَّار وَلَيْسَ أحد منا يَسْتَطِيع أَن يقربهُ أَو يُدِير أَنفه فَقَامَ مَعَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقمنا مَعَه فَأتى ذَلِك الْبَاب ففتحه فَلَمَّا رَآهُ الْجمل جَاءَ إِلَيْهِ فَسجدَ لَهُ وَوضع جرانه فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَأْسِهِ فمسحه ثمَّ دَعَا بالخطام فخطمه ثمَّ دَفعه إِلَى صَاحبه فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر وَعمر قد عرفك يَا رَسُول الله أَنَّك نَبِي الله قَالَ (إِنَّه لَيْسَ من شَيْء أَلا يعرف أَنِّي رَسُول الله غير كفرة الْجِنّ وَالْإِنْس)
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق أبي ظلال عَن أنس أَن رجلا من الْأَنْصَار كَانَ لَهُ بعير فشرد عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن لي بَعِيرًا قد شرد عَليّ وَهُوَ فِي أقْصَى
(2/96)
أرضي وَأَنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أدنو مِنْهُ خشيَة أَن يتناولني فَانْطَلق إِلَيْهِ فَلَمَّا نظر الْبَعِير إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقبل يحمحم وَألقى بجرانه حَتَّى برك عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل عَيناهُ تسيلان فَقَالَ يَا فلَان أرى بعيرك يشكوك فَأحْسن إِلَيْهِ فجَاء بِحَبل فَأَلْقَاهُ فِي رَأسه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو نعيم من طَرِيق حَفْص ابْن أخي أنس عَن أنس نَحوه وَفِيه فجَاء الْجمل حَتَّى خر سَاجِدا بَين يَدَيْهِ فَقَالَ أَصْحَابه هَذِه بَهِيمَة لَا تعقل فَنحْن أَحَق أَن نسجد لَهُ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل حَائِطا من حَوَائِط الْأَنْصَار فَإِذا فِيهِ جملان يصرخان ويرعدان فاقترب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُمَا فوضعا جرانهما بِالْأَرْضِ فَقَالَ من مَعَه سجدا لَهُ
وَأخرج مُسلم عَن جَابر قَالَ غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتلاحق بِي وتحتي نَاضِح لي قد أعيي وَلَا يكَاد يسير فَقَالَ لي مَا لبعيرك قلت عليل فزجره ودعا لَهُ فَمَا زَالَ بَين يَدي الْإِبِل قدامها يسير فَقَالَ لي كَيفَ ترى بعيرك قلت بِخَير قد أَصَابَته بركتك
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث رجلا فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله رَسُول قد أعييتني نامي أَن تنبعث فَأَتَاهَا فضربها بِرجلِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد رَأَيْتهَا تسبق الْقَائِد
وَأخرج ابْن حبَان فِي كتاب الصَّحَابَة وَالْحسن بن سُفْيَان وَابْن أبي عَاصِم وَالْبَغوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ عَن الحكم بن أَيُّوب وَيُقَال ابْن الْحَارِث السّلمِيّ قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ خلأت نَاقَتي فزجرها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتقدمت الركاب
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عمر قَالَ شكا إعرابي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سرق ناقه
(2/97)
فَقَالَت النَّاقة من خلف الْبَاب وَالَّذِي بَعثك بالكرامة أَن هَذَا مَا سرقني وَلَا ملكني أحد سواهُ
قَالَ الْحَاكِم رُوَاته ثِقَات وَفِيه يحيى بن عبد الله الْمصْرِيّ عَن عبد الرَّزَّاق لَا أعرفهُ وَلَا جرح قَالَ الذَّهَبِيّ هُوَ الَّذِي اختلقه قلت للْحَدِيث طَرِيق آخر
أخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد فِيهِ مَجْهُولُونَ عَن زيد بن ثَابت قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذَا الإعرابي سرق هَذَا الْبَعِير فرغا الْبَعِير سَاعَة وأنصت لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ للرجل انْصَرف عَنهُ فَأن الْبَعِير شهد عَلَيْك أَنَّك كَاذِب
وَأخرج ابْن شاهين وَابْن مندة عَن الْمطلب بن عبد الله قَالَ قلت لبني الْحَارِث ابْن سَوَاء أبوكم الَّذِي جحد بيعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَا تقل ذَاك فَلَقَد أعطَاهُ بكرَة وَقَالَ إِن الله سيبارك لَك فِيهَا فَمَا أَصْبَحْنَا نسوق سارحا وَلَا بارحا إِلَّا مِنْهَا
بَاب قصَّة الشَّاة وَالْغنم
أخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن السكن عَن نَافِع بن الْحَارِث بن كلدة أَنه كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زهاء أَرْبَعمِائَة رجل فَنزل بِنَا على غير مَاء فَاشْتَدَّ على النَّاس إِذْ أَقبلت عنز تمشي حَتَّى أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محددة القرنين فحلبها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأروى الْجند وَرُوِيَ ثمَّ قَالَ يَا نَافِع املكها وَمَا أَرَاك تَملكهَا فَأخذت عودا فوكزته فِي الأَرْض وَأخذت رِبَاطًا فَربطت الشَّاة فاستوثقت مِنْهَا ونام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونام النَّاس ونمت فَاسْتَيْقَظت وَإِذا الْحَبل محلول وَإِذا لَا شَاة فَأخْبرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَو مَا أَخْبَرتك أَنَّك لَا تَملكهَا إِن الَّذِي جَاءَ بهَا هُوَ الَّذِي ذهب بهَا
(2/98)
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق الْحسن عَن سعد مولى أبي بكر قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فنزلنا منزلا فَقَالَ لي يَا سعد احلب تِلْكَ العنز وعهدي بذلك الْموضع لَا عنز فِيهِ فَأتيت فَإِذا بعنز حافل فاحتلبتها لَا أَدْرِي كم من مرّة واحتفظت بالعنز وأوصيت بهَا فاشتغلنا عَنْهَا بالرحلة ففقدت العنز فَقلت يَا رَسُول الله فقدت العنز قَالَ ذهب بهَا رَبهَا
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْنة خباب بن الْأَرَت أَنَّهَا أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَاة فاعتقلها وحلبها وَقَالَ ائْتِنِي بأعظم إِنَاء لكم فَأَتَيْته بِجَفْنَة الْعَجِين فَحلبَ فِيهَا حَتَّى ملأها ثمَّ قَالَ اشربوا أَنْتُم وجيرانكم فَكُنَّا نَخْتَلِف بهَا إِلَيْهِ فأخصبنا حَتَّى قدم أبي فَأَخذهَا فاعتقلها فَعَادَت إِلَى لَبنهَا فَقَالَت أُمِّي أفسدت علينا شاتنا قَالَ وَمَا ذَاك قَالَت إِن كَانَ لتحلب ملْء هَذِه الْجَفْنَة قَالَ وَمن كَانَ يحلبها قَالَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد عدلتني بِهِ وَهُوَ وَالله أعظم بركَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد الطَّبَرَانِيّ وَابْن سعد عَن ابْنة خباب قَالَت خرج أبي فِي غزَاة فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتعاهدنا فيحلب عَنْزًا لنا فَكَانَ يحلبها فِي جَفْنَة لنا فتمتلىء فَلَمَّا قدم خباب فَعَاد حلابها كَمَا كَانَ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أبي قرصافة قَالَ كَانَ بدؤ إسلامي أَنِّي كنت يَتِيما بَين أُمِّي وخالتي وَكنت أرعى شوبهات لي فَكَانَت خَالَتِي كثيرا مَا تَقول لي يَا بني لَا تمر إِلَيّ هَذَا الرجل تَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيغويك ويضلك فَكنت أخرج إِلَى المرعى فأترك شويهاتي وَآتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا أَزَال عِنْده أسمع مِنْهُ ثمَّ أروح بغنمي ضمرا يابسات الضروع فَقَالَت لي خَالَتِي مَا لغنمك يابسات الضروع قلت مَا أَدْرِي ثمَّ فعلت فِي الْيَوْم الثَّانِي كَذَلِك ثمَّ عدت إِلَيْهِ فِي الْيَوْم الثَّالِث فَأسْلمت وشكوت إِلَيْهِ أَمر خَالَتِي وغنمي فَقَالَ جئني بالشياه فَجِئْته بِهن فَمسح ضروعهن وظهورهن ودعا فِيهِنَّ بِالْبركَةِ فامتلأن شحما ولبنا فَلَمَّا دخلت على خَالَتِي بِهن قَالَت يَا بني هَكَذَا فارع فَأَخْبَرتهَا الْخَبَر فَأسْلمت هِيَ وَأمي
(2/99)
وَأخرج مُسلم عَن الْمِقْدَاد بن الْأسود قَالَ جِئْت أَنا وصاحبان لي قد كَادَت تذْهب أسماعنا وأبصارنا من الْجهد فآوانا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رَحْله ولآل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أعنز يحتلبونها فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يوزع اللَّبن بَيْننَا وَكُنَّا نرفع إِلَيْهِ نصِيبه فَيَجِيء يسلم تَسْلِيمًا يسمع الْيَقظَان وَلَا يوقظ النَّائِم فَقَالَ لي الشَّيْطَان وَلَو شربت هَذِه الجرعة فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِي بالأنصار فيتحفونه فَمَا زَالَ حَتَّى شربتها فَلَمَّا شربتها ندمني وَقَالَ لي مَا صنعت يَجِيء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يجد شرابه فيدعو عَلَيْك فتهلك وَجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا كَانَ يَجِيء فصلى مَا شَاءَ الله أَن يُصَلِّي ثمَّ نظر إِلَى شرابه فَلم ير شَيْئا فَرفع يَدَيْهِ فَقلت الْآن يَدْعُو عَليّ فَأهْلك فَقَالَ اللَّهُمَّ أطْعم من أَطْعمنِي واسق من سقاني فَأخذت الشَّفْرَة فَانْطَلَقت إِلَى الأعنز اجسهن أيتهن أسمن كي أذبحه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا حفل كُلهنَّ فَأخذت إِنَاء لآل مُحَمَّد مَا كَانُوا يطْعمُون أَن يحتلبوا فِيهِ فحلبت حَتَّى علته الرغوة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أبياته التِّسْعَة يطْلب طَعَاما وَعِنْده نَاس من أَصْحَابه فَلم يُوجد فَنظر إِلَى عنَاق فِي الدَّار مَا نتجت شَيْئا قطّ فَمسح مَكَان الضَّرع قَالَ فَدفعت بضرع مدلى بَين رِجْلَيْهَا فَدَعَا بِقَعْبٍ فَحلبَ فَبعث بِهِ إِلَى أبياته قَعْبًا قَعْبًا ثمَّ حلب فَشَرِبُوا
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف أَنا مُحَمَّد بن رَاشد حَدثنِي الْوَضِين بن عَطاء أَن جزارا فتح بَابا على شَاة ليذبحها فانفلتت مِنْهُ حَتَّى جَاءَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واتبعها فَأَخذهَا يسحبها برجلها فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اصْبِرِي لأمر الله وَأَنت يَا جزار فسقها إِلَى الْمَوْت سوقا رَفِيقًا)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أنس قَالَ دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَائِطا للْأَنْصَار وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر فِي رجال من الْأَنْصَار فِي الْحَائِط غنم فسجدن لَهُ فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله كُنَّا نَحن أَحَق بِالسُّجُود لَك من هَذِه الْغنم قَالَ (إِنَّه لَا يَنْبَغِي فِي أمتِي أَن يسْجد أحد لأحد وَلَو كَانَ يَنْبَغِي أَن يسْجد أحد لأحد لأمرت الْمَرْأَة أَن تسْجد لزَوجهَا)
(2/100)
بَاب قصَّة الظبية
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَأَبُو نعيم عَن أم سَلمَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّحرَاء فَإِذا مُنَاد يُنَادِيه يَا رَسُول الله فَالْتَفت فَلم ير أحدا ثمَّ الْتفت فَإِذا ظَبْيَة موثقة فَقَالَت أدن مني يَا رَسُول الله فَدَنَا مِنْهَا فَقَالَ مَا حَاجَتك فَقَالَت إِن لي خشفين فِي هَذَا الْجَبَل فحلني حَتَّى أذهب فأرضعهما ثمَّ ارْجع اليك قَالَ وتفعلين قَالَت عذبني الله عَذَاب العشار إِن لم أفعل فاطلقها فَذَهَبت فأرضعت خشفيها ثمَّ رجعت فأوثقها فانتبه الْأَعرَابِي فَقَالَ أَلَك حَاجَة يَا رَسُول الله قَالَ نعم نطلق هَذِه فأطلقها فَخرجت تعدو وَهِي تَقول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله فِي إِسْنَاده أغلب بن تَمِيم ضَعِيف لَكِن للْحَدِيث طرق كَثِيرَة تشهد بِأَن للقصة أصلا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم من طَرِيق صَالح المري وَهُوَ ضَعِيف عَن ثَابت عَن أنس بن مَالك قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قوم قد أَصَابُوا ظَبْيَة فشدوها إِلَى عَمُود فسطاط فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي وضعت ولي خشفان فَاسْتَأْذن لي أَن أرضعهما حَتَّى أَعُود فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلوا عَنْهَا حَتَّى تَأتي خشفيها فترضعهما وَتَأْتِي اليكم قَالُوا وَمن لنا بذالك يَا رَسُول الله قَالَ أَنا فأطلقوها فَذَهَبت فأرضعت ثمَّ رجعت إِلَيْهِم فأوثقوها قَالَ تبيعونها قَالُوا يَا رَسُول الله هِيَ لَك فَخلوا عَنْهَا فأطلقوها فَذَهَبت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بظبية مربوطة إِلَى خبأ فَقَالَت يَا رَسُول الله حلني حَتَّى أذهب فأرضع خشفي ثمَّ أرجع فتربطني فَقَالَ رَسُول الله صيد قوم وربيطة قوم فَأخذ عَلَيْهَا فَحَلَفت فَمَا مكثت إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جَاءَت وَقد نفضت مَا فِي ضرْعهَا فربطها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء أَصْحَابهَا فاستوهبها مِنْهُم فوهبوها لَهُ فَحلهَا
(2/101)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن زيد بن أَرقم قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض سِكَك الْمَدِينَة فمررنا بخبأ أَعْرَابِي فَإِذا ظَبْيَة مشدودة إِلَى الخباء فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن هَذَا الْأَعرَابِي اصطادني ولي خشفان فِي الْبَريَّة وَقد تعقد اللَّبن فِي أخلافي فَلَا هُوَ يذبحني فاستريح وَلَا يدعني فَارْجِع إِلَى خشفي فِي الْبَريَّة فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن تركتك ترجعين قَالَت نعم إِلَّا عذبني الله تَعَالَى عَذَاب العشار فأطلقها فَلم تلبث أَن جَاءَت تلمظ فشدها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الخباء وَأَقْبل الْأَعرَابِي وَمَعَهُ قربَة فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتبيعنيها قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُول الله فأطلقها قَالَ زيد بن أَرقم فَأَنا وَالله رَأَيْتهَا تسيح فِي الْبَريَّة وَتقول لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
بَاب قصَّة الذِّئْب
أخرج أَحْمد وَابْن سعد وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وصححاه وَأَبُو نعيم من طرق عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ بَيْنَمَا رَاع يرْعَى بِالْحرَّةِ إِذْ عرض ذِئْب لشاة من شياهه فحال الرَّاعِي بَين الذِّئْب وَبَين الشَّاة فأقعى الذِّئْب على ذَنبه ثمَّ قَالَ لِلرَّاعِي أَلا تتقي الله تَعَالَى تحول بيني وَبَين رزق سَاقه الله تَعَالَى إِلَيّ فَقَالَ الرَّاعِي الْعجب من الذِّئْب يتَكَلَّم بِكَلَام الْإِنْس فَقَالَ الذِّئْب أَلا أحَدثك بِأَعْجَب من ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الحرتين يحدث النَّاس بأنباء مَا قد سبق فساق الرَّاعِي غنمه حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَدخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحدث بِحَدِيث الذِّئْب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صدق صدق أَلا أَنه من أَشْرَاط السَّاعَة كَلَام السبَاع للإنس وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تكلم السبَاع الْإِنْس ويكلم الرجل شِرَاك نَعله وعذبة سَوْطه ويخبره فَخذه بِمَا احدث أَهله من بعده)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَالْبَيْهَقِيّ وابو نعيم عَن اهبان بن أَوْس أَنه كَانَ فِي غنم لَهُ فَشد الذِّئْب على شَاة مِنْهَا فصاح عَلَيْهِ فأقعى على ذَنبه قَالَ فخاطبني
(2/102)
فَقَالَ من لَهَا يَوْم تشغل عَنْهَا اتنزع مني رزقا رزقنيه الله قلت وَالله مَا رَأَيْت شَيْئا أعجب من هَذَا قَالَ وتعجب وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين هَذِه النخلات يحدث النَّاس بأنباء مَا قد سبق وأنباء مَا يكون وَهُوَ يَدْعُو إِلَى الله وَإِلَى عِبَادَته فَأتى اهبان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ وَأسلم
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ بَيْنَمَا رَاع فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غنم لَهُ إِذْ جَاءَ الذِّئْب فَأخذ الشَّاة ووثب الرَّاعِي حَتَّى انتزعها من فِيهِ فَقَالَ لَهُ الذِّئْب أما تتقي الله تَعَالَى أَن تمنعني طعمة أطعمنيها الله تَعَالَى تنزعها مني قَالَ الرَّاعِي الْعجب من ذِئْب يتَكَلَّم فَقَالَ الذِّئْب أَلا أدلك على مَا هُوَ أعجب من كَلَامي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّخل يخبر النَّاس بِحَدِيث الْأَوَّلين والآخرين فَانْطَلق الرَّاعِي حَتَّى جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ وَأسلم
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أنس قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك فشددت على غنمي فجَاء الذِّئْب فَأخذ مِنْهَا شَاة فاشتدت الرعاء خَلفه فَقَالَ الذِّئْب طعمة أطعمنيها الله تَعَالَى تنزعونها مني فبهت الْقَوْم فَقَالَ الذِّئْب مَا تعْجبُونَ من كَلَام الذِّئْب وَقد نزل الْوَحْي على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو نعيم بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ ذِئْب إِلَى راعي غنم فَأخذ مِنْهَا شَاة فَطَلَبه الرَّاعِي حَتَّى انتزعها مِنْهُ قَالَ فَصَعدَ الذِّئْب على تل فأقعى وَقَالَ عَمَدت إِلَى رزق رزقنيه الله تَعَالَى فانتزعته مني فَقَالَ الرَّاعِي تالله إِن رَأَيْت كَالْيَوْمِ ذئبا يتَكَلَّم قَالَ الذِّئْب أعجب من هَذَا رجل فِي النخلات بَين الحرتين يُخْبِركُمْ بِمَا مضى وَبِمَا هُوَ كَائِن بعدكم وَكَانَ الرجل يَهُودِيّا فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبرهُ فَصدقهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن خَالِد الدِّمَشْقِي قَالَ رَافع بن عميرَة الطَّائِي فِيمَا يَزْعمُونَ كلمة الذِّئْب وَهُوَ فِي ضَأْن لَهُ يرعاها فَدَعَاهُ الذِّئْب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمره باللحوق بِهِ وَله شعر قَالَ ذَلِك
(2/103)
(رعيت الضَّأْن أحميها زَمَانا ... من الضبع الْخَفي وكل ذيب)
(فَلَمَّا أَن سَمِعت الذِّئْب نَادَى ... يبشرني بِأَحْمَد من قريب)
(سعيت إِلَيْهِ قد شمرت ثوبي ... عَن السَّاقَيْن قاصدة الركيب)
(فالفيت النَّبِي يَقُول قولا ... صَدُوقًا لَيْسَ بالْقَوْل الكذوب)
(فبشرني لدين الْحق حَتَّى ... تبينت الشَّرِيعَة للمنيب)
(وابصرت الضياء يضيء حَولي ... أَمَامِي إِن سعيت وَعَن جنوبي)
(أَلا أبلغ بني عَمْرو بن عَوْف ... وأخوتهم جديلة أَن أجيبي)
(دَعَا الْمُصْطَفى لَا شكّ فِيهِ ... فَإنَّك إِن أجبْت فَلَنْ تخيبي)
وَأخرج الْبَزَّار وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ ذِئْب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأقعى بَين يَدَيْهِ ثمَّ جعل يبصبص بِذَنبِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَذَا وَافد الذئاب جَاءَ يسألكم أَن تجْعَلُوا لَهُ من أَمْوَالكُم شَيْئا)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن حَمْزَة بن أبي أسيد قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة رجل فَإِذا الذِّئْب مفترش ذِرَاعَيْهِ على الطَّرِيق فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا يستفرض فافرضوا لَهُ قَالُوا ترى رَأْيك يَا رَسُول الله قَالَ من كل سَائِمَة شَاة فِي كل عَام قَالُوا كثير فَأَشَارَ إِلَى الذِّئْب أَن خالسهم فَانْطَلق الذِّئْب
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس بِالْمَدِينَةِ فِي أَصْحَابه إِذْ أقبل ذِئْب فَوقف بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعوى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا وَافد السبَاع إِلَيْكُم فَإِن أَحْبَبْتُم أَن تفرضوا لَهُ شَيْئا لَا يعدوه إِلَى غَيره وَأَن أَحْبَبْتُم تَرَكْتُمُوهُ وتحذرتم مِنْهُ فَمَا أَخذ فَهُوَ رزقه قَالُوا يَا رَسُول الله مَا تطيب أَنْفُسنَا لَهُ بِشَيْء فَأومى إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأصابعه الثَّلَاث أَي خالسهم فولى وَله عسلان
(2/104)
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن منيع فِي مُسْنده وَأَبُو نعيم من طَرِيق شمر بن عَطِيَّة عَن رجل من مزينة أَو جُهَيْنَة قَالَ صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفجْر فَإِذا هُوَ بقريب من مائَة ذِئْب قد أقعين وُفُود الذئاب فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترضخون لَهُم شَيْئا من طَعَامكُمْ وتأمنون على مَا سوى ذَلِك فشكو الْحَاجة قَالَ فآذنوهن فآذنوهن فخرجن ولهن عوى
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن سُلَيْمَان بن يسَار قَالَ أشرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحرَّة فَإِذا الذِّئْب وَاقِف بَين يَدَيْهِ فَقَالَ هَذَا أويس يسْأَل من كل سَائِمَة شَاة فَأَبَوا فَأومى إِلَيْهِ بأصابعه فولى
بَاب قصَّة الْحمرَة
أخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم وَأَبُو الشَّيْخ فِي كتاب العظمة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فمررنا بشجرة فِيهَا فرخا حمرَة فأخذناهما فمرت الْحمرَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي تعرض فَقَالَ من فجع هَذِه بفرخيها قُلْنَا نَحن قَالَ ردوهما موضعهما فرددناهما
بَاب قصَّة الْوَحْش
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ لآل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحش فَإِذا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعب وَذهب وَجَاء فَإِذا جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربض فَلم يترمرم مَا دَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْبَيْت صَححهُ الهيتمي
(2/105)
بَاب قصَّة الْفرس
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جعيل قَالَ غزوت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانا على فرس لي عجفاء ضَعِيفَة فَكنت فِي أخريات النَّاس فلحقني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ سر يَا صَاحب الْفرس قلت يَا رَسُول الله عجفاء ضَعِيفَة فَرفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخفقة مَعَه فضربها بهَا وَقَالَ اللَّهُمَّ بَارك لَهُ فِيهَا فَلَقَد رَأَيْتنِي مَا أملك رَأسهَا أَن تقدم النَّاس وَلَقَد بِعْت من بَطنهَا بِاثْنَيْ عشر ألفا
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن ثَابت عَن أنس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن النَّاس وأجود النَّاس وَأَشْجَع النَّاس وَلَقَد فزع أهل الْمَدِينَة لَيْلَة فَركب فرسا لأبي طَلْحَة عرى فَخرج النَّاس فَإِذا هم برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سبقهمْ إِلَى الصَّوْت قد اسْتَبْرَأَ الْخَبَر وَهُوَ يَقُول لن تراعوا وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد وَجَدْنَاهُ بحرا أَو أَنه لبحر قَالَ حَمَّاد وحَدثني ثَابت أَو بَلغنِي عَنهُ قَالَ فَمَا سبق ذَلِك الْفرس بعد ذَلِك قَالَ وَكَانَ فرسا يبطىء
بَاب قصَّة الْحمار
أخرج ابْن سعد عَن إِسْحَاق ابْن عبد الله بن أبي طَلْحَة قَالَ زار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَعْدا فَقَالَ عِنْده فَلَمَّا أَن برد جاءها بِحِمَار لَهُم أَعْرَابِي قطوف فوطئوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقطيفة عَلَيْهِ فَرَكبهُ فَرده وَهُوَ هملاج فريغ لَا يسائره قَوْله فريغ بفاء وغين مُعْجمَة أَي وَاسع الْمَشْي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عصمَة ابْن مَالك الخطمي قَالَ زارنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قبَاء فَلَمَّا أَرَادَ أَن يرجع جئناه بِحِمَار قطوف فَركب ورده علينا وَهُوَ هملاج مَا يسائر
(2/106)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي مَنْظُور قَالَ لما فتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر أصَاب فِيهَا حمارا أسود فَوقف بَين يَدَيْهِ فَكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحمار فَكَلمهُ الْحمار فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا اسْمك قَالَ يزِيد بن شهَاب أخرج الله تَعَالَى من نسل جدي سِتِّينَ حمارا كلهم لَا يركبه إِلَّا نَبِي قد كنت أتوقعك أَن تركبني لم يبْقى من نسل جدي غَيْرِي وَلَا من الْأَنْبِيَاء غَيْرك قد كنت قبلك لرجل يَهُودِيّ وَكنت أتعثر بِهِ عمدا وَكَانَ يجيع بَطْني وَيضْرب ظَهْري فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَنت يَعْفُور فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث بِهِ إِلَى بَاب الرجل فَيَأْتِي الْبَاب فيقرعه بِرَأْسِهِ فَإِذا خرج إِلَيْهِ صَاحب الدَّار أومىء إِلَيْهِ أَن أجب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ إِلَى بِئْر كَانَت لأبي الْهَيْثَم بن التيهَان فتردى بهَا جزعا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو نعيم عَن معَاذ بن جبل قَالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِخَيْبَر حمَار أسود فَقَالَ من أَنْت قَالَ أَنا عَمْرو بن فلَان كُنَّا ثَلَاثَة أخوة كلنا ركبنَا الْأَنْبِيَاء أَنا أَصْغَرهم وَكنت لَك فملكني رجل من الْيَهُود فَكنت إِذا ذكرتك كبأت بِهِ فيوجعني ضربا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت يَعْفُور
بَاب كل دَابَّة ركبهَا لم تهرم ببركته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ ابْن سبع من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن كل دَابَّة ركبهَا بقيت على الْقدر الَّذِي كَانَت عَلَيْهِ وَلم تهرم ببركته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَاب قصَّة الضَّب
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالصَّغِير وَابْن عدي وَالْحَاكِم فِي المعجزات وَالْبَيْهَقِيّ وابو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن عمر بن الْخطاب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي محفل من أَصْحَابه إِذْ جَاءَ إعرابي من بني سليم قد صَاد ضبا فَقَالَ وَاللات والعزى لَا آمَنت بك حَتَّى يُؤمن بك هَذَا الضَّب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَنا يَا ضَب فَقَالَ الضَّب بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين يفهمهُ الْقَوْم جَمِيعًا لبيْك وَسَعْديك يَا رَسُول رب الْعَالمين قَالَ من تعبد فَقَالَ الَّذِي فِي السَّمَاء عَرْشه وَفِي الأَرْض سُلْطَانه وَفِي
(2/107)
الْبَحْر سَبيله وَفِي الْجنَّة رَحمته وَفِي النَّار عَذَابه قَالَ فَمن أَنا قَالَ أَنْت رَسُول رب الْعَالمين وَخَاتم النَّبِيين قد أَفْلح من صدقك وَقد خَابَ من كَذبك فَأسلم الْأَعرَابِي لَيْسَ فِي إِسْنَاده من ينظر فِي حَاله سوى مُحَمَّد بن عَليّ بن الْوَلِيد الْبَصْرِيّ السّلمِيّ شيخ الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي
قَالَ الْبَيْهَقِيّ الْحمل فِي هَذَا الحَدِيث عَلَيْهِ قَالَ وَقد رُوِيَ من طرق أُخْرَى عَن عَائِشَة أبي هُرَيْرَة وَقد زعم ابْن دحْيَة أَن هَذَا الحَدِيث مَوْضُوع وَكَذَا الذَّهَبِيّ قلت لحَدِيث عمر طَرِيق أخر لَيْسَ فِيهِ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْوَلِيد أخرجه أَبُو نعيم وَقد ورد أَيْضا مثله من حَدِيث عَليّ أخرجه ابْن عَسَاكِر
بَاب قصَّة الْأسد
أخرج ابْن سعد وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَابْن مندة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن سفينة مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ركبت سفينة فِي الْبَحْر فَانْكَسَرت فركبت لوحا مِنْهَا فَأَخْرجنِي إِلَى أجمة فِيهَا أَسد إِذْ أقبل الْأسد فَلَمَّا رَأَيْته قلت يَا أَبَا الْحَارِث أَنا سفينة مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأقبل يبصبص بِذَنبِهِ حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبي ثمَّ مَشى معي حَتَّى أقامني على الطَّرِيق ثمَّ هَمهمْ سَاعَة فَرَأَيْت أَنه يودعني
وَأخرج الْبَغَوِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن سفينة قَالَ لَقِيَنِي الْأسد فَقلت أَنا سفينة مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَضرب بِذَنبِهِ الأَرْض وَقعد
بَاب قصَّة الطَّائِر
أخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ الْحَاجة أبعد فَذهب يَوْمًا فتبعته فَقعدَ تَحت شَجَرَة فَنزع خفيه وَلبس أَحدهمَا فجَاء طير فَأخذ الْخُف الآخر فحلق بِهِ فِي السَّمَاء فانسل مِنْهُ أسود سالخ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه كَرَامَة أكرمني الله بهَا
(2/108)
وَأخرج ابْن نعيم عَن أبي أُمَامَة قَالَ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخفيه فَلبس أَحدهمَا ثمَّ جَاءَ غراب فَاحْتمل الآخر فَرمى بِهِ فَخرجت مِنْهُ حَيَّة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يلبس خفيه حَتَّى ينفضهما
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ فَنزع خفيه فَسقط مِنْهُ أسود سالخ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَذِه كَرَامَة أكرمني الله بهَا اللَّهُمَّ أَنِّي أعوذ بك من شَرّ من يمشي على أَربع)
بَاب قصَّة العفريت
أخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن عفريتا من الْجِنّ تفلت عَليّ البارحة ليقطع عَليّ الصَّلَاة فأمكنني الله مِنْهُ فَأَخَذته وَأَرَدْت أَن أربطه إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ فَذكرت دَعْوَة أخي سُلَيْمَان {رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} فرددته خاسئا
وَأخرج من طَرِيق أبي سَلمَة عَن ابْن هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اعْترض لي الشَّيْطَان فِي مصلاي فَأخذت بحلقه حَتَّى وجدت برد لِسَانه على كفي وَلَوْلَا مَا كَانَ من دَعْوَة أخي سُلَيْمَان لأصبح موثقًا تنْظرُون إِلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر عَليّ الشَّيْطَان فتناولته فَأَخَذته فخنقته حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي فَقَالَ أوجعتني أوجعتني وَلَوْلَا مَا دَعَا سُلَيْمَان لأصبح مناطا إِلَى اسطوانة من أساطين الْمَسْجِد ينظر إِلَيْهِ ولدان أهل الْمَدِينَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن عتبَة بن مَسْعُود قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاة الْغَدَاة فَأَهوى بِيَدِهِ قدامه فَسئلَ فَقَالَ جَاءَ الشَّيْطَان فانتهرته وَلَو أَخَذته لربطته
(2/109)
إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد حَتَّى يطوف بِهِ ولدان أهل الْمَدِينَة
وَأخرج البيهقيي وَالْبَزَّار وَأَبُو نعيم عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْفجْر فَجعل يهوي بِيَدِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَسَأَلَهُ الْقَوْم حِين انْصَرف فَقَالَ إِن الشَّيْطَان جَاءَنِي يلقِي عَليّ شرر النَّار ليفتنني فتناولته فَلَو أَخَذته مَا انفلت مني حَتَّى يناط بِسَارِيَة من سواري الْمَسْجِد ينظر إِلَيْهِ ولدان أهل الْمَدِينَة
وَأخرج مُسلم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَمعته يَقُول أعوذ بِاللَّه مِنْك ثمَّ ألعنك بلعنة الله ثَلَاثًا ثمَّ بسط يَده كَأَنَّهُ يتَنَاوَل شَيْئا فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة سألناه قَالَ إِن عَدو الله إِبْلِيس جَاءَ بشهاب من نَار ليجعله فِي وَجْهي فَأَرَدْت أَخذه فلولا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان لأصبح موثقًا يلْعَب بِهِ ولدان أهل الْمَدِينَة
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق أبن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَمَا أَنا نَائِم اعْترض لي الشَّيْطَان فَأخذت بحلقه فخنقته حَتَّى أَنِّي لأجد برد لِسَانه على إبهامي فيرحم الله سُلَيْمَان لَوْلَا دَعوته لأصبح مربوطا تنْظرُون إِلَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ دخلت الْبَيْت فَإِذا شَيْطَان خلف الْبَاب فخنقته حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي فلولا دَعْوَة العَبْد الصَّالح لأصبح مربوطا يرَاهُ النَّاس
بَاب آيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إحْيَاء الْمَوْتَى وَكَلَامهم
تقدم فِي بَاب حجَّة الْوَدَاع إحْيَاء أمه وَفِي بَاب غَزْوَة خَيْبَر كَلَام الشَّاة المسمومة وَفِي بَاب غَزْوَة بدر إحْيَاء أَصْحَاب القليب وَكَلَام الجدي المسموم
وَأخرج ابْن عدي وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ عدنا شَابًّا من الْأَنْصَار وَعِنْده أم لَهُ عَجُوز عمياء فَمَا برحنا أَن مَاتَ فأغمضناه وَمَدَدْنَا على وَجه الثَّوْب وَقُلْنَا لأمه احتسبيه قَالَت وَقد مَاتَ قُلْنَا نعم فمدت يَديهَا إِلَى
(2/110)
السَّمَاء وَقَالَت اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم إِنِّي هَاجَرت إِلَيْك وَإِلَى نبيك رَجَاء أَن تغيثني عِنْد كل شدَّة فَلَا تحمل عَليّ هَذِه الْمُصِيبَة الْيَوْم قَالَ أنس فو الله مَا برحنا حَتَّى كشف الثَّوْب عَن وَجهه وَطعم وطعمنا مَعَه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق آخر عَن أنس قَالَ أدْركْت فِي هَذِه الْأمة ثَلَاثًا لَو كَانَت فِي بني إِسْرَائِيل لم تقاسمها الْأُمَم قُلْنَا هن قَالَ كُنَّا فِي الصّفة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَتْهُ امْرَأَة مهاجرة وَمَعَهَا ابْن لَهَا قد بلغ فَلم يلبث أَن أَصَابَهُ وباء الْمَدِينَة فَمَرض أَيَّامًا ثمَّ قبض فغمضه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر بجهازه فَلَمَّا أردنَا أَن نغسله قَالَ يَا أنس ائْتِ أمه فاعلمها قَالَ فأعلمتها فَجَاءَت حَتَّى جَلَست عِنْد قَدَمَيْهِ فَأخذت بهما ثمَّ قَالَت اللَّهُمَّ إِنِّي أسلمت لَك طَوْعًا وخلعت الْأَوْثَان زهدا وَهَاجَرت إِلَيْك رَغْبَة اللَّهُمَّ لَا تشمت بِي عَبدة الْأَوْثَان وَلَا تحملنِي من هَذِه الْمُصِيبَة مَا لَا طَاقَة لي بحملها قَالَ فو الله مَا تقضى كَلَامهَا حَتَّى حرك قَدَمَيْهِ وَألقى الثَّوْب عَن وَجهه وعاش حَتَّى قبض الله رَسُوله وَحَتَّى هَلَكت أمه
قَالَ ثمَّ جهز عمر بن الْخطاب جَيْشًا فَاسْتعْمل عَلَيْهِ الْعَلَاء ابْن الْحَضْرَمِيّ وَكنت فِي غزاته فأتينا مغازينا فَوَجَدنَا الْقَوْم وَقد تدرروا بِنَا فعفوا آثَار المَاء قَالَ وَكَانَ حر شَدِيد فجهدنا الْعَطش ودوابنا فَلَمَّا مَالَتْ الشَّمْس صلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ مد يَده وَمَا نرى فِي السَّمَاء شَيْئا فوَاللَّه مَا حط يَده حَتَّى بعث الله ريحًا وَأَنْشَأَ سحابا فأفرغت حَتَّى مَلَأت الْغدر والشعاب فشربنا وسقينا وَاسْتَقَيْنَا ثمَّ أَتَيْنَا عدونا وَقد جاوزوا خليجا فِي الْبَحْر إِلَى جَزِيرَة فَوقف على الخليج وَقَالَ يَا عَليّ يَا عَظِيم يَا كريم ثمَّ قَالَ أجيزوا بِسم الله قَالَ فأجزنا مَا يبل المَاء حوافر دوابنا فَلم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى مَاتَ فدفناه فَأتى رجل بعد فراغنا من دَفنه فَقَالَ من هَذَا قُلْنَا هَذَا خير الْبشر هَذَا ابْن الْحَضْرَمِيّ فَقَالَ إِن هَذِه الأَرْض تلفظ الْمَوْتَى فَلَو نقلتموه إِلَى ميل أَو ميلين إِلَى أَرض تقبل الْمَوْتَى فَقُلْنَا مَا جَزَاء صاحبنا أَن نعرضه للسباع تَأْكُله فَاجْتَمَعْنَا على نبشه فَلَمَّا وصلنا إِلَى اللَّحْد إِذْ صاحبنا لَيْسَ فِيهِ وَإِذا اللَّحْد مد الْبَصَر نورا يتلألأ فأعدنا التُّرَاب إِلَى الْقَبْر ثمَّ ارتحلنا
(2/111)
وَأخرج أَبُو نعيم حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ابْن حَمَّاد حَدثنَا أَبُو برة مُحَمَّد بن أبي هَاشم مولى بني هَاشم حَدثنَا أَبُو كَعْب البداح بن سهل الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه سهل بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عبد الرَّحْمَن بن كَعْب عَن أَبِيه كَعْب بن مَالك قَالَ أَتَى جَابر بن عبد الله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأى وَجهه متغيرا رَجَعَ إِلَى امْرَأَته وَقَالَ قد رَأَيْت وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متغيرا وَمَا أَحْسبهُ إِلَّا من الْجُوع فَهَل عنْدك من شَيْء قَالَت وَالله مَا لنا إِلَّا هَذَا الدَّاجِن وفضلة من زَاد فذبحت الدَّاجِن وطحنت مَا كَانَ عِنْدهَا وخبزت وطبخت ثمَّ ثردنا فِي جَفْنَة لنا ثمَّ حملتها إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا جَابر اجْمَعْ لي قَوْمك فَأَتَيْته بهم فَقَالَ ادخلهم عَليّ إرْسَالًا فَكَانُوا يَأْكُلُون فَإِذا شبع قوم خرجو وَدخل آخَرُونَ حَتَّى أكلُوا جَمِيعًا وَفضل فِي الْجَفْنَة شبه مَا كَانَ فِيهَا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُم كلوا وَلَا تكسروا عظما ثمَّ أَنه جمع الْعِظَام فِي وسط الْجَفْنَة فَوضع يَده عَلَيْهَا ثمَّ تكلم بِكَلَام لم أسمعهُ فَإِذا الشَّاة قد قَامَت تنفض أذنيها فَقَالَ لي خُذ شَاتك فَأتيت امْرَأَتي فَقَالَت مَا هَذِه قلت هَذِه وَالله شاتنا الَّتِي ذبحناها دَعَا الله فأحياها لنا قَالَت أشهد أَنه رَسُول الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن حبَان من مُرْسل عبيد بن مَرْزُوق قَالَ كَانَت امْرَأَة بِالْمَدِينَةِ تقم الْمَسْجِد فَمَاتَتْ فَلم يعلم بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر على قبرها فَقَالَ مَا هَذَا الْقَبْر قَالُوا أم محجن قَالَ الَّتِي كَانَت تقم الْمَسْجِد قَالُوا نعم فَصف النَّاس فصلى عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ أَي الْعَمَل وجدت أفضل قَالُوا يَا رَسُول الله أتسمع قَالَ مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهَا فَذكر أَنَّهَا أجابت قُم الْمَسْجِد وَقد تقدم فِي بَاب غَزْوَة أحد سَماع رد السَّلَام من الشُّهَدَاء وَمن حَمْزَة وَسَمَاع الْقِرَاءَة من قبر عبد الله بن عَمْرو بن حرَام وَغَيره
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور بِسَنَد فِيهِ مُبْهَم عَن عمر بن الْخطاب أَنه مر بِالبَقِيعِ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْقُبُور أَخْبَار مَا عندنَا أَن نساءكم قد تزوجت ودياركم قد سكنت وَأَمْوَالكُمْ قد فرقت فَأَجَابَهُ هَاتِف يَا عمر بن الْخطاب أَخْبَار مَا عندنَا مَا قدمْنَاهُ فقد وَجَدْنَاهُ وَمَا أنفقناه فقد ربحناه
(2/112)
وَمَا خلفناه فقد خسرناه
وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخ نيسابور وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد فِيهِ من يجهل عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ دَخَلنَا مَقَابِر الْمَدِينَة مَعَ عَليّ بن أبي طَالب فَنَادَى يَا أهل الْقُبُور السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله تخبرونا بأخباركم أم نخبركم قَالَ فسمعنا صَوتا وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أخبرنَا عَمَّا كَانَ بَعدنَا فَقَالَ عَليّ أما أزواجكم فقد تزوجت وَأما أَمْوَالكُم فقد اقتسمت وَالْأَوْلَاد فقد حشروا فِي زمرة الْيَتَامَى وَالْبناء الَّذِي شيدتم فقد سكنه أعداؤكم فَهَذِهِ أَخْبَار مَا عنْدكُمْ فَمَا أَخْبَار مَا عنْدكُمْ فَأَجَابَهُ ميت قد تحرقت الأكفان وانتثرت الشُّعُور وتقطعت الْجُلُود وسالت الأحداق على الخدود وسالت المناخر بالقيح والصديد وَمَا قدمْنَاهُ وَجَدْنَاهُ وَمَا خلفناه خسرناه وَنحن مرتهنون بِالْأَعْمَالِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن يحيى بن أَيُّوب الْخُزَاعِيّ قَالَ سَمِعت من يذكر أَن عمر بن الْخطاب ذهب إِلَى قبر شَاب فناداه يَا فلَان {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} فَأَجَابَهُ الْفَتى من دَاخل الْقَبْر يَا عمر قد أعطنيهما رَبِّي فِي الْجنَّة مرَّتَيْنِ والقصة مُطَوَّلَة قد أوردتها فِي كتاب البرزخ وأوردت فِيهِ أَخْبَارًا كَثِيرَة من هَذَا النمط فِيمَا وَقع من سَماع كَلَام الْمَوْتَى للصحابة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ قد رُوِيَ فِي التَّكَلُّم بعد الْمَوْت عَن جمَاعَة بأسانيد صَحِيحَة
ثمَّ أخرج عَن عبد الله بن عبيد الْأنْصَارِيّ أَن رجلا من قَتْلَى مُسَيْلمَة تكلم فَقَالَ مُحَمَّد رَسُول الله أَبُو بكر الصّديق عُثْمَان الآمين الرَّحِيم لَا أَدْرِي أَي شَيْء قَالَ لعمر
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ضَمرَة قَالَ كَانَ لرجل غنم وَكَانَ لَهُ ابْن يَأْتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدح من لبن إِذا حلب ثمَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افتقده فجَاء أَبوهُ فَأخْبرهُ أَن ابْنه هلك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَتُرِيدُ أَن أَدْعُو الله تَعَالَى أَن ينشره لَك أَو تصبر فيؤخره
(2/113)
لَك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فيأتيك ابْنك فَيَأْخُذ بِيَدِك فَينْطَلق بك إِلَى بَاب الْجنَّة فَتدخل من أَي أَبْوَاب الْجنَّة شِئْت قَالَ الرجل وَمن لي بذلك يَا نَبِي الله قَالَ هُوَ لَك وَلكُل مُؤمن)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَصَححهُ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن أبي سُبْرَة النَّخعِيّ قَالَ أقبل رجل من الْيمن فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق نفق حِمَاره فَقَامَ فَتَوَضَّأ وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْت مُجَاهدًا فِي سَبِيلك وابتغاء مرضاتك وَأَنا اشْهَدْ أَنَّك تحي الْمَوْتَى وتبعث من فِي الْقُبُور لَا تجْعَل لأحد عَليّ الْيَوْم منَّة أطلب إِلَيْك أَن تبْعَث لي حماري فَقَامَ الْحمار ينفض أُذُنَيْهِ قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا إِسْنَاد صَحِيح قَالَ وَمثل هَذَا يكون كَرَامَة لصَاحب الشَّرِيعَة حَيْثُ يكون فِي أمته
ثمَّ أخرجه هُوَ وَابْن أبي الدُّنْيَا من وَجه آخر عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ مثله زَاد الشّعبِيّ فَأَنا رَأَيْت الْحمار يُبَاع بالكناسة قَالَ الْبَيْهَقِيّ فَكَانَ إِسْمَاعِيل سَمعه مِنْهُمَا ثمَّ أخرجه هُوَ وَابْن أبي الدُّنْيَا أَيْضا عَن مُسلم بن عبد الله بن شريك النَّخعِيّ قَالَ خرج نباتة بن يزِيد رجل من النخع فِي زمن عمر بن الْخطاب غازيا فَذكر نَحوه وَزَاد فَقَالَ رجل من رهطه أبياتا مِنْهَا
(وَمنا الَّذِي أَحَي الْإِلَه حِمَاره ... وَقد مَاتَ مِنْهُ كل عُضْو مفصل)
بَاب آيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إِبْرَاء الأبكم وَالْأَعْمَى غير مَا تقدم
أخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق شمر بن عَطِيَّة عَن بعض أشياخه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَتْهُ امْرَأَة بصبي قد شب فَقَالَت إِن ابْني هَذَا لم يتَكَلَّم مُنْذُ ولد فَقَالَ من أَنا قَالَ أَنْت رَسُول الله
(2/114)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن السكن وَالْبَغوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن حبيب بن فديك وَيُقَال فويك أَن أَبَاهُ خرج بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَعَيناهُ مبيضتان لَا يبصر بهما شَيْئا فَسَأَلَهُ مَا أَصَابَك فَقَالَ وَقعت رجْلي على بيض حَيَّة فأصيب بَصرِي فنفث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَيْنَيْهِ فأبصر فرأيته وَهُوَ يدْخل الْخَيط فِي الإبرة وَأَنه لِابْنِ ثَمَانِينَ سنة وَأَن عَيْنَيْهِ لمبيضتان
بَاب آيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إِبْرَاء المرضى وَذَوي العاهات غير مَا تقدم
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بِرَجُل بِرجلِهِ قرحَة قد أعيت الْأَطِبَّاء فَوضع أُصْبُعه على رِيقه ثمَّ رفع طرف الْخِنْصر فَوضع أُصْبُعه على التُّرَاب ثمَّ رَفعهَا فوضعها على القرحة ثمَّ قَالَ (بِاسْمِك اللَّهُمَّ ريق بَعْضنَا بتربة أَرْضنَا ليشفي سقيمنا بِإِذن رَبنَا) // مُرْسل //
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سماك بن حَرْب عَن مُحَمَّد بن حَاطِب قَالَ وَقعت على يَدي الْقدر فاحترقت فَانْطَلَقت بِي أُمِّي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يتفل عَلَيْهَا وَيَقُول (اذْهَبْ الْبَأْس رب النَّاس فبرأت)
قَالَ البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان ابْن ابراهيم بن مُحَمَّد بن حَاطِب عَن أَبِيه عَن جده عَن مُحَمَّد بن حَاطِب عَن أمه أم جميل قَالَت أَقبلت بك من أَرض الْحَبَشَة حَتَّى إِذا كنت من الْمَدِينَة بليلة طبخت طبيخا ففني الْحَطب فَخرجت أطلب الْحَطب فتناولت الْقدر فَانْكَفَأت على ذراعك فَأتيت بك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يتفل على يدك وَهُوَ يَقُول (اذْهَبْ الباس رب النَّاس اشف أَنْت الشافي لَا شِفَاء إِلَّا شفاءك شِفَاء لَا يُغَادر سقما فَمَا قُمْت بك من عِنْده حَتَّى برأت يدك أخرجه الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم
(2/115)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن السكن وَابْن مندة والبيهفي عَن شُرَحْبِيل الْجعْفِيّ قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبكفي سلْعَة فَقلت يَا رَسُول الله هَذِه السّلْعَة قد آذتني تحول بيني وَبَين قَائِم السَّيْف أَن أَقبض عَلَيْهِ وعنان الدَّابَّة فنفث فِي كفي وَوضع كَفه على السّلْعَة فَمَا زَالَ يطحنها بكفه حَتَّى رَفعهَا عَنْهَا وَمَا أرى أَثَرهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْوَاقِدِيّ أَن أَبَا سُبْرَة قَالَ يَا رَسُول الله إِن بكفي سلْعَة قد منعتني من خطام رَاحِلَتي فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدح فَجعل يضْرب بِهِ على السّلْعَة ويمسحها فَذَهَبت
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وابو نعيم عَن أَبيض بن حمال أَنه كَانَ بِوَجْهِهِ جدرة يَعْنِي القوباء وَقد ألتمعت وَجهه وَفِي لفظ التقمت أَنفه فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح وَجهه فَلم يمس من ذَلِك الْيَوْم وَمِنْهَا أثر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حبيب بن يسَاف قَالَ شهِدت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مشهدا فأصابتي ضَرْبَة على عَاتِقي فتعلقت يَدي فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتفل فِيهَا وألزقها فالتأمت وبرأت وَقتلت الَّذِي ضَرَبَنِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهَا أَصَابَهَا ورم فِي رَأسهَا ووجهها فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على رَأسهَا ووجهها من فَوق الثِّيَاب فَقَالَ بِسم الله اذْهَبْ عَنْهَا سوءه وفحشه بدعوة نبيك الطّيب الْمُبَارك المكين عندكفعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَذهب الورم
وَأخرج ابْن سعد عَن عبيد بن عُمَيْر أَن أَسمَاء كَانَ فِي عُنُقهَا ورم فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسحها وَيَقُول اللَّهُمَّ عافها من فحشه وأذاه
وَأخرج أَحْمد والدارمي وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس أَن امْرَأَة جَاءَت بِابْن لَهَا فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن بِابْني هَذَا جنونا وَأَنه يَأْخُذهُ عِنْد
(2/116)
وعشائنا فَيفْسد علينا فَمسح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدره ودعا لَهُ فثع ثعة فَخرج مِم جَوْفه مثل الجرو الْأسود فشفي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَن امْرَأَة جَاءَت بِابْن لَهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت هَذَا ابْني وَقد أُتِي عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ كَمَا ترى فَادع الله أَن يميته فَقَالَ أدع الله أَن يشفيه ويشب وَيكون رجلا صَالحا فَيُقَاتل فِي سَبِيل الله فَيقْتل فَيدْخل الْجنَّة فَدَعَا الله فشفاه الله وشب وَكَانَ رجلا صَالحا فقاتل فِي سَبِيل الله فَقتل قَالَ الْبَيْهَقِيّ // مُرْسل جيد //
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد بن نوح بن ذكْوَان أَن عبد الله بن رَوَاحَة قَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أشتكي ضرسي أذاني وَاشْتَدَّ عَليّ فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على الخد الَّذِي فِيهِ الوجع وَقَالَ اللَّهُمَّ اذْهَبْ عَنهُ سوء مَا يجد وفحشه بدعوة نبيك الْمُبَارك المكين عنْدك سبع مَرَّات فشفاه الله تَعَالَى قبل أَن يبرح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم فِي الصَّحَابَة عَن رِفَاعَة بن رَافع قَالَ أخذت شحمة فازدردتها فاشتكيت مِنْهَا سنة ثمَّ إِنِّي ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح بَطْني فألقيتها خضراء فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا اشتكيت بَطْني حَتَّى السَّاعَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جرهد أَنه أكل بِيَدِهِ الشمَال فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل بِالْيَمِينِ فَقَالَ إِنَّهَا مصابة فنفث عَلَيْهَا فَمَا اشْتَكَى حَتَّى مَاتَ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن أنيس قَالَ ضرب المستنير بن رزام الْيَهُودِيّ وَجْهي فشجني منقلة أَو مأمومة فَأتيت بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكشف عَنْهَا وَنَفث فِيهَا فَمَا آذَانِي مِنْهَا شَيْء
وَأخرج أَبُو نعيم عَن الْوَازِع أَنه انْطلق إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِابْن لَهُ مَجْنُون فَمسح وَجهه ودعا لَهُ فَلم يكن فِي الْوَفْد أحد بعد دَعْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعقل مِنْهُ
(2/117)
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن عُرْوَة أَنه ملاعب الأسنة أرسل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستشفيه من وجع كَانَ بِهِ الدُّبَيْلَة فَتَنَاول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَدَرَة من الأَرْض فتفل فِيهَا ثمَّ ناولها إِيَّاه فَقَالَ دفها بِمَاء ثمَّ اسقها إِيَّاه فَفعل فبرأ وَيُقَال أَنه بعث إِلَيْهِ بعكة عسل فَلم يزل يعلقها حَتَّى برأَ
وَأخرج ابْن سعد أَن الْوَاقِدِيّ حَدثنِي أبي بن عَبَّاس بن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت عدَّة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم أَبُو أسيد وَأَبُو حميد وَأبي سهل بن سعد يَقُولُونَ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِئْر بضَاعَة فَتَوَضَّأ فِي الدَّلْو ورده فِي الْبِئْر وَمَج فِي الدَّلْو مرّة أُخْرَى وبصق فِيهَا وَشرب من مَائِهَا وَكَانَ إِذا مرض الْمَرِيض فِي عَهده يَقُول إغسلوه من مَاء بضَاعَة فَيغسل فَكَأَنَّمَا حل من عقال
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن جَابر قَالَ عادني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر فِي بني سَلمَة فوجدني لَا أَعقل فَدَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ فرش مِنْهُ عَليّ فَأَفَقْت فَقلت كَيفَ أصنع فِي مَالِي فَنزلت {يُوصِيكُم الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن السكن وَأَبُو نعيم فِي الصَّحَابَة عَن مُعَاوِيَة بن الحكم قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنزى أخي عَليّ بن الحكم فرسه خَنْدَقًا فقصر الْفرس فدق جِدَار الخَنْدَق سَاقه فأتينا بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فرسه فَمسح سَاقه فَمَا نزل عَنْهَا حَتَّى برأَ وَقَالَ مُعَاوِيَة بن الحكم فِي قصيدة لَهُ
(وانزاها عَليّ وَهِي تهوى ... هوي الدَّلْو مترعة بسدل)
(صُفُوف الخندقين فأهرقته ... هوية مظلم الْحَالين غمل)
(2/118)
(فعصب رجله فسما عَلَيْهَا ... سمو الصَّقْر صَادف يَوْم ظلّ)
(فَقَالَ مُحَمَّد صلى عَلَيْهِ ... مليك النَّاس هَذَا خير فعل)
(لعالك فاستمر بهَا سويا ... وَكَانَت بعد ذَاك أصح رجل)
بَاب آيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إذهاب الْجُوع والعطش والتعب والغيرة وَالْحر وَالْبرد وَحبس الدمع
أخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أَقبلت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فوقفت بَين يَدَيْهِ فَنظر إِلَى وحهها مصفر من شدَّة الْجُوع فَرفع يَده فوضعها على صدرها فِي مَوضِع القلادة وَفرج بَين أَصَابِعه ثمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ مشبع الجاعة وَرَافِع الوضيعة ارْفَعْ فَاطِمَة بنت مُحَمَّد) قَالَ عمرَان فَنَظَرت إِلَيْهَا وَقد ذهبت الصُّفْرَة من وَجههَا فلقيتها بعد فسألتها فَقَالَت مَا جعت بعد يَا عمرَان قَالَ الْبَيْهَقِيّ الظَّاهِر أَنه رَآهَا قبل نزُول الْحجاب
وَأخرج قَاسم بن ثَابت فِي الدَّلَائِل من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ خرجنَا مَعَ عمر حجاجا حَتَّى إِذا كُنَّا بالعرج إِذا هَاتِف على الطَّرِيق قفوا فوقفنا فَقَالَ أفيكم رَسُول الله فَقَالَ لَهُ عمر أتعقل مَا تَقول قَالَ نعم قَالَ مَاتَ فَاسْتَرْجع فَقَالَ من ولي بعده قَالَ أَبُو بكر قَالَ أهوَ فِيكُم قَالَ مَاتَ فَاسْتَرْجع فَقَالَ من ولي بعده قَالَ عمر قَالَ أهوَ فِيكُم قَالَ هُوَ الَّذِي يخاطبك قَالَ الْغَوْث الْغَوْث قَالَ فَمن أَنْت قَالَ أَنا حَنش بن عقيل أحد بني نفيلة لَقِيَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ردهة بني جِعَال فدعاني إِلَى الْإِسْلَام فَأسْلمت فسقاني فضلَة من سويق فَمَا زلت أجد ريها إِذا عطشت وشبعها إِذا جعت ثمَّ يممت رَأس الْأَبْيَض فَمَا زلت فِيهِ أَنا وَأَهلي عشرَة أَعْوَام أُصَلِّي خمْسا فِي كل يَوْم وَأَصُوم شهر رَمَضَان وأذبح لعشر ذِي الْحجَّة نسكا كَذَلِك عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أصابتني السّنة قَالَ أَتَاك الْغَوْث الحقني على المَاء فَلَمَّا رَجعْنَا سَأَلنَا
(2/119)
صَاحب المَاء عَنهُ فَقَالَ ذَاك قَبره فَأَتَاهُ عمر فترحم عَلَيْهِ واستغفر لَهُ
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن أبي غَالب عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قومِي فانتهيت إِلَيْهِم وَأَنا طاوي وهم يَأْكُلُون الدَّم فَقَالُوا هَلُمَّ فَقلت إِنَّمَا جِئتُكُمْ لأنهاكم عَن هَذَا فاستهزأوا بِي وكذبوني وردوني فَانْطَلَقت من عِنْدهم وَأَنا جَائِع ظمآن قد نزل بِي جهد شَدِيد فَنمت فَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فناولني إِنَاء فِيهِ لبن فَأَخَذته فَشَربته فشبعت وَرويت فَعظم بَطْني فَقَالَ بَعضهم لبَعض أَتَاكُم رجل من سراة قومكم فرددتموه إذهبو إِلَيْهِ فأطعموه من الطَّعَام وَالشرَاب مَا يَشْتَهِي فأتوني بطعامهم وشرابهم فَقلت لَا حَاجَة لي فِيهِ قَالُوا قد رَأَيْنَاك بِجهْد قلت إِن الله أَطْعمنِي وسقاني فأريتهم بَطْني فأسلموا من عِنْد آخِرهم
وَفِي بعض طرقه عِنْد ابْن عَسَاكِر فَجعلت أدعوهم إِلَى الْإِسْلَام ويأبون عَليّ فَقلت لَهُم وَيحكم أسقوني شربة من مَاء فَإِنِّي شَدِيد الْعَطش قَالُوا لَا وَلَكِن نَدعك حَتَّى تَمُوت عطشا فاعتممت وَضربت برأسي فِي العباءة ونمت فِي الرمضاء فِي حر بشديد فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي بقدح زجاج لم ير النَّاس أحسن مِنْهُ وَفِيه شراب لم ير النَّاس شرابًا ألذ مِنْهُ فأمكنني مِنْهَا فشربتها فَحَيْثُ فرغت من شرابي استيقظت فَلَا وَالله مَا عطشت وَلَا غرثت بعد تِلْكَ الشربة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ثَابت وَأبي عمرَان الْجونِي وَهِشَام بن حسان قَالُوا هَاجَرت أم أَيمن من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَلَيْسَ مَعهَا زَاد فَلَمَّا كَانَت عِنْد الروحاء عطشت عطشا شَدِيدا قَالَت فَسمِعت حفيفا شَدِيدا فَوق رَأْسِي فَرفعت رَأْسِي فَإِذا دلو مدل من السَّمَاء برشاء أَبيض فتناولته بيَدي حَتَّى استمسكت بِهِ فَشَرِبت مِنْهُ حَتَّى رويت قَالَت فَلَقَد أَصوم بعد تِلْكَ الشربة فِي الْيَوْم الْحَار الشَّديد ثمَّ أَطُوف فِي الشَّمْس كي أظمأ فَمَا ظمئت بعد تِلْكَ الشربة
(2/120)
وَأخرجه ابْن منيع فِي مُسْنده حَدثنَا روح حَدثنَا هِشَام عَن عُثْمَان بن الْقَاسِم بِهِ مثله
وَأخرجه ابْن سعد عَن أبي أُسَامَة عَن جرير بن حَازِم عَن عُثْمَان بن الْقَاسِم بِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أَن أم سَلمَة أخْبرته قَالَت خطبني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت مَا مثلي ينْكح أما أَنا فَلَا ولد فِي وَأَنا غيور وَذَات عِيَال فَقَالَ أَنا أكبر مِنْك وَأما الْغيرَة فيذهبها الله وَأما الْعِيَال فَإلَى الله وَرَسُوله فَتَزَوجهَا قَالَ فَكَانَت فِي النِّسَاء كَأَنَّهَا لَيست مِنْهُنَّ لَا تَجِد مَا يجدن من الْغيرَة
وَأخرجه ابْن منيع من وَجه آخر عَن عمر بن أبي سَلمَة مثله
وَأخرجه أَبُو يعلى وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد من حَدِيث أنس نَحوه
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أم إِسْحَاق قَالَت هَاجَرت مَعَ أخي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي أخي نسيت نفقتي بِمَكَّة فَرجع ليأخذها فَقتله زَوجي فَقدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهُ قتل أخي فَأخذ كفا من مَاء فنضحه فِي وَجْهي فَكَانَت تصيبها الْمُصِيبَة فترى الدُّمُوع فِي عينيها وَلَا تسيل على خدها
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أَيُّوب بن سيار عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله عَن أبي بكر عَن بِلَال قَالَ أَذِنت فِي غَدَاة بَارِدَة فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يجد فِي الْمَسْجِد أحدا فَقَالَ أَيْن النَّاس يَا بِلَال قلت مَنعهم الْبرد قَالَ اللَّهُمَّ اذْهَبْ عَنْهُم الْبرد قَالَ بِلَال فرأيتهم يتروحون فِي السجة أَو الصُّبْح يَعْنِي بالسبحة صَلَاة الضُّحَى تفرد بِهِ أَيُّوب
وَأخرج أَحْمد وَابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن سفينة أَنه قيل لَهُ مَا اسْمك قَالَ سماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سفينة قيل وَلم قَالَ خرج وَمَعَهُ أَصْحَابه فثقل عَلَيْهِم مَتَاعهمْ فَقَالَ لي ابْسُطْ كساءك فبسطته فَجعلُوا فِيهِ مَتَاعهمْ فَحَمَلُوهُ عَليّ
(2/121)
فَقَالَ احْمِلْ فَإِنَّمَا أَنْت سفينة فَلَو حملت من يَوْمئِذٍ وقر أَو بعير أَو بَعِيرَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة أَو خَمْسَة أَو سِتَّة أَو سَبْعَة مَا ثقل عَليّ
بَاب آيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إذهاب النسْيَان وَالْبذَاء وَحُصُول الْحِفْظ وَالْعلم والفهم وَالْحيَاء
أخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا يَوْمًا فَقَالَ (من يبسط ثَوْبه حَتَّى أفرغ من حَدِيثي ثمَّ يقبضهُ إِلَيْهِ فبسطت ثوبي ثمَّ حَدثنَا فقبضته إِلَيّ فوَاللَّه مَا نسيت شَيْئا سمعته مِنْهُ)
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِنِّي أسمع مِنْك حَدِيثا كثيرا فأنساه قَالَ (ابْسُطْ رداءك فبسطته فغرف بِيَدِهِ فِيهِ ثمَّ قَالَ ضم فضممته فَمَا نسيت حَدِيثا بعده)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن يَا رَسُول الله تبعثني وَأَنا شَاب أَقْْضِي بَينهم وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاء فَضرب بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ (اللَّهُمَّ أهد قلبه وَثَبت لِسَانه) فو الَّذِي فلق الْحبَّة مَا شَككت فِي قَضَاء بَين اثْنَيْنِ
وَأخرج ابْن سعد عَن عَليّ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّك تبعثني إِلَى قوم شُيُوخ وَإِنِّي أَخَاف أَن لَا أُصِيب فَقَالَ (إِن الله سيثبت لسَانك وَيهْدِي قَلْبك)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ كَانَت امْرَأَة تراقث الرِّجَال وَكَانَت بذئة فمرت بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَأْكُل ثريدا فطلبت مِنْهُ فناولها فَقَالَت أَطْعمنِي مَا فِي فِيك فَأَعْطَاهَا فَأكلت فعلاها الْحيَاء فَلم تراقث أحدا حَتَّى مَاتَت
(2/122)
بَاب آيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حُصُول الْقُوَّة فِي الرَّمْي
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على نَاس من أسلم ينتضلون فَقَالَ حسن هَذَا اللَّهْو ارموا وَأَنا مَعَ ابْن الْأَكْوَع فامسك الْقَوْم بِأَيْدِيهِم فَقَالُوا لَا وَالله لَا نرمي وَأَنت مَعَه إِذا ينضلنا قَالَ ارموا وَأَنا مَعكُمْ جَمِيعًا فَلَقَد رموا عَامَّة يومهم ذَلِك ثمَّ تفَرقُوا على السوَاء مَا نضل بَعضهم بَعْضًا
بَاب آيَة أُخْرَى
أخرج ابْن سعد عَن ابْن لسَعِيد بن الْمسيب عَن أَبِيه عَن جده حزن قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا اسْمك قلت حزن قَالَ بل أسمك سهل قلت يَا رَسُول الله بعد كبر السن أغير إسمي قَالَ فَلم تزل فِينَا حزونة بعد
وَأخرج ابْن سعد عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجدي حزن (أَنْت سهل فَقَالَ إِنَّمَا السهولة للحمار وأبى أَن يقبل قَالَ فَنحْن وَالله نَعْرِف الحزونة فِينَا)
وَأخرج البُخَارِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أَبِيه أَن أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا اسْمك قَالَ حزن قَالَ أَنْت سهل قَالَ لَا أغير إسما سمانيه أبي قَالَ ابْن الْمسيب فَمَا زَالَت الحزونة فِينَا بعد
بَاب آيَة أُخْرَى
اخْرُج الْحَاكِم عَن أبي بن كَعْب قَالَ كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء أَعْرَابِي فَقَالَ يَا نَبِي الله إِن لي أَخا بِهِ وجع قَالَ وَمَا وَجَعه قَالَ بِهِ لمَم قَالَ فأتني بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ
(2/123)
فَوَضعه بَين يَدَيْهِ فعوذه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِفَاتِحَة الْكتاب وَأَرْبع آيَات من سُورَة الْبَقَرَة وَهَاتين الْآيَتَيْنِ {وإلهكم إِلَه وَاحِد} وَآيَة الْكُرْسِيّ وَآيَة من الْأَعْرَاف {إِن ربكُم الله} وَآخر سُورَة الْمُؤمنِينَ {فتعالى الله الْملك الْحق} وَآيَة من سُورَة الْجِنّ وَأَنه تَعَالَى رَبنَا وَعشر آيَات من أول الصافات وَثَلَاث من آخر الْحَشْر وَقل هُوَ الله أحد والمعوذتين فَقَامَ الرجل كَأَنَّهُ لم يشك شَيْئا قطّ
بَاب آيَة أُخْرَى فِي استعاذة الْجِنّ
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف أَن رهطا من الْأَنْصَار من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخْبرُوهُ أَن رجلا قَامَ من جَوف اللَّيْل يُرِيد أَن يفْتَتح سُورَة كَانَ قد وعاها فَلم يقدر مِنْهَا على شَيْء إِلَّا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَوَقع ذَلِك لناس من أَصْحَابه فَأَصْبحُوا فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السُّورَة فَسكت سَاعَة لم يرجع إِلَيْهِم شَيْئا ثمَّ قَالَ نسخت البارحة فنسخت من صُدُورهمْ وَمن كل سيء كَانَت فِيهِ قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا دلَالَة ظَاهِرَة من دلالات النُّبُوَّة
يتبع بالصفحة التالية7 ان شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق